لحظات عصيبة يمر بها سكان الشمال السوري وتركيا، دفعت فريق ملهم التطوعي على الفور لإطلاق حملة طارئة "استجابة زلزال" بعد إعلان الشمال السوري "منطقة منكوبة" للمساهمة بتأمين مساكن بديلة للمتضررين وتأمين احتياجاتهم الأساسية.
الأزمات بطبيعتها تفرض مبدأ "السرعة فوق الكمال"، إذ لا يسمح الوقت والحقائق على أرض الواقع بصياغة استراتيجية استجابة مثالية، وبالتالي يُعد اتباع استراتيجيات مثل اتخاذ القرارات العاجلة وتنحية الأنانية جانباً مسألة بالغة الأهمية خلال الأزمات.
تُتيح الأوقات الصعبة خياراً لتنفيذ حلول جديدة وفعّالة تلبي الاحتياجات الاجتماعية للأفراد في إطار الابتكار الاجتماعي. وقد سبق لفريق "ملهم" استخدام التكنولوجيا كوسيلة لتأمين المسكن إلى الأطفال اللاجئين من خلال مواصلة البث المباشر لحملة حتى آخر خيمة لمدة 5 أيام في يناير/ كانون الثاني عام 2022، بمشاركة المؤثرين السوريين، الذين أعلنوا دعمهم، ودعوا متابعيهم إلى المشاركة في إنهاء معاناة مئات العائلات في شمال غرب سوريا الذي يشهد انخفاضاً شديداً في درجات الحرارة، أسفر عن تضرر ما يزيد عن 266 مخيماً.
يمكن لتطبيق الابتكار الاجتماعي، بما في ذلك الحركات الاجتماعية، والخدمات ونماذج الأعمال الاجتماعية المبتكرة، أو الابتكارات الاجتماعية الرقمية، تحديد الطرائق العملية لتنفيذ نماذج اجتماعية جديدة وتعزيزها لتسهم في مد يد العون في أثناء الأزمات.
التقدم على الزلازل بخطوة واحدة
أمام مأساة بحجم الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا يوم الاثنين 6 فبراير/شباط 2023 بقوة 7.8 درجات على سلم ريختر، قد يوفر الابتكار الاجتماعي أداة فعّالة لتقديم مساعدات فورية وعاجلة للمتضررين وتنسيق عمل المتطوعين.
عندما تعرضت نيبال في صباح 25 نيسان/أبريل 2015 إلى زلزال قوته 7.8 درجات على سلم ريختر، كان أحد أسباب نجاح جهود الاستجابة هو التخطيط لعملية التأهب على نحوٍ أسرع من خلال مشاركة السكان المتضررين في أنشطة العمل الإنساني، واختصار وقت جمع المعلومات اللازمة لوضع استراتيجية الاستجابة، وتزويد الاتحاد النيبالي للحد من أخطار الكوارث بالتحليلات والبيانات المستمدة من الأنشطة الإنمائية، لتكييف عملية التخطيط مع الاحتياجات التي أبدتها المجتمعات المحلية.
إن بناء مدن أكثر قدرة على الصمود هو المفتاح لمواجهة كوارث مثل الزلازل. ويساعد استباق لحظة وقوع الزلازل في تنفيذ خطط الطوارئ المحلية والإخلاء والإيواء. لكن هل يمكن تنسيق ذلك بفعّالية؟
فمثلأً يقوم باحثون بالاستعانة بإمكانات الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة أنظمة الرصد والإنذار المبكر وسرعتها. كما يعمل حالياً مشروع تيرن كي (TURNkey) التابع للاتحاد الأوروبي على زيادة صمود المجتمعات أمام الكوارث مثل الزلزال بالاستثمار في التكنولوجيا.
الابتكار الاجتماعي في الأزمات
يساعد الابتكار الاجتماعي الأفراد والمؤسسات على حدٍ سواء في اكتساب رؤية مختلفة عن الآخرين للخروج بالحلول الإبداعية لمساعدة الناجين من الكوارث الطبيعية والحروب، ودعم مجتمعات الأقليات وتعزيز المسؤولية الاجتماعية تجاهها. لكن ما الرابط الذي يجمع بين الأزمات والابتكار الاجتماعي؟
يبدو الابتكار الاجتماعي الحل الأمثل في أثناء الأزمات، لأن هناك أربعة جوانب مترابطة تميّز الأزمة وتعزّز الابتكار، وهي:
- تضفي الأزمة إحساساً مفاجئاً وحقيقياً بالعجز.
- يقود هذا الإحساس المؤسسات والأفراد إلى إسقاط جميع الأولويات الأخرى والتركيز على تحدٍ واحد، وإدارة الموارد على نحوٍ أفضل.
- يدفع التركيز على تحدٍ واحد والإدارة الجيدة للموارد الجميع للعمل معاً لحل المشكلة، وتقديم وجهات النظر المختلفة، ما يسمح لمزيد من التجارب والتعلم.
- لأن الأزمة مؤقتة، يمكن للمؤسسات والأفراد الالتزام بجهد مكثف للغاية خلال فترة زمنية قصيرة.
عندما تسبب إعصار كاترينا في 29 أغسطس/آب عام 2005 بدمار غير مسبوق في مدينة نيو أورلينز، اضطرت جامعة تولين إلى إغلاق أبوابها مدة فصل دراسي كامل، لكن في السنوات التي تلت الإعصار؛ عزمت الجامعة على إدخال الابتكار الاجتماعي والمشاركة الاجتماعية في صميم عملها، لتقدم بذلك مثالاً مفيداً للمؤسسات حول دور الابتكار الاجتماعي في التكيف مع تداعيات الأزمات.
ما نتعلمه من الأزمات عن الابتكار
قد لا توفر الاتفاقيات والهياكل والإجراءات المؤسسية القائمة حلولاً مناسبة للتحديات التي يواجهها العالم. لذا، توفر أطر أو مبادرات الابتكار الاجتماعي منصة اجتماعية تساعد في التعلم الاجتماعي والتجريب إعادة تشكيل السياسة العامة في أثناء الأزمات وبعدها.
لطالما كانت السياسة العامة متأثرة بالتغيير. ومع ذلك، فإنها تتفاعل مع الاتجاهات الاجتماعية أو الاضطرابات، بدلاً من إحداث تغيير من الداخل. في الآونة الأخيرة، أثار تعدد الأزمات غير المسبوق دعوات لقطاع عام ذو رؤية بعيدة المدى لتمكينه من استباق الأزمات والتخفيف من حدتها.
الضغط مرهِق، لكن أدمغة البشر تتكيف مع ذلك، فبحسب خبراء في علم النفس الصحي مثل لوريل ميلين (Laurel Millen)، إذا دربنا أدمغتنا لتتكيف مع فترات الضغط الشديد التي نمرّ بها، فستتحسن جميع جوانب حياتنا تقريباً. بعبارة أخرى، يمكننا استبدال الأنماط العقلية التي تثبطنا بالأفكار والاستراتيجيات التي تهيئ عقولنا للعمل والمرونة.
يؤدي إتقان الاستراتيجيات خلال الأزمات إلى تحسين جذري في طريقة عمل الأفراد والمؤسسات، حتى بعد انتهاء الأزمة بزمن طويل، وبالتالي يمكن تحويل الإغاثة قصيرة الأجل من الأزمات إلى ابتكار اجتماعي طويل المدى.