هل يمكننا إعداد دورات حول العقليات الأساسية ومجموعات المهارات التي تساعد على إعداد رواد اجتماعيين ناجحين؟
ازدادت في السنوات القليلة الماضية فصول الريادة الاجتماعية في الجامعات بشكل كبير؛ حيث يعلّم الأساتذة طلابهم في معظم تلك الفصول كيفية إعداد خطط أعمال للمشاريع الاجتماعية. وتمتاز العديد من تلك الدورات بجودتها بالفعل.
لكن ماذا لو قدمنا ما هو أكثر من تلك الدورات؟ هل يمكننا إعداد دورات حول العقليات الأساسية ومجموعات المهارات التي تساعد على إعداد رواد اجتماعيين ناجحين؟
عمل "معهد العمل التحويلي" (TAI) على الترويج لمنهاج يعلم تلك المهارات على مدى السنوات الست الماضية. وحددنا من خلال الدراسات المتعمقة للمبتكرين الاجتماعيين 7 كفاءات مهمة وضرورية لتحقيق النجاح:
- القيادة. يتخذ هؤلاء الأشخاص المبادرات والإجراءات لحل المشكلات (بدلاً من التذمر من الأخطاء).
- التفاؤل. يثق هؤلاء الأشخاص بقدرتهم على تحقيق رؤى جريئة، حتى عندما يشكك الآخرون بقدراتهم. كما أنهم يتمتعون بإحساس قوي بالكفاءة الذاتية ويؤمنون بقدرتهم على تغيير ظروفهم.
- العزم. وهو يمثّل مزيج المثابرة والعاطفة والعمل الجاد، بمعنى آخر، الدافع الدؤوب لتحقيق الأهداف والالتزام الكامل بتحقيق مهامهم.
- القدرة على تحمل المحن والعقبات والتحديات والفشل. فتجدهم أهلاً للمنافسة عندما تكون الأمور في تداعٍ؛ ويواصلون النمو في أكثر التحديات ضراوة، ويستخلصون العبر من فشلهم.
- الإبداع والابتكار. يمتلك هؤلاء الأفراد القدرة على تحديد الإمكانات الجديدة ويفكرون في طرق غير تقليدية. وهم قادرون على تحديد الروابط والأنماط التي لا يتخيلها سوى قلة من الناس.
- التعاطف يتمتع هؤلاء الأفراد بالقدرة على وضع أنفسهم مكان الآخرين، وتقبّل وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظرهم؛ وتلك واحدة من أكثر الصفات قيمة لفهم احتياجات الآخرين الذين يقدمون لهم خدماتهم.
- الذكاء العاطفي والاجتماعي. يمتاز هؤلاء الأشخاص بقدرتهم على التواصل مع الآخرين وبناء علاقات قوية معهم.
وأهم ما يجب إدراكه هنا هو أن تلك الصفات يمكن تطويرها بالممارسة. وهناك بالفعل قدر هائل من الأدلة العلمية على قدرة الأفراد على تطوير تلك القدرات؛ ويكون تقدمهم ذا دلالة إحصائية حتى.
لطالما اعتقد الأفراد أن تلك السمات ثابتة، بمعنى إما أن يتمتعوا بها أو لا. وآمنوا بالفعل أن بعض الأشخاص مبدعون بالفطرة، في حين أن بعضهم الآخر لا يتمتعون بأي ذرة من الإلهام الإبداعي. وآمنوا أيضاً أن بعض الأفراد متفائلون بطبعهم، في حين أن بعضهم الآخر متشائمون بطبعهم؛ وظنوا أن التغيير مستحيل.
لكننا نعلم اليوم أنهم قادرون على تطوير تلك الكفاءات. فكما يتعلم طلاب الجامعات لغة أجنبية في سن العشرين، يمكنهم أيضاً تعلم المهارات الأساسية التي تساعدهم على أن يصبحوا مبتكرين اجتماعيين عظماء، وأن يصبحوا مهرة أو حتى "بارعين" في تلك الكفاءات الأساسية.
تمت تجربة هذه الدورة لأول مرة في جامعة "كاليفورنيا" بمدينة لوس أنجليس عام 2005، وهي تدرَّس اليوم في أكثر من 30 جامعة في جميع أنحاء العالم، بما فيها جامعات "ييل" (Yale) و"برينستون" (Princeton) و"كورنيل" (Cornell) و"جامعة نيويورك" (NYU) و"جونز هوبكنز" (Johns Hopkins)، و"جامعة كاليفورنيا في بيركلي" (UC Berkeley). وصنّف كل من شركتي "إكونغ غرين" (Echoing Green) و"أشوكا يو" (Ashoka U) المؤسسة كمبتكرة في تعليم الريادة الاجتماعية. وأفاد أكثر من 90% من الطلاب في الاستقصاءات أن تلك الدورة غيرت حياتهم.
ومع ذلك، زادت فترة الركود المالي من صعوبة الابتكار في الحرم الجامعي. ويواجه أعضاء هيئة التدريس والإداريون اليوم تحديات صعبة مرتبطة بالميزانية. كيف يمكنهم تقديم أفكار جديدة للدورات التدريبية في وقت تتنافس فيه الجامعات على تقديم عروض الدورات التقليدية، وتوظف عدداً أقل من أعضاء الهيئة التدريسية؟ إن منهاج الريادة الاجتماعية لمعهد العمل التحويلي قابل للتكييف ويتسم بالفاعلية من حيث التكلفة بالنسبة للجامعات لإمكانية دعوة رواد الأعمال الاجتماعيين الممارسين من المجتمع المحلي للتدريس كمساعدين. ويوفر منهاج "معهد العمل التحويلي" للمعلمين دليلاً تعليمياً للاستفادة منه، ما يقلل من وقت التحضير للدورة، في حين يستفيد الطلاب من تبادل أطراف الحديث مع الرواد الاجتماعيين الحقيقيين الذين يشاركونهم خبراتهم.
ويدرك المدرسون الذين تبنّوا نهج "معهد العمل التحويلي" بالفعل أن أحد مفاتيح نجاحه هو مرونته. فهو لا يهدف إلى تحقيق منفعة كاملة، بل إن دمج قسم صغير من المنهاج في دورة تدريبية قائمة بالفعل كفيل بتحقيق نجاحات كبيرة فيها؛ كمان أن ذلك يُلغي الحاجة إلى الحصول على موافقات لعقد دورات جديدة، لا سيّما أن الحصول على تلك الموافقات قد يكون عملية طويلة ومعقدة. على سبيل المثال، دمجت الأستاذة في كلية "كوينز كوليدج" بجامعة مدينة نيويورك، غريس ديفي، عناصر من المنهاج في مقررها الحالي حول التاريخ الإفريقي. حيث منحت شخصيات في التاريخ الإفريقي لقب رواد اجتماعيين، ووصفتهم بأنهم أصحاب رؤى ومبتكرون ناضلوا من أجل تحقيق التغيير في مجتمعاتهم. وهي تستخدم مفهوم الريادة الاجتماعية ومجموعة مهام من المنهاج لمساعدة كل طالب على تحديد التغييرات التي يريد إحداثها في العالم.
اسمحوا لي أن أنهي الحديث عن مجموعة المهام تلك لأنها تمثّل أحد أهم أسرار نجاح هذه الدورة. غالباً ما يتملّك طلاب الجامعات الشغف والطاقة والرغبة في إحداث فارق ذي قيمة، لكنهم يجهلون كيفية اختيار التخصص الدقيق لبلوغ تلك الغاية وتحقيق "الأهداف الكبيرة والجريئة والطموحة" التي يضعونها لتغيير العالم. فيقضي بعض الطلاب مثلاً 5 أسابيع على الأقل في إجراء تقييم دقيق لمواهبهم ونقاط قوتهم ومهاراتهم وشغفهم وتاريخهم الشخصي. وأفاد العديد منهم أن ذلك التمرين كان المهمة الأكثر قيمة التي أدّوها في أي مستوى تعليمي على الإطلاق، فقد ساعدهم على تحديد ما يريدون فعله في حياتهم.
وهدفنا اليوم هو المساهمة في نشر هذا المنهاج في أكثر من 200 كلية وجامعة في جميع أنحاء العالم للمساعدة على تدريب الجيل القادم من الرواد الاجتماعيين والمبتكرين وحلالي المشكلات للقرن الحادي والعشرين.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.