كيف يمكن تطوير التعليم في الإمارات لتلبية احتياجات سوق العمل؟

4 دقائق
التعليم التقني والمهني
shutterstock.com/Black Kings

"رصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون، ويُقاس تقدم الشعوب والأمم بمستوى التعليم وانتشاره"، هذه مقولة لمؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بنت عليها الحكومة خطتها للاستثمار في المواطن وتلبية احتياجاته.

وضعت وزارة التربية والتعليم بدولة الإمارات استراتيجية التعليم 2010-2020 الهادفة لتحقيق نقلة نوعية في نظام التعليم، من خلال طرق التدريس الحديثة، وتعزيز مهارات الطالب وقدراته، وتوظيف التكنولوجيا، وتمثلت إحدى ركائز دولة الإمارات لتحقيق النمو الاقتصادي في توفير التعليم المناسب لتخريج طلاب يمتلكون المهارات اللازمة في سوق العمل.

خطوات بطيئة نحو تطوير التعليم في الإمارات

على الرغم من جهود دولة الإمارات في إدراج المهارات التي يحتاجها أصحاب العمل ضمن المناهج التعليمية؛ فإن وتيرة التطور في إصلاح خطط وزارة التربية والتعليم لا تزال بطيئة. بحسب دراسة "كيف تحد وزارة التربية والتعليم في الإمارات من اكتساب طلاب المدارس الثانوية العامة المهارات المناسبة لأصحاب العمل في المستقبل؟"، أثرت هذه المشكلة سلباً على انضمام خريجي المدارس الثانوية العامة إلى سوق العمل، وذلك بسبب طبيعة المناهج التعليمية وطرق تدريسها، وبينت ضرورة تطوير الوزارة لمناهج التربية والتعليم وتحسين طريقة تنفيذها عبر دمج الأنظمة التعليمية المستقلة والمهنية والتقليدية بدلاً من إصلاحها.

ركائز إصلاح المنظومة التعليمية في الإمارات

حققت دولة الإمارات تطورات مهمة في السنوات القليلة الماضية مع إصلاح أنظمة التعليم لتلبية المتطلبات المستقبلية لسوق العمل، ما ساعد في تعزيز مساعي الدولة لتحقيق تعليم مستدام، إذ حرصت وزارة التربية والتعليم، ومركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني على مواءمة خططهم الاستراتيجية مع رؤية 2021، ونفذت خططاً مختلفة لإصلاح المناهج الحالية وجعل الطلاب أكثر تكيفاً مع التغييرات الفعّالة، ومنها، اعتماد توحيد نظام التعليم وتعميم نموذج المدرسة الإماراتية، واستخدام التكنولوجيا مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية لتحسين التعليم، ففي عام 2013، حصل 6,200 طالب في مؤسسة كليات التقنية العليا (HCT) على أجهزة أيباد بهدف تحسين مهاراتهم في اللغة الإنجليزية، وبين نحو 80% من الطلاب المشاركين في مشروع الفصل الدراسي اللاّورقي أن الأيباد ساعدهم في اكتساب مهارات  القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية.

ومع ذلك، لم يرقَ مستوى تحسين التعليم العالي والتدريب والابتكار التكنولوجي في الإمارات إلى مصاف الدول المتقدمة، ما أثار قلق الباحثين حول وتيرة تطوير استراتيجية الإصلاح في وزارة التربية والتعليم. وسعى المدير العام لمركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني، مبارك الشامسي، في دراسته: "تطوير التعليم التقني والمهني في دولة الإمارات وإصلاحه: دور القيادة الإماراتية ورؤيتها" (Development and Reform of Technical and Vocational Education In The UAE : The Role and Vision of The UAE Leadership)، إلى فهم ركائز إصلاح المناهج النموذجية للمدرسة الجديدة وأثرها في إعداد الطلاب والمعلمين لاقتصاد المستقبل، وخلُص إلى ضرورة التنازل عن أسلوب التعليم التقليدي نحو تعليم مستقبلي قائم على المهارات المطلوبة في سوق العمل، والتركيز على أصول التدريس القائمة على المشاريع.

تصب هذه التوصيات في إطار تطوير التعليم ليلائم متطلبات المستقبل، ويؤدي التعليم التقني والمهني دوراً بارزاً في تحقيق ذلك، إذ أكد باحثون في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية من خلال تحليل "التعليم في الإمارات: الوضع الحالي والمستقبلي" (Education in The UAE: Current Status and Future) أن مركز التعليم والتدريب المهني التقني، الهادف إلى تغيير المناهج التعليمية وتوسيع رؤية الدولة في التعليم لتوفير المهارات الأساسية التي تلبي احتياجات سوق العمل، يعكس كيفية استثمار الدولة لمواردها في وضع معايير عالية للمنظومة التعليمية.

أهمية التعليم التقني والمهني في سوق العمل الجديد

تتطلع دولة الإمارات من خلال رؤية 2021، ومئوية 2071 إلى خلق جيل من الكفاءات المؤهلة والقادرة على المنافسة في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، وجهود التحول إلى الاقتصاد المعرفي، ومن هنا يبرز دور التعليم التقني والمهني في تحقيق تطلعات التنمية، وإعداد الكوادر الوطنية الماهرة لشغل المهن المستقبلية والتخصصات الجديدة بما يساعد في تحسين دخل الفرد وخفض نسب البطالة، خصوصاً مع توجه الدولة إلى بناء قاعدة صناعية تتطلب عمالة ماهرة يمكنها التميُز في سوق العمل الجديد بما تمتلكه من أدوات المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة.

وتتمثل أهمية التعليم التقني والمهني أيضاً في تزويد الأفراد بالخبرات المختلفة والمساعدة في عملية تخطيط القوى العاملة وتنميتها لتلائم مهن المستقبل، وبحسب دراسة مصرية "دور التعليم والتدريب المهني في تلبية احتياجات سوق العمل من القوى العاملة المدربة في المجتمع"، فإن التدريب المهني يسلط الضوء على أهمية المراكز التدريبية ومساهمتها في تأهيل القوى العاملة المدربة ومشاركتها في المشاريع الاستراتيجية. لكن بالمقابل هناك تحديات تقف في وجه رفع مستوى التعليم المهني والتقني وتحد من دوره في دعم توجهات العمل المستقبلية.

تحديات التعليم التقني والمهني

لا تزال جاذبية التعليم التقني والمهني للشباب في المنطقة العربية منخفضة مقارنةً بالتعليم العام. على الرغم من أن معدل البطالة بين خريجي التعليم التقني والمهني في المنطقة العربية تبلغ 15% مقارنةً بمعدل البطالة بين خريجي الجامعات البالغ 30%، فإن الوظائف التي التحق بها خريجو التعليم المهني لم تكن مُرضية بالنسبة لهم، بحسب ما أشارت إليه دراسة الإسكوا بعنوان "إصلاح التعليم والتدريب الفني والمهني: بوابة لبناء القوى العاملة الشبابية الماهرة في المنطقة العربية" (Reforming Technical and Vocational Education and Training: A Gateway for Building a Skilled Youth Workforce in the Arab Region).

وتعاني الدول العربية من عدم المواءمة بين مخرجات التعليم التقني واحتياجات سوق العمل، بسبب عدم تطوير المناهج وسوء تجهيز المدارس، وقلة التنسيق والتعاون بين التعليم التقني والمهني والقطاع الخاص، فضلاً عن النظرة الاجتماعية السلبية للتعليم التقني والمهني وربطه بالفشل الأكاديمي، إلى جانب ضعف جودة المحتوى التي تثني الشباب عن الانضمام إلى برامج التعليم التقني والمهني، وتوظيف أصحاب العمل لخريجي هذا المجال.

وأشارت دراسة مصرية بعنوان: "دور التعليم التقني في تلبية احتياجات سوق العمل" إلى أن تطور التعليم التقني والمهني يتعثر أيضاً بسبب عدم وجود لوائح وتشريعات تنظم المواءمة بين مخرجات هذا النوع من التعليم واحتياجات سوق العمل، ويتطلب العمل على هذه التحديات إشْراك القطاع الخاص في منظومة التعليم التقني وحثهم على الاستثمار فيه، والاستفادة من خبراتهم باحتياجات سوق العمل، وكذلك توسيع قاعدة خدمات التوجيه والإرشاد المهني وربطها بالتنمية.

يجب تبني منظور جديد فيما يتعلق بمستقبل التعليم في الإمارات بدمج الأنظمة التعليمية الثلاثة لدعم مبادرات المناهج الحالية وتمكينها بدلاً من تعديلها جذرياً.

 نُشر هذا المقال بناءً على أبحاث مركز الشباب العربي.

المحتوى محمي