عندما كنت في المدرسة، حرصت والدتي على قضاء وقت معي في اللعب بهدف التسلية والتعلم، فتقدم لي مثلاً الدمى والمكعبات والصلصال كي أبني من خلالها قصصاً وأفكاراً تُكسبني قدرات ومهارات جديدة، ولاحظت أن حماسي للتعلم واكتساب المعرفة من خلال مشاركة الأنشطة كان أكبر من إقبالي على التعلم عن طريق الحفظ والتلقين الآلي. إن الاستفادة الحقيقية من التعليم ترتبط باستخدام استراتيجيات حديثة مثل اللعب الهادف الذي يعزز المهارات المعرفية والإبداعية والاجتماعية والعاطفية والجسدية للطالب، ويجعل التعلم ممتعاً ومفيداً في آنٍ معاً.
اكتساب مهارات جديدة ضرورة للتنمية
أصبح الاستثمار في استراتيجيات تعليم ذكية وفعّالة أمراً بالغ الأهمية لتنمية الموارد البشرية، وإحدى أقوى الأدوات للحد من الفقر وتحسين مستوى الرعاية الصحية والمساواة بين الجنسين، وضمان العدالة والشمول. فالمهارات والمعرفة والقيم التي يحتاج إليها الأطفال في الدول النامية والفقيرة تتجاوز مجالات التعلم الأساسية مثل معرفة القراءة والكتابة والحساب، إلى ضرورة اكتساب مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات وإدارة المشاريع بما يواكب متطلبات سوق العمل المستقبلية.
في هذا الإطار، أجريتُ دراسة علمية بعنوان: "أثر استخدام استراتيجية التعلم في تحسين مستوى التحصيل العلمي في مادة العلوم البحثية"، شملت 46 طالباً وطالبة في الثالث الثانوي بالرياض بهدف التعرف إلى فعالية استخدام استراتيجية التعلم في تحسين مستوى تحصيلهم العلمي، وتوصّلت إلى أن استخدام استراتيجية التعليم في أدوات مثل الألعاب تساعد على تحسين مستوى التحصيل العلمي للطلبة.
وأكد البحث ضرورة الأخذ باستراتيجيات التدريس الحديثة الفعالة مثل استراتيجية التعلم باللعب في تدريس العلوم، لا سيما أنها تحفزهم على المعرفة وتكسبهم المفاهيم العلمية ومهارات التفكير النقدي وتنمي القدرات العقلية والمعرفية والجسدية واللغوية والأخلاقية.
فالاستراتيجية الحديثة تجعل التعليم عملية تفاعلية يكون فيه الطالب نشطاً وناقداً ويعرف كيف يفكر ويستعمل الأدوات البحثية، وتكسبه القدرة على التخيل والتصور والإدراك لتعزيز بنائه الشخصي.
علاقة استراتيجية التعليم بالتحصيل الدراسي
ترتبط التنمية المستدامة بتوفير بيئة صحية آمنة وجاذبة للمتعلم تغيّر سلوكه وتنمي قدراته، ومع تقدم التكنولوجيا وتغيّر متطلبات سوق العمل، أصبحنا بحاجة إلى رؤية أكثر شمولية للتعليم والتعلم، من أجل إعداد الأطفال إعداداً أفضل للنمو والاستفادة الكاملة من إمكاناتهم في تقدّم المجتمعات.
ويمثل التحصيل الأكاديمي للطلبة أحد أهم مؤشرات فعالية التدريس، الذي قد يتأثر بعوامل مختلفة مثل ضعف المناهج، واتباع طرائق تدريس تقليدية تدفع الطلبة للتركيز على هدف اجتياز الاختبارات فقط، دون اكتساب المعرفة العميقة والمهارات التي يحتاجون إليها في المستقبل.
لكن في تنوع طرائق التدريس واستراتيجياته فرصة كبيرة في اختيار الطريقة المناسبة للتأثير في الطلبة من حيث اكتساب المعرفة وتحسين أدائهم، فالطلبة في مرحلة التعليم الأساسية لا سيما الصفوف الثلاثة الأولى يتمتعون بخصائص نمو مختلفة عن أي مرحلة تعليمية أخرى، بالتالي، كلما كانت استراتيجية التعلم أكثر جاذبية وارتباطاً بخصائص نمو الطالب وميوله واتجاهه نحو اكتساب المعرفة؛ كانت أكثر نجاحاً وقدرة علمية على إكسابهم المهارات وزيادة مستوى تحصيلهم العلمي.
من هنا برزت الاستراتيجيات الحديثة في التعليم، التي تركز على مجموعة سلوكيات معرفية متنوعة تسهّل على الطالب اكتساب المعرفة وتنظيمها والاحتفاظ بها واستدعاءها عند الحاجة، وزاد الاهتمام بها من أجل تشجيع الطلبة على الإبداع والتعلم الذاتي، وتنمية مهاراتهم التكنولوجية والابتكارية والقيادية، أو بعبارة أخرى، تحسين جودة التعليم وتعزيز تجربة تعليم الطلبة وتأهيلهم للمستقبل.
تؤدي الأنشطة التعليمية دوراً مهماً في وصول الطالب إلى أهدافه العلمية بصورة أفضل مما لو اعتمد على مساعدة الآخرين في بلوغها، فالتعليم النشط يتيح له فرصة مقارنة رأيه بآراء الآخرين ويمكّنه من الإلمام بالجوانب المختلفة لعملية التعلم. فالطالب يجب أن يسلك منحى العمل والمشاركة ويسأل ويفكر ويكتشف المعارف بنفسه، والدخول في أنشطة مثل العصف الذهني، والعمل الجماعي، ولَعِب الأدوار؛ يساعده على تحسين أدائه العلمي، إذ أكدت دراسة سعودية بعنوان: "فعالية استخدام بعض استراتيجيات التعلم النشط في تحصيل العلوم وتنمية بعض مهارات التعلم"، أن استراتيجيات التعلم النشط كان لها دور في تحسين درجة الطلبة في العلوم، وبشكل مماثل، وجدت دراسة بعنوان: "دور استراتيجيّات التعلم النشط في تنمية التحصيل الدراسي لدى الطلبة في مدارس المتفوقين"، أن استخدام استراتيجيتي حلّ المشكلات والاكتشاف أثّر إيجاباً على تنمية التحصيل الدراسي لدى متعلمي مادة الكيمياء في مدارس المتفوقين.
لا تقتصر أهمية استراتيجية التعلم على طلبة المدارس فقط؛ بل تتعداها إلى طلبة الجامعات أيضاً، إذ توصلت دراسة بعنوان: "أثر استراتيجيات التعلم على التحصيل الأكاديمي لطلبة الجامعة في المملكة العربية السعودية"، إلى أن استراتيجيات التعلم المعرفية والتحفيزية وما وراء المعرفية، تؤثر إلى حدٍ كبير في إنجازات الطلبة، وبالتالي يجب استخدام هذه الاستراتيجيات إذا أرادوا تحسين أدائهم الأكاديمي.
توظيف اللعب في عملية التعليم
تعد الألعاب وسيلة يخبر بها الأطفال من حولهم بما يشعرون ويفكرون فيه، وتؤدي دور الوسيط التربوي الذي يشكل شخصيتهم بأبعادها المختلفة، ومدخلاً لنموهم العقلي والجسدي والاجتماعي والانفعالي واللغوي، لذا فإن الألعاب التعليمية متى أُحسِن تخطيطها وتنظيمها فستزيد من فاعلية عملية التعلم.
كما توفر الألعاب بيئة خصبة للطلبة وتحفزهم على التعلم وإدراك المفاهيم العلمية، إذ تؤكد الدراسات قيمة الألعاب وأهميتها في زيادة دافعية الأفراد نحو التعلم وفي اكتسابهم مفاهيم علمية بأسلوب ممتع ومفيد في آن واحد.
وتوصي دراسات أخرى، بضرورة استخدام أسلوب الألعاب التعليمية في تدريس العلوم ومناحي الحياة في جميع المراحل الدراسية لما لها من تأثير إيجابي على أداء الطلبة واتجاههم نحو التعلم، وتحثّ أيضاً على الاستفادة من الأبحاث العلمية في تصميم ألعاب تعليمية تناسب عمر الطالب وقدراته وفقاً للمرحلة الدراسية التي يمر بها.
إذاً، لم يعد الاستثمار في الاستراتيجيات التقليدية التي تستهدف "اجتياز الاختبارات فقط" مجدياً بعد الآن، لقد حان الوقت لاعتماد استراتيجيات مثل اللعب الهادف لتسهل على الطلبة اكتساب المعارف وتوسيع آفاقهم الإدراكية ليكون لهم دور مستقبلي في تنمية المجتمع.