تُكثف دول منطقة الشرق الأوسط جهودها لمواجهة التحديات المتعلقة بالاستدامة وتغير المناخ، ومن المتوقع أن يتضاعف إنتاجها من الطاقة المتجددة مع زيادة الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة كثيفة الانبعاثات، وبحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة، سترتفع قدرات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في المنطقة من 15 إلى 32 غيغا وات بحلول عام 2026.
وحاز موضوع تكنولوجيا إنتاج الطاقة من النفايات على اهتمام المشاركين بـ "أسبوع الاستدامة" الذي استضافته مدينة أبوظبي في يناير/كانون الثاني 2023، تزامناً مع التحضير لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، "كوب 28" (COP28)، الذي سيقام في مدينة أبوظبي من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول.
وتشهد مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة ارتفاعاً في المنطقة التي تسجل أحد أعلى معدلات الارتفاع السكاني في العالم.
النفايات: مشكلة تحتاج إلى حل، أم فرصة تنتظر من يقتنصها؟
يعد استخراج الطاقة من النفايات أحد أنجع الوسائل للتعامل مع مشكلة تراكم النفايات بدلاً من حرقها في مكبات مفتوحة أو دفنها تحت الأرض. وفي كلتا الحالتين، فإن الأضرار المباشرة وغير المباشرة على السكان والمياه الجوفية والبيئة المحيطة لا يمكن حصرها. لذلك لجأت العديد من الدول إلى منع دفن النفايات أو حرقها قطعياً كما هي الحال في ألمانيا أو الدنمارك. في حين زادت دول أخرى مثل المملكة المتحدة الضرائب على عملية دفن النفايات لجعل الأثر البيئي الضار أعلى كلفة من الحلول الصديقة للبيئة.
أما الطاقة المنتَجة من هذه النفايات فيمكن استخدامها لإمداد البيوت بالكهرباء عبر الشبكة الرئيسية، أو لإنتاج البخار الذي يمكن الاستفادة منه في التدفئة المركزية أو في العديد من الصناعات في حال كانت المحطة تقع بالقرب من المنشآت الصناعية.
وعلى سبيل المثال، وصل إنتاج القاهرة من النفايات الصلبة إلى 15 ألف طن يومياً، ما يشكل تحدياً كبيراً للهيئات العاملة على إدارة هذا القطاع، ولكن نفس هذه الكمية من النفايات يمكنها إنتاج طاقة تكفي لتغطية حاجة دولة مثل لوكسمبورغ من الكهرباء، كما سيؤدي توفير الكهرباء المنتَجة من النفايات إلى تقليل الحاجة لاستيراد النفط أو الغاز لإنتاج نفس كمية الطاقة.
خيارات تكنولوجية مبتكرة
أثبتت العديد من الحلول التكنولوجية جدواها في استخراج الطاقة من النفايات وحققت انتشاراً كبيراً في الدول الغربية، وأكثرها استخداماً هو الحرق مع معالجة الانبعاثات الناتجة عن عملية الحرق. إذ تبدأ الآلية بالمعالجة المسبقة للنفايات، ثم حرقها في نظام مخصص لهذه الغاية لتوليد الحرارة التي يمكن استخدامها في توليد البخار، وبعدها يمكن توظيف البخار في أغراض صناعية أو في توربينات بخارية تدفع المولّد لإنتاج الكهرباء. وتضم أوروبا نحو 500 محطة تعمل وفق هذه الآلية وتعالج نحو 96 مليون طن من النفايات سنوياً.
أما في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، فلم يكن هناك منذ عام 2011 سوى محطة واحدة في مدينة الدوحة بقطر تعمل على تحويل النفايات الصلبة إلى طاقة. ليشهد عام 2022 دخول ثلاث محطات جديدة: الأولى كانت في إمارة الشارقة، والثانية في مدينة اسطنبول التركية. أما الأخيرة فكانت في إثيوبيا بتمويل وتكنولوجيا صينية.
وتعمل دبي اليوم على إحدى أضخم المحطات في العالم لتعالج نحو 6 آلاف طن من النفايات يومياً، وذلك في إطار الجهود لتحويل الإمارة إلى مركز للاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة بحلول عام 2050، كما سيكون هناك محطة أخرى في أبوظبي لذات الغرض.
وفي السعودية تبرز العديد من هذه المشاريع في سياق رؤية 2030، ومنها مشروع إنشاء محطة لمعالجة النفايات الصلبة وتحويلها إلى طاقة تعتزم الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير إطلاقه خلال عام 2023، ومن المتوقع أن تساعد عمليات تحويل النفايات إلى طاقة في الإدارة المستدامة للنفايات الصلبة البلدية، وتعزيز الجودة البيئية.
على الرغم من الجهود المبذولة للاستفادة من النفايات في الوصول إلى طاقة مستدامة، فإن هناك بعض العوائق التي تؤخر مثل هذه المشاريع.
عوائق تحويل النفايات إلى طاقة
تُعد عدم كفاءة البنية التشريعية والقوانين الناظمة السبب الرئيس وراء تأخر مشاريع استخراج الطاقة من النفايات في العديد من دول العالم.
كما أن المردود المالي المتولد عن الطاقة المنتجة من هذه المشاريع لا يكفي عادةً لاستمرار عمليات المنشأة التجارية، ما يتطلب تدخل حكومي لمكافأة هذه المنشأة على تخلصها من النفايات بطريقة صديقة للبيئة. وهو التغيير الذي أدركته دول الخليج وشكل حافزاً لإطلاق مجموعة من المشاريع في العديد منها.
ويختلف شكل هذه المكافآت باختلاف التشريعات: فإما أن تكون من خلال شراء الطاقة المنتجة بأسعار تفضيلية أعلى من قيمتها السوقية، أو عن طريق دفع عائد نقدي محدد على كل طن نفايات يجري التخلص منه، وقد تلجأ بعض الدول لخلق نموذجها الخاص بها عبر الدمج بين كلا الآليتين السابقتين، كما جرى في محطة دبي قيد الإنشاء.
تتباين طبيعة النفايات باختلاف سلوكيات المجتمع وتركيبته وبنيته، وينعكس هذا التباين في تصميم محطة التحويل واختيار التكنولوجيا المناسبة لذلك، كما يحدد موقع المحطة طبيعة استخدام الطاقة المنتجة، فقد تُستخدم لتحلية مياه البحر، أو تغذية مناطق صناعية بالطاقة.
لذا، يتوجب على دول الشرق الأوسط عدم استنساخ النماذج الأوروبية واعتماد ما يناسب بيئتها، فالمشاريع التي عملت عليها الهند بالاعتماد على التصميم الأوروبي باءت بالفشل، إذ لم تأخذ بعين الاعتبار الاختلافات المتعلقة بالبنية التحتية والسلوك الاجتماعي.
تتعرض هذه المحطات أيضاً لانتقادات مستمرة بسبب الانبعاثات التي يمكن أن تصدر عنها، مع العلم أن التكنولوجيا المتوفرة لمعالجة الانبعاثات أتاحت إمكانية بنائها في قلب المدن والعواصم الكبرى كما هو الحال في فيينا أو في كوبنهاغن بالدنمارك.
إذ تقع المحطة الرئيسية لمعالجة النفايات على بعد أقل من اثنين كلم من القصر الملكي وأقل من واحد كلم من المناطق السكنية. ويعد الدخان المنبعث منها أنظف من الهواء في شوارع كوبنهاغن في ساعات الازدحام. كما يُنظر للمحطة بوصفها من أبرز معالم المدينة، وذلك لتصميمها الفريد الذي أتاح إمكانية التزلج على سطحها.
لا زال باب الأمل مفتوحاً لرؤية محطات مشابهة في الشرق الاوسط.