يجبر غياب السياسات الرسمية لمكافحة التحرش الجنسي والتمييز، النساء على مغادرة مكان العمل عند تعرضهن لمثل هذه الحوادث، وذلك وفقاً لدراسة حديثة أُجريت بمركز الأعمال والقيادة الشاملة للمرأة (CIBL)، في كلية العليان لإدارة الأعمال (OSB)، بالجامعة الأميركية في بيروت، وتعمل العديد من الدول على وضع قوانين صارمة لحماية المرأة من التحرش في أماكن العمل، لكن كيف يمكنها مواجهة الأمر عندما تتعرض له في الشوارع؟
في الآونة الأخيرة، أخذت المؤسسات في جميع أنحاء العالم وضع مسؤولية التغيير على عاتق الجناة والمجتمعات التي تتسامح معهم، فالأمر لم يعد يتعلق بالملابس التي ترتديها كل امرأة وغيرها من الأمور التي كان يوصى بها في الماضي، فوفقاً لمؤسسة حركة كاتكولز في شيكاغو (Catcalls of Chicago)، يولا مزيزي، وهي ناشطة تحشد الطاقات لإنهاء التحرش في الشوارع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والحملات الشعبية، فإن الكراهية هي السبب الرئيسي في زيادة معدلات التحرش، قائلة: "إن السبب في مضايقة العديد من النساء والفتيات كل يوم، على عكس الرأي السائد، لا علاقة له بمظهرنا أو ما نرتديه من ملابس". بل إن الأمر يتعلق بالسلطة، وكراهية النساء، ورغبة بعض الناس في القضاء على الاستقلال الجسدي للنساء والفتيات.
لكن هل يمكن تحديد السبب الأساسي للمضايقات في كل مكان بالفعل؟ أو حصره في إطار الكراهية ضد المرأة؟ الإجابة قد تتمثل في القصص المشتركة التي تسردها المشاركات في الحركات الفاعلة العالمية التي تصل من الولايات المتحدة إلى أوروبا وإفريقيا، وسعيهن للتأثير من أجل سن القوانين المناسبة لمكافحة التحرش.
حركة للدعم عالمياً
تتطلع النساء الأعضاء في الحركة، إلى كتابة تجاربهن حول التحرش في الشوارع؛ بهدف زيادة وعي مجتمعاتهن المحلية بالمشكلة. تقول كريموت أودبود، مؤسسة "كاتكولز النيجيرية": "إن المساءلة بالنسبة لي تعني تسمية الأشياء بمسمياتها. وبهذا يمكننا محاسبة المتحرشين والمعتدين من خلال وجود قانون يحمي الجميع. قانون ساري يجرم التحرش في الشوارع".
لم تكن حركة "كاتكولز" الوحيدة التي حرصت المشاركات بها على سرد قصصهن مع المضايقات، فقبل عامين، بدأت الأختان مايا وجيما توتون حملة وطنية بعنوان "شوارعنا الآن" (Our Streets Now)، للمساهمة في التأثير والمطالبة بعدم قانونية التحرش في الشوارع العامة في إنجلترا وويلز.
ففي إنجلترا، تتعرض فتاتان من كل ثلاث فتيات وشابات تتراوح أعمارهن بين 14 و21 عاماً للتحرش في الشوارع، وتقول واحدة من كل ثلاث إن ذلك حدث عندما كانت ترتدي الزي المدرسي، وفقاً لمؤسسة "بلان إنترناشونال يو كيه" (Plan International UK).
لذلك، ولأهمية الشعور بالأمان كمطلب أساسي للحياة، أطلقت حملة الأختين "توتون" عريضة تحث الحكومة على إقرار تشريع يجرم التحرش في الشوارع. وقد تلقت العريضة أكثر من 400 ألف توقيع عبر الإنترنت. كما وفرت حملة "شوارعنا الآن" مواد تعليمية للمعلمين في المملكة المتحدة لزيادة وعي الطلاب بأسباب التحرش في الشوارع حتى يتمكن الجميع من العمل على إنهائه.
التصدي للمضايقات
عندما هرعت إحدى النساء إلى مكتب عملها، بعدما طاردهم متحرش ما في الطريق، اعتبرتها المسافة الأطول التي سارت فيها طوال حياتها، وهذا المثال على التحرّش في الشوارع، يحدث في جميع أنحاء العالم. ووفقاً لأحدث تقرير حول التحرش في الشوارع نشرته حركة "حقنا أن نكون" (RIGHT TO BE)، فقد أفادت أكثر من نصف النساء اللواتي شملهن استطلاع أجري في 22 بلداً، أنهن تعرّضن للمضايقات بالفعل؛ لذا فإنها توصي بالتصدي إلى هذه المضايقات فوراً عن طريق إلهاء المتحرش من خلال طرح سؤال بسيط قد يلهيه عن تصرفه الحالي، أو مواجهة الأصدقاء، في حالة كانوا يقومون بالمضايقات على سبيل الدعابة مثلاً.
لكن حركات دعم النساء للتصدي إلى المضايقات، تخطت التوعية فقط، حيث أطلقت حركة "حقنا أن نكون" تطبيق الهاتف النقال الذي يتيح تصوير حوادث التحرّش في الشوارع والإبلاغ عنها وتحديد موقع حدوثها. بالإضافة إلى ذلك، أسست مجموعة أوقفوا التحرش في الشوارع مدونة للغرض ذاته. كما تعمل مؤسسة "أكشن إيد" (Action aid) الدولية في 45 دولة وتندرج جهودها لتوفير العمل المناسب لدعم النساء وفقاً لحاجتهن في كل بلد.
وفعلاً، تسهم هذه الأعمال في نشر التوعية واتخاذ قرارات حاسمة تجاه المتحرش. فعلى سبيل المثال، تفرض بلدية مدينة نيويورك على دائرة الشرطة نشر بيانات التحرش في وسائل النقل العام عبر الإنترنت.
وتتعدد الحركات والمؤسسات في الكثير من دول العالم لدعم المرأة من المضايقات، ويمكنها المساعدة في تبادل القصص حول التحرّش، والاطلاع والمشاركة، فضلاً عن تقديم يد الدعم.