يعد الانفجار السكاني وتزايد استهلاك الموارد الطبيعية، وإزالة الغابات وتغيير الأنظمة الزراعية بعض ملامح التأثير السلبي للبشر على البيئة والتي تقود إلى الاحتباس الحراري، والتلوث والإضرار بجودة العيش.
كيف تتغير البيئة بفعل البشر؟
يتسم النظام البيئي بالتعقيد والترابط، ما يجعله يتأثر سلباً بأي نشاط يُخل بالتوازن الطبيعي لمكوناته، لكن طرائق تفاعل البشر مع البيئة لها التأثير الأكبر. منذ عقود طويلة، استغل الإنسان البيئة بإزالة الغابات لتسوية الأرض وتهيئتها لزراعة المحاصيل فيها، إذ شهدت الفترة بين عامي 1990 و2015 خسارة نحو 129 مليون هكتار من الغابات، ما يعادل مساحة جنوب إفريقيا تقريباً.
وتفاقمت أزمة علاقة البشر بالبيئة مع دخول التكنولوجيا في عمليات التصنيع، واستخدام الأسمدة الكيماوية لتعزيز التربة، والمبيدات الحشرية الصناعية للحفاظ على المحاصيل، كما خلّفت النزاعات والصراعات، مثلما حدث في الحرب العالمية الثانية، آثاراً عميقة على البيئة الطبيعية وتسببت بتدمير الغابات وتلوث الهواء. وفيما يلي 4 طرائق يؤثر بها البشر سلباً في البيئة.
1. الانفجار السكاني
لطالما ارتبط بقاء العنصر البشري بإعادة التوطين، لكن سرعان ما يصبح العكس صحيحاً عندما يصل عدد الأفراد إلى أقصى قدرة تحمُل يمكن أن تستوعبها الأرض. فانخفاض معدل الوفيات وتحسُن الطب ودخول طرائق الزراعة الصناعية أسهم في الحفاظ على حياة البشر لفترة أطول، كما يتطلب استمرار البشرية استغلال مساحات أكبر من الأراضي للزارعة أو الصناعة، ما يؤدي إلى تلف النُظم البيئية.
من جهة أخرى، زيادة إجمالي سكان العالم يعني استهلاك كميات كبيرة من الموارد لاحتياجاتهم الخاصة، مثل تعدين الموارد الطبيعية كالفحم، والصيد الجائر من أجل الغذاء، وإزالة الغابات بهدف التوسُع الحضري.
وقد يتسبب الإفراط في استخدام الموارد غير المتجددة، مثل الوقود الأحفوري، في الإضرار بالبيئة. وكلما ارتفع عدد السكان؛ زاد استخدام الوقود الأحفوري، وانتشار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهواء، ما يهدد بانقراض آلاف الأنواع البرية والبحرية.
يخلق الانفجار السكاني أيضاً زيادة الطلب على الغذاء، فعندما يفوق عدد السكان حجم الموارد الغذائية المتاحة، يلجأ البشر إلى إزالة الغابات من أجل توفير مساحة أكبر للزراعة، وبحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، الفاو، يؤدي التوسع الزراعي إلى إزالة نحو 90% من الغابات في العالم.
2. إزالة الغابات
ينظر البشر إلى الغابات على أنها مصدر مهم لتصنيع المزيد من المواد الغذائية وبناء المساكن، فتزيد معدلات إزالة الغابات وقطع الأخشاب أو تجهيز الأرض للاستخدام الزراعي أو التجاري أو السكني، إذ يتم ر كل عام لإفساح المجال لتطوير منتجات جديدة.
وتتجلى مخاطر إزالة الغابات وتأثيرها على البيئة في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، فمنذ عام 1850، تسببت إزالة الغابات بإطلاق نحو 30% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يؤدي بدوره إلى الاحتباس الحراري وتغير المناخ، فضلاً عن تآكل التربة وتدمير الموائل.
3. أساليب زراعية ضارة
اعتمد البشر الزراعة منذ القدم كوسيلة للبقاء والحصول على الغذاء، لكن هناك بعض الممارسات السلبية التي تضر بالبيئة؛ فالعمل على حراثة الأرض وتقليب التربة للتخلص من الأعشاب الضارة، يتسبب في جفاف التربة والتقليل من خصوبتها، ومع استخدام البشر للأسمدة من أجل تجديد التربة المستنفذة ستتولد مشاكل ببيئية يمكن أن تكون كارثية على المدى الطويل.
قد يعتمد بعض البشر زراعة أنواع محاصيل غير أصلية في مناطق جديدة، مثل إدخال نبات الشوفان إلى الأراضي العشبية في كاليفورنيا، أو زرع الحمض النووي في بعض المحاصيل ليساعدها على النمو في درجات حرارة معينة، أو لتقليل كميات المياه التي تحتاجها أثناء النمو.
4. زيادة نسبة التلوث
يتسبب البشر بانتشار التلوث في كل مكان، فتحلُل النفايات والمواد الكيمائية الصناعية السائلة والملوثات الأخرى يضر بالتربة، كما يعيق تصريف المخلّفات في الأنهار وصول 2.4 مليار شخص إلى مصادر المياه النظيفة.
لا تقتصر الأضرار على مصادر مياه الشرب النظيفة، بل تطال المحيطات والحياة البحرية، إذ يتسبب التلوث في تشكُل الطحالب الضارة في المحيطات والإضرار بالكائنات البحرية، فهناك 5.25 تريليون قطعة بلاستيكية في المحيطات تتسب بموت العديد من الحيوانات، في عام 2019، عُثر على حوت ميت على ساحل اسكتلندا نتيجة ابتلاعه 220 رطلاً من القمامة البلاستيكية.
تؤدي مثل هذه الممارسات إلى الإخلال بالتدفق الطبيعي للمغذيات والطاقة التي تدعم النباتات والحيوانات البحرية، كما أن تلوث المياه وتغير المناخ والصيد الجائر يهدد باختفاء 90% من الشعاب المرجانية بحلول عام 2050، ويمثل موت الشعاب المرجانية مصدر قلق بالغ، لأنها مسؤولة عن الترشيح الطبيعي للمحيطات وإنتاج العناصر الغذائية الضرورية والحيوية للحياة البحرية.
يزداد الخلل في تركيبة الهواء بفعل الأنشطة البشرية، فوقود السيارات، وتسرُب بعض المخلفات الناتجة عن الصناعة والمحطات النووية، وحرق الوقود الأحفوري، يؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون والغازات السامة، الذي يتسبب بدوره في تغير المناح والاحتباس الحراري، إذ ساهمت انبعاثات الكربون في زيادة متوسط درجة حرارة الأرض بدرجة كاملة تقريباً.
ومع ارتفاع درجة الحرارة؛ يذوب الجليد القطبي الشمالي والأنهار الجليدية ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات المحيطات بمعدل 3.42 ملم سنوياً، ومن المتوقع وصول مستويات المحيطات إلى 3 أقدام بحلول عام 2100.
كيفية الحد من التأثير السلبي للبشر على البيئة
في ظل المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الأزمة البيئية، يمكن للبشر المساهمة في رسم التوجهات المستقبلية لبيئة مستدامة بالاعتماد على التكنولوجيا ومصادر الطاقة المتجددة ، وكذلك زيادة المساحات الخضراء للقضاء على التلوث، والحد من تجريف التربة الصالحة للزراعة وقطع الأشجار في الغابات، والعمل على ترشيد استهلاك المياه وتنقيتها، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض والحفاظ على البيئة البحرية.