3 عناصر لتحديد تأثير الشركات في رفاه المجتمع

محاسبة التأثير
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مع تزايد المخاوف بشأن الاستدامة البيئية والاجتماعية، ظهر على هذا الكوكب بطل جديد، وهو المحاسب. اقترحت مجموعة متنامية من المستثمرين والأكاديميين وقادة الشركات أن الممارسات المحاسبية الأفضل يمكن أن تطيح بما يسميه الممول رونالد كوهين “استبداد الربح”، وتضع الرأسمالية على مسار أكثر استدامة. حيث تعِد “محاسبة التأثير” الجديدة بجدولة كل طريقة تؤثر بها كل شركة بمفردها على الرفاه في الكوكب، بما في ذلك الربح الاقتصادي والتوظيف والعدالة الاجتماعية والتنوع البيولوجي والمناخ، وترجمتها جميعاً إلى مقياس واحد للتأثير، ممثلة بواحدات الدولار والسنت. ووفقًا لكوهين والأستاذ بجامعة هارفارد جورج سيرافيم، فإن النتائج من “شفافية التأثير ستعيد تشكيل الرأسمالية؛ إنها ستعيد تعريف النجاح، بحيث لا يقتصر قياسه على المال فحسب، بل سيشمل التأثير الإيجابي الذي نحدثه خلال حياتنا”. وقد عبّرت ريبيكا هندرسون، وهي أيضاً أستاذة جامعية في جامعة هارفارد، عن الخطة بإيجاز بقولها: “يمتلك المحاسبون مفاتيح خلاص الحضارة”.

يبدو أن مصالح أصحاب السلطة تتوافق مع إمكانات محاسبة التأثير؛ حيث يقوم كل من الاتحاد الأوروبي ومجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة واتحاد من الشركات متعددة الجنسيات بتطوير أساليب محاسبة التأثير، كما هو الحال مع تحالف رؤوس الأموال (Capitals Coalition)، وهو مجموعة من 380 كياناً، بما فيهم وول مارت” (Walmart) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والبنك الدولي. كما طورت عدة شركات استشارية، بقيادة كيه بي إم جي (KPMG) وبي سي جي (BCG) وبي دبليو سي (PWC)، أساليبها الخاصة لتقييم التأثير الكلي للشركة. وهناك مبادرة بحثية في جامعة هارفارد ركزت على “الحسابات الموزونة التأثير” لديها مجلس استشاري يضم شخصيات قيادية من مجالات إدارة الأصول، والخدمات المصرفية، والمناصرة، والعمل الخيري، والأوساط الأكاديمية.

ولكن بينما يعِد أنصار “محاسبة التأثير” بأنها ستعيد تشكيل الرأسمالية نفسها، فماذا عن المخاطر المرافقة لذلك؟ إن نظامنا الرأسمالي الحالي، وبغض النظر عن عيوبه العديدة، قد أحدث تحسينات كبيرة لمعايير العيش ومتوسط الأعمار، وإن التغييرات المنهجية قد تتسبب بضرر بقدر ما قد تحدث تحسينات. ومع ذلك، فلا يمكننا إيجاد أي دليل على أن دعاة محاسبة التأثير قد قيّموا بالفعل الأخطار المحتملة المتأصلة في مقترحاتهم. لذا فقد أجرينا فيما يلي ما يُشبه المراجعة وخلصنا إلى أنه في حين أن هذه المقترحات مغرية، إلا أن تنفيذها مستحيل ومحفوف بالمخاطر.

الجانب الجذاب

لطالما كان المهتمون بالتحديات الاجتماعية والبيئية المتفاقمة يأملون في أن يقودنا القياس والإبلاغ الكاملان عن تأثيرات الشركات إلى شكل أكثر استدامة من الأعمال التجارية. فعلى سبيل المثال، منذ أكثر من 25 عاماً مضت، اقترح جون إيلكينغتون أن تتحول الشركات من قياس قيمة “الدخل الصافي” لأرباح الشركة بمفرده إلى قياس “الدخل الصافي الثلاثي” الذي يشمل التأثير المالي والبيئي والاجتماعي. ولكن بينما كان إيلكينغتون يأمل أن يؤدي هذا الأمر إلى “تحفيز تفكير أعمق حيال الرأسمالية ومستقبلها”، اكتشف أنه في سياق الممارسة العملية، غالباً ما لا يتم استخدام المعلومات. وقد أقر مؤخراً أنه “ليس من الواضح أن البيانات الناتجة يتم تجميعها وتحليلها بطرائق تساعد صانعي السياسات ومتخذي القرارات فعلياً”. ونتيجة لذلك، أصدر إيلكينغتون منذ ثلاثة سنوات “تراجعاً” عن مقترحه الأصلي.

يعتقد أنصار محاسبة التأثير أنهم يفهمون سبب فشل أفكار مثل “الدخل الصافي الثلاثي” في إحداث تغيير جوهري، ويعتقدون أنهم يمتلكون الحل لذلك. يشير هؤلاء إلى أنه حتى لو كشفت الشركات عن مجموعة من التأثيرات، فإن المعلومات التي تقدمها تأتي في مصفوفة مشتتة من واحدات القياس؛ مثل أطنان ثاني أكسيد الكربون، وغرامات مركبات الديوكسين، ولترات الماء، ومعدلات الحوادث، ودرجات رضا العملاء، وما إلى ذلك. كما يؤكدون أنه من أجل تجاوز هذا التنوع في الواحدات، يركز المدراء فقط على الإجراءات التي يُعبر عن قيمتها بالدولار. ولهذا السبب يقترح أنصار محاسبة التأثير ترجمة التأثيرات الاجتماعية والبشرية والبيئية إلى قيم بالدولار لإبراز التأثيرات المقلل من شأنها حتى الآن. كما يؤكدان أن هذا سيتيح لنا فرصة أخذ الآثار المالية والاجتماعية والبيئية و”تجميعها ومقارنتها بشكل هادف”، وعرضها “تحت نفس الواحدات الحسابية”، ومعالجتها باستخدام “أدوات التمويل والمحاسبة الحالية”. ويتوقعان أن النتيجة ستكون تسهيل أو إزالة العوائق الإدارية، وتحرير الطلب المكبوت على العمل، وإعادة الموازنة بين أهداف الأعمال التجارية. وسيصبح التأثير الكلي هو “المحصلة” الجديدة، بدلاً عن الفوائد.

تعِد محاسبة التأثير بتحقيق الفوائد لكل أصحاب المصلحة؛ حيث سيكتسب الناشطون الاجتماعيون والبيئيون نظرة ثاقبة لتوجيه دعوتهم بشكل أفضل، وسيكون المستثمرون أكثر قدرة على تقييم المخاطر لتحسين توزيع الأصول، وسيفهم المدراء المفاضلات بشكل أفضل ويتحررون من المناقشات المغرضة حول الأهداف الخاصة والعامة. فعندما يتم التعرف على تأثيرات كل شركة وجدولتها، سيصبح من الممكن إنشاء “حسابات موزونة التأثير”، ما يتيح أدوات الاستثمار المصممة بدقة لتناسب تفضيلات المستهلكين فيما يتعلق بالعوائد الخاصة والعامة.

بالنسبة للمشككين، يصر المناصرون على وجود سابقة. حيث كتب السير رونالد كوهين في كتابه “التأثير” (Impact) أن “مثل هذا التغيير ليس مجرد تخيلات، بل إنه في الواقع، قد حدث سابقاً”. وكدليل على ذلك، يُشير إلى التوحيد القياسي لممارسات المحاسبة الذي ظهر بعد انهيار سوق الأسهم في عام 1929. ووفقاً لكوهين، فعلى الرغم من الجدال الكبير الذي حدث في ذلك الوقت، فإن فوائد هذه التغييرات معترف بها الآن على نطاق واسع، و”نفس الشيء سيقال يوماً ما عن الحسابات الموزونة التأثير”.

التحدي

إن الإشارة للسوابق يموّه الطبيعة الثورية للمقترحات المطروحة؛ حيث يتمحور منطق محاسبة التأثير حول التغيير الأساسي في مكان البدائل الاقتصادية وكيفية تقييمها . يشدد اقتصاد السوق الحالي لدينا على التقييم الموزع وصناعة القرار، ويعمل مثل مجموعة من الحواسيب المتصلة بشبكة واحدة؛ حيث يقوم المشترون والباعة في العُقد بتقييم مزايا التبادل، ويتم تمرير المعلومات المتعلقة بالسعر المتفق عليه عبر الشبكة، ما يتسبب في تكييف النظام الاقتصادي بأكمله لتقديم ما يريده المستهلكون بشكل أفضل. أما على النقيض من ذلك، تقوم محاسبة التأثير بالاستعاضة عن هذا النظام بجهاز حاسوب مركزي واحد؛ حيث يحسب الخبراء في مركزه القيمة الحقيقة لكل تبادل بالنسبة للباعة والمشترين، وللأطراف الثالثة، وللكوكب ككل، ثم يحددون المعاملات والقيم للمدراء لاستخدامها في إجراء التحسينات. سيسمح مثل هذا الحساب المركزي بالنظر في المزيد من الاهتمامات، ولكنه سيتطلب أيضاً قوة معالجة هائلة. لدرجة أن معظم خبراء الاقتصاد يعتقدون أنه من المستحيل حل “مشكلة الحساب الاقتصادي” (أي التخصيص الفعال للإنتاج لتلبية رغبات المستهلك) بطريقة مركزية.

يتصدى المؤيدون للمخاوف المتعلقة بجدوى حساب التأثير من خلال الإشارة إلى نجاح المحاسبة المالية، ولكن في هذا الحالة أيضاً، تكون هذه المقارنة مضللة. حيث تركز ممارسات المحاسبة الحالية على جدولة المعلومات التي لها سعر معلوم في السوق، مثل سعر المدخلات اللازمة للإنتاج والإيرادات العائدة من المنتجات المُباعة للمستهلكين. وفقط في قلة قليلة من المناسبات، مرفقة بصعوبة كبيرة، يتوجب على المحاسبين محاولة تقدير القيمة، أو “السعر الاعتباري” لشيء يفتقر إلى سعر صريح. والعكس ينطبق على محاسبة التأثير. لأن كل التأثيرات تقريباً تفتقر إلى سعر صريح واضح، وكل منها سيتطلب تقديره تقريبياً بعملية مُضنية.

ضع في اعتبارك الصعوبات التي ينطوي عليها تقدير ثلاثة عناصر حاسمة فقط للتأثير الكلي للشركة: منفعة المستهلك، والتأثير الخارجي، وتأثيرات التغييرات في الممارسة.

1. منفعة المستهلك

إن الخطوة الأولى والأكثر أهمية في حساب جميع تأثيرات الشركات هي تقييم الفوائد التي يجنيها المستهلكون من المنتجات والخدمات. فعندما يشتري مستهلك سلعة بسعر أقل من قيمتها بالنسبة له، فسيشعر بحال أفضل، والإنتاج الفعال لهذا “الفائض الاستهلاكي” هو فائدة رئيسية لنظامنا الاقتصادي الحالي. لسوء الحظ، كما اعترف أربعة خبراء اقتصاديين بارزين مؤخراً، “لقد ثبت أن الحصول على تقديرات تجريبية مُقنعة للفائض الاستهلاكي يُمثل تحدياً كبيراً”. وذلك لأن المستهلكين لا يكشفون عن القيمة التي يضعونها لسلعة أو خدمة معينة، فإن حساب الفائض هذا بالنسبة لهم، أي القيمة مطروحاً منها السعر الذي دفعوه، سيتطلب قراءة عقول المستهلكين. وبينما يعمل نظامنا الاقتصادي الحالي دون معرفة المحللين بتقييمات المستهلكين، تتطلب محاسبة التأثير تقدير تأثيرات المنتجات والخدمات على جميع أصحاب المصلحة، بمن فيهم المستهلكون. فكيف سيحل محاسبو التأثير هذه المشكلة؟

نظراً لأن مبادرة المحاسبة موزونة التأثير التي أقامتها جامعة هارفارد (Harvard Impact Weighted Accounting Initiative) أو آيواي (IWAI) كانت شفافة بشكل يستحق الثناء بشأن أساليبها، يمكننا الإجابة على هذا السؤال. حيث تكشف تقارير آيواي عن خطة قياس منفعة المستهلك باعتبارها أحد عناصر تأثير شركة ما خلال مبيع منتجاتها. وللقيام بذلك، تفترض مجموعة آيواي أن إجمالي منافع المستهلك يتناقص بالتناسب مع السعر، ويزيد بالتناسب مع المنفعة التي يجنيها المستهلك ويتضاعف من خلال عدد المستهلكين الذين يتم خدمتهم. ويستخدم أفراد المبادرة طريقة التحري لتجنب المشكلة الشائكة المتمثلة في حساب تصورات المستهلك عن المنفعة. أولاً، يقومون بفصل السلع والخدمات إلى نوعين، مستلزمات أساسية أو رفاهية، ويفترضون أن المنتجات الأساسية ذات منفعة أكبر من منتجات الرفاهية. ولتبرير نهجهم، يستخدم فريق آيواي مقاربة منطقية من خلال “تجربة فكرية“: “خذ بعين الاعتبار تأثير حقائب اليد بتوقيع مصمم مشهور والماء … سيكون الماء مؤثراً أكثر بسبب الجودة الكامنة في المنتج. وفي حين أن الماء حاجة أساسية للصحة العامة وتمنع الجفاف، بينما أن حقيبة اليد من مصمم مشهور هي سلعة رفاهية ذات فائدة متأصلة أقل”.

يبدو هذا التحري منطقياً في الظاهر، لكن عشوائيته سرعان ما تصبح واضحة مع الممارسة والتطبيق. ضع في اعتبارك على سبيل المثال، تحليل آيواي لقطاع الطيران. يشير تقريرهم أن شركات الطيران غالباً ما تخدم “وجهات سفر ترفيهية” ويخلص إلى أن جميع رحلات الطيران هي سلع رفاهية. إلا أن طائرة واحدة تشتمل على أشخاص يسافرون لأسباب عديدة؛ إما من أجل حدث عائلي مهم، أو لرعاية شخص مريض، أو لإجراء مقابلة من أجل وظيفة، أو لقضاء إجازة “مُرفهة”. كذلك، عند النظر في الأمر عن كثب، ليس من الواضح أن السفر إلى وجهة “ترفيهية” ينتج عنه فائدة أقل للمستهلك. أصبح من الممكن الآن تلبية بعض الاحتياجات “الأساسية”، مثل إجراء المقابلات التوظيفية من خلال اجتماع عبر الإنترنت، في حين أن الأنشطة الترفيهية، مثل الإجازات العائلية، قد لا يكون لها بديل حالي آخر، فالحديث مع الأجداد عبر تطبيق فايس تايم (Facetime) ليس مثل الزيارة الفعلية. لذلك، على عكس تحريات آيواي، قد يستفيد المستهلكون من السفر الذي يُعد “رفاهية”، مثل الذهاب في إجازة عائلية، أكثر من الاستفادة من رحلة لتلبية حاجة “أساسية”، مثل إجراء مقابلة للحصول على وظيفة.

يكشف هذا المثال أيضاً عن إمكانية أن تؤدي القياسات المغلوطة إلى الضرر. لنفترض أن مدراء شركات الطيران كانوا يستندون إلى تحليل آيواي ويحاولون تحسين مجموع نقاط التأثير الإجمالية الخاصة بهم عبر التوقف عن تقديم الخدمات “الترفيهية”، كالرحلات الجوية إلى وجهات ترفيهية مثل سان خوان في بورتوريكو. وقيامهم بهذا قد يجعل حساب التأثير الخاص بهم يبدو أفضل، إلا أنه سيتسبب في الحقيقة بضرر فعلي لأن السياح الذين يسافرون إلى بورتوريكو يجلبون إلى الاقتصاد المحلي الدولارات التي تشتد الحاجة إليها. فهل ينبغي على مدراء شركات الطيران بدلاً من ذلك رفض سفر مرتادي الرحلات لتوفير مساحة أكبر للمسافرين ذوي الاحتياجات “الأساسية”؟ لا، فالمال الذي يصرفه محبو الترحال والسفر في العطلات على تذاكر الطيران يسمح للخطوط الجوية بتوفير الخدمات لسفر هؤلاء الذين يمتلكون أسباباً أكثر “جوهرية”، مثل مختصي الرعاية الصحية. وبدون وفورات الحجم التي يتيحها محبو الترحال والسفر، ستكون الرحلات الجوية أكثر تكلفة، ولن تتم تلبية الاحتياجات “الأساسية”.

تضيف مجموعة آيواي أيضاً مقاييس “فعالية” لتحسين تأثير المستهلك لكل منتج أو خدمة، ربما من أجل تخفيف حدة التمييز بين الخدمات الأساسيات والخدمات الترفيهية. ففي قطاع الطيران على سبيل المثال، قاموا بقياس أوقات تأخير الرحلات، وسوء التعامل مع الأمتعة، وسجل أمان شركة الطيران. ولكن على الرغم من أن هذه المقاييس قد تكون مهمة، إلا أنها لا تحل المشاكل التي تمت مناقشتها أعلاه، كما أنها لا تتعامل حتى مع جزء صغير من الميزات التي تؤثر على منفعة المستهلك، مثل وجهة الرحلة، وجدول الرحلات الجوية، والمرونة، والاتصالات، ووقت السفر، وإجراءات الحجز المريحة، وغيرها من وسائل الراحة. وللحصول على “تقديرات تجريبية مقنعة” لمنفعة المستهلك، يجب قياس قيمة كل جانب من هذه الجوانب بدقة، ولكل شركة طيران على حدة.

نظراً لأن مقاييس تأثير المنتج المختلفة مخصصة لكل قطاع بحد ذاته، فإن درجة تعقيد طريقة تحديد الفائض الاستهلاكي تنمو بشكل أسي. فعلى سبيل المثال، لتحديد تأثير المنتج على صناعة الأغذية المعبأة للمستهلكين، يحسب فريق آيواي تأثير سبع فئات (القدرة على الاقتناء، والفئة المحرومة من الخدمات، والصحة والسلامة، والفعالية الإيجابية، والفعالية السلبية، والانبعاثات، وقابلية إعادة التدوير). وهذا هو الحال بالنسبة لشركات الطيران، حيث يتم فرض ثقل إضافي لفئة السلع الترفيهية (مثل الآيس كريم) مقارنة بالسلع الأساسية (مثل الحبوب). ولتحديد القدرة على الاقتناء، فإن فريق آيواي “يقسم الإيرادات من برامج قسائم الطعام حسب القيم الافتراضية للقطاع بشأن تكلفة الوجبة السنوية للفرد لتحديد عدد الأفراد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الذين وصلهم المنتج … [و] … ثم يتم ضرب عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الذين تم الوصول إليهم بالتكاليف الصحية التي تم تجنبها المرتبطة بالوصول إلى برنامج قسائم الطعام لتقدير التأثير على الفئات المحرومة”. هل فهمتم الأمر؟ وهذا مجرد مثال واحد على الأحكام والاستقراءات اللازمة لقياس عنصر واحد من الفائض الاستهلاكي في قطاع واحد.

2. التأثير الخارجي

إحدى الخطوات الأخرى الضرورية للوصول إلى تأثيرات شركة ما هي تقييم الأضرار أو الفوائد التي حدثت للأطراف الثالثة. إن وضع قيمة تقريبية لهذه “العوامل الخارجية” أمر صعب للغاية، حيث أن الإجماع على قيمة معينة أمر يصعب تحقيقه حتى ما بين المحللين الخبراء المُدربين جيداً. خذ بعين الاعتبار الضرر الذي تسببه انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث قام مئات الباحثين حرفياً بتقدير تأثير غاز ثنائي أكسيد الكربون، إلا أننا ما زلنا نفتقر إلى إجماع حول هذا الأمر. فقد قامت إدارة ترامب بتسعير التكلفة الاجتماعية للكربون بين 1 دولار إلى 7 دولارات للطن المتري، بينما اعتمدت إدارة أوباما سعر 42 دولاراً للطن. ويقدر الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل ويليام نوردهاوس سعر التكلفة الاجتماعية للكربون بحوالي 40 دولاراً للطن، إلا أن خبيري الاقتصاد نيكولاس ستيرن وجوزيف ستيجليتز، الحائز بدوره على جائزة نوبل، يعتقدان أن هذا السعر قليل للغاية ويُقدران قيمته بحوالي 100 دولار للطن. فكيف يُمكن للمحاسبي الذين يقومون بحساب التأثير الحكم على تقديرات مختلفة لتكلفة هذه التأثيرات؟

إن تقدير قيمة التكلفة الخارجية للكربون أسهل بكثير من تقديرها للعوامل الخارجية الأخرى. حيث أن أغلب الملوثات يعتمد تأثيرها على الوسط (هواء أو أرض أو ماء) الذي تُطلق فيه وعلى موقعها، بالإضافة إلى الكائنات الحية الموجودة. فالفلورايد، على سبيل المثال، مُلوّث ضار لبعض الكائنات المائية، ولكنه يضاف أيضاً إلى مياه الشرب لتعزيز قوة المينا في أسنان الإنسان. ولقياس التكلفة (أو الفائدة) من انبعاثات الفلورايد من منشأة إنتاجية ما، سيحتاج المحاسبون إلى معرفة أين تظهر هذه الانبعاثات وكيف وما هي الكائنات الحية الموجودة. والفلورايد ليس إلا واحداً من آلاف المُلوثات الموجودة. فكيف سنتمكن من تقييم هذه التأثيرات؟

بغض النظر عن كل شيء، فإن التحدي المتمثل في قياس العوامل الخارجية أكبر بالنسبة للتكاليف الاجتماعية غير المُسعّرة. فعلى سبيل المثال، كيف يجب قياس ممارسات معاملة العمال وتقييمها؟ هذه المشكلة مألوفة جداً لأحد مؤلفي هذا المقال، والذي عمل كرئيس تنفيذي للعمليات في شركة تمبرلاند (Timberland)، حيث تنتج الأزياء باستخدام سلاسل توريد موزعة ومعقدة. وقد تكون الشركات قادرة على تقييم ظروف العمل على المستوى الأول من الموردين، ولكن غالباً لا يُمكن معرفة الكثير حول المنتجين الثانويين أو المنتجين من الدرجة الثالثة. حتى المؤسسات غير الحكومية المحايدة المخلصة لعملها، مثل جمعية العمل العادل (Fair Labor Association)، لا يمكنها تحديد ظروف العمل في المصانع المختلفة بدقة. إذن، كيف يُمكن للمحاسبين الذين يحسبون التأثير، عن بُعد، حساب تأثير مجموعة متشابكة من مرافق الإنتاج المشتركة وتقدير سعره ثم تخصيصه لتأثيرات شركة واحدة وفق مقاييس تتراوح من العمل الإضافي المفرط إلى حوادث عمالة الأطفال وإلى النساء الحوامل اللائي يعملن بالقرب من المذيبات الضارة؟

3. تأثير التغييرات

من الجدير بالملاحظة أن التحدي الحسابي لمحاسبة التأثير لن يتم تجاوزه حتى لو تم تقييم الفائض الاستهلاكي والتأثيرات الخارجية بطريقة أو بأخرى، لأن مشكلتين متبقيتين ما زالتا تقفان عائقاً أمام ذلك. لتوفير إرشادات فعالة للمدراء حول كيفية تحسين تأثيرات شركاتهم، سيحتاج محاسبو التأثير إلى قياس قيمة التغييرات المحتملة التي يمكن لكل شركة أن تنفذها، وتحديث جميع التقديرات التقريبية لكل تغيير حقيقي في النظام الاقتصادي الأوسع والأكثر شمولاً.

خذ بعين الاعتبار الحاجة لحساب تأثير التغيرات المحتملة. ظاهرياً، قد يبدو أن قياس التأثير الحالي للشركة سيكون كافياً لتوجيه المدراء، الذين يمكنهم ببساطة اتباع طريقة التحري لتقليل التأثيرات السيئة وزيادة التأثيرات الجيدة. ولكن لسوء الحظ، فإن خبراء الاقتصاد فهموا منذ وقت طويل أنه يُمكن لقاعدة بسيطة تهدف لتقليل المساوئ أن تتسبب بضرر أكبر. وأحد الأمثلة التقليدية على هذا الأمر يتضمن شركة تتسبب بتلويث البيئة وتُحقق أرباحاً طائلة في الوقت نفسه؛ حيث أن تقليل الأسعار سيزيد منفعة المستهلك ما سيؤدي إلى تحقيق مبيعات أكثر للشركة وبالتالي تسببها بمزيد من التلوث، في حين أن رفع الأسعار سيقلل من منفعة المستهلك ومن الإنتاج، إلا أنه سيتسبب بتقليل التلوث. إن معرفة ما يجب القيام به وتقديره تتطلب فهماً تفصيلياً للمزايا النسبية لجميع الخيارات المتاحة للشركة، ولحساب هذه القيم، سيحتاج محاسبو التأثير إلى تقييم كيفية استجابة النظام الاقتصادي الأوسع للتغيير المقترح.

تتفاقم مشكلة قياس قيمة التغييرات المحتملة بسبب ديناميكية الاقتصادات الحديثة، فالظروف الاقتصادية متغيرة باستمرار، لذا سيتوجب تحديث التأثيرات باستمرار. ففي الفترة التالية لانتهاء عطلة الصيف، قد تمتلئ الرحلات إلى بورتوريكو بالمسافرين الساعين لتلبية حاجات أكثر “جوهرية”، مثل الأطباء وعمال الطاقة الكهربائية بدلاً من المُسافرين الذاهبين في عطلة. ستتطلب المعلومات الجديدة حول التأثيرات الاجتماعية أيضاً إعادة الحسابات، وسيتطلب كل ابتكار تقني جديد إعادة التقييم؛ حيث قد يؤدي تحسين المحركات النفاثة إلى تغيير التأثير البيئي لشركة الطيران، أو قد تؤثر تقنية جديدة لدمج الواقع الافتراضي على الطلب على السفر وتنوع الركاب. ولأن الاقتصاد نظام معقد ومتصل، فإن كل تغيير يتطلب إعادة حساب جميع التأثيرات ومزايا جميع التغييرات المحتملة.

تبعاً للأسباب التي تمت مناقشتها أعلاه (وغيرها)، يعتقد عموم خبراء الاقتصاد أنه من المستحيل ببساطة أن نحسب بطريقة مركزية كيف يجب على كل فاعل اقتصادي تعديل أفعاله لتحسين الرفاه البشري. في الواقع، وُضعت فكرة الحساب المركزي قيد التجربة في منتصف القرن العشرين، عندما أدى صعود الحكومات الاشتراكية والشيوعية إلى الاهتمام الأكاديمي بجدوى التخطيط المركزي، وتم رفض الفكرة بعد ذلك. وأدلى المثقفون من كل الأطياف بآرائهم، بمن فيهم ليون تروتسكي. حتى أن تروتسكي اعترف بأنه لا يمكن بناء “عقل عالمي” وبالتالي دعم اتخاذ القرار اللامركزي من خلال استخدام آلية السعر.

المخاطر

على الرغم من أن التقارير غير المالية على مدى 20 عاماً لم تتوصل بعد إلى طريقة دقيقة لقياس انبعاثات الكربون، إلا أن مناصري محاسبة التأثير يناقشون أن صعوبة حساب تأثيرات شركة ما بدقة لا يجب أن تمنعنا من المحاولة. وفي النهاية لاحظوا أن أساليب المحاسبة الحالية تفشل في تضمين مقاييس رفاهية المستهلك، أو التأثير الاجتماعي، أو التكاليف البيئية، وبالتالي حتى مقاييس التأثير غير الدقيقة يمكن أن تكون أفضل من لا شيء. وكما يصف رونالد كوهين الأمر، مستشهداً باقتباس ينسبه إلى الاقتصادي جون ماينارد كينز، “أن تكون مُصيباً إلى حد ما خير من أن تكون مخطئاً تماماً”.

ولكن بعيداً عن مثل هذه المناشدات لاستخدام المنطق السليم، يبدو أن المناصرين لم يسهموا في أي تحليل للمخاطر الكامنة في خطتهم. فبينما يسعون إلى إعادة اختراع الرأسمالية، النظام الذي، على الرغم من عيوبه العديدة، رفع الرفاه البشري إلى مستويات غير مسبوقة، يبدو أنهم لم يفكروا في إمكانية تسبب مقترحاتهم في إحداث ضرر. فحتى التحليل السطحي السريع يكشف أن محاسبة التأثير تنطوي على مخاطرات أخلاقية ومنطقية أيضاً.

يعتمد نظامنا الاقتصادي الحالي على حق كل فرد في تقرير أفضل السبل لتحقيق السعادة. فإذا قرر شخص ما أن السفر لقضاء إجازة يأتي بقيمة أكبر من السفر لمقابلة عمل، فيمكنه القيام بذلك. وهذه القيم التي تكشف عنها الاختيارات الفردية، تجعل النظام الاقتصادي يتكيف لتقديم ما يعتبره الناس ذا قيمة ويُقدرونه. وإن التلبية الفعالة لهذه الرغبات البشرية هي ما يوفر الأساس الأخلاقي لنظام السوق الحرة لدينا. وبينما تنقل محاسبة التأثير جزءاً من دور التقييم من المستهلكين إلى الخبراء، إلا أنه في نظام محاسبة التأثير، سيقرر هؤلاء الخبراء كم يستفيد المستهلكون من الطيران إلى وجهات متنوعة، أو من شرب كوب من الماء أو من شراء حقيبة يد. وإذا كانت تقييمات الخبراء تعكس بدقة تقييمات كل مستهلك، فلن تتسبب في تغيير الاقتصاد، لأن الأخير يتطور بالفعل لتلبية هذا الطلب. وإذا شكل الخبراء تقييمات مختلفة، وكان لها أي تأثير على النشاط الاقتصادي، فيجب عليهم حينئذٍ تخفيف القوة الاقتصادية للاختيار الفردي. ومركزية الاختيار هذه محفوفة بالمخاطر لأنها يمكن أن تؤدي إلى الهدر وإلى زيادة تراكم سلطة صنع القرار.

إن تطبيق محاسبة التأثير يثير مخاطر أخرى، لا سيما فيما يتعلق بإدارة كيفية إجراء تقييمات التأثير؛ حيث أن إجراء تقييمات لكل تأثير لكل شركة سيتطلب عملاً يؤديه عدد كبير من الأشخاص لقياس تأثيرات الشركة والتحقق منها وتقييمها. يبدو من المحتمل أن تكون هناك حاجة لعشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف من المحللين لإجراء هذه القياسات. ومن الواضح أنهم بذلك سيكونون مشاركين في أنشطة تؤثر على المصلحة العامة. فكيف يُمكن اختيارهم وإدارتهم؟ إذا تم اختيارهم وفق المصالح الخاصة، فما الذي يمنحهم الحق في إصدار الأحكام حول قيمة أشياء تتفاوت من الدهون المتحولة إلى الأسلحة النارية إلى السفر الجوي؟ وإذا تم اختيارهم من خلال عملية ديمقراطية، فيجب أن يزداد حجم الحكومة ونطاقها بشكل كبير؛ حيث سيحتاج المسؤولون الحكوميون إلى تحديد قيمة كل شيء للجميع.

حتى إذا تمكنا من معالجة هذه التعديات على الحرية والعدالة، فإن الآلية المقترحة تطرح تحديات أخرى. ففي الأجزاء الأكثر حرية من العالم، يُنظر إلى فكرة الاقتراع العام والمتساوي كأساس للمجتمع العادل. فإذا أجرينا اقتراعاً حول فرض ضريبة على الكربون، يحق لكل منا صوت واحد. خذ بعين الاعتبار الآن آلية اتخاذ الإجراءات لتحقيق محاسبة التأثير؛ حيث يجادل مؤيدوها بأن المستثمرين سيؤثرون على سلوك الشركات من خلال تحويل أموالهم إلى الشركات ذات التأثيرات المرغوبة، وبالتالي خفض تكلفة رأس مال الشركة. وهذه الآلية ستكون غير ديمقراطية، لأنها ستحرم نصف المواطنين الأميركيين الذين لا يمتلكون أية أسهم من حق التصويت. حتى لو أثبتت هذه الآلية فعاليتها عند التطبيق، فإنها ستمنح نفوذاً هائلاً لعدد قليل من الأفراد ومدراء الأموال الذين لديهم ممتلكات وحصص كبيرة.

ماذا بشأن عواقب محاسبة التأثير؟ كما يشير مؤيدوها، فإن العالم في حالة من الفوضى، وربما يلزم اتخاذ تدابير متطرفة لإصلاحه. إذا كان من المحتمل أن تثبت محاسبة التأثير فعاليتها لمكافحة التغير المناخي أو عدم المساواة، فقد نكون على استعداد للحد من حريتنا وأن نحتمل بعض الأوجه غير العادلة. هل يمكننا أن نسوغ محاسبة التأثير على أساس مدى فائدة النتائج التي تحققها؟

لسوء الحظ، من المحتمل أن تخلق محاسبة التأثير مشاكل أكثر مما ستحل. وقد ناقشنا بالفعل استحالة حساب تأثيرات الشركات بدقة، والضرر الذي يمكن أن تسببه الإجراءات غير الدقيقة. في الواقع، يمكن أيضاً استخدام مقاييس التأثير بشكل استراتيجي، سواء كانت دقيقة أم لا، لإحباط الآليات الأكثر فعالية للتغيير، مثل التنظيم الحكومي. فبعد كل أزمة اجتماعية أو بيئية جديدة، نرى مقترحات حول كيفية قيام الأعمال “بالتنظيم الذاتي” لحل المشكلات الاجتماعية والبيئية. وبالرغم من كون مقترحات مثل هذه غالباً ما يُحتفى بها بسذاجة، إلا أن تأثيراتها الموعودة كانت مخيبة للآمال. فانطلاقاً من السلامة الكيميائية إلى التأثير البيئي لمناطق التزلج، تشير الأدلة التجريبية إلى أن برامج التنظيم الذاتي قد أفادت، جزئياً على الأقل، الشركات الأعضاء في المقام الأول عن طريق منع التنظيم الحكومي.

وفقاً لديفيد بوزن، ينطبق الأمر أيضاً على المقترحات التي تسعى إلى استخدام الإفصاح والشفافية المتزايدة لتحسين أداء الشركات. واستناداً إلى مراجعة شملت قرناً من الزمن من مثل هذه المقترحات، قام بوزن بملاحظة تحول أيديولوجي؛ في أوائل القرن العشرين، تم استخدام مثل هذه المقترحات لتعزيز المثل العليا التقدمية، ولكن بحلول نهاية القرن تم استخدامها من قبل أولئك الذين لديهم توجهات أكثر تحررية من أجل “تجنب أشكال التنظيم الأقوى”، وقد كتب: “أثناء تطبيقها الفعلي، أصبحت الشفافية مرتبطة أكثر فأكثر بالعجز المؤسسي والأجندات التي تسعى إلى تعظيم حرية السوق وتقليص الدولة”.

على الرغم من أننا لا نعتقد أن المؤيدين الرئيسيين لمحاسبة التأثير يسعون إلى منع التنظيم، إلا أن البرامج التي تبدأ بقصدٍ ما، غالباً ما تفضي إلى نية أخرى. ونعتقد أن المدراء التنفيذيين سيسعون للحصول على حساب تأثير الشركة بما يتوافق مع مصالحها، وقد يميل البعض إلى استخدام قوتهم المالية للتأثير على تقديرات تأثير الشركة. حدث مثل هذا التلاعب من قبل، وفي مواقف كان فيها اكتشاف سوء السلوك ومعاقبته أمراً أكثر احتمالاً. منذ عقدين، اكتشف العالم أن المحاسبين غيروا تقييماتهم للبنى التنظيمية لديون الشركات لخدمة مصالح مدراء الشركات التنفيذيين في إنرون (Enron)، ووورلدكوم (WorldCom)، وتايكو (Tyco) وفريدي ماك (Freddie Mac) وأيه آي جي (AIG) وغيرها. ومنذ أكثر من عقد من الزمن، اكتشف العالم أن وكالات التصنيف قد أساءت تمثيل المخاطر الحقيقية للسندات المدعومة بالرهن العقاري للإبقاء على العملاء الذين هددوا بنقل أعمالهم المحاسبية إلى مكان آخر.

بالنسبة لمحاسبة التأثير، فإن مخاطر الاحتيال والتلاعب ستكون أكبر، لأن المحللين لا يجب أن يخافوا من التعرض لـ “تسوية” نهائية للقيمة الحقيقية والمحسوبة. فعندما تلاعب المحاسبون في شركة آرثر أندرسن (Arthur Anderson) بتقييماتهم للديون خارج الميزانية العمومية لشركة إنرون (Enron)، كان عليهم الخوف من إمكانية الكشف عن القيمة الحقيقية لهذا الدين في نهاية المطاف. أو عندما قام المحللون في موديز (Moody’s) بتعديل تقييماتهم للمخاطر في السندات المدعومة بالرهن العقاري، كان عليهم القلق من احتمال معرفة المخاطر الحقيقية في النهاية. ولكن بالنسبة لمقاييس تأثير الشركات، لن تكون هذه المخاوف موجودة. لا يمكن لأي تصحيح في السوق أو أزمة نقدية أن يكشف عن أن تقييمات التأثير الاجتماعي غير دقيقة، ومثل هذه الإجراءات ستظل دائماً غير قابلة للتحقيق.

ما الذي علينا فعله عوضاً عن ذلك؟

يُمكن أن يكون حساب التأثير المالي للعوامل البيئية الخارجية أداة مفيدة لمدراء الشركات. فالعديد من الشركات، بما فيها بوما (Puma) وكيرنغ (Kering)، كانت تستخدم بيان أرباح وخسائر بيئية وهمي لأكثر من عقد من الزمان. وعلى الرغم من أن التدابير يمكن أن تساعد المدراء في تحديد أين يجب إعطاء الأولوية للإصلاح، إلا أنها تدابير غير دقيقة.

أما على مستوى النظام، فنحن نعرف بالفعل وجود حلول أكثر فاعلية، إلا أننا نحتاج فقط إلى تفعيلها. إذا لم يتم حساب التكلفة الخارجية للكربون في جالون من الغاز، فيجب فرض ضريبة عليه بحيث تُشمل مع السعر. إذا كان المستهلكون يفتقرون إلى المعلومات حول القهوة أو الكاكاو الذي يشربونه، فيجب أن نطالب الحكومة بفرض التوصيفات المناسبة. كما يجب علينا إصدار قوانين أو تقديم خدمات اجتماعية لضمان المساواة في المعاملة بين الأفراد أو توفير فرص متكافئة. ولتوسيع الخيارات المتاحة للمنتجين والمستهلكين، يجب على الحكومة الاستثمار في العلوم الأساسية.

نحن نعلم أن التدخلات الحكومية يمكن أن تخفف من مشاكلنا الحالية لأنها حققت النجاح سابقاً. ففي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، اشتعلت النيران في منطقة نهر كوياهوغا في ولاية أوهايو عدة مرات. واليوم، بعد صدور قانون المياه النظيفة والتشريعات الأخرى، أصبح النهر صالحاً للحياة السمكية والأنشطة البشرية. وفي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تسببت الأمطار الحمضية من محطات توليد الطاقة التي تعمل بحرق الفحم بالضرر للبحيرات والجداول، لكن تعديل قانون الهواء النظيف ساعد في تقليل المطر الحمضي بنسبة 65%. وفي أواخر الثمانينيات، ألغت الاتفاقية الدولية، بروتوكول مونتريال (Montreal Protocol)، إنتاج مركبات الكلوروفلوروكربون وبالتالي تسببت في حل أول أزمة مناخ عالمية التي مثلها تدمير طبقة الأوزون على كوكب الأرض. كما تسببت الإجراءات الحكومية ببعض التقدم في حل أزمة التغير المناخي؛ حيث أحدثت إجراءات دعم تقنيات الطاقة النظيفة تطورات ثورية في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية. كانت القوانين والبرامج الحكومية فعالة في تحسين الظروف الاجتماعية من خلال المطالبة بالسلامة في مكان العمل، وتقديم خدمات الرعاية الصحية، ودعم العاطلين عن العمل، وما إلى ذلك. وإن عبارة “الحكومة ليست هي الحل، الحكومة هي المشكلة”، ليست إلا خرافة تعود إلى عهد الرئيس ريغان. فغالباً ما تكون الحكومة جزءاً مهماً من الحل.

أحد الاعتراضات الشائعة على استخدام التنظيم الحكومي هو أنه يستغرق وقتاً طويلاً، أو أن صعب التحقيق للغاية. نحن نتفق على أن مجتمعنا المنقسم يجعل الإجماع السياسي صعباً، لكن العديد من البرامج الحكومية تحظى بدعم واسع من الحزبين. ووفقاً لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث، فالمواطنون الأميركيون من كلا الحزبين يدعمون الإنفاق الحكومي على برامج حماية البيئة، ومساعدة المحتاجين، والرعاية الصحية، والتعليم، والضمان الاجتماعي، وغيرها. كما أن ثلثي الأميركيين يظنون أن الحكومة يجب أن تفعل المزيد بما يخص المناخ، مثل رفع الضرائب المفروضة على الشركات.

بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يكون من الممكن إطلاق اللوائح التنظيمية الوطنية بمبادرات محلية، حيث يكون من السهل بناء إجماع في الآراء. فعلى سبيل المثال، أدت الإجراءات التي اتخذتها ولاية كاليفورنيا للحد من انبعاثات المركبات إلى سن تشريعات وطنية في النهاية. كما أن متطلبات إقامة مطاعم خالية من التدخين التي بدأت في آسبن بولاية كولورادو، ساعدت في تسريع تحقيق تغيير جذري في استخدام السجائر.

إن الخبراء المعنيين باستخدام الشفافية والإفصاح لإحداث التغيير الاجتماعي يشيرون إلى أن هذا الإجراء يحقق أقصى فاعلية عندما “يُحفز” الإجراءات الحكومية. وهذا ما نأمل أن تركز عليه جهود مؤيدي محاسبة التأثير. ففي الولايات المتحدة، يسمح نظامنا الخاص بتمويل النشاط السياسي لسلطة الشركات بالتأثير على الانتخابات وتجنب التنظيم، ويسمح غموض هذه الإجراءات لمدراء الشركة التنفيذيين بادعاء القيادة في مجال الاستدامة، مع العمل في الوقت نفسه ضد القوانين التي من شأنها أن تدعمها. وفي بعض الحالات، كان المسؤولون التنفيذيون لبعض الشركات يدعون كونهم أبطالاً ديمقراطيين، بينما هم يعملون لإضعاف أسس هذه الديمقراطية. وحتى لو كان المرء يعتقد أن الشركات يجب أن تتمكن من تأدية دورها في تشكيل السياسة الحكومية، إلا أن الاعتقاد بأنها يجب أن تتمكن من إخفاء ما تفعله إحدى يديها بينما تلوح باليد الأخرى ليراها الجميع أمر غير مقبول تماماً. نعتقد أن المحاسبة الشفافة حول الإنفاق السياسي ستكون خطوة مهمة في تحقيق عالم أكثر إنصافاً ووفرة. وهذا هو المكان الذي يمكن أن تكون فيه التقارير الجديدة والمحاسبة الأفضل أدوات مساعدة حقيقية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.