التعلم مدى الحياة وتكامل الفئات العمرية في التعليم العالي

7 دقائق
التعلم مدى الحياة
(الشكل التوضيحي: جراسيا لام)

الجامعات هي من بين أكثر المؤسسات التي تفصل بين الفئات العمرية، حيث إنها موجهة بصفة حصرية تقريباً إلى الشباب في سن المراهقة المتأخرة وبواكير العشرينيات، وذلك حتى في الوقت الذي تجعل الحقائق الديموغرافية الجديدة هذا النموذج التعليمي نموذجاً عفا عليه الزمن.

مع وجود أعداد غير مسبوقة من البالغين الذين يعيشون حياة أطول، يرغب العديد منهم، أو يتعين عليهم، التعلم وكسب العيش لمدة أطول أيضاً. تفتح مرحلة جديدة من الحياة أبوابها، وهي مرحلة استرجاع سن الرشد، بين سنوات بناء الحياة المهنية وتكوين الحياة الأسرية، ومواطن الضعف المرتبطة بالتقدم في العمر. إذ إن معظم الأشخاص في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من أعمارهم مفعمون بالصحة والحيوية، وغالباً ما يفاجأون بإحالتهم إلى التقاعد أو الاستغناء عنهم وليس أمامهم سوى القليل من فرص العمل. في حين أن بعضهم يرغبون في التفرغ للاستجمام، فإن الغالبية العظمى تسعى للالتحاق بوظائف جديدة، سواء كانت بأجر أو من دون أجر، يكون لها مغزى وغاية. لكنهم لا يجدون سوى بعض الموجهات وعدد قليل من الخيارات للتعلم مدى الحياة في الجامعات.

يمثل هذا الواقع فرصة مهدرة بالنسبة لجميع الأطراف، كبار السن والشباب والجامعات والمجتمع ككل. يجب على كبار السن والشباب، الذين يكافحون بشكل متزايد في مجابهة مستقبل غامض ومجهول، أن يشقوا طريقهم الخاص دون الاستفادة من خبرات الآخرين ووجهات نظرهم. تهدر الجامعات، بتركيزها فقط على الشباب، فرصة لإضافة مصدر جديد للإيرادات وتنويع الحياة والتعلم وإثرائهما في الحرم الجامعي، وترك أثر أكبر في المستقبل. ولعل خسارة المجتمع أكبر، إذ إن معظم البالغين الأصغر سناً وكبار السن يمثلون مجموعات من المواهب غير المستغلة إلى حد كبير، والتي يمكن تنظيمها، معاً وبصورة فردية على حد سواء، للتصدي للصدمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تميز الحياة في القرن الحادي والعشرين.

استحداث المبادرات متعددة الأجيال

في عام 2017، أطلقنا مبادرة الوظائف المتقدمة بجامعة مينيسوتا (Advanced Careers Initiative) لمساعدة كبار السن في اكتشاف سبل مستقبلية جديدة، والجمع بين الأجيال، وإعادة تصور قطاع التعليم العالي بصفته مكاناً يتقبل الأشخاص من جميع الأعمار. تربط مبادرة الوظائف المتقدمة التعلم متعدد الأجيال مع المؤسسات ذات الأثر الاجتماعي، وتجمع بين الطلاب الأصغر سناً وكبار السن في الفصول التي تتناول قضايا مثل عدم المساواة وتغير المناخ والصحة العالمية والعدالة الاجتماعية. وقد عززت هذه الفصول العلاقات التعاونية والعلاقات فيما بين الأجيال، والتي غالباً ما يتجاوز مداها الفصول الدراسية.

جامعة مينيسوتا واحدة من عدد صغير ولكنه متزايد من الجامعات التي تستقدم كبار السن لحرمها الجامعي لمساعدتهم على الاستعداد لحياة أطول تتسم بالمشاركة. وخلافاً لبرامج التعلم المستمر التقليدية، مثل معاهد أوشير للتعلم مدى الحياة (Osher Lifelong Learning Institutes)، التي تقدم للمتقاعدين دورات الإثراء، والتي تختار المشاركين من فئات عمرية محددة، تستهدف هذه المبادرات المزج بين الطلاب الأكبر سناً والأصغر سناً في الفصول الدراسية. كما أنها تشجع الطلاب الأكبر سناً، الذين غالباً ما يعرفون باسم الزملاء، للتخطيط لوظائف ثانية في القطاع غير الربحي أو للعمل بصفتهم رواد أعمال.

مهّدت مبادرة القيادة المتقدمة في جامعة هارفارد، التي بدأت في عام 2008، السبيل لهذا النموذج. إذ يستهدف برنامجها، الذي يستمر لمدة عام، المدراء التنفيذيين للشركات ذوي الخبرة التي لا تقل عن 20 عاماً من الذين هم على استعداد للمرحلة التالية من حياتهم. يحضر هؤلاء الزملاء دروساً مع الطلاب الأصغر سناً، ويشاركون في بعض الندوات معاً، ويضعون خطة لبرنامج أو منظمة أو مؤسسة تتمتع بإمكانية "إحداث أثر ملموس في مشكلة كبرى".

في الوقت نفسه، يركز معهد الوظائف المتميزة بجامعة ستانفورد، ومبادرة القيادة الملهمة بجامعة نوتردام، وبرنامج "تاور فيلوز" (Tower Fellows) بجامعة تكساس، على الاستكشاف ونمو الشخصية والهدف. وتجذب جميع هذه البرامج المهنيين ذوي الوظائف المتميزة الذين يلتمسون إيجاد مسار جديد لحياتهم. تشجع هذه البرامج الزملاء لتلقي مقررات دراسية في الموضوعات التي لم يدرسوها من قبل، أو التي لم تكن موجودة عندما كانوا أصغر سناً، والمشاركة في الفعاليات الجامعية، وإطلاع بعضهم البعض على التحديات التي واجهتهم في تحويل مسار حياتهم.

غير أن التكلفة تمثل إحدى العقبات الكبرى، حيث تبدأ رسوم البرنامج لعام 2021 من 53 ألف دولار، حسب طبيعة البرنامج، فضلاً عن مصاريف السكن. وفي حين تتوفر المنح المالية في بعض الأحيان، فقد صُممت هذه البرامج في المقام الأول للأشخاص أصحاب الموارد المالية. على النقيض من ذلك، تبلغ تكلفة مبادرة الوظائف المتقدمة بجامعة مينيسوتا، وهي أول برنامج متعدد الأجيال في جامعة عامة، 16 ألف دولار. ومع تزايد أعداد الأشخاص الذين يسعون إلى العودة إلى العمل يتعين علينا تيسير سبل التحاق كبار السن بهذه البرامج، بمن فيهم ذوي الدخل المحدود.

مستويات التعلم

في المنظور العام للحياة الجامعية، هذه البرامج جميعها حديثة النشأة، تلتحق بها أعداد صغيرة نسبياً من الطلاب، وما تزال تتعلم الكثير بشأن مقومات النجاح. على مدى السنوات القليلة الماضية، تجاوزت مبادرة الوظائف المتقدمة بجامعة مينيسوتا التوقعات في بعض النواحي وأخفقت في أخرى. ولكن العمل أظهر أن الجامعات يمكن أن تجني قدراً كبيراً من المكاسب من تقديم البرامج التي تعمل على إدماج كبار السن في تركيبة التعليم العالي.

من شأن الدروس التي تعلمناها أن تعمل بصفتها معالم على الطريق للآخرين بالكليات والجامعات الأخرى، الذين يريدون البدء في الانتقال من مؤسسات تختار طلابها من فئات عمرية محددة إلى مؤسسات تحقق التكامل بين الفئات العمرية المختلفة.

1. إنشاء مجتمع مستهدف للتعلم بين الأجيال

يمزج الربط بين متعلمين من فئات عمرية مختلفة في الفصول الدراسية الاستكشاف بالخبرة، وغالباً ما يحقق نتائج تنطوي على إحداث تحول. في مبادرة الوظائف المتقدمة بجامعة مينيسوتا، وفّر طبيب متقاعد اختصاصي في الأطفال حديثي الولادة أفكاراً عملية مستمدة من واقع تجربته في رعاية الأطفال الرضّع لفصل الصحة العالمية. وتعمّق فهم أحد وكلاء العقارات، والذي كان يتدبر خطواته المقبلة، بشأن أوجه عدم المساواة الهيكلية المتمحورة حول العِرق والسكن، حيث تعلم من تجارب الطلاب الأصغر سناً في الصف. وتعاون مدير للإعلانات مع الطلاب في فصل لتنظيم المجتمعات المحلية لاكتشاف أوجه الشبه بين التجارب التي مر بها الأشخاص الذين شاركوا في حركة الحقوق المدنية في الستينيات وحركة "أرواح السود مهمة" (Black Lives Matter)، القائمة اليوم.

في الفصول الدراسية المشتركة بين الأجيال، يتبادل الطلاب الأصغر سناً وكبار السن مهاراتهم ومعارفهم، ويقدمون التوجيه المتبادل ويخلقون روابط قوية بين الأجيال. يتمثل التأطير المبسط في أن كبار السن يقدمون خبراتهم الوظيفية مثل مهارات إجراء المقابلات والتعارف المهني، بينما يقدم الطلاب الأصغر سناً المهارة التكنولوجية. لكن الفصول الدراسية التي تحقق تكامل الأعمار تخلق روابط أقوى بكثير بين الأجيال.

يكتشف بعض كبار السن والطلاب الجامعيين الذين يتقابلون في الفصول الدراسية أنهم يتشاطرون الشغف تجاه البيئة أو التعلم المبكر ويقررون التعاون في مشروع فصل دراسي أو يلتقون لإجراء مناقشات خارج الفصل. يدرك آخرون أنه على الرغم من فارق السن بينهم، فإنهم يكافحون بشأن ما يريدون فعله في بقية حياتهم ويمكنهم الاستفادة من تبادل المشورة، على حد سواء. وينشئ الكثيرون صداقات طويلة الأمد تتحدى القوالب النمطية للعمر.

2. الاستفادة من البنية التحتية القائمة

ساعد استخدام الموارد والمناهج الدراسية المتاحة، مبادرة الوظائف المتقدمة بجامعة مينيسوتا على الاندماج في المجتمع الجامعي بشكل عام، وتنبيه الآخرين لوجود البرنامج وتمهيد الطريق لإحداث أثر أبلغ في الجامعة.

فعلى سبيل المثال، استفدنا من برنامج المناهج الدراسية للتحديات الكبيرة (Grand Challenge Curriculum) بالجامعة، ومن مجموعة من الفصول الدراسية متعددة التخصصات تركز على القضايا المعاصرة. في البداية، شجعنا عدداً قليلاً من أعضاء هيئة التدريس الذين يقومون بتدريس هذه المقررات لدعوة زملاء مبادرة الوظائف المتقدمة للانضمام إلى الفصول الدراسية. فضلاً عن القيام بواجبات المقررات الدراسية، عمل الزملاء الأكبر سناً بصفتهم متطوعين، حيث ساعدوا الطلاب الجامعيين في المشاريع أو الأساتذة في الأبحاث أو القيام بالمهام الإدارية الأخرى. ثم تواصلنا مع زملائنا في مراكز الجامعة ومعاهدها الأخرى لفتح أبوابها أمام زملاء مبادرة الوظائف المتقدمة أيضاً، الأمر الذي ساهم في نشر المعرفة والمهارات التي يمتلكها كبار السن إلى نطاق أوسع من المستفيدين. على سبيل المثال، انضم أحد زملاء مبادرة الوظائف المتقدمة، الذي يتمتع بخلفية في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية إلى فريق "فينشر سنتر" (Venture Center) للاستشارات في مجال الأعمال بالجامعة، ما أضفى خبرات ثمينة للشركات الناشئة في المراحل المبكرة من عملها.

على الجانب الآخر، قمنا ببناء مبادرة الوظائف المتقدمة داخل معهد البحوث الاجتماعية والابتكار في مجال البيانات (Institute for Social Research and Data Innovation)، وهو معهد أبحاث متعدد التخصصات. لكن في حين كان هناك توافق من المنظور البحثي، كان علينا أن نبحث في مكان آخر عن أساس عندما يتعلق الأمر بنشر الفكرة.

3. تحديد احتياجات التمويل ومصادره قبل البدء

استهدفنا أن تبدأ مبادرة الوظائف المتقدمة في نطاق ضيق وبصورة خفية. واكتسبنا، عند إطلاق المبادرة في طور التجربة، المرونة والوقت كي نجرب تصميم البرنامج، ومعرفة الأمور التي نجحت، وتنفيذ أفضل الممارسات. لكن إطلاقنا غير الملحوظ للمبادرة أعاق تطوير الموارد المالية لها، مقارنةً بما لو كنا كشفنا عنها على نحو أكثر جرأة. وكانت نتيجة ذلك امتلاكنا لعدد من الموظفين الأساسيين فقط بنطاق محدود للترويج الداخلي والتسويق الخارجي والتوظيف.

تلقينا تمويلاً متواضعاً من رئيس مجلس جامعة مينيسوتا لإطلاق المبادرة، غير أن الـ 16 ألف دولار التي يدفعها الزملاء كرسوم لا تغطي التكاليف التشغيلية الجارية. في هذه المرحلة، يتعين علينا قبول ما لا يقل عن 40 زميلاً ليكونوا موظفين دائمين.

يكمن التحدي في إيجاد سبيل للحصول على الموارد الضرورية مع إتاحة المجال في الوقت نفسه لتجربة الأساليب المختلفة. بالنظر إلى تجربتنا، نوصي بأن تطلب برامج التعلم الجديدة متعددة الأجيال المساعدة من المعاهد أو المراكز الموجودة في جامعاتها لاستيعاب التكاليف. يتعين عليها أيضاً التفكير في جمع أكبر قدر ممكن من الدعم المالي من القادة أو الأمناء أو الخريجين أو من مصادر أخرى قبل الإطلاق، خاصةً إذا كانت تخطط لإبقاء تكاليف البرنامج مخفضة للمشاركين. كان من الممكن أن يمنحنا الاحتياطي المالي أو الشراكة مع معهد أو مركز آخر في الحرم الجامعي، أحد هذين الأمرين أو كليهما، الفرصة للاستثمار في مجالات مثل التسويق والتوظيف من البداية.

4. تشجيع شبكة مستمرة من الخريجين

تبني المبادرات الجامعية متعددة الأجيال مجتمعات متكاملة من الناحية العمرية لكبار السن في مرحلة من مراحل حياتهم ينفصلون فيه عن بيئات العمل المألوفة ويحتاجون إلى شبكات دعم جديدة. تعزز هذه المجتمعات الجديدة العلاقات بين الطلاب الأكبر سناً بعضهم البعض وفيما بينهم وبين الطلاب الأصغر سناً، ما يخلق روابط تدوم إلى ما بعد الوقت الذي يقضونه في الحرم الجامعي ويفتح أبواباً لعلاقات مثمرة بين الخريجين.

على سبيل المثال، يدعو معهد الوظائف المتميزة بجامعة ستانفورد الخريجين للعودة إلى الحرم الجامعي للزيارات الدورية وتجمعات الخريجين. في عام 2018، أنشأ المعهد برنامج (dciX) لتعزيز الصلات المستمرة بين الزملاء الحاليين والخريجين، وفي الوقت نفسه تقديم وسيلة لاستمرار المشاركة مع جامعة ستانفورد. كما يظل زملاء مبادرة الوظائف المتقدمة بجامعة مينيسوتا على اتصال مع بعضهم البعض ويستمر توجيههم للطلاب الجامعيين. ويحتفظ الكثيرون بعلاقات مع المنظمات غير الربحية التي تطوعوا فيها كجزء من زمالتهم.

خطة للمستقبل

يواجه البالغون الأصغر سناً وكبار السن، من أواخر سن المراهقة إلى الثمانينيات من العمر وما فوقها، مجموعتين مشتركتين من الخيارات: كيفية صياغة مستقبلهم في عالم يتسم بالغموض والتغيير المفرط والمخاطر، وكيفية التصدي للمشكلات المجتمعية المُلحة في عصرنا الحالي.

يمكن للجامعات مساعدة كلا الجيلين في التعامل مع هذه الخيارات معاً بدلاً من التعامل مع هذه الخيارات بمفردهم. استناداً إلى تجربتنا في مبادرة الوظائف المتقدمة، فإن التعلم متعدد الأجيال الناتج عن ذلك يكون أكثر ثراءً للطلاب من جميع الأعمار ومراحل الحياة.

للجامعات تاريخ طويل من الفصل بين الفئات العمرية، وبينما تكثر الأفكار المبتكرة بشأن تحقيق التكامل بين الأعمار المختلفة، فإنها غالباً ما تسقط تحت وطأة الممارسات المعتادة والبيروقراطية والجمود المؤسسي. يقول الباحثون المؤسسيون إن التغيير يحدث في نهاية المطاف عندما تفوق التكاليف المترتبة على عدم القيام بأي شيء التكاليف الناجمة عن التغيير. مع إدراك قادة التعليم العالي لضرورة التصدي للتحديات المجتمعية الملحة - بما فيها التحول إلى عالم أصبح عدد الأشخاص فوق سن 65 عاماً فيه أكثر ممن تقل أعمارهم عن 18 عاماً - فقد حان الوقت الآن للتحرك.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي