حان الوقت لتقوم المؤسسات غير الربحية بتعظيم التبرعات المقدمة عبر الإنترنت

التبرع عبر الإنترنت
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُظهر أبحاث الاقتصاد السلوكي كيف تُحدث العناصر التحفيزية البسيطة أثراً كبيراً في نتائج جمع التبرعات بحلول نهاية العام.

فمع اقتراب موسم العطلات والإجازات، ستعتمد الكثير من المؤسسات غير الربحية على نهاية العام لزيادة جمع التبرعات. إن شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، المعروفان أيضاً باسم “موسم العطاء”، هما شهرا الذروة في التبرع للجمعيات الخيرية، حيث يُظهر تقرير مؤسسة “تقديم المساعدات للجمعيات الخيرية” (Charities Aid Foundation) أنه في عام 2018، قال 39% من الأشخاص في المملكة المتحدة إنهم قاموا بالتبرع للجمعيات الخيرية خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة من العام، بالمقارنة مع نسبة 32% للأشخاص المتبرعين على مدار بقية العام. كما وجد بحث آخر أن حوالي 20% من التبرعات السنوية تحدث في شهر ديسمبر/كانون الأول، وبتركيز عالٍ في الأيام الأخيرة من العام على وجه التحديد.

حين نفكر في “موسم العطاء”، من السهل أن نتخيل الأمر يشبه مشهداً من الأفلام القديمة التي كانت تذاع في موسم العطلات والإجازات. فنتخيل متطوعاً يرتدي زياً احتفالياً ويقف أمام مركز تجاري، في حين يعبر المارة من جانبه يرمون الأوراق النقدية في سلة جمع التبرعات. ولكن، في الحقيقة إن جزءاً كبيراً من التبرعات المُتلقاة هذا العام لن يتم بشكل شخصي على الإطلاق. ولكن وفقاً لوكالة “ننبروفيت سورس” (NonProfits Source) للتسويق، وهي وكالة متخصصة في إجراءات إشهار الموقع على محركات البحث “سيو” (SEO) للمؤسسات غير الربحية، فما هي مشكلة التبرعات عبر الإنترنت؟ في الشارع، سيقف 6 من كل 10 أشخاص للتحدث مع جامع تبرعات ما. ولكن في العالم الافتراضي، فإن حوالي 0.08% فقط من زوار مواقع جمع التبرعات سينتهي بهم الأمر إلى القيام بالتبرع بالفعل. لذلك، عندما يصل الزائر إلى صفحة التبرعات، هناك فرصة تدوم لجزء من الثانية فقط كي تتمكن المؤسسات غير الربحية من الحصول على التبرع.

إن جامعي التبرعات الناجحين في الشوارع مُتفاعلون ومُحفِزون وذوو قدرة على الإقناع – حيث يتعرفون بسرعة على الاحتياجات العاطفية والمعرفية للمتبرعين المحتملين بمجرد أن يجذبوا انتباههم أول مرة. يجب على المؤسسات غير الربحية أن تعيد خلق هذه التجربة في العالم الافتراضي. ولكن كيف يُمكن فعل ذلك؟

أجرى المؤلفون المشاركون فرانك بيلشتاين، من مؤسسة “دونانتو” (Donanto Foundation)، وفابيان فاركاس، وفلوريان فلايشر، ومهدي داماك، من شركة “سايمون – كوشر وشركاؤهم” (Simon-Kucher & Partners)، دراستين منفصلتين ركزتا على جمع التبرعات والمؤسسات غير الربحية، وهما: دراسة الربح السريع من جمع التبرعات عن طريق الإنترنت (Online Fundraising Quick Wins Study) التي أجرتها مؤسسة “دونانتو” عام 2020، ودراسة الترغيب السلوكي التي أجرتها شركة “سايمون – كوشر وشركاؤهم”. كلتا الدراستين تشير إلى علم الاقتصاد السلوكي كإجابة عن السؤال، ونكشف في هذا المقال للعامة عن نتائج دراسة شركة “سايمون – كوشر” للمرة الأولى.

تشكيل سلوك التبرع عبر الإنترنت

أظهرت أبحاث علم الاقتصاد السلوكي أن الأشخاص لا يتخذون دوماً القرارات العقلانية التي نتوقعها، بل على العكس، عادة ما يتصرف الأشخاص بطريقة غير عقلانية، مع النظر في العديد من العوامل الاجتماعية والإدراكية والعاطفية التي تؤثر في تشكيل عملية صنع القرار. وهذا موضوع تناولته بالفعل العديد من الدراسات والكتب، مثل كتاب دان أريلي الأكثر مبيعاً “غير عقلاني بشكل متوقع” (Predictably Irrational)، وكتاب إنريكو تريفيسان “المستهلك غير العقلاني” (The Irrational Consumer).

حولت دراستا “سايمون – كوشر” و”دونانتو” التركيز من الأمور الاقتصادية إلى دراسة كيف يمكن تطبيق التحفيزات السلوكية في قطاع المؤسسات غير الربحية، وهي متممة لبعض الرؤى المنشورة سابقاً هنا في (SSIR). يفترض العديد من المؤسسات غير الربحية أن الزيادة الكبيرة في كمية التبرعات ستتطلب جهوداً واستثمارات ضخمة. ولكن الدراستين تظهران أن بعض المنبهات التحفيزية -مثل إجراء تغييرات بسيطة على كيفية عرض التبرعات وتقديمها- من شأنها أن تُحدث أثراً هائلاً وملموساً.

ملء الفراغات

إن دراسة “كيف تحقق الربح السريع من جمع التبرعات عن طريق الإنترنت” (Online Fundraising Quick Wins Study) التي أجرتها مؤسسة “دونانتو” (Donanto)، تسلط الضوء على ثلاثة تغييرات أساسية حول كيفية الحصول على التبرعات وتأثيرها على الدخل المتحصل عليه من جمع التبرعات من خلال استخدام حالة أساسية يتمكن فيها المتبرع من إدخال المبلغ الذي يرغب بالتبرع فيه بحرية. ثم استبدلت الدراسة هذا المجال المفتوح بعدة خيارات مختلفة:

  1. أضف ركيزة معينة إلى نموذج التبرع عبر الإنترنت الخاص بك: كشفت الدراسة أن مجرد تعبئة مربع قيمة التبرع مسبقاً بمبلغ أعلى من متوسط مبلغ التبرع الذي تنوي التبرع به يمكن أن يكون له تأثير يصل إلى 20% في رفع قيمة التبرع.
  2. التركيز على التبرعات المتكررة: يمكن أن يؤدي جعل خيار التبرع الشهري الخيار الافتراضي وتقليل إمكانية الوصول إلى خيار “التبرع لمرة واحدة” إلى زيادة التبرعات بنسبة 20% إلى 50%. كما هو متوقع، كان الدافع وراء ذلك التركيز هو تحفيز المتبرعين على استخدام خيار التبرعات المتكررة. في أحد التطبيقات الواقعية، ازدادت نسبة المتبرعين المتكررين من 10 إلى 57% (بينما زاد عدد التبرعات أيضاً). ناقش زملاؤنا طرقاً إضافية لتعزيز الإيرادات المتكررة في مقال نُشر في منصة “ستانفوردسابقاً.
  3. أعط توجيهات فعالة: يعد تقديم ما لا يقل عن ثلاثة مبالغ شهرية مُقترحة للتبرعات (لكن ليس أكثر من خمسة) هو الدافع السلوكي الأكثر فاعلية في الدراسة، مع زيادة في التبرعات بنسبة تزيد على 100%. وهنا يجب أن يكون أقل مبلغ مقترح قريباً من مبلغ التبرع المتكرر الأكثر شيوعاً؛ بحيث يكون المبلغ المتوسط أعلى بدرجتين أو ثلاثة درجات من ذلك، وأعلى مبلغ مقترح للتبرع يجب أن يبلغ على الأقل ضعف مبلغ التبرع الأكثر تكراراً.
(الرسم البياني من مؤسسة دونانتو)

محفزات صغيرة تؤدي إلى أرقام أكبر

بعد أن أظهرت الدراسة التي أجرتها مؤسسة “دونانتو” أن التوجيه الفعال هو أقوى أداة في تحقيق زيادة في جمع التبرعات، قام الفريق في “سايمون – كوشر” بالبحث من كثب في أنواع مختلفة من التوجيهات الممكنة. في الحالة الأساسية لدراسة التحفيز السلوكي الجديدة، تم تقديم 3 قيم للتبرع محددة مسبقاً للمتبرعين المحتملين. اختار 28% فقط من المتبرعين أن يتبرعوا بمبلغ أكبر من أدنى قيمة مقترحة. ثم تم تحسين هذه النسبة في الدراسة عبر تطبيق محفزات إضافية لتوفير توجيهات فعالة.

  1. سلط الضوء على عرض القيمة: يكون المتبرعون أكثر استعداداً لاستثمار وقتهم ومواردهم إذا كان لديهم فهم واضح للمدى الذي ستصله جهودهم. عند إعطاء أمثلة على ما يمكن تحقيقه مع كل مبلغ تبرع (على سبيل المثال، توفير الكتب المدرسية لـ 60 طفلاً، أو اللقاحات لـ 90 طفلاً، أو المياه النظيفة لـ 125 طفلاً)، اختار 40% من المشاركين في الدراسة التبرع بمبلغ أكبر من تلك التي لم يتم تقديمها عبر المحفز (زيادة بنسبة 43%). بناءً على العمل الذي تم إجراؤه من قبل “دونانتو”، أظهرت دراسة “سايمون – كوشر” أن الأمثلة المختلفة لعروض القيمة لم يكن لها تأثير كبير على مبالغ التبرعات: الأهم هو حقيقة تقديم عرض قيمة واضح.
  2. تحديد تبرع مسبق: إن مستويات التبرع المقترحة تُشير إلى ما هو مبلغ التبرع المعتاد والمُتوقع. فعلى غرار دراسة “دونانتو”، في دراسة “سايمون – كوشر” عُرض على المشاركين ثلاثة خيارات للتبرعات التي تلتزم بحدود قيمة التبرع النموذجية. ولكن، في دراسة “سايمون – كوشر”، عندما تم تحديد الخيار الأوسط مسبقاً كخيار افتراضي، اختار 40% من المشاركين التبرع بمبلغ أعلى، مقارنة مع 28% في الحالة الأساسية التي تضمنت نفس الحدود الدنيا الثلاثة ولكن من دون تحديد مسبق.
  3. استغل تأثير القطيع: يريد الناس الامتثال للأعراف الاجتماعية، خاصةً عند إعطائهم دليلاً موثوقاً على تلك السلوكات المعيارية. في دراسة “سايمون – كوشر”، عندما عُرض على المشاركين متوسط المبالغ التي تبرع بها متبرعون آخرون في نفس المنطقة، اختار 37% التبرع بمبلغ أكبر. 
(الرسم البياني مقدم من شركة سايمون – كوشر)

بحثت دراسة “سايمون – كوشر” أيضاً في تأثيرات أخرى مثل تأثير الطلب (وضع أكبر مبلغ تبرع أولاً)، لكنها أكدت أن تقديم التوجيه هو الأداة الأكثر فاعلية لزيادة دخل التبرعات.

مُحفزات سلوكية: أمر جيد أو سيئ؟

المحفزات هي عبارة عن تدخلات يمكنها تشكيل حدس المتبرع وإزالة الحواجز وتبسيط الإجراءات. لذا يكون السؤال بالنسبة لكل مؤسسة غير ربحية هو كيفية استخدامها بطريقة فعالة تبدو عادلة للمُتلقين. يجب أن يرى المتبرعون أن احتياجاتهم يتم استيعابها بشكل أفضل، وليس استغلالها، وسيكون المُحفز الناجح ذا قيمة لكل من المؤسسة غير الربحية والمتبرعين أنفسهم.

في بعض الحالات، إن عرض القيمة الواضح المُفصّل حول كيفية إنفاق أموال التبرعات المجموعة سيتيح للمتبرعين اتخاذ قرارات مدروسة بشكل أكبر. أما في حالات أخرى، فقد يؤدي توفير ركيزة معينة، أو إظهار “المبلغ القياسي” الشائع بين الأقران، أو التحديد المسبق لمبلغ افتراضي، إلى تسهيل عملية اتخاذ القرار وتخفيف الجهد الذهني المرتبط بالتبرع.

نجد أحد الأمثلة الجيدة على هذه المحفزات على أرض الواقع في صفحة التبرعات الخاصة بمؤسسة “تشاريتي ووتر” (Charity Water). أولاً، عرض القيمة واضح، حيث يتم إبلاغ المتبرعين أن مبلغ التبرع الافتراضي البالغ 40 دولاراً شهرياً يمكن أن يمنح 12 شخصاً مياهاً نظيفة كل عام. علاوة على ذلك، تقدم صفحة التبرعات خيارات متعددة للتبرع وفق حدود قيم تبرع مختلفة، مع التحديد المُسبق للخيار الأوسط، مع السماح للمتبرعين بإدخال المبلغ المقترح الخاص بهم تحت خيار “مبلغ آخر”.

لقطة شاشة لصفحة موقع charitywater.org

يعتمد ما يحفز المتبرعين على منح قيمة تبرع أكبر على الطبيعة الفريدة لنهج جمع التبرعات الخاص بك. إحدى النصائح الرئيسية لتطبيق المُحفزات السلوكية على جمع التبرعات عبر الإنترنت هو: الاختبارات أمر بالغ الأهمية. وبالرغم من أن خبراء الاقتصاد السلوكي يصفون البشر على أنهم “غير عقلانيين بشكل يُمكن التوقع به”، فلا يمكنك التأكد مما يتوافق مع المجموعة المُستهدفة لديك إلا عبر إجراء اختبار أ/ب (A/B testing). قررت إحدى المؤسسات غير الربحية المتعددة الجنسيات التي تدعمها مؤسسة “دونانتو” دمج زرّي التبرع (“تبرّع” و”كن عضواً”) في زر واحد، فقط لتكتشف أن هذا الإجراء الذي يُفترض به تحسين الوضوح قد قلل عدد النقرات على نماذج التبرع بنسبة 40%!

يعد اختبار أ/ب بسيطاً نسبياً، ولكن من المهم جمع البيانات بناءً على حجم عينة كبير بما يكفي لاستخلاص رؤى مناسبة (أي ذات دلالة إحصائية) من النتائج. ويمكن للمؤسسات غير الربحية التي تعتمد على شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول لزيادة عدد زيارات مواقع الويب الخاصة بها أن تستخدم هذه الفترة كوقت لاختبار المحفزات المختلفة ثم الاستمرار في تطبيق المُحفزات الأكثر فعالية في العام الجديد. إذا كان لديك بالفعل عدد كبير من الزوار يصلون إلى صفحة التبرع الخاصة بك اليوم، فقد حان الوقت لبدء هذه الاختبارات.

إن جمع هذه الأفكار والمعلومات مسبقاً سيؤدي إلى تمكين مؤسستك غير الربحية من التعرف على السحر الحقيقي لموسم الأعياد!

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.