كيف تؤدي التعويضات الكربونية إلى نتائج سلبية؟ وما البديل الأنسب لها؟

4 دقيقة
التعويضات الكربونية
shutterstock.com/Natthapong Ponepormmarat
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بسبب المشكلات التي خلقتها هيكلية التحفيز على شراء التعويضات الكربونية على اعتبارها من طرق الحد من التغير المناخي، يجب على الشركات أن تنتقل إلى نهج تقديم الإسهامات للحفاظ على التدفق النقدي المهم للاستثمار المناخي.

أُنفق أكثر من مليار دولار على الغابات والأراضي التي تستخدم أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها بغية تعويض الانبعاثات، وقد رُوجت التعويضات الكربونية هذه على اعتبارها وسيلة لحماية الغابات المتبقية في العالم وتنميتها، ومعالجة التغير المناخي، لكنها لا تحقق النتائج المنشودة، إذ قدّرت دراسات حديثة مرموقة أن 6% فقط من أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها في الغابات الاستوائية تمثل تخفيضات حقيقية في الانبعاثات، لتؤكد التحذيرات التي أطلقتها المقالات العلمية والتقارير والتحقيقات في العام الماضي، وتُظهر أنه كانت هناك مبالغة كبيرة في تقدير الفوائد المناخية لأرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها في الغابات (وأن بعض مشاريع التعويضات الكربونية تسبب على الأقل أضراراً اجتماعية وبيئية). في أعقاب مثل هذه الدراسات وتزايد الدعاوى القضائية ضد شركة دلتا للطيران وغيرها من الشركات التي استخدمت أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها في الغابات لتحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية ومطالبات مماثلة، أعلنت شركات وجامعات قرارها بالتوقف نهائياً عن شراء التعويضات الكربونية، فانهارت الأسعار في سوق الكربون.

وفي حين أن الكشف عن التعويضات الكربونية المنخفضة الجودة أمر إيجابي، فإن تمويل القطاع الخاص للغابات مُعرض للنضوب. لا تقتصر الفوائد المهمة للغابات على احتجاز ثاني أوكسيد الكربون، الذي يحبس الحرارة، وامتصاصه،
بل تشمل أيضاً تحسين جودة كل من الهواء والماء والحفاظ على التنوع البيولوجي وتخفيف حدّة الفقر وغير ذلك الكثير، ومن ثم فإننا في حاجة ماسّة إلى نهج جديد لتمويل جهود الحفاظ على الغابات وتوسيعها وإدارتها إذا أردنا الحصول على هذه الفوائد.

إحدى طرق توجيه تمويل الغابات بعيداً عن التعويضات الكربونية المنخفضة الجودة واستثماره في نتائج بنّاءة أكثر، هي ببساطة التوقف عن الادعاء بأن الغابات تخفف انبعاثات الوقود الأحفوري. ويمكن للشركات بدلاً من ذلك أن تقدم إسهامات للتخفيف من آثار تغير المناخ العالمي من خلال الاستثمار في الغابات، قد يبدو هذا التغيير بسيطاً، لكنه يمثل نهجاً مختلفاً بصورة جذرية، فإذا لم نسمح للشركات بطرح أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها من انبعاثاتها المباشرة للوصول إلى رقم صافٍ موحد، كما هي الحال في عملية تعويض الكربون، فإننا سنعيد تركيز الأولويات على تخفيض الانبعاثات المباشرة، ولن تكون الشركات قادرة بعد الآن على إخفاء تقاعسها وراء عمليات شراء التعويضات الكربونية.

على سبيل المثال، لنفترض أن شركتين تعلنان التزامهما الحياد الكربوني، الأولى تعمل على خفض انبعاثاتها بدرجة كبيرة، باستثناء كمية صغيرة من الانبعاثات المتبقية التي تعوّضها بأرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها المدروسة بعناية، أما الشركة الثانية فلا تتخذ أي إجراء للحد من انبعاثاتها، وتشتري كمية كبيرة من أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها المنخفضة الجودة لاستخدامها تعويضات كربونية. سيكون للشركة الأولى تأثير أكبر بكثير في معالجة تغير المناخ، نظراً لأن غالبية التعويضات الكربونية لا تحقق فوائد مناخية حالياً، وإذا التزمت هاتان الشركتان
نهج تقديم الإسهامات، فسيرى الناس بوضوح أكبر أنهما اتخذتا قرارات مختلفة جذرياً لخفض انبعاثاتهما.

الانتقال من استخدام التعويضات الكربونية إلى تقديم الإسهامات يؤدي إلى نتائج أدق أيضاً. تخزن الغابات الكربون من الغلاف الجوي مؤقتاً ومن ثم فإنها لا تستطيع إزالة كربون الوقود الأحفوري الذي سينطلق في الغلاف الجوي، حيث يبقى لقرون وحتى آلاف السنين، كما أن هناك عدم يقين حيال التكافؤ بين التخفيضات المباشرة والتعويضات الكربونية المشتراة، فقياس الانبعاثات المباشرة أسهل كثيراً من تقدير حجم التخفيض في الانبعاثات، الذي يجب قياسه وفق تصور مفترض وغير مؤكد في كثير من الأحيان، لما كان ليحدث لولا تمويل الكربون.

يُعد هذا التحول في التأطير أمراً بالغ الأهمية لتحسين نتائج مشروعات الغابات، وبسبب نموذج التعويض الكربوني الحالي، فإن جميع الجهات الفاعلة المشاركة في إنتاج أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها لديها الحافز لتعزيز الفوائد المناخية المترتبة على هذه المشروعات. يربح مطورو مشروعات الكربون عندما يكون لديهم المزيد من أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها لتقديمها، ويكون لدى مدققي الطرف الثالث الذين يعيّنهم المطورون أنفسهم حوافز للتساهل حتى يعيّنوهم مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، يستفيد مشترو أرصدة التعويض الكربوني عندما تكون هذه الأرصدة رخيصة ووفيرة، وتفسر ديناميكية السباق إلى القاع هذه سبب هيمنة المشروعات المنخفضة الجودة.

تحرير الشركات من ضغوط التعويض الكربوني من خلال التحول إلى نهج تقديم الإسهامات يقلل من حافزها لخفض التكاليف على حساب الجودة، ما يسمح لها بالتركيز على الإسهام في مشروعات أعلى جودة.

لا يزال البعض يعتقد أن نموذج التعويض الكربوني الحالي يمكن إصلاحه، ولكن هناك أسباب عديدة تثير الشك في هذا الشأن، أولاً، تنطوي التعويضات الكربونية في أساسها على عدم تناسق في المعلومات بين بائعي التعويضات ومشتريها، وهو ما سيجعل التعويضات عُرضة للتلاعب، خاصة عندما يقترن الأمر بصعوبات وشكوك هائلة. ثانياً، يستفيد جميع المشاركين في سوق التعويضات الكربونية من التلاعب كما وصفنا أعلاه. ثالثاً، حتى أفضل الجهود المبذولة لقياس فوائد غابات التعويض الكربوني بدقة لا يمكنها التوفيق بين الطبيعة المؤقتة لتخزين الكربون في الغابات والعواقب الدائمة الفعالة للتلوث بالوقود الأحفوري. كما أن استقرار الغابات على مر القرون أمر غير مؤكد إلى حد كبير، خاصة مع ازدياد احتمالات تعرضها في جميع أنحاء العالم لكوارث التي يعززها تغير المناخ مثل حرائق الغابات والجفاف والآفات.

ومع ذلك، فإننا متفائلون بإمكانية تصميم نهج يركز على تقديم الإسهامات لإصلاح العيوب الأساسية في نموذج التعويض الكربوني. وفي نموذج الإسهامات، تتحرر الشركات وغيرها من مشتري أرصدة انبعاثات الكربون المسموح بها من السعي إلى مضاعفة كمية الأرصدة التي يشترونها، لأن هدفهم لم يعد من الممكن أن يكون إزالة انبعاثاتهم المباشرة. ومن ثم يمكن للمشتري بدلاً من ذلك تحويل تركيزه إلى الإسهام في مشروعات الحفاظ على الغابات العالية الجودة التي تعطي الأولوية لمواقع محددة من الغابات وللتدخلات التي من المرجح أن تؤدي إلى أداء الغابات دوراً حقيقياً في الحد من التغير المناخي وتجنب أضراره.

بات الأمر على المحك أكثر من أي وقت مضى، ففي عام 2021 وحده وُجِّه أكثر من 1.3 مليار دولار من التمويل إلى الغابات والأراضي التي تستخدم التعويضات الكربونية، والآن، في حين يواجه نموذج التعويض الكربوني أزمة مصداقية، فإن نهج الإسهام يتيح توجيه مليارات الدولارات بصورة بنّاءة نحو جهود استثمار الغابات الفعالة التي لا تقوّض العمل المناخي المُلح.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.