أهمية المسؤولية المشتركة لتحقيق الحياد المناخي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحياد المناخي
shutterstock.com/Black Salmon
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في عام 2022، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات تعهد الشركات المسؤولة مناخياً، الذي مهدَّ الطريق أمام ممارسات مناخية قابلة للمساءلة والقياس، مع تنظيم مشاركة مختلف الجهات المعنية، فضلاً عن أنه اتفاقية ملزمة لمختلف الأطراف. ويضمن هذا التعهّد الحكومي وفاء جميع الجهات الموقّعة على الاتفاقية بالتزاماتها، ما يثمر عن نتائج إيجابية كبيرة. ويهدف إطلاق التعهد إلى توحيد الجهود في مختلف القطاعات ومواصلة العمل لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. وتعمل شركة ديك ريكساند من خلال مشاركتها مؤخراً في التعهد على مواءمة “غابة” -مبادرة التشجير الخاصة بالشركة- مع الجهود المبذولة في هذا المجال.

وتُمثل المبادرة المدرجة رسمياً في برنامج فيرا، أحد برامج تحييد الكربون التي تشمل زراعة 11 مليون شجرة في منطقة الشرق الأوسط، وتلتزم المبادرة بآلية التنمية النظيفة لحساب عزل الكربون واختيار الأنواع النباتية المناسبة. وكان تركيز وزارة التغير المناخي والبيئة على الممارسات المناخية القابلة للقياس حافزاً لشركة ديك ريكساند من أجل الانضمام إلى التعهد، إذ تعتزم الشركة قياس أثرها المناخي والإبلاغ عنه بشفافية، مع الاستمرار باستكشاف الفرص المتاحة لتعزيز نطاق إسهاماتها تجاه أهداف الحياد المناخي، بما يتماشى مع الشروط المنصوص عليها في تعهد الشركات المسؤولة مناخياً، وتأكيد التزامها بالعمل في إطار المسؤولية المشتركة.

وبالتوازي مع التدهور الذي يشهده العالم فيما يتعلق بالتغير المناخي؛ تشدد ديك ريكساند على المسؤولية المشتركة لمعالجة هذه المشكلة لا سيما أن جميع الشركات لها بصمة كربونية بصرف النظر عن القطاع الذي تعمل فيه. ومع ذلك، يؤدي الإشراف الحكومي دوراً محورياً في إلقاء المسؤولية على عاتق جميع الأطراف تجاه التزاماتها وممارساتها، ما يؤكد أهمية تعهد الشركات المسؤولة مناخياً من حيث التوقيت والأهمية، ويطرح تساؤلاً في الوقت نفسه حول منهجية ديك ريكساند في الوفاء بالتزامها تجاه التعهد.

فهم التحديات العامة والاستفادة من الحلول المتعددة التخصصات

يُعد عزل الكربون من خلال التشجير وسيلة غير عملية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لعدة أسباب أهمها محدودية موارد المياه العذبة، بالإضافة إلى طبيعة المناخ القاحل/شبه القاحل وارتفاع نسبة ملوحة التربة والتربة الصحراوية وتبخر المياه والتسرب المفرط. كما أثَّر التوسع العمراني المستمر سلباً على الأنظمة البيئية الطبيعية، ما أسفر عن الحد من نطاق التشجير. وفي ظل هذه الظروف، أدت مساعي تشجير الصحراء وزراعتها إلى انخفاض الإنتاج والاستهلاك المفرط للموارد، إذ تندرج ضمن خانة الحلول غير المستدامة التي دفعت دول المنطقة غير القادرة على مواجهة هذه التحديات العامة بفاعلية إلى زيادة اعتمادها على استيراد الغذاء من الخارج.

ويبدو أن الوضع الراهن لا يصبّ في مصلحة البيئة والمناخ عموماً، نتيجة اعتماد الزراعة في دول مثل الإمارات على الموارد الطبيعية اعتماداً رئيسياً، ما يمثل النسبة الأكبر من استهلاك المياه العذبة الناتجة عن محطات التحلية التي تستهلك الكثير من الطاقة ويصدر عنها انبعاثات كبيرة. ورغم ذلك، تستورد دولة الإمارات نحو 90% من كمية الغذاء اللازم لحاجتها، إذ يجب معالجة المشكلة معالجة جذرية والتوجه نحو زراعة صحراوية أقل استهلاكاً للمياه، التي قد تثمر عن تخفيف الحِمل عن محطات تحلية المياه. وشكّلت هذه المساعي الأساس الذي أدى إلى تطوير حل الرمال المسامية، إذ تعتمد التقنية على الاحتفاظ بالمياه مع توفير نفاذية الهواء، ما يؤدي إلى إنتاج محصول مثالي مع تقليل الحاجة إلى المياه بنسبة 80%.

ويمكن استخدام حل الرمال المسامية من قبل جميع الجهات المعنية والهيئات الحكومية والمنظمات الحكومية الدولية والهيئات المؤسسية والمؤسسات والأفراد، ووفقاً لطاقات مختلفة في سبيل تحقيق نتائج مستدامة، ما يدعم جهود وزارة التغير المناخي والبيئة لتحقيق أهداف الحياد المناخي. وتمكّنت ديك ريكساند من تطبيق حل الرمال المسامية في الزراعة الصحراوية واستصلاح التربة والتشجير ومبادرات الشتل في مختلف أنحاء المنطقة ا. وساعدت التقنية، التي أشادت بها الأمم المتحدة، المجتمعات الزراعية في مزارع العجبان بأبوظبي على زراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل، بما في ذلك الخضروات مثل الباذنجان والطماطم، والمحاصيل التجارية المربحة مثل اللوبياء والفاصولياء السوداء والفول السوداني.

وسجَّل نطاق الإيرادات في المناطق التي طبّقت التقنية بالنسبة لمستويات الري نتائج موازية له في المناطق الصالحة للزراعة. كما استُخدم حل الرمال المسامية في حملة الشتل التي أطلقتها بلدية رأس الخيمة، ما ساعد على التخفيف من صدمة الشتل، وهي ظاهرة تخضع فيها شجرة الغاف المنزوعة من الأرض والمعاد زراعتها لضغوط تمنع نموها بالشكل الأمثل وتؤدي إلى موتها.

ويمكن اعتبار الرمال المسامية من الحلول المتعددة التخصصات، بالنظر إلى تأثيرها القابل للقياس في تحسين المياه وتعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على محطات تحلية المياه. وأتاحت الإمكانات الكبيرة لتقنية الرمال المسامية الفرصة لتصور مشروع طموح مثل “غابة”، الذي يهدف إلى تحويل الصحراء إلى أراضٍ صالحة للزراعة.

تطوير حلول متعددة التخصصات في مجال التصميم الحضري

تتطلب محدودية الوقت في التعامل مع تأثير الانبعاثات الكربونية اتخاذ إجراءات فعّالة في البيئات الحيوية مثل المراكز الحضرية، على الرغم من تأثير التشجير الطويل الأمد على عزل الكربون وضمان الأمن الغذائي. وتزداد الحاجة إلى تطبيق استراتيجيات صديقة للبيئة في التصميم الحضري، نظراً لتنامي عدد المدن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخصوصاً دول الخليج العربي. وتشير التوقعات إلى نمو أعداد سكان المدن والمناطق الحضرية من 281 مليون نسمة في عام 2015 إلى 527 مليون في عام 2050، ما يعادل الضعف تقريباً بالتزامن مع الوقت المفترض لوصول دول مثل الإمارات إلى الحياد المناخي.

وفي ظل هذا السيناريو، تمثّل مرافق المياه واحدةً من أهم الاعتبارات المتعلقة بالتصميم الحضري، نظراً لأن مشكلة ندرة المياه تتفاقم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل غير مسبوق، بحسب تقرير البنك الدولي بعنوان: “اقتصاديات ندرة المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. حلول مؤسسية”، ستنخفض كمية المياه المتاحة للفرد في المنطقة بحلول عام 2030 إلى ما دون الحد المطلق لشح المياه، والبالغ 500 متر مكعب للفرد سنوياً. ويؤدي غياب الإجراءات الحازمة في هذا الصدد إلى استمرار الاعتماد على محطات تحلية المياه بشكل متوازٍ مع زيادة عدد السكان، الأمر الذي يشكّل عقبة أمام تحقيق أهداف الاستدامة والوصول إلى الحياد المناخي. ويجب على الجهات المعنية وصناع السياسات إعادة تصور مخططات المدن الرئيسية، واستكشاف الحلول الممكنة لتطوير البنية التحتية الحالية، وتمكين مبادئ الاقتصاد الدائري ومفهوم تقليل الاعتماد على منتجات الاستخدام الواحد وإعادة تدويرها.

ويشكّل مفهوم المدن الإسفنجية حلاً شاملاً وعملياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتحقيق تلك الأهداف. ويتضمن هذا المفهوم المبتكر وجود مبانٍ بخصائص تشبه الإسفنج، إذ يتم تصميم المدن بطريقة تتيح امتصاص المياه وتجميعها وتصريفها بطرائق فعّالة. ويمكن الاستفادة من أنظمة جمع مياه الأمطار اللامركزية من ديك ريكساند في مراكز المدن والمناطق العامة لتطبيق حلول المدن الإسفنجية. وتتميز هذه الأنظمة، التي تأتي على شكل أرضيات وبلاط وأحجار بناء، بخصائص نفّاذة تمكّنها من امتصاص مياه الأمطار الجارية، ما يمنع تراكم الماء فوق الأسطح ويساعد على تصفيتها وحفظها في خزانات مخصصة تحت الأرض. ويسهم جمع مياه الأمطار وتخزينها في تقليل الاعتماد على عمليات تحلية المياه التي تستهلك الطاقة بكثرة وذات الانبعاثات الكبيرة.

وتمثّل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مكاناً مناسباً لتطبيق حلول المدن الإسفنجية، لا سيما في ظل زيادة مستويات الأمطار غير المنتظمة التي تسببت في حدوث العديد من الفيضانات والدمار في أجزاء مختلفة من المنطقة، ما أسفر عن نزوح آلاف الأشخاص وبعض الوفيات. وبالتالي يجب تطوير البنية التحتية الحالية لتصريف مياه الأمطار، التي تم بناؤها للتعامل مع مستويات هطل الأمطار الموسمية الطبيعية، حتى تتمكن من استيعاب أنماط التساقط المطري المتغيرة في الوقت الراهن. ويمكن الاستفادة من مفهوم المدن الإسفنجية، إلى جانب المساحات الخضراء والمساحات المائية والبنية التحتية المخصصة لمعالجة المياه الرمادية، لامتصاص مياه الأمطار وتصريفها بسهولة، ما يجعلها أحد أهم الحلول المبتكرة للتعامل مع مشكلة التغير المناخي. كما تساعد المدن الإسفنجية على خفض البصمة الكربونية الإجمالية عن طريق تقليل الاعتماد على عمليات تحلية المياه التي يصدر عنها الكثير من الانبعاثات.

تحمّل المسؤولية المشتركة من خلال منهجية التفكير النُظمي

يسهم اعتماد الحلول المتعددة التخصصات على نحو كبير في تجنب التصادمات المحتملة بين الجهود والكيانات المختلفة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الحكومة تسعى وحدها إلى تقليل انبعاثات الكربون الناتجة عن محطات تحلية المياه، فإنها تواجه خطر زيادة الضغط على البنية التحتية للمياه وتعطيل عمليات القطاعات الحيوية مثل الرعاية الصحية والزراعة والتصنيع. بينما تتميز الحلول المتعددة التخصصات مثل المدن الإسفنجية وتقنية الرمال المسامية بقدرتها على التوفيق بين الأولويات المتعددة، إذ تتبع منهجية شمولية تسمى “التفكير النُظمي”، التي تركز على التواصل والتنسيق بين مختلف صنّاع القرار قبل تحديد الحلول المناسبة.

ويُعد التفكير النظمي الخيار الأمثل للتعامل مع التحديات المناخية والجغرافية وفي الوقت نفسه تعزيز واقع الاستدامة في منطقة الشرق الأوسط التي تواجه تحديات حقيقية في هذا المجال نتيجة الاعتماد على الوقود الأحفوري، إلا أنه من الممكن تخفيض البصمة الكربونية من خلال تضافر الجهود ومشاركة مختلف الجهات المعنية.

تشهد المنطقة إجماعاً متزايداً حول ضرورة اتخاذ إجراءات مناخية مسؤولة وقابلة للقياس، التي تنظمها الهيئات الحكومية مثل وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات، ما يفتح باب التفاؤل تمهيداً لانعقاد مؤتمر كوب 28.