الجونة: قصة أول مدينة مصرية مستدامة

5 دقيقة
التنمية المستدامة في مصر
shutterstock.com/Maksym Ukrainets

ملخص: تشكّل المدن المستدامة أحد أهم أهداف استراتيجية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، إذ تعكس هذه المدن صورة جديدة لحياة صحية وآمنة، تضمن رفاهية السكان وحماية البيئة، من خلال استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز التنقل المستدام، وخلق المساحات الخضراء. وتبرز مدينة الجونة بوصفها مثالاً واعداً للمدينة المتكاملة المستدامة. وفي هذا المقال، يتحدث الرئيس التنفيذي للمدينة، محمد عامر، لمنصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي عن ملامح الاستدامة في الجونة والمتمثلة في محطة الطاقة الشمسية ومنظومة إعادة تدوير المخلفات، والتصميمات العقارية المبتكرة مثل القبة النوبية ومنطقة توبان، فضلاً عن خطة التحول الرقمي التي تجعل من الجونة مدينة ذكية تركز على دعم ريادة الأعمال وسياحة اليخوت واستضافة الفعاليات الرياضية والسينمائية. وتجدر الإشارة إلى أن الجونة مدينة سكنية وسياحية على حد سواء، ما يميزها عن المدن السياحية المستدامة الأخرى.

تسعى مدينة الجونة المصرية إلى أن تكون مثالاً للمدينة المتكاملة المستدامة، ليس في الوطن العربي فقط بل في العالم أجمع، فهي تملك المقومات لذلك، بحسب ما ذكر الرئيس التنفيذي للمدينة محمد عامر لمنصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي.

خدمات حيوية

تقع مدينة الجونة على ساحل البحر الأحمر، وتبلغ مساحتها 36.9 مليون متر مربع. وتضم 9,200 وحدة سكنية، و18 فندقاً ونحو 2,800 غرفة فندقية، ومدارس تقدم مناهج دولية مختلفة بما في ذلك الشهادتان السويسرية والبريطانية، ومستشفى دولياً، وملعبي غولف بمواصفات عالمية، ونادياً لكرة القدم في الدوري المصري الممتاز، ومركزاً للمؤتمرات والثقافة، ومجموعة من الخدمات الحيوية، وفقاً لعامر.

تولى عامر هذا المنصب في عام 2022، بعد أن عمل مدة 23 عاماً في شركة زيروكس (Xerox) الأميركية المتخصصة في تكنولوجيا الطباعة المكتبية. ويشير إلى أنه تحمس لتجربته مع الجونة بسبب إمكانياتها وموقعها، ورغبته في العمل بشركة عالمية مثل أوراسكوم للتنمية (Orascom).

مدينة مستدامة

يشير عامر إلى أن الجونة تأسست منذ 35 عاماً بوصفها أول مدينة مستدامة في مصر والشرق الأوسط وإفريقيا. ويضيف أن إدارتها ركزت على الاستدامة البيئية منذ بداية تأسيسها، وهو ما أهّلها للحصول على جائزة المدينة الخضراء العالمية، بدعم من الأمم المتحدة عام 2014. وتنال المدن هذه الجائزة عندما تحقق تقدماً ملحوظاً بمجال الاستدامة البيئية، وبناء مجتمع محلي أكثر مراعاة للبيئة.

ويشير مصطلح المدن المستدامة إلى المدن التي تستهدف رعاية البيئة ورفاهية سكانها، من خلال تعزيز التنقل المستدام، وخلق المساحات الخضراء، والحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، واستخدام الطاقة المتجددة.

ويشرح عامر أن من ملامح الاستدامة بالمدينة محطة الطاقة الشمسية، إذ وقّعت المدينة مؤخراً اتفاقية تعاون جديدة مع شركة سولارايز إيجيبت (Solariz Egypt)، لإنشاء المرحلة الثانية من محطة الطاقة الشمسية، وذلك بعد نجاح المرحلة الأولى من المشروع.

ويشكّل هذا المشروع أكبر محطة للطاقة الكهروضوئية تابعة لشركة من القطاع الخاص في مصر. وتبلغ استثمارات المرحلة الثانية نحو 200 مليون جنيه (4.1 ملايين دولار)، بقدرة 7.2 ميغا واط، للوصول إلى قدرة إجمالية للمرحلتين تبلغ 14 ميغا واط. ويقدّر الخبراء الإنتاج الكلي للمرحلتين بنحو 32 ألف ميغا واط/ ساعة سنوياً.

ويضيف عامر أنه من المتوقع أن يبدأ تشغيل المرحلة الثانية بحلول الربع الرابع من 2024، وذلك بنظام "اتفاقية شراء الطاقة" (PPA).

ويجري عادة توقيع اتفاقية شراء الطاقة بين مطوري توليد الطاقة الكهربائية والطرف المشتري للطاقة المولدة من هذه المشاريع. ومن خلال هذه الاتفاقية يتم شراء الطاقة من المشاريع المنفذة من خلال عقود البناء والتشغيل، وتحدد الاتفاقية إيرادات المشروع وجدواه المالية.

وفيما يخص إعادة تدوير المخلفات، يقول عامر إن جميع المخلفات داخل المدينة يتم إعادة تدويرها، مع التركيز على عدم استخدام البلاستيك، بالإضافة إلى ذلك، فإن نسبة كبيرة من وسائل المواصلات أصبحت تستخدم الكهرباء، ويتوقع أن تكون 100% منها كهربائية خلال عامين، كما يتم إعادة تدوير المياه واستخدامها في الزراعة.

وتعتمد مدينة الجونة على الابتكار العقاري من خلال تبنّي تصميمات مبتكرة، بحسب عامر، الذي يشير إلى أن أحد الأمثلة على ذلك هو المنازل ذات القبب النوبية. وتسعى المدينة إلى تحقيق كفاءة الطاقة والاستدامة. وجدير بالذكر أن هذه القبب ليست مجرد إضافة جمالية، بل إنها تؤدي دوراً حيوياً في تنظيم درجة الحرارة داخل المنازل وتدوير الهواء، ما يوفر بيئة معيشية أكثر راحة وصحية.

وتتميز القبة النوبية بوجود نوافذ صغيرة مغطاة بالزجاج الشفاف، ما يعني أنه مع دوران الشمس على مدار اليوم يتغير لون الإضاءة في الغرفة، بالإضافة إلى فتحة دائرية تعمل على تجديد الهواء داخل الغرفة.

مدينة ذكية

تعمل المدينة أيضاً على التحول إلى مدينة ذكية، ويشير عامر إلى أن المدينة بالكامل متصلة بشبكة من كاميرات المراقبة الذكية، كما أن الدخول والخروج مربوط بشبكات ذكية تقرأ أرقام السيارات.

وأطلقت المدينة مؤخراً تطبيقاً جديداً للجونة لتحسين تجربة العميل، إذ يستطيع العميل دفع أي فواتير أو حجز مطعم أو طلب سيارة تاكسي، وفقاً لعامر، الذي يضيف أن أي عميل يريد استضافة شخص من الخارج يمكنه إرسال رمز "الاستجابة السريع" (QR code) من خلال التطبيق من أجل الدخول إلى الجونة.

ويتابع الرئيس التنفيذي للمدينة أن الإدارة تضع خطة مستمرة للتحول الرقمي، وتستثمر مبالغ كبيرة تصل إلى ملايين الجنيهات من أجل تحسين قدرات المدينة التشغيلية.

توبان

أطلقت الجونة مؤخراً منطقة توبان، وهي المنطقة الحادية عشرة بالمدينة، وأضخم مشاريعها العمرانية. وهي عبارة عن بلدة متكاملة في قلب الجونة، توفر لسكانها مجتمعاً نابضاً بالحياة، يجمع بين الخدمات والمنتجات المختلفة الممزوجة بالفخامة والطبيعة الخلابة.

وتتميز بموقعها في قلب المدينة، فهي على بُعد دقائق من المستشفى العالمي، ومجمع الأعمال المتكامل للشركات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، لتصبح هي القلب النابض للمدينة على مساحة مليون متر مربع.

يشير عامر إلى أن المدينة تستهدف من هذه المنطقة الشباب والعائلات والأجانب، مضيفاً أنه سيجري تخصيص منطقة سكنية لكبار السن. ويضيف أن إدارة المدينة تستهدف أن تكون 40% من المبيعات خارج مصر، سواء لأجانب أو مصريين بالخارج، لافتاً إلى أن المنطقة سيتم تسويقها بإنجلترا وألمانيا وسويسرا والخليج. ويتوقع عامر أن يصل حجم المبيعات المستهدفة من 40 إلى 45 مليار جنيه (927.8 مليون دولار).

وستضم منطقة توبان شبكة متواصلة من الممرات، مخصصة للسير أو قيادة الدراجات، بحسب عامر، الذي يضيف أن المدينة بالكامل فيها أماكن لقيادة الدراجات على نحو آمن.

سياحة اليخوت

تعمل المدينة على تعزيز مكانة مصر في مجال استضافة وسياحة اليخوت، وفقاً لعامر، الذي يشير إلى أن الجونة هي أكبر مشغّل لليخوت من قطاع خاص في مصر، إذ تمتلك 4 مراسٍ بقدرة استيعابية تصل إلى 680 يختاً. وتتمتع المدينة بجميع المرافق والبنية التحتية التي تسهم في تنمية سياحة اليخوت وتطويرها في مصر.

ويضيف أن الجونة وجهة مهمة لسياحة اليخوت، وهي من أهم أنواع السياحة التي تدرّ دخلاً جيداً في مصر. كما تستثمر المدينة في تجديد المراسي وافتتاح مراسٍ جديدة. وتعمل الإدارة على تطوير المراسي في المدينة، حيث جرى تطوير مارينا أبيدوس لزيادة طاقتها الاستيعابية من 60 يختاً حالياً إلى 105 يخوت بحلول نهاية 2024. وتم مؤخراً إطلاق مرسى فنادير مارينا، وهو المرسى الرابع بسعة 80 يختاً. وتعمل المدينة على مضاعفة مناطق تخزين اليخوت لتصل إلى 240 يختاً مقابل 120 حالياً.

ويشير عامر إلى أن عائد المراسي في الجونة يمثل نحو 30% من إجمالي إيرادات القطاع التجاري للمدينة في الأشهر الستة الأولى من 2024.

وأعلنت مصر في 2023 عن استراتيجية لتعظيم سياحة اليخوت والسفن السياحية، من خلال إطلاق النافذة الرقمية الواحدة لسياحة اليخوت الأجنبية، لتلافي غالبية المشاكل والمعوقات التي واجهت جذب سياحة اليخوت إلى مصر، وعلى رأسها خفض الفترة الزمنية اللازمة لإصدار موافقات الجهات لليخوت، لتصبح بين 3 و6 ساعات.

وتعطي المدينة الحرية لمرتادي اليخوت الأجنبية في اختيار مكان الرسو، ومدة صلاحية تأشيراتهم السياحية لتكون 3 أشهر بدلاً من 30 يوماً.

إلى جانب سياحة اليخوت، تهتم المدينة بأنواع مختلفة من السياحة، ومنها السياحة الرياضية والسياحة السينمائية. ويشير عامر إلى أن الجونة تتميز بتنظيم الفعاليات المختلفة، سواء فنية أو رياضية أو ثقافية، ومنها مهرجان الجونة السينمائي، وماراثون الجونة، وبطولة الاسكواش، كما تتميز أيضاً بالألعاب المائية، مضيفاً أن هناك أكثر من 50 فعالية تجري بالجونة سنوياً.

دعم ريادة الأعمال

تركز الجونة على دعم ريادة الأعمال. وبحسب عامر، بدأت المدينة بمشروع "جي سبيس" (G Space)، الذي كان مركزاً يضم مكاتب للشركات الصغيرة والناشئة ورواد الأعمال. ثم أعلنت عن مشروع "جي فالي" (G Valley) الذي يمتد على مساحة 500 ألف متر، ويضم القطاعين التجاري والإداري بالإضافة إلى القطاع السكني، وسيكون التركيز فيه على رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، بوصفها مساحة عمل مشتركة، ليكون هذا المشروع مركزاً لريادة الأعمال بالشرق الأوسط.

وأعلنت المدينة أيضاً قبل 6 أشهر عن مشروع "الجونة بيزنس بارك" (El Gouna Business Park)، وهي منطقة مخصصة للشركات الكبرى والبنوك، تتألف من مبانٍ منفصلة، إلى جانب مبنيين تحت الإنشاء حالياً، وهناك تعاقدات شهرية مع شركات كبرى.

المنافسة مع المدن الأخرى

هناك مدن أخرى يتم إعدادها لتكون مدناً سياحية مستدامة مثل رأس الحكمة، لكن عامر يرى أن البنية التحتية في مدينة الجونة تجعلها مدينة متكاملة موجودة في المنطقة على مدار 35 عاماً. ويشرح أنها ليست سياحية فحسب، بل هي سكنية وسياحية على حد سواء، كما أنها لا تستقطب السياح الموسميين فقط، بل أيضاً السكان الدائمين.

يعيش في الجونة 25 ألف شخص بصورة دائمة، ما يجعلها مختلفة عن أي مدن سياحية أخرى، كما أنها تمتلك جميع الخدمات ومدارس ومستشفى، وهذا ما يفسر معنى مدينة متكاملة، بحسب عامر.

شهد إجمالي إيرادات الجونة ارتفاعاً كبيراً بنسبة 62.8% خلال النصف الأول من 2024، ليصل إلى 7.2 مليارات جنيه (148.5 مليون دولار)، مقارنة بإيرادات النصف الأول من عام 2023 البالغة 4.4 مليارات جنيه (90.77 مليون دولار).

المحتوى محمي