التأثير الجمعي واسع النطاق يتطلب تنسيقاً بين القطاعات

التأثير الجمعي
www.unsplash.com/Tim Marshall
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد أدى حجم وتعقيد نظام التعليم الحكومي في الولايات المتحدة الأميركية إلى إحباط محاولات إصلاحه على مدى عقود من الزمن. وتخلى كبار الممولين؛ مثل مؤسسة انينبيرغ ومؤسسة فورد وأمانات بيو الخيرية، عن العديد من محاولاتهم نتيجة الإحباط بسبب عدم إحراز أي تقدم. الدولة التي كانت رائدةً عالمياً ذات يوم -حيث كانت الولايات المتحدة الأميركية تمتلك أعلى معدل تخرج من المدارس الثانوية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية- تحتل الآن المرتبة الثامنة عشر بين الدول الصناعية الأربع والعشرين الأوائل، مع أكثر من مليون طالب في المرحلة الثانوية يتركون المدرسة كل عام. لعل الجهود البطولية لعدد لا يحصى من المعلمين والإداريين والمؤسسات غير الربحية، مع مليارات الدولارات من المساهمات الخيرية، قد أدت إلى تحقيق تحسينات مهمة في مدارس وفصول دراسية منفردة؛ إلا أن تحقيق التقدم على مستوى النظام ككل بدا بعيد المنال نظرياً.

في مواجهة هذه الصعوبات الكبيرة؛ برز استثناء ملحوظ في مدينة سينسيناتي، فقد قامت مؤسسة سترايف؛ وهي مؤسسة فرعية غير ربحية تابعة لنوليدج ووركس، بجمع القادة المحليين لمعالجة أزمة تحصيلات الطلاب الدراسية وتحسين التعليم في أنحاء مدينة سينسيناتي ومحيطها وشمال ولاية كنتاكي. خلال السنوات الأربع الماضية منذ انطلاق المجموعة؛ حسّن شركاء سترايف معدلات النجاح لدى الطلاب في عشرات المناطق الرئيسية عبر المدارس الحكومة في 3 مقاطعات كبرى، وعلى الرغم من الركود الاقتصادي وانخفاض الميزانية؛ أظهر 34 مؤشر من مؤشرات النجاح الـ 53 التي وضعتها سترايف، اتجاهات إيجابية؛ بما في ذلك معدلات التخرج من المدارس الثانوية، ودرجات مادتيّ القراءة والرياضيات للصف الرابع، وعدد الأطفال في سن ما قبل المدرسة المتجهزين للالتحاق برياض الأطفال.

اقرأ أيضاً: مبادرات الأثر الجماعي: كيف ننسق بينها؟

لماذا أحرزت سترايف تقدماً بينما فشلت جهود عديدة أخرى؟ حدث هذا لأن مجموعة من قادة المجتمع قرروا التخلي عن أجنداتهم الفردية من أجل اتخاذ مقاربة جماعية لتحسين تحصيل الطلاب العلمي؛ حيث وافق أكثر من 300 قائد من المؤسسات المحلية على المشاركة؛ بمن فيهم رؤساء المؤسسات والشركات الخاصة المؤثرة، والمسؤولون الحكوميون في المدينة، وممثلو مدارس المقاطعة، ورؤساء ثماني جامعات وكليات مجتمعية، والمدراء التنفيذيون لمئات المؤسسات غير الربحية، ومجموعات المناصَرة التي تعنى بالتعليم.

أدرك هؤلاء القادة أن إصلاح حلقة واحدة من السلسلة التعليمية؛ مثل إنشاء برامج أفضل لمرحلة ما بعد المدرسة، لن يُحدِث فرقاً كبيراً ما لم تتحسن جميع أجزاء السلسلة في نفس الوقت، ولا توجد مؤسسة واحدة، مهما كانت مبتكَرةً أو قويةً، يمكنها تحقيق ذلك بمفردها. بدلاً من ذلك؛ أصبحت مهمتهم الطموحة هي تنسيق التحسينات في كل مرحلة من مراحل حياة الشباب، “من المهد إلى المهنة”.

لم تحاول سترايف إنشاء برنامج تعليمي جديد، أو إقناع الممولين والمتبرعين بإنفاق المزيد من الأموال. عوضاً عن ذلك؛ قامت بتركيز المجتمع التعليمي بأكمله على مجموعة واحدة من الأهداف التي يمكن قياسها بنفس الطريقة عبر هيكلية عمل موضوعة بعناية؛ حيث يتم تجميع المنظمات المشاركة في 15 شبكة نجاح طلابية مختلفة أو إس إس إن (SSNs) وفق نوع النشاط الذي تقوم به؛ مثل تعليم الطفولة المبكرة أو الدروس الخصوصية. اجتمعت كل شبكة من شبكات إس إس إن مع المدربين والميسرين لمدة ساعتين كل أسبوعين على مدار السنوات الثلاث الماضية، للعمل على تطوير مؤشرات أداء مشترَكة ومناقشة تقدمهم، والأهم من ذلك؛ تبادل الخبرات فيما بينهم ومواءمة جهودهم لدعم بعضهم بعضاً.

تعد سترايف؛ كل من المؤسسة والعملية التي تقوم بتسييرها، مثالاً على التأثير الجمعي؛ وهو التزام مجموعة من الجهات الفاعلة المهمة من مختلف القطاعات بأجندة أعمال مشتركة لحل مشكلة اجتماعية معينة. التعاون ليس بالأمر الجديد، فالقطاع الاجتماعي مليء بالأمثلة عن الشراكات والشبكات وغيرها من الجهود المشتركة؛ إلا أن مبادرات التأثير الجمعي مختلفة تماماُ. على عكس معظم أوجه التعاون؛ تشتمل مبادرات التأثير الجمعي على بنية تحتية مركزية، وموظفين متخصصين، وعملية منظمة تقود إلى وضع أجندة عمل مشتركة، وأساليب قياس مشتركة، وتواصل مستمر، وأنشطة دعم متبادَلة بين جميع المشاركين.

اقرأ أيضاً: قادة الأنظمة: كيف يعملون لقيادة التغيير الاجتماعي؟

رغم ندرتها، فهناك بعض الأمثلة الناجحة الأخرى للتأثير الجمعي في القضايا الاجتماعية التي تتطلب -كما هو الحال في قطاع التعليم- أن يقوم العديد من المساهمين المختلفين بتغيير سلوكهم من أجل حل مشكلة معقدة. في عام 1993، ساعدت مارجوري مايفيلد جاكسون في تأسيس مشروع إليزابيث ريفر؛ الذي أخذ على عاتقه مهمة تنظيف نهر إليزابيث في جنوب شرق ولاية فرجينيا؛ والذي كان لعقود من الزمان مكباً للنفايات الصناعية، وقد أشركوا أكثر من 100 من أصحاب المصالح؛ بما في ذلك حكومات مدن تشيسابيك، نورفولك، بورتسموث، فيرجينيا بيتش في ولاية فيرجينيا، بالإضافة إلى إدارة جودة البيئة في فرجينيا، وكالة حماية البيئة الأميركية (EPA)، البحرية الأميركية، والعشرات من الشركات المحلية والمدارس والمجموعات المجتمعية والمنظمات البيئية والجامعات التي تعاونت جميعها على وضع خطة من 18 بند لاستعادة المجمعات المائية. بعد خمسة عشر عاماً، تم الحفاظ على أكثر من 1000 فدان من أراضي المجمعات المائية أو استعادتها، كما تم تقليل التلوث بأكثر من 215 مليون رطل، وانخفضت تراكيز أخطر مادة مسرطنة بمقدار ستة أضعاف، وتحسنت جودة المياه بشكل كبير. لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به قبل استعادة النهر بالكامل؛ إلا أن 27 نوعاً من الأسماك والمحار بدأت تزدهر بالفعل في الأراضي الرطبة المستعادة، وعادت النسور الصلعاء إلى أعشاشها على الشواطئ.

لنأخذ بعين الاعتبار مبادرة شيب اب سومرفيل؛ وهي مجهود على مستوى المدينة، يهدف لتقليل والحد من السمنة لدى الأطفال في المدرسة الابتدائية في سومرفيل، بولاية ماساتشوستس. قادت المبادرة كريستينا إيكونوموس؛ الأستاذة المساعدة في مدرسة جيرالد جي. ودوروثي ار. فريدمان لعلوم وسياسات التغذية في جامعة تافتس، وقامت بتمويلها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها مع مؤسسة روبرت وود جونسون والصليب الأزرق والدرع الأزرق في ماساتشوستس ويونايتد واي أوف ماساشوستس باي وميريماك فالي. أشرك البرنامج المسؤولين الحكوميين والمعلمين والشركات والمؤسسات غير الربحية والمواطنين، بشكل جماعي في تحديد ممارسات تحقيق الصحة البدنية والوقاية من زيادة الوزن. وافقت المدارس على تقديم أطعمة صحية، وتعليم أساسيات التغذية، وتعزيز النشاط البدني، كما حصلت المطاعم المحلية على شهادة إذا كانت تقدم طعاماً قليل الدسم وعالي القيمة الغذائية. علاوة على ذلك، نظمت المدينة سوقاً للمزارعين، وقدمت حوافزَ لاتباع نمط حياة صحي؛ مثل عضويات بأسعار مخفضة في الصالة الرياضية لموظفي المدينة. حتى الأرصفة تم تعديلها، وإعادة طلاء ممرات المشاة، لتشجيع المزيد من الأطفال على المشي إلى المدرسة، وكانت النتيجة انخفاضاً إحصائياً ملحوظاً في مؤشر كتلة الجسم بين الأطفال الصغار في المجتمع بين عاميّ 2002 و 2005.

حتى الشركات بدأت في استكشاف التأثير الجمعي لمعالجة المشكلات الاجتماعية، فعلى سبيل المثال؛ تعمل شركة مارس؛ وهي شركة مصنِّعة لماركات الشوكولاتة مثل ام & امز و سنيكرز ودوف، مع المؤسسات غير الحكومية والحكومات المحلية وحتى المنافسين المباشرين، لتحسين حياة أكثر من 500,000 مزارع من مزارعي الكاكاو الفقراء في ساحل العاج؛ التي تعتمد عليها مارس كمصدر لحصة كبيرة من الكاكاو الذي تستخدمه. تشير الأبحاث إلى أن الممارسات الزراعية الأفضل، وتحسين مخزون النباتات، يمكن أن يضاعف محصول كل هكتار من الأرض بمقدار ثلاثة أضعاف؛ ما يؤدي إلى زيادة دخل المزارعين بشكل كبير، وتحسين استدامة سلسلة التوريد الخاصة بشركة مارس. لتحقيق ذلك؛ كان يجب على مارس حشد الجهود المنسقة للمؤسسات المتعددة: تحتاج حكومة ساحل العاج  إلى توفير المزيد من عمال الإرشاد الزراعي، ويجب على البنك الدولي تمويل طرائق جديدة، كما ينبغي توجيه التبرعات المباشرة من الدول الأخرى  إلى دعم المؤسسات غير الحكومية في تحسين الرعاية الصحية والتغذية والتعليم في مجتمعات زراعة الكاكاو، ويتوجب على شركة مارس إيجاد طرائق للعمل مع منافسيها المباشرين على معالجة المشاكل خارج إطار المنافسة، للوصول إلى المزارعين خارج سلسلة التوريد الخاصة بها.

تندرج جميع هذه الأمثلة المتنوعة تحت إطار واحد؛ وهو أن التغيير الاجتماعي واسع النطاق ينبع من التنسيق الأفضل ما بين القطاعات بدلاً من التدخل المنعزل للمؤسسات المنفردة. ورغم أن الأدلة على فعالية هذه المقاربة لا تزال محدودةً، إلا أن الأمثلة المذكورة سابقاً تشير إلى إمكانية إحراز تقدم أكبر وأكثر استدامةً في معالجة العديد من المشاكل الاجتماعية بالغة الأهمية وشديدة التعقيد، إذا تم جمع المؤسسات غير الربحية والحكومات والشركات والجمهور للعمل معاً وفق أجندة عمل مشتركة لخلق تأثير جمعي. هذا الأمر لا يحدث كثيراً، ليس لأنه مستحيل، بل لأن هذا النهج نادراً ما يتم اتباعه. يتجاهل المموّلون والمؤسسات غير الربحية على حد سواء، إمكانية التأثير الجمعي، لأنهم معتادون على التركيز على العمل المستقل كأداة أساسية للتغيير الاجتماعي.

التأثير المعزول

عندما يواجه معظم الممولين  مهمة اختيار عدد قليل من المستفيدين من بين العديد من المتقدمين، فإنهم يحاولون التحقق أي من المؤسسات تقدم أكبر مساهمة في حل مشكلة اجتماعية. يتنافس متلقو التبرعات بدورهم ليتم اختيارهم؛ من خلال التأكيد على أن أنشطتهم الفردية تنتج أكبر تأثير. يتم الحكم على كل مؤسسة على أساس قدرتها الخاصة على تحقيق التأثير، بغض النظر عن المؤسسات الأخرى العديدة التي قد تؤثر أيضاً على القضية، وعندما يُطلب من المستفيد تقييم تأثير عمله، فإنه يبذل كل ما في وسعه  لعزل تأثيره الفردي عن جميع المتغيرات الأخرى.

بالمختصر؛ يعمل القطاع غير الربحي معظم الأحيان باستخدام مقاربة ندعوها بالتأثير المعزول؛  هذه المقاربة موجهة نحو إيجاد وتمويل حل متجسد داخل مؤسسة واحدة، جنباً إلى جنب مع الأمل في أن أكثر المؤسسات فاعليةً ستنمو أو تنشئ نسخاً منها لزيادة تأثيرها على  نطاق أوسع. يبحث المموّلون عن تدخلات أكثر فاعلية؛كما لو كان  هناك حل سحري لفضل المدارس وما علينا إلا أن نكتشفه  بذات الطريقة التي يتم بها اكتشاف العلاجات الطبية في المختبرات. نتيجةً لهذه العملية؛ تحاول ما يقرب من 1.4 مليون مؤسسة غير ربحية، ابتكار حلول مستقلة للمشاكل الاجتماعية الكبرى، وغالباً ما تعمل وفق أجندة متضاربة، وتزيد بشكل كبير من الموارد المتوقعة المطلوبة لإحراز تقدم ذي مغزىً. وقد عززت التوجهات الحديثة هذا المنظور، فعلى سبيل المثال؛ اشتفاد القطاع الاجتماعي بشكل كبير من الاهتمام المتزايد بالمشاريع الخيرية وريادة الأعمال الاجتماعية، وذلك من خلال تحديد وتسريع نمو العديد من المؤسسات غير الربحية عالية الأداء. لكنه، في الوقت نفسه، عزز التوجه الذي يركز على توسع عدد قليل من المنظمات المختارة باعتباره السبيل الأهم لتحقيق التقدم الاجتماعي.

وعلى الرغم من هيمنة هذه المقاربة؛ لا تزال الأدلة قليلةً على أن المبادرات المعزولة هي الطريقة الأفضل لحل العديد من المشاكل الاجتماعية في العالم المعقد والمترابط في عصرنا الحالي. لا يمكن تحميل مؤسسة واحدة المسؤولية عن أية مشكلة اجتماعية كبرى، ولا يمكن لأية مؤسسة معالجتها بمفردها. ففي مجال التعليم؛ حتى أكثر المؤسسات غير الربحية أهميةً؛ مثل هارلم تشيلدرنز زون، التعليم من أجل أميركا، برنامج نوليدج از باور (KIPP)، استغرقت عقوداً من الزمن للوصول إلى عشرات الآلاف من الأطفال؛ والذي يُعد إنجازاً رائعاً يستحق الثناء؛ إلا أنه أقل بألف مرة من الحاجة للوصول إلى  عشرات الملايين من الأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدة في الولايات المتحدة الأميركية.

تتفاقم مشكلة الاعتماد على التأثير المعزول للمؤسسات الفردية بسبب عزلة القطاع غير الربحي، وتنشأ المشاكل الاجتماعية من تقاطع الأنشطة الحكومية والتجارية؛ وليس فقط من سلوك مؤسسات القطاع الاجتماعي، ونتيجةً لذلك؛ لا يمكن حل المشكلات المعقدة إلا من خلال التحالفات عبر القطاعات التي تُشرك من هم خارج القطاع غير الربحي.

لا نريد الإيحاء بأن جميع المشكلات الاجتماعية تتطلب تأثيراً جمعياً، ففي الواقع؛ يتم حل بعض المشكلات بشكل أفضل من خلال المؤسسات الفردية. في مقال “القيادة بجرأة”؛ وهو مقال كتبناه مع رون هيفيتز لعدد شتاء 2004 من مجلة ستانفورد ريفيو للابتكار الاجتماعي، وصفنا الفرق بين المشكلات التقنية ومشكلات التكيف. بعض المشكلات الاجتماعية تقنية من حيث أن المشكلة محددة جيداً، والإجابة معروفة مسبقاً، ولدى مؤسسة واحدة أو عدة مؤسسات القدرة على تنفيذ الحل. تشمل الأمثلة تمويل المنح الدراسية الجامعية، أو بناء مستشفىً، أو تثبيت ضوابط المخزون في بنك الطعام. وعلى النقيض من ذلك، فإن مشاكل التكيف معقدة وإجاباتها غير معروفة، وحتى لو كانت كذلك، فلا يوجد كيان بمفرده يمتلك الموارد أو السلطة اللازمة لإحداث التغيير الضروري. إذ إن إصلاح التعليم العام، واستعادة بيئات الأراضي الرطبة، وتحسين صحة المجتمع؛ كلها مشاكل تكيفية، وفي هذه الحالات؛ من أجل  الوصول إلى حل فعال، ينبغي التعلم من قبل أصحاب المصلحة المشاركين في المشكلة؛ والذين يجب عليهم بعد ذلك تغيير سلوكهم من أجل إيجاد حل.

إن التحول من التأثير المعزول إلى التأثير الجمعي ليس مجرد مسألة تشجيع المزيد من التعاون أو الشراكات بين القطاعين العام والخاص؛ بل إنه يتطلب مقاربة ممنهجة للتأثير الاجتماعي، يركز على العلاقات بين المؤسسات والتقدم نحو الأهداف المشتركة، ويتطلب إنشاء مجموعة جديدة من المؤسسات الإدارية غير الربحية؛ التي تمتلك المهارات والموارد الكافية لتجميع وتنسيق العناصر المحددة اللازمة لنجاح العمل الجماعي.

اقرأ أيضاً: ماذا نقصد بالأثر الجماعي عالي الجودة؟

الشروط الخمسة للنجاح الجماعي

يُظهر بحثنا أن مبادرات التأثير الجمعي الناجحة عادةً ما تمتلك خمسة شروط تحقق جميعها انتظاماً حقيقياً للعمل، وتقود إلى نتائج ضخمة؛ وهي: أجندة عمل مشتركة، أنظمة قياس مشتركة، أنشطة مُعزِّزة بشكل مشترك، تواصل مستمر، منظمات داعمة أساسية.

1. أجندة عمل مشتركة | يتطلب التأثير الجمعي أن يمتلك جميع المشاركين رؤية مشتركة للتغيير؛ رؤية تتضمن فهماً مشتركاً للمشكلة ونهجاً مشتركاً لحلها من خلال الإجراءات المتفق عليها. ألقِ نظرةً فاحصةً على أية مجموعة من الممولين والمؤسسات غير الربحية التي تعتقد أنها تعمل على نفس المشكلة الاجتماعية، وسرعان ما ستجد أنها ليست نفس المشكلة على الإطلاق. غالباً ما يكون لكل مؤسسة تعريف مختلف قليلاً للمشكلة والهدف النهائي، ويتم تجاهل هذه الاختلافات بسهولة عندما تعمل المؤسسات بشكل مستقل في مبادرات منعزلة. ومع ذلك، فإن هذه الاختلافات تشتت الجهود وتقوض تأثير المجال ككل. يتطلب التأثير الجمعي مناقشة هذه الاختلافات وحلها، فلا يحتاج كل مشارك إلى الاتفاق مع كل مشارك آخر على جميع أبعاد المشكلة. في الواقع؛ وفي جميع الأمثلة التي قدمناها آنفاً عن التأثير الجمعي، كان هناك خلافات بين المشاركين فيها. ومع ذلك؛ يجب أن يتفق جميع المشاركين على الأهداف الأساسية لمبادرة التأثير الجمعي ككل. وعلى سبيل المثال، كان على مشروع إليزابيث ريفر إيجاد أرضية مشتركة بين الأهداف المختلفة للشركات والحكومات ومجموعات المجتمع والمواطنين المحليين من أجل إنشاء مبادرات قابلة للتطبيق عبر القطاعات.

يمكن أن يؤدي الممولين دوراً مهماً في حث المؤسسات على العمل بشكل جماعي. في حالة عملية سترايف، بدلاً من دعم المئات من الاستراتيجيات والمؤسسات غير الربحية؛ اتفق العديد من الممولين على دعم أهداف سترايف المركزية، فقد أعادت مؤسسة غريتر سينسيناتي مواءمة أهدافها التعليمية لتكون أكثر توافقاً مع سترايف؛ حيث اعتمدت بطاقة التقرير السنوية التي وضعتها سترايف كمقياس للمؤسسة لتحديد مدى التقدم في التعليم. في كل مرة تقدمت فيها مؤسسة ما إلى دوك اينرجي للحصول على منحة، تسأله دوك: “هل أنت جزء من شبكة [سترايف]؟”، وعندما عبّر الممول الجديد -مؤسسة كارول ان و رالف في. هايلي جونيور / يو اس بانك- عن اهتمامه بالتعليم، لاقوا تشجيعاً من كل قائد رئيسي في قطاع التعليم في سينسيناتي، للانضمام إلى سترايف في حال كانوا يرغبون بإحداث أثر حقيقي على قطاع التعليم المحلي.

2. أنظمة قياس مشتركة | إن تطوير نظام قياس مشترك هو أمر أساسي في تحقيق التأثير الجمعي. وسيكون واهماً من يعتقد بإمكانية  الاتفاق على جدول أعمال مشترك دون الاتفاق حول طرق لقياس النجاح والإبلاغ عنه؛ حيث أن جمع البيانات وقياس النتائج باستمرار وفق قائمة قصيرة من المؤشرات على مستوى المجتمع وعبر جميع المؤسسات المشاركة، لا يضمن أن تظل جميع الجهود متناسقةً فحسب؛ بل إنه أيضاً يمكّن المشاركين من المساءلة والتعلم من نجاحات وإخفاقات بعضهم البعض.

قد يبدو من المستحيل تقييم مئات المؤسسات المختلفة وفق نفس مجموعة المقاييس؛ إلا أن التطورات الحديثة في التقنيات المستنِدة إلى الويب، قد مكنت الأنظمة المشتركة من متابعة الأداء وقياس النتائج. تعمل هذه الأنظمة على زيادة الكفاءة وتقليل التكلفة، كما يمكنها أيضاً تحسين جودة ومصداقية البيانات التي تم جمعها، وزيادة الفعالية من خلال تمكين المستفيدين من التعلم من أداء بعضهم بعضاً، وتوثيق التقدم المحقَّق في المجال ككل.

على سبيل المثال؛ وافقت كافة برامج سترايف لمرحلة ما قبل المدرسة، على قياس النتائج وفق نفس المعايير، وجعل عملية صنع القرار معتمِدة على الأدلة حصراً وفي حين أن كل نوع من الأنشطة يتطلب مجموعةً مختلفةً من المقاييس؛ لكن جميع المؤسسات المنخرطة في نفس النوع من الأنشطة تتبع ذات المقاييس. إن النظر إلى النتائج عبر عدة مؤسسات يمكّن المشاركين من التعرف على الأنماط وإيجاد الحلول وتنفيذها بسرعة. فقد اكتشفت برامج ما قبل المدرسة تراجع مستوى  الأطفال خلال العطلة الصيفية قبل الدخول إلى الروضة. ومن خلال إطلاق جلسة “الجسر الصيفي” المبتكرة؛ وهي تقنية تُستخدم غالباً في مدارس المرحلة المتوسطة، وتنفيذها بشكل متزامن في جميع برامج ما قبل المدرسة، تمكنوا من رفع متوسط درجات استعداد الأطفال للروضة في جميع أنحاء المنطقة بمعدل 10% خلال عام واحد.

3. أنشطة معزِّزة بشكل مشترَك | تعتمد مبادرات التأثير الجمعي على مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة الذين يعملون معاً؛ وذلك لا يتم من خلال مطالبة جميع المشاركين بفعل الشيء نفسه؛ بل من خلال تشجيع كل مشارك على القيام بمجموعة محددة من الأنشطة التي يتفوق فيها بطريقة تدعم أنشطة الآخرين وتتّسق معها.

إن قوة العمل الجماعي لا تنبع من العدد الهائل للمشاركين أو توحيد جهودهم؛ بل من التنسيق بين أنشطتهم المتمايزة من خلال خطة عمل يعززون من خلالها بعضهم بعضاً. يجب أن تنسجم جهود كل شخص من أصحاب المصلحة مع خطة شاملة موحدة، حتى يُكتب للجهود المشتركة النجاح. هناك ترابط وثيق بين  الأسباب المتعددة للمشاكل الاجتماعية من جهة، وبين  مكونات حلولها من جهة أخرى. ولا يمكن التعامل مع هذه المسألة دون تنسيق الإجراءات بين  بين المؤسسات المعزولة عن بعضها.

وعلى سبيل المثال، وافق جميع المشاركين في مشروع نهر إليزابيث على خطة استعادة المجمعات المكونة من 18 بنداً، لكن كلاً منهم يؤدي دوراً مختلفاً بناءً على قدراته الخاصة؛ حيث تعمل مجموعة واحدة من المؤسسات على خلق قاعدة دعم ومشاركة بين المواطنين، وتقدم مجموعة ثانية المراجعة والتوظيف للمشاركين الصناعيين الذين يقللون من التلوث طواعيةً، ومجموعة ثالثة تنسق وتراجع البحث العلمي.

تقوم كل شبكة في شبكات النجاح الطلابية (إس إس إن) الخمسة عشر في سترايف، بأنواع مختلفة من الأنشطة في مراحل مختلفة من السلسلة التعليمية. لا تحدد سترايف الممارسات التي يجب على كل مؤسسة من المؤسسات المشاركة البالغ عددها 300 اتباعها؛ كل مؤسسة وشبكة لها مطلق الحرية في رسم مسارها الخاص بما يتفق مع أجندة الأعمال المشتركة، وعلى أساس القياس المشترك للنتائج.

4. التواصل المستمر | يُعد تطوير الثقة بين المؤسسات غير الربحية والشركات والوكالات الحكومية تحدياً هائلاً، ويحتاج المشاركون إلى عدة سنوات من الاجتماعات المنتظمة لبناء خبرة كافية مع بعضهم البعض، للتعرف على الدافع المشترك وراء جهودهم المختلفة، وتقديره. إنهم يحتاجون إلى الوقت ليتمكنوا من رؤية أن مصالحهم الخاصة ستُعامل بشكل عادل، وأن القرارات ستُتَّخذ على أساس أدلة موضوعية وأفضل حل ممكن للمشكلة، وليس بناءً على تفضيل أولويات مؤسسة على أخرى.

حتى عملية إنشاء قاعدة مفردات مشتركة تستغرق وقتاً، وهي مطلب أساسي لتطوير أنظمة قياس مشتركة. عقدت جميع مبادرات التأثير الجمعي التي درسناها اجتماعات شخصيةً شهريةً أو حتى نصف شهرية بين قادة المؤسسات على مستوى الرؤساء التنفيذيين؛ حيث لم يكن من المقبول تخطي الاجتماعات أو إرسال مندوبين من مستوىً أدنى، وقد تم دعم معظم الاجتماعات من قبل ميسرين خارجيين، واتبعت جدول أعمال منظم.

شبكات سترايف -على سبيل المثال- كانت تجتمع بانتظام منذ أكثر من ثلاث سنوات، كما يتم التواصل ما بين الاجتماعات أيضاً؛ حيث تستخدم سترايف أدوات تستند إلى الويب؛ مثل مجموعات جوجل، للحفاظ على تدفق التواصل بين الشبكات وداخلها. في البداية؛ حرص العديد من القادة على الحضور، لأنهم كانوا يأملون أن تجلب مشاركتهم تمويلاً إضافياً لمؤسساهم؛ لكنهم سرعان ما علموا أن هذا لم يكن الغرض من الاجتماعات، وما اكتشفوه بدلاً من ذلك كان فرص التعلم وحل المشكلات مع الآخرين الذين يشاركونهم نفس المعرفة العميقة والشغف بالمسألة.

5. منظمات دعم أساسية | يتطلب إنشاء وإدارة التأثير الجمعي وجود مؤسسة منفصلة، وموظفين يتمتعون بمجموعة محددة جداً من المهارات، ليكونوا بمنزلة العمود الفقري للمبادرة بأكملها، فالتنسيق يستغرق وقتاً، ولا تمتلك أي من المؤسسات المشاركة الوقت الإضافي لتقوم بذلك؛ حيث أن توقع إمكانية حدوث التعاون دون بنية تحتية داعمة يُعد أحد الأسباب الأكثر شيوعاً لفشل هذا التعاون.

تتطلب الؤسسة الأساسية موظفين مخصصين منفصلين عن المؤسسات المشارِكة، يمكنهم التخطيط للمبادرة وإدارتها ودعمها؛ من خلال التيسير المستمر ودعم التكنولوجيا والاتصالات وجمع البيانات وإعداد التقارير والتعامل مع التفاصيل اللوجستية والإدارية الكثيرة  واللازمة لعمل المبادرة بسلاسة. قامت سترايف بتبسيط متطلبات التوظيف الأولية للمؤسسة الأساسية إلى ثلاثة أدوار: مدير المشروع، ومدير البيانات، والميسر.

يتطلب التأثير الجمعي أيضاً عمليةً منظمةً للغاية تؤدي إلى اتخاذ قرارات فعالة. في حالة سترايف؛ عمل الموظفون مع شركة جنرال إلكتريك (GE) لتكيف عملية سيكس سيغما التي تستخدمها GE لعمليات تحسين الجودة المستمرة لديها، مع القطاع الاجتماعي. تتضمن عملية سيكس سيغما التي طوّرتها سترايف، التدريب والأدوات والموارد التي تستخدمها كل من شبكات إس إس إن (SSN) لتحديد جدول أعمالها المشترك والتدابير المشتركة وخطة العمل، بدعم من ميسّري سترايف لتوجيه العملية بشكل فعال.

في الظروف المثلى؛ تجسد هذه المؤسسات الأساسية مبادئ القيادة التكيفية: القدرة على تركيز انتباه الناس وخلق شعور بالإلحاح، ومهارة ممارسة الضغط على أصحاب المصلحة دون إرباكهم، والكفاءة لتأطير القضايا بطريقة تقدم الفرص بالإضافة إلى الصعوبات، والقوة للتوسط في الصراع بين أصحاب المصلحة.

تمويل التأثير الجمعي

يتطلب إنشاء مبادرة تأثير جماعي ناجحة استثماراً مالياً كبيراً: الوقت الذي يجب أن تخصصه المؤسسات المشارِكة للعمل، تطوير ومراقبة أنظمة القياس المشتركة، موظفو المؤسسة الأساسية اللازمون لقيادة ودعم العمل المستمر للمبادرة.

على الرغم من النجاح الذي حققته سترايف؛ إلا أنها واجهت صعوبات في جمع الأموال، وواجهت إحجام الممولين عن الدفع مقابل البنية التحتية وتفضيلهم للحلول قصيرة الأمد. يتطلب التأثير الجمعي أن يدعم الممولون عمليات طويلة الأمد من أجل تحقيق التغيير الاجتماعي المرجوّ دون تحديد أي حل بشكل مسبق؛ يجب أن يكونوا مستعدين للسماح للمستفيدين بتوجيه العمل والتحلي بالصبر للبقاء مع مبادرة لسنوات، مع إدراك أن التغيير الاجتماعي يمكن أن يأتي من التحسين التدريجي للنظام بأكمله مع مرور الوقت؛ وليس فقط من اكتشاف حل مبهر واحد من قبل مؤسسة منفردة.

وهذا يتطلب تغييراً جوهرياً في كيفية رؤية الممولين لدورهم في العملية، ليتحولوا من تمويل المؤسسات إلى قيادة عملية طويلة الأمد للتغيير الاجتماعي. ففي وقتنا الحالي؛ لم يعُد من الكافي تمويل حل مبتكر تم إنشاؤه بواسطة مؤسسة غير ربحية واحدة، أو تعزيز قدرة تلك المؤسسة. بدلاً من ذلك؛ يجب أن يساعد المموّلون في إنشاء العمليات الجماعية واستدامتها، وأنظمة إعداد تقارير القياس، والقيادة المجتمعية التي تمكّن التحالفات عبر القطاعات من الظهور والازدهار.

هذا هو التحول الذي تنبأنا به في كل من مقال “القيادة الجريئة” ومقالنا الأحدث؛ “العمل الخيري التحفيزي” في عدد خريف 2009 من مجلة ستانفورد ريفيو للابتكار الاجتماعي. في المقال الأول، اقترحنا أن الدور الأقوى للممولين في معالجة مشاكل التكيف، يكمن في تركيز الانتباه على القضية، والمساعدة على إنشاء عملية تحشد المؤسسات المعنية لإيجاد حل بأنفسهم. أما في مقال “العمل الخيري التحفيزي”، فقد كتبنا: “إن حشد أصحاب المصلحة والتنسيق بينهم هو عمل أكثر فوضويةً، وأبطأ بكثير من تمويل طلب منحة مقنع من مؤسسة واحدة. ومع ذلك، فإن التغيير المنهجي يعتمد في النهاية على حملة مستدامة لزيادة القدرة والتنسيق في مجال بأكمله “. كما أوصينا الممولين الراغبين  في إحداث تغيير واسع النطاق بأن يتبعوا أربع ممارسات: تحمل مسؤولية تجميع عناصر الحل، وخلق حركة من أجل التغيير، وتضمين الحلول من خارج القطاع غير الربحي، واستخدام المعرفة القابلة للتنفيذ للتأثير على السلوك وتحسين الأداء.

تتجسد هذه المبادئ الأربعة نفسها في مبادرات التأثير الجمعي؛ حيث تخلى منظمو سترايف عن النهج التقليدي المتمثل في تمويل برامج محددة في المؤسسات التعليمية غير الربحية، وتولوا مسؤولية تطوير إصلاح التعليم بأنفسهم، فقد قاموا ببناء حركة للتغيير؛ مشركين مئات المؤسسات في حملة نحو أهداف مشتركة، كما أنهم استخدموا أدوات خارج القطاع غير الربحي؛ مثل تكييف عملية التخطيط سيكس سيغما من شركةجنرال إلكتريك (GE)، لتتوافق مع القطاع الاجتماعي، ومن خلال بطاقة التقرير المجتمعية والاجتماعات نصف الشهرية لشبكات إس إس إن (SSN)؛ قاموا بإنشاء قاعدة معرفية قابلة للتنفيذ حفزت المجتمع وحسنت الأداء بين المشاركين.

رغم أن  تمويل مبادرات التأثير الجمعي أمر مكلف؛ إلا أنه قد يكون استثماراً عالي الاستدانة، يمكن لمؤسسة أساسية ذات ميزانية سنوية متواضعة أن تدعم مبادرة التأثير الجمعي لعدة مئات من المؤسسات؛ ما يضخم تأثير ملايين أو حتى مليارات الدولارات في التمويل الحالي. تمتلك سترايف -على سبيل المثال- ميزانيةً سنويةً تبلغ 1.5 مليون دولار؛ ولكنها تنسق الجهود وتزيد من فعالية المؤسسات بميزانيات يبلغ مجموعها 7 مليارات دولار، ومع ذلك؛ لم يغير القطاع الاجتماعي ممارساته التمويلية حتى الآن، لتمكين التحول إلى التأثير الجمعي، وحتى يصبح المموّلون على استعداد لتبني هذا النهج الجديد، واستثمار موارد كافية في التسهيلات الضرورية والتنسيق والقياس الذي يمكّن المؤسسات من العمل في تناغم؛ لن تتطور البنية التحتية المطلوبة للقيام بذلك.

صدمة مستقبلية

كيف يمكن أن يبدو التغيير الاجتماعي إذا تبنى المموّلون والمؤسسات غير الربحية والمسؤولون الحكوميون والقادة المدنيون ورجال الأعمال التأثير الجمعي؟ تقدم الأحداث الأخيرة في سترايف مؤشراً مثيراً للإمكانات المستقبلية في حال تبني التأثير الجمعي.

بدأت سترايف في تدوين ما تعلَّمته حتى تتمكن المجتمعات الأخرى من تحقيق التأثير الجمعي بسرعة أكبر؛ تعمل المؤسسة مع تسعة مجتمعات أخرى لتأسيس مهد مماثل للمبادرات المهنية. والأهم من ذلك، هو أنه رغم سعي سترايف لتوسيع تأثيرها على المستوى الوطني، فإن المؤسسة لا توسع نطاق عملياتها من خلال فتح فروع في مدن أخرى؛ بل بدلاً من ذلك، تقوم سترايف بتعميم عملية مرنة للتغيير؛ حيث تقدم لكل مجتمع مجموعةً من الأدوات المستمدَّة من تجربة سترايف لتحقيق الأثر الجمعيّ؛ إلا أنها قابلة للتكيف مع احتياجات المجتمع وموارده الخاصة. نتيجةً لذلك؛ تأخذ المجتمعات الجديدة الملكية الحقيقية لمبادرات التأثير الجمعي الخاصة بها؛ لكنها لا تحتاج إلى بدء العملية من الصفر، وبذلك يتم تسريع الأنشطة؛ مثل تطوير مهمة ورؤية إصلاح تعليمي جماعي، أو إنشاء مؤشرات تعليمية محددة على مستوى المجتمع من خلال استخدام مواد سترايف والمساعدة المقدمة من طاقم سترايف، فالعمليات التي استغرق تطويرها من سترايف عدة سنوات، يتم تكييفها وتعديلها من قبل المجتمعات الأخرى في وقت أقل بكثير.

شكلت هذه المجتمعات التسع بالإضافة إلى سينسيناتي، مجتمعاً للتدرب والممارسة؛ حيث يتواصل الممثلون لكل مهمة بشكل منتظم لمشاركة ما يتعلمونه. ونظراً لعدد المجتمعات وتنوعها؛ تستطيع سترايف وشركاؤها أن يحددوا بسرعة أي العمليات التي يمكن تطبيقها في أي مكان، وأي منها يحتاج إلى التكييف مع السياق المحلي. ومع تراكم المعارف التي يتم تعلمها، سيقوم فريق سترايف بدمج النتائج الجديدة في البوابة المعرفية المنشأة على الإنترنت؛ والتي ستكون متاحةً لأي مجتمع يرغب في إنشاء مبادرة تأثير جمعي خاصة به تستند إلى نموذج سترايف.

هذا التطور المثير لمبادرة التأثير الجمعي التي قامت بها سترايف، بعيد كل البعد عن نهج التأثير المعزول الذي يهيمن الآن على القطاع الاجتماعي؛ والذي يمنع أي جهد كبير من إحداث تغيير شامل وواسع النطاق. في حال نجاح هذه المبادرة، فإنها تبشر بانتشار نهج جديد سيمكننا من حل المشاكل الاجتماعية الحالية الأكثر خطورةً بالموارد التي هي بالفعل تحت تصرفنا، وسيكون الأمر صدمةً للنظام الاجتماعي بأكمله؛ لكنه شكل من أشكال العلاج بالصدمة الذي نحن في أمسّ الحاجة إليه.

اقرأ أيضاً: تحقيق الأثر الجماعي لمجموعة الشباب الواعدين

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.