ما السبُل إلى زيادة تمويل التحوّل للطاقة النظيفة في الدول النامية؟

4 دقيقة
shutterstock.com/Black Salmon
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان “التحول إلى الطاقة النظيفة” التحدي الأبرز في أجندة العمل المناخي التي ناقشها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ “كوب 28” (COP28)، إذ لا يمكن الحد من انبعاثات الكربون وإبقاء معدلات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية دون الاستثمار في المصادر المتجددة، لكن ما أفضل السبل لتمويل هذا التحول، خاصة في الدول النامية التي تواجه عقبات استثمارية تجعل تحول الطاقة بطيئاً؟

واقع استثمار البلدان النامية في الطاقة المتجددة

يعد العالم النامي أكثر عُرضة لتبعات التغير المناخي، ما يجعل تمويل تحوّل الطاقة في الاقتصادات الناشئة جوهر الوصول إلى هدف الحياد الكربوني، وذلك وفق تقرير شركة ديلويت (Deloitte) بعنوان: “تمويل الطاقة الخضراء لعام 2023” (Financing the green energy transition)، ويرتبط هذا التحول بتغيير البنية التحتية لقطاع الكهرباء، وتحسين كفاءة الطاقة، وتكثيف جهود البحث وتطوير التكنولوجيات الجديدة، واختيار استراتيجيات التكيف مع الآثار المناخية.

على الرغم من أن الدول النامية غنية بالموارد الطبيعية وإمكانات التحول إلى المصادر المتجددة كالشمس والرياح، والقوة العاملة الشابة فإن هذه الإمكانات لا تُستثمر بالكامل، إذ تحتاج إلى أكثر من 300 مليار دولار سنوياً للتكيف مع تغير المناخ بحلول عام 2030، وأكد مؤتمر “كوب 27” أن تمويل التكيف مع المناخ في البلدان النامية يجب أن يزيد من 5 إلى 10 أضعاف، إذ يُخصص حالياً أقل من 50 مليار دولار، أي نحو 10% فقط من إجمالي تمويل المناخ للتكيف.

ويشير تمويل التكيف إلى تقديم الدعم المادي للمجتمعات والشركات والدول للتكيف مع آثار تغير المناخ، مثل تمويل نقل مشروع البنية التحتية بعيداً عن المناطق ذات مستويات البحر المرتفعة، أو بناء سد لاحتجاز مياه الأمطار المتغيرة باستمرار، أو توفير بذور زراعية مقاومة للجفاف.

كان التقدم المحرز والملموس في مجال تحول الطاقة خلال الأعوام الماضية مرتبطاً بالاقتصادات المتقدمة، في حين ظلت الاستثمارات في المصادر المتجددة في سائر أنحاء العالم ثابتة. بين عامي 2000 و2020 استأثرت أوروبا وأميركا والصين بالحصة الأكبر من القدرات الإنتاجية الجديدة للطاقة المتجددة، في حين لم تتجاوز حصة إفريقيا 2% من إجمالي هذه القدرات عالمياً.

عوائق تسريع عجلة التحول

كي يصل العالم إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050. لا بد من استثمار 4 تريليونات دولار سنوياً في الطاقة المتجددة حتى عام 2030، خصوصاً في البنية التحتية والتكنولوجيا، والمشكلة تفرض نفسها على الجميع، حتى لو تمكنت أوروبا مثلاً من تقليل الانبعاثات فإن العمل المناخي لن يؤتي ثماره في حال بقيت مستويات الانبعاثات مرتفعة في الدول والمناطق الأخرى ولا سيما النامية.

وتعترض مسيرة تحوّل الدول النامية إلى الطاقة النظيفة عوائق رئيسية تتمثل في التكلفة الرأسمالية المرتفعة لمشروعات الطاقة المتجددة، التي أثارت قلق المؤيدين لتحول الطاقة قبل انعقاد مؤتمر “كوب 28″، خصوصاً في ظل إصرار صنّاع السياسات على الحاجة إلى سياسة التشديد النقدي، إذ يقود ارتفاع تكلفة رأس المال إلى اتخاذ خيارات استثمارية عالية الانبعاثات ولا تدعم كفاءة الطاقة.

لكن يمكن التغلب على هذه العوائق عبر خلق بيئة تنظيمية داعمة وجاذبة للاستثمار، وطرح أدوات للحد من المخاطر، والعمل على مشاريع قادرة فعلياً على تلبية احتياجات أمن الطاقة بتكاليف معقولة للجميع.

آليات تحفيز الاستثمار في الطاقة المتجددة

تسير الحكومات في الدول النامية قُدماً في خطة التحوّل وتعمل على مشروعات للطاقة المتجددة، لكنها لن تتمكن وحدها من تمويل الاستثمارات المطلوبة للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، بل يجب عليها إتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص للإسهام أكثر في هذه المشروعات.

  • إن توفير بيئة جاذبة محدودة المخاطر أمر بالغ الأهمية لزيادة تمويل القطاع الخاص للتكيف مع المناخ، إذ يرى مستثمرو القطاع الخاص أن مشاريع الاستدامة أكثر خطورة بسبب تعقّد تأثيرات المناخ وعدم اليقين من حجم العوائد، ونذكر في هذا الإطار تعريفة التغذية الكهربائية التي أقرتها مصر عام 2014 لتضمن سعراً ثابتاً للكهرباء المولّدة من مصادر متجددة، ما يوفر مناخاً استثمارياً مستقراً ويشجع القطاع الخاص على المشاركة أكثر في مشاريع الطاقة المتجددة.
  • قد يصطدم المستثمرون أيضاً بمحدودية الوصول إلى المعلومات المتعلقة بتأثيرات المناخ والمخاطر المستقبلية ونتائج التكيف المحتملة، ما يُعوق القدرة على اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة وحساب عوائد الاستثمار بشفافية عالية، بالإضافة إلى أن غالبية مشاريع التكيف طويلة الأجل بطبيعتها، ويستغرق تنفيذها ما بين 10 إلى 20 عاماً، فيصبح من الصعب إثبات جدوى التكاليف الأولية المحتملة مقارنة بأوقات السداد الطويلة نسبياً، بالتالي، يمكن أن يكون “التمويل المختلط” أداة فعّالة للحد من حالة عدم اليقين المالي وتقليل الفجوة المعرفية.
  • يمكن أن تؤدي المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف والمؤسسات المالية العامة والخاصة الأخرى دوراً محورياً في جذب التمويل الخاص، على سبيل المثال، قدمت وكالة ضمان الاستثمار المتعددة الأطراف (MIGA) في الأردن ضمانة بقيمة 1 مليون دولار لحماية الاستثمارات الخاصة وتغطيتها مدة تصل إلى 20 عاماً ضد مخاطر خرق العقد، ما سمح لمستثمري القطاع الخاص بتمويل توسيع محطة معالجة المياه من أجل مواجهة ارتفاع مستوى سطح البحر، وموجات الجفاف والعواصف، وتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من السكان.

وفي عام 2022، انضم كل من صندوق أبوظبي للتنمية وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر” إلى منصة تسريع تحوّل نظام الطاقة (ETAF) التابعة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا” لتسريع نشر مشاريع وحلول الطاقة المتجددة في البلدان النامية. إذ تهدف المنصة إلى نشر 1.5 غيغا واط من الطاقة المتجددة الجديدة في البلدان النامية بحلول عام 2030، وسيساعدها الدعم المادي المقدم من صندوق أبوظبي للتنمية على تأمين تمويل إجمالي بقيمة مليار دولار في الحد الأدنى.

ومؤخراً، أبرم البنك الإفريقي للتنمية اتفاقات تمويل مشروعين في قطاع الطاقة في موريتانيا بقيمة 289.5 مليون دولار، يتعلقان بإنتاج الطاقة الشمسية والربط الكهربائي عبر الحدود وإمداد المناطق الريفية بالكهرباء.

  • تمثل زيادة الكفاءة أيضاً وسيلة منخفضة التكلفة لتقليل الطلب على الطاقة، إذ تمكنت مجموعة ماهيندرا الهندية، من خفض استخدام الطاقة بمقدار النصف في إنتاجها للسيارات والمعدات الزراعية مثل الجرارات من خلال 3,600 مشروع كفاءة على مدار 16 عاماً، وتعمل الهند من خلال برنامجها الحكومي (UJALA) على تشجيع الأفراد وأصحاب الشركات على الاستعاضة عن المصابيح الكهربائية بمصابيح ليد (LED) الموفّرة للطاقة عبر توسيع نطاق الاستثمار في هذا النوع من المصابيح.

إذاً، حل مشكلة تمويل التحوّل للطاقة النظيفة في البلدان النامية يتطلب المزيد من التعاون للتغلب على عوائق الاستثمار والعمل على مشاريع طاقة متجددة تؤثر فعلياً في العمل المناخي.