كيف تُسهم الطاقة النظيفة في تحقيق نظام مستدام؟

5 دقائق
الطاقة النظيفة
shutterstock.com/chawalit khamsuk

تغيرت الطريقة التي نستخدم بها الطاقة مقارنةً بالعقود السابقة. بِتنا أكثر وعياً بالآثار الضارة للوقود الأحفوري على البيئة، ويحاول الكثير منا العيش على نحوٍِ مستدام قدر الإمكان، وتُكثر الشركات العاملة في قطاعات الأغذية ومستحضرات التجميل والملابس من استخدام مفهوم الاستدامة لوصف كيفية حصولها على مواد الإنتاج، ولكن ماذا تعني الاستدامة في مجال الطاقة؟

تتمثل الاستدامة في مصادر طاقة صحية وآمنة وطويلة الأمد وذاتية التجديد، مثل الطاقة المائية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، والكتلة الحيوية، والتي تسبب ضرراً أقل على البيئة من المصادر التقليدية، كما يمكن إعادة استخدامها وتجديدها نسبياً.

يُعد استخدام الطاقة المتجددة عنصراً حيوياً للعيش بطريقة مستدامة، وأحد أسهل الحلول التي يمكن اتباعها للحد من مشاكل مثل الاحتباس الحراري الناجم عن الاحتراق اليومي للوقود الأحفوري.

الطاقة والتنمية المستدامة

مع زيادة استهلاك الطاقة، وخاصة الوقود الأحفوري، أصبحت المشاكل البيئية العالمية واقعاً، إذ تضم الدول الصناعية 28% من سكان العالم، وتستهلك 77% من إنتاج الطاقة العالمي، ومن المتوقع ارتفاع عدد سكان العالم بمقدار 1.26 مرة ليصل إلى 9.7 مليار نسمة في عام 2050، ما يتطلب من البلدان المتقدمة والنامية تمكين أنظمة الطاقة وتحسين الظروف البشرية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية من أجل التنمية المستدامة، وفي هذا الإطار، أعدّت الباحثة الجزائرية ذبيحي عقيلة دراسة بعنوان: دور الطاقات الجديدة والمتجددة في تحقيق نظام طاقة مستدامة، لمعرفة أهمية الطاقات الجديدة والمتجددة، ودورها في تحقيق نظام طاقة مستدام لا سيما في الاقتصاد الجزائري، وزيادة الوعي بأهمية الطاقة التقليدية وخطورتها للبحث عن بدائل مناسبة للطاقة.

وبينت الباحثة أن الطاقات الجديدة والمتجددة أقل تنافسية اقتصادياً، وأوصت بتقليص الاعتماد على الثروة النفطية والغازية، وتشجيع بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق الطاقات المتجددة لتغطية الطلب محلياً، وتعبئة الموارد المالية من أجل بناء القدرات ونقل التكنولوجيا.

أهمية الطاقة المستدامة

تتعدد الجوانب التي تنعكس فيها الآثار الإيجابية للطاقة النظيفة في التنمية المستدامة، منها:

  • تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري

نعتمد على مزيج من الموارد لتلبية احتياجاتنا الحالية من الطاقة، لكن من المتوقع أن تنفد احتياطيات الوقود الأحفوري في نهاية المطاف، وبالتالي تزداد إمكانية التحول إلى الطاقات البديلة والمتجددة في المستقبل القريب، وتسخير إحدى أشكال الطاقة المستدامة الأكثر صحة وأماناً.

  • التجدُد وعدم النفاد

إذا واصلنا الاعتماد بكثرة على المصادر المحدودة التي تدمر البيئة، قد يدوم الضرر أو يستمر لفترة أطول، لكن مع اعتماد مصادر مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة المائية المتسمة بالتجدد، سنحصل على الطاقة باستمرار.

  • تخفيض انبعاثات الكربون

ربما تتمثل أهم فائدة للطاقة النظيفة في عدم وجود غازات دفيئة أو ملوثات أخرى. في حين أن محطات توليد الطاقة بالفحم تنتج نحو 2.2 رطل من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوواط/ساعة من الكهرباء؛ فإن الألواح الشمسية وتوربينات الرياح لا تنتج أي انبعاثات على الإطلاق، وبينما نتسابق لإزالة الكربون من عالمنا وتبني مصادر الطاقة التي لا تساهم في الاحتباس الحراري؛ تساعد مصادر الطاقة النظيفة في تزويدنا بالطاقة الخالية من الانبعاثات، والحرارة، والسيارات، وحتى السفر الجوي.

  • تحسين الصحة العامة

يسبب الضباب الدخاني الناتج عن الوقود الأحفوري مشكلات صحية تتراوح من صعوبات التنفس إلى الوفاة المبكرة، فيما لا تسبب الطاقة النظيفة أي تلوث للهواء والماء، وفي الوقت الذي ساهمت إغلاقات جائحة كوفيد-19 في الحد من التلوث في المدن الكبرى حول العالم؛ فإن الطاقة النظيفة لديها القدرة على تنقية الهواء بسهولة.

  • تكلفة أقل

مع النمو السريع للطاقة المتجددة على مدى السنوات العشر الماضية، أصبحت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الآن أرخص مصادر الطاقة في أجزاء كثيرة من العالم، على سبيل المثال، تعمل دولة الإمارات على إنشاء مزرعة شمسية جديدة بأقل سعر للطاقة الشمسية في العالم، ودفَع انخفاض تكاليف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح العديد من الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل بالوقود الأحفوري، بما في ذلك شركات النفط الست الكبرى، للتركيز على الاستثمار في الطاقة المتجددة بدلاً من ذلك.

  • خلق وظائف جديدة

مع زيادة التركيز على ظاهرة الاحتباس الحراري، ووضع العديد من الحكومات أهدافاً طموحة لخفض الكربون؛ تبرز الطاقة النظيفة كمصدر رئيسي لنمو الوظائف الجديدة، ففي أميركا يمثل عدد الأشخاص العاملين في الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف العاملين بمجال الوقود الأحفوري، ويتوقع مكتب إحصاءات العمل (U.S. Bureau of Labor Statistics) أن يكون فنيُو توربينات الرياح ومركبُو الألواح الشمسية من أسرع الوظائف نمواً خلال العِقد المقبل.

تحديات خلق نظام مستدام عبر الطاقة النظيفة

من المتوقع أن تزوّد الطاقة النظيفة منازلنا ومركباتنا بطاقة خالية من الانبعاثات، لكن هناك بعض القيود والتحديات الحالية، وهي:

  • ارتفاع التكاليف الأولية

في حين أن أنظمة الطاقة النظيفة لا تحتاج إلى وقود ويمكن أن تحقق وفراً على المدى الطويل؛ إلا أن تكاليفها الأولية يمكن أن تظل باهظة، على سبيل المثال، قد يُكلف تركيب نظام شمسي في منزلك بين 17 إلى 34 ألف دولار. وعلى نطاق أوسع، تتطلب مزارع الرياح، وحدائق الطاقة الشمسية، ومحطات الطاقة الكهرومائية استثمارات كبيرة، ما يؤدي إلى تأخير بعض المشاريع أو تغييرها أو حتى إلغائها، ولحسن الحظ، استمرت تكلفة مصادر الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح في الانخفاض مع تحسن التصنيع.

  • تذبذب إنتاج الكهرباء 

تعتمد أنظمة الطاقة المتجددة على الموارد الطبيعية مثل ضوء الشمس والرياح والمياه، لكن قدرة هذه الموارد على توليد الكهرباء مرتبطة بالطقس؛ إذ تفقد الألواح الشمسية كفاءتها في الأيام الملبدة بالغيوم، وتصبح توربينات الرياح غير فعّالة في الطقس الهادئ، فيما تحتاج أنظمة الطاقة الكهرومائية إلى تساقط ثلوج وهطول أمطار بانتظام للحفاظ على إنتاج مستقر.

من جهة أخرى، عندما تنتج الأنظمة المتجددة الكثير من الطاقة، فإنها تخاطر بزيادة الحمل على الشبكة والتسبب في مشاكل كبيرة لمشغلي الشبكات، وتدرس أستراليا، صاحبة أعلى نصيب للفرد من الطاقة الشمسية، إجراءات تصدير جديدة للحد من الطاقة الشمسية التي تدخل الشبكة في الأيام المُشمسة.

  • تخزين الطاقة

يجب الاعتماد على أشكال مختلفة من تخزين الطاقة لتوليد الكهرباء وتوزيعها بطريقة متسقة ومنضبطة، وعلى الرغم من تزايد اعتماد أنظمة البطاريات في السنوات الأخيرة، مثل مشروع أكبر بطارية في العالم في كاليفورنيا، لا تزال تقنية التخزين باهظة الثمن نسبياً وهناك بعض الجدل حول موثوقيتها وعمرها الافتراضي، لكن هناك العديد من الأنظمة الحالية قيد التشغيل تسجل نتائج واعدة؛ إذ حققت بطارية تسلا الكبيرة في جنوب أستراليا وفراً للعملاء المحليين مع الحفاظ على الإضاءة أثناء انقطاع الشبكة، ومع النمو المتسارع لمصادر الطاقة النظيفة حول العالم، يبدو أن تخزين الطاقة على نطاق واسع سيأخذ مساراً مشابهاً.

  • التأثُر بالظروف البيئية

تعتمد كفاءة أنظمة الطاقة النظيفة على موقعها والبيئة المحيطة، فمثلاً، تصبح توربينات الرياح فعالة فقط في المناطق المفتوحة الكبيرة ذات الرياح القوية، ما يحد من قدرتها على البقاء في مناطق معينة بينما توّلد الألواح الشمسية بعض الكهرباء في الأيام الملبدة بالغيوم؛ تكون أكثر إنتاجية في الأماكن ذات المناخ المشمس والمشرق باستمرار، على سبيل المثال، يكون النظام الشمسي في ولاية نيفادا الأميركية أكثر كفاءة من النظام المعمول به في ولايات أخرى، ما يعني أن المناطق التي تقل فيها ساعات ضوء الشمس تحتاج إلى المزيد من الألواح لتوليد نفس القدر من الطاقة.

  • خلق بصمة كربونية

بينما لا تنتج الألواح الشمسية وتوربينات الرياح أي انبعاثات كربونية عند توليد الطاقة؛ يمكن أن يخلق تصنيعها ونقلها وتركيبها بصمة كربونية، إذ تُصنع مكونات الطاقة المتجددة عادةً في المصانع التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، بالإضافة إلى مركبات الديزل والبنزين اللازمة لنقلها وتركيبها، ومع ذلك، تتمتع مصادر الطاقة المتجددة بـ"فترة استرداد الطاقة"، وهي مقدار الوقت اللازم لإنتاج نفس الكمية من الكهرباء المستخدمة في دورة حياتها. في حين أن الألواح الشمسية تستعيد طاقتها في غضون سنة إلى ثلاث سنوات؛ يمكن أن تقضي توربينات الرياح الكبيرة على بصمتها الكربونية في غضون ستة أشهر فقط، ومع نشر المزيد من مصادر الطاقة المتجددة، ستنخفض البصمة الكربونية لتصنيع مكوناتها، ولحسن الحظ، يزداد التركيز على إعادة تدوير الألواح الشمسية وتوربينات الرياح في محاولة لتقليل النفايات وتوفير الطاقة وتقليل الطلب على المواد الخام.

إذاً، يمكن للدول تحقيق أهداف التنمية المستدامة إذا نجحت في توليد الكهرباء بوسائل متجددة ونظيفة عبر الاستفادة من التطور التكنولوجي، وتحسين سياساتها ذات الصلة بقطاع الطاقة.

المحتوى محمي