ما المشكلات التي تعيق تطوّر التعليم قبل الجامعي في مصر؟

4 دقائق
التعليم قبل الجامعي
unsplash.com/Taylor Wilcox

ترتبط التحديات الاجتماعية والاقتصادية مع بعضها البعض بشكلٍ أو بآخر. ويمكن معالجة مشكلات مثل معدلات التسرب من الدراسة، والفقر والجريمة، وتقليل تكاليفها، من خلال الاستثمار في الفرص التنموية للأفراد في مرحلة التعليم قبل الجامعي.

ويعزز التعليم المدرسي وخصوصاً في مراحله المبكرة، المهارات المعرفية للأفراد ويساعدهم في التحفيز، وضبط النفس، والإنتاجية، كما يحقق نتائج اقتصادية أفضل، تزيد من الإيرادات وتقلل تكلفة الإنفاق الاجتماعي؛ إذ يعتمد المستقبل الاقتصادي للدول على توفير الأدوات اللازمة لخلق قوة عاملة ماهرة وذات تعليم عالٍ.

مشكلات التعليم قبل الجامعي

تتمثل مشكلات التعليم قبل الجامعي في قلة الموارد المالية المتاحة وانخفاض المستوى الاقتصادي؛ إذ يصعُب على بلد ما تحمُل عبء نظام تعليمي متكامل على حساب الخزانة وحدها، لذا ظهرت اتجاهات للبحث عن بدائل تمويلية جديدة منها دعم التمويل الحكومي، واستخدام وسائل تمويلية حديثة، ودعم دور المجتمع المدني في التمويل، وتشجيع المدارس الأهلية. في دولة مثل مصر، التي يعيش 29.7% من مواطنيها تحت خط الفقر، تتولد مشكلة عدم حصول الأطفال والبالغين على التعليم المناسب وتوجههم للمشاركة في أعمال خطرة غير مجدية مادياً مثل التعدين، وعليه، حددت الخطة الاستراتيجية للتعليم ما قبل الجامعي هدفاً يتمثل في إنفاق 8% من حصص الناتج المحلي الإجمالي على التعليم قبل الجامعي بحلول عام 2030.

ويعود انخفاض مستوى التعليم قبل الجامعي في مصر إلى عدة أسباب رصدها الباحث أحمد الدقن في دراسة بعنوان: تقويم سياسات الإنفاق على التعليم قبل الجامعي في مصر بالمقارنة مع سنغافورة وماليزيا خلال الفترة 2011 – 2016، منها، ارتفاع معدل الأمية، ومعدل التسرب من التعليم الأساسي، وارتفاع كثافة الطلاب في الفصول، واعتماد مناهج التدريس على التلقين والحفظ أكثر من الفهم والتنفيذ العملي، بينما تتفوق ماليزيا وسنغافورة بمرحلة التعليم الأساسي من خلال هدفهما المتمثل في إنشاء مواطن مُحب لوطنه ومبتكر يقدّر العمل الجماعي.

على الرغم من التطور الحاصل خلال السنوات الأخيرة في اتجاه تطبيق اللامركزية؛ إلا أن أغلب خطة الإنفاق العام على التعليم في مصر، خاصةً قبل الجامعي، ما زالت مركزية، وبحسب ورقة بحثية بعنوان: تقييم سياسات الإنفاق العام على التعليم في مصر في ضوء معايير الكفاية والعدالة والكفاءة، أعدها الباحث أشرف العربي، تراجعت نسبة الإنفاق على التعليم إلى إجمالي الإنفاق العام والناتج المحلي؛ ما انعكس بوضوح في انخفاض متوسط نصيب الطالب من الإنفاق العام على التعليم في مصر مقارنةً بالعديد من الدول النامية الأخرى، وأدى في النهاية إلى تدهور نوعية الخدمة التعليمية المقدمة في مؤسسات التعليم الحكومية بصورة تهدد مسيرة التنمية في البلاد.

يُعد التمويل من أبرز المعضلات التي تعيق تطور منظومة التعليم الأساسي في مصر، وحددت الباحثة أسماء محمود الكحكى في دراسة بعنوان: رؤية مقترحة لتمويل التعليم قبل الجامعي في مصر، ملامح أزمة تمويل التعليم قبل الجامعي في مصر وما يصاحبها من مشكلات، بعدم كفاءة توزيع الموارد المالية، وارتفاع متوسط تكلفة الطالب، وقصور الإنفاق التعليمي في تحقيق النتائج المرجوة منه، فضلاً عن عجز الموارد المالية وعدم كفاءتها لتلبية متطلبات إصلاح التعليم وتجويده، وضعف مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدني في استثمارات التعليم قبل الجامعي.

وعليه، يمكن التوصل إلى حلول لمعالجة أزمة تمويل التعليم الأساسي في مصر، بواسطة زيادة الإنفاق الحكومي، وتحسين كفاءة الإنفاق العام على التعليم من خلال تحقيق نظام كفء لتوزيع الموارد، أو البحث في إمكانية الاستفادة من الشراكة بين المدرسة والمجتمع في تطوير مجالس الأمناء من خلال تشجيع رجال الأعمال من أولياء الأمور على المساهمة في المجالس، وكذلك، الأخذ بنظام الوحدات ذات الطابع الخاص في المدارس الثانوية لتحقيق الشراكة مع المجتمع المحلي والاستفادة من الربح المادي العائد من هذه الوحدات.

التعليم قبل الجامعي في مصر وسنغافورة وماليزيا

تتمحور الأهداف الرئيسة لسياسة التعليم قبل الجامعي في مصر، وفقاً لدراسة الباحث المصري أحمد الدقن السابق ذكرها، حول القضاء على أمية القراءة الكتابة، والأمية الرقمية، وإتاحة فرص تعليم متكافئة للجميع، وإكمال التعليم على مستوى فرعيه العام والفني مع استهداف المناطق الفقيرة كأولوية، إضافةً إلى تحسين جودة فعالية الخدمة التعليمية، من خلال توفير منهج معاصر، وتوظيف التكنولوجيا بكفاءة، وخلق قيادة فعّالة وطاقم تدريسي مهني في كل مدرسة، فيما ركزت سنغافورة أن تكون مخرجات التعليم الأساسي، تلميذاً يميز بين الصح والخطأ ومدركاً لنقاط قوته، وقادراً على التعاون مع الآخرين والتعبير عن نفسه بثقة، وأن يتبع عادات صحية سليمة.

وتتطلع سنغافورة في مرحلة التعليم الثانوي إلى خلق جيل مبدع لديه تفكير استقصائي، وقادر على التكيف مع التغيرات، وقبول تنوع الآراء، وتحمل المسؤولية. أما ماليزيا، فاستهدفت سياستها للتعليم الأساسي تطوير إمكانات الأفراد بطريقة شاملة ومتكاملة، وذلك لإنتاج أفراد متناغمين فكرياً وروحياً وعاطفياً وجسدياً، قادرين على تحقيق مستوى عالٍ من الرفاه الشخصي.

ووضع تقرير التنافسية العالمية لعام 2016/2017 الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي، مصر في مرتبة متأخرة لجودة التعليم الأساسي، بينما حلّت سنغافورة رابعاً، وماليزيا في المرتبة 23 من بين 138 دولة.

يرتبط وجود مصر في المراتب المتأخرة بعدة أسباب، أبرزها ارتفاع معدل الأمية. على الرغم من انخفاض الفجوة بين أمية الذكور والإناث خلال الفترة بين عامي 2006 و2015 من 15% إلى 12.6%، إلا أنها لا تزال كبيرة. وبحسب تقرير التنمية البشرية لعام 2015 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (United Nations Development Programme. UNDP) لا يزال المعدل العام للأمية أكثر من خُمس سكان مصر، وهو معدل مرتفع إذا تمت مقارنته بسنغافورة 3.6% وماليزيا 6.9% من عام 2005 حتى 2013، ووصل معدل التسرب من التعليم الأساسي في مصر إلى ثلاثة أضعاف نظيره في سنغافورة وأكثر من ثلاثة أضعاف نظيره في ماليزيا خلال الفترة من عام 2008 إلى 2014.

في المقابل، رصدت دراسة أحمد الدقن؛ تفوُق التعليم الحكومي في مصر على التعليم الخاص في ارتفاع عدد المدرسين التربويين والأخصائيين الاجتماعيين وانخفاض معدل عدد التلاميذ للمدرس الواحد، بينما كان التعليم الخاص أفضل من الحكومي في انخفاض كثافة الفصل، وجاهزية الأبنية التعليمية. 

من ناحية أخرى، لم تتمكن مصر أيضاً من تحقيق هدف المجانية في التعليم الأساسي؛ إذ استحوذ التعليم على 11.5% من إنفاق الأسرة عام 2015، وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ متوسط الإنفاق السنوي للأسرة على التعليم 18,549 جنيهاً لعام 2019/2020، شكلت المصروفات الدراسية 38.6% والدروس الخصوصية 28.3% من إجمالي الإنفاق.

أمام هذه الوقائع يمكن لمصر، بحسب دراسة أحمد السيد الدقن، تطوير منظومة التعليم الأساسي لتواكب الدول المتقدمة مثل سنغافورة، من خلال محو الأمية بنوعيها، وترسيخ مبدأ حب الوطن والعمل الجماعي، وتعليم الأخلاق، وتشجيع الطلاب على الابتكار، وقصر التعليم المجاني على الابتدائي مع تقديم منح للطلبة المتفوقين في المراحل التالية، ووقف الزيادة السنوية لمصروفات المدارس الخاصة مع زيادة الحوافز الحكومية لها، وزيادة رواتب المدرسين، وكذلك زيادة عدد الفصول، وتوفير برامج تدريبية للإدارة المدرسية.

ختاماً، يعد التعليم قبل الجامعي ركيزة أساسية في رؤية مصر 2030 وتبذل الحكومة المصرية جهوداً كبيرة لتطويره عبر البحث عن استراتيجيات استثمار وتمويل جديدة وحل المشاكل المرتبطة بالأمية والتسرب، وصولاً إلى جيل مواكب لتطورات المستقبل.

هذا المقال نُشر بناءً على أبحاث من منصة "ساهم".

المحتوى محمي