الإسكان والصحة: توفير الحلول بالتعاون مع المجتمعات

9 دقائق
الإسكان والصحة
(الشكل التوضيحي لرافي مرحبا، ذا دريم كرياتف (The Dream Creative))

في المجتمعات المزدهرة والنابضة بالحياة، يستحوذ السكان على السلطة والموارد لتحقيق تطلعاتهم في مجالي الإسكان والصحة للوصول إلى الرفاهية. حيث يضمن السكان القدرة على تنفس هواء نظيف وتناول طعام صحي مناسب لثقافاتهم وبيئتهم والحصول على مسكن آمن ليطمئنوا فيه وبأسعار معقولة بغض النظر عن مكان إقامتهم ومقدار ثروتهم.

ولا يتطابق هذا الوصف مع الكثير من المناطق في الولايات المتحدة. فقد أدت عقود من سياسات التفرقة في الإسكان والنقل واستثمار الأراضي إلى جانب الإهمال الاقتصادي إلى فرز المجتمعات السكنية بحسب الدخل والعِرق واللغة وأوضاع الهجرة. فثمة تفاوت في جودة السكن واستقراره وإمكانية الحصول عليه؛ واختلال في توازن القوى التي تدعم الأسواق والمطورين العقاريين وأصحاب العقارات.

وقد وثّق باحثون ومؤسسات خيرية على حد سواء أهمية الإسكان كمؤشر اجتماعي حقيقي على المستوى الصحي للسكان. واستخلص البحث الذي أجروه أن للإسكان تداعياته على الصحة وذلك عبر ثلاثة مسارات وهي الاستقرار السكني، والقدرة على تحمل تكاليف المسكن، والقدرة على السكن في حي يعزز للصحة العامة. حيث يؤدي فقدان الاستقرار السكني إلى تشكيل ضغوط مؤذية ومزمنة ويعرّض السكان لمواقف مؤلمة وأوضاع غير صحية سواء من خلال انعدام المأوى أو عمليات الإخلاء والتنقل المتكررة. فعندما لا يتمكن السكان من تحمل تكاليف السكن، فلن يتبقى معهم المال الكافي لشراء الأطعمة الصحية والأدوية الضرورية التي يحتاجون إليها. كما يحدد المسكن المناسب لميزانيتك نوعية الحي الذي ستسكن فيه، فقد يوفر ذلك الحي إمكانية استخدام وسائل النقل العام التي تصلك بالوظائف والفرص المناسبة، ومحلات البقالة التي تقدم أطعمة مغذية، وأماكن آمنة لممارسة الرياضة. وفي المقابل قد تسكن في حي مليء بالتلوث والازدحام المروري والجريمة، ولذلك تداعياته على الصحة. فمجرد وجود سقف فوق رأسك لا يعني بالضرورة أنك حصلت على مسكن. فظروف السكن المتردية تؤذي صحتك بصورة مباشرة؛ سواء بسبب الإصابة بالربو الناتج عن العفن الناجم عن رطوبة الأسقف، أو المعاناة من الأمراض الناجمة عن غزو القوارض لمسكنك، أو من موجات قاتلة من الحر الشديد في حال لم تعمل وحدات تكييف الهواء ولم يتم إصلاحها.

ويقدم السكن الآمن والمستقر والميسور التكلفة من نواحٍ عديدة ما تقدمه الرعاية الوقائية، والذي من شأنه أن يقلل من مخاطر واحتمالات النزوح وتردي الصحة. فعندما يتم اقتلاع المجتمعات وتشريدها، تتقطع الروابط بين الجيران والأسر وموارد أخرى تدعم المجتمع. ويؤدي إبعاد السكان عن الأشخاص والموارد التي يحتاجون إليها إلى صدمة، ليس فقط على المستوى الفردي بل على مستوى المجتمع بأسره، ما يشكل عواقب وخيمة على صحتهم.

عزمنا في مؤسسة كريسغي فاونديشن على معرفة المزيد حول طريقة تنفيذ العمل في المجالات التي تتقاطع فيها العدالة السكنية مع العدالة الصحية مع تعزيز سلطة المجتمع وكيف يمكننا دمج هذا الفهم الجديد لهذه المجالات المتصلة في استراتيجيات تقديم المنح عبر مؤسستنا. أطلقنا فرصة للتمويل في عام 2018، وأسميناها تعزيز العدالة الصحية من خلال الإسكان "إتش إي إتش" (Advancing Health Equity Through Housing(HEH)) ودعمنا 31 مؤسسة تعمل في المجالات التي تتقاطع فيها العدالة السكنية والعدالة الصحية في عدة مدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة. والعديد منها مؤسسات أهلية تعمل في الميدان مع سكان المجتمع، مثل ميامي وركرز سنتر (Miami Workers Center) ولاتينو هيلث أكسس (Latino Health Access) ونيو كينزينغتون كوميونيتي ديفيلوبمنت كوربوريشن (New Kensington Community Development Corporation). والبعض منها مثل مؤسسة ستيواردس أوف أفوردبل هاوزينغ فور ذا فيوتشر (Stewards of Affordable Housing for the Future) عبارة عن مؤسسات وسيطة تعمل على إنشاء خطط عمل وشراكات مع مؤسسات أخرى لتذليل العقبات، والبعض الآخر يؤدي المهمتين.

تبنت مؤسسة كريسغي منح "إتش إي إتش" كفرصة للتعلم بالتنسيق مع المؤسسات المستفيدة من هذه المنحة. وعلمنا بوجود مستفيدين على المستوى المحلي من ذوي الخبرة في تناول الإسكان كوسيلة لتحقيق العدالة وتعزيز سلطة المجتمع. ولم تكن معروفة بعد كيفية وصف طبيعة العمل في تقاطع تلك المجالات. وكان الحل الذي قدمناه هو إنشاء نقاط دخول متعددة بحيث يمكن للمؤسسات التقدم بطلب للحصول على منح التخطيط لدراسة استراتيجيتها أو منح التنفيذ في حال كانت تعمل سلفاً على العدالة الصحية وتعزيز سلطة المجتمع والإسكان. سمحت الطبيعة غير الإلزامية للمستفيدين من المنح بالاستجابة في مراحل مختلفة من عملهم المستمر ومن نقاط ارتكاز مختلفة لهذا العمل. وكانت النتيجة مجموعة متنوعة من المستفيدين من قادة القواعد الشعبية الذين ينشطون في قضايا تعزيز سلطة المجتمعات إلى الوسطاء الذين يعملون في قضايا السياسات العامة الذين يتشاركون جميعاً الأيمان الراسخ بأهمية استخدام الأساليب التي تخدم قضايا المجتمع المحلي وتحت قيادته وطرق تفعيل العمل في المجالات التي يتقاطع فيها الإسكان والعدالة الصحية مع تعزيز سلطة المجتمع.

سنتكلم في هذا المقال عن رؤى المستفيدين من المنح حول طرق عملهم في المجالات التي تتقاطع فيها العدالة السكنية مع العدالة الصحية مع تعزيز سلطة المجتمع ومقترحاتهم حول طرق مساعدة الممولين للمؤسسات على إشراك مجتمعاتهم وخلق فرص للتعلم الجماعي.

التعلم القائم على التعاون والمرونة

بالتعاون مع شريكتينا في عملية التقييم مؤسسة ساكسيس ميجرز أت نيبروركس أميركا (Success Measures at NeighborWorks America) ومؤسسة فيرغي إيمباكت بارتنرز (Verge Impact Partners)، انطلقنا في رحلة في عام 2019 للتعرف على الاستراتيجيات والأساليب التي تتبعها المؤسسات المستفيدة مع مجتمعاتهم لتعزيز العدالة الصحية من خلال الإسكان. وقد صممنا عملية التقييم بحيث تكون تطورية فتدعم التعلم العملي المباشر بهدف إثراء مسيرة العمل وعادلة بحيث تركز على الأصوات المهملة والمهمشة تاريخياً مع الحرص على تعزيز العدالة كهدف جوهري للتقييم نفسه. وشاركت المؤسسة بالتعاون مع المستفيدين من المنح في تطوير الأسئلة الموضوعة بهدف التعلم، وتوضيح الأسباب المنطقية لخطوات التقييم، وتطبيق الخبرة العملية في الممارسة.

وخلال عملية التقييم، حدثت جائحة كوفيد-19 إلى جانب تجدد الاحتجاجات والمظاهرات على المستوى الوطني التي تطالب بإنهاء استخدام جهات إنفاذ القانون للقوة المفرطة مع ذوي البشرة الملونة، وبخاصة ذوي البشرة السمراء والسكان الأصليين. وفرضت هذه المرحلة تحديات غير مسبوقة على السكان في مجالي الصحة والإسكان، كما وطدت الروابط بين قضايا الإسكان والصحة وتعزيز سلطة المجتمع بطريقة حقيقية وملموسة. واستجابة لظروف تلك المرحلة، قررنا تعديل المتطلبات من المستفيدين، ما أتاح لهم تكييف عملهم لتلبية احتياجات المجتمع، فضلاً عن استخلاص الرؤى حول كيفية خدمة المؤسسات لمجتمعهم بطرق مبتكرة والنظر في سياسة الإسكان بصورة مختلفة.

فهم سلطة المجتمع

وفي حين تباينت طرق تعزيز سلطة المجتمع عبر المؤسسات الحاصلة على المنح، اتفقت جميعها على أن تعزيز سلطة المجتمع يمثل ضرورة جوهرية لتعزيز العدالة الصحية عبر الإسكان، حيث عرّفت هذه المؤسسات تعزيز سلطة المجتمع بشكل عام على أنه القدرة على إحداث فرق "يحدث أو سيحدث" لصالح السكان في مجتمعاتهم. وبعبارة أخرى، إن قدرة السكان على "الفعل" في مجتمعاتهم ضرورية لمعالجة ورفع مظالم الإسكان المنهجية وتحسين مستوى الصحة.

وأوضحت إحدى المؤسسات المستفيدة أن "السلطة الآن بحوزة الذين يتخذون قرارات تنمية الأحياء أو الذين يعززون القوانين التنفيذية التي تحابي أصحاب العقارات. ويملكون السلطة لتحديد الظروف الصحية لذوي البشرة السمراء والداكنة في مجتمعنا. نريد تغيير هذا الوضع لتكون السلطة بحوزة السكان الأكثر تأثراً بظروف مجتمعاتهم لكي يستطيعوا رسم ملامح مستقبلها".

لقد تعلمنا مع المستفيدين من المنح أن ممارسات الإسكان التي تعزز العدالة الصحية وتبني سلطة المجتمع تعتمد على بعض المبادئ العامة والممارسات التأسيسية.

النظر إلى السكان كخبراء وإشراكهم في صناعة القرار. فعلى سبيل المثال، دخلت مؤسسة هاوايان كوميونتي أسيتس (Hawaiian Community Assets) في شراكة مع مؤسسات محلية غير ربحية أخرى وأعضاء من المجتمعات المحلية لإنشاء برنامج أصدقاء أفوردبل هاواي فور أول أيه إتش أيه (Affordable Hawaii for All (AHA) ) للمساعدة على معالجة النقص في المساكن، وهو برنامج مصمم لتعزيز القيادة داخل مجتمعات هاواي وجزر المحيط الهادئ الأصلية وتعزيز فرض حاجات المجتمع على سوق الإسكان المحلي. حيث يلتزم الأصدقاء الذين لا يملك بعضهم منازل، بإنشاء مجتمعات نموذجية تتسم بأسعار معقولة يبنيها السكان لأنفسهم. كما تتعاون أيه إتش أيه مع أعضاء المجتمع لتعزيز القدرات والتواصل أولاً ثم التعامل مع جمعيات الإسكان الأوسع وواضعي السياسات. أدى هذا التحول في السلطة إلى تشكيل نماذج للإسكان وبناء المجتمعات مثل قرية بوأوهونا أو واي أناي (Pu'uhonua O Wai'anae) التي تعني ألوها تعيش هنا، وهي قرية تضم حوالي 250 شخصاً من غير مأوى يعيشون على مساحة 20 فداناً من الأرض على ساحل ليوارد في جزيرة أواهو، التي تعد بمثابة ملاذ للشفاء من الكوارث المالية والصدمات والإدمان والإصابات والتعرض للأذى النفسي والجسدي.

تعزيز سلطة المجتمع الجماعية من خلال تعزيز قوة أفراده. في المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات النزوح وكلفة الإيجارات، يدرك السكان أن الحي سوف يتحسن ولكن ليس لأمثالهم. بالنسبة لمؤسسة هوب كوميونيتي آي إن سي (Hope Community Inc) الواقعة في مدينة مينيابوليس، يعد امتلاك الأرض ذا أهمية بالغة لتعزيز قوة التغيير. ويستهدف نموذجها لتدريب السكان المستأجرين ذوي الدخل المنخفض ليصبحوا مالكين لمساكن صغيرة متعددة العائلات. وبسبب طبيعة تدريب السكان الطويلة لاقتناء المساكن التي قد تمتد إلى سنتين أو أكثر، تحقق مؤسسة هوب كوميونيتي أحد أهم أهدافها المتمثل بتوطيد العلاقات مع السكان إلى جانب العلاقات التي يبنيها السكان فيما بينهم. ويتواصل السكان مع نظرائهم المتحمسين لخدمة مجتمعاتهم، ويجتمعون معاً كفريق للتدريب بقيادة سكان آخرين، ويعززون مهارات القيادة الجماعية لإسماع أصواتهم والدفاع عن أنفسهم. فللمسكن الجيد آثاره المباشرة على الصحة العامة للسكان ورفاهتهم، فضلاً عن الشعور بالانتماء والأمان في مجتمعاتهم.

إذكاء خطاب التغيير وسلطة المجتمع. تقوم مؤسسة ميامي وركرز سنتر الواقعة في فلوريدا بإنشاء صناديق استئمانية للأراضي المجتمعية بهدف بناء مساكن ميسورة التكلفة في حي ليبيرتي سيتي كجزء من استراتيجيتها طويلة الأجل لتعزيز عدالة الصحة من خلال حلول الإسكان التي يقودها المجتمع. ولا تعدُّ ذلك هدفها النهائي؛ حيث تنظم مؤسسة ميامي وركرز الإجراءات المباشرة وتستخدم التواصل الاستراتيجي لتسليط المزيد من الضوء والاهتمام على حاجات المجتمعات لمنح السكان المسكن اللائق الذي يستحقونه. فهي تهدف إلى تغيير المفهوم العام للإسكان ليصبح حقاً من حقوق الإنسان.

أهمية إنشاء بنية تحتية من العلاقات المنظمة

أشار العديد من المستفيدين من منح "إتش إي إتش" والعاملين في الميدان إلى أن إنشاء بنية تحتية من الارتباطات والعلاقات المنظمة يمثل ضرورة لاكتشاف طرق جديدة وعادلة لتفعيل كل من العدالة العرقية والصحية وإلى أنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بالطرق التي يتعاملون من خلالها مع الإسكان والصحة بشكل عام. وغالباً ما تستوجب البنية التحتية التي تركز على إنشاء العلاقات والارتباطات العمل بوتيرة وعبر مسار عمل مناسبين للمجتمع أو، كما في حالة الوسطاء، العمل على وتيرة المؤسسات الشريكة الأكبر حجماً، والتي تكون أبطأ من وتيرة الجداول الزمني التقليدية للمشاريع. وأفادت المؤسسات الحاصلة على المنح أن التركيز على العلاقات يعبّد الطريق لانفتاح المؤسسات على عمليات التغيير النابعة من إرادة المجتمع وتطلعاته. حيث تضع هذه العلاقات حجر الأساس لبناء الثقة بين المؤسسات والسكان وتمكين شراكة أعمق بينهما من جهة، وبين المؤسسات والمؤسسات الشريكة غير التقليدية من جهة أخرى، ما يوفر الأساس لعملية التغيير التحولي.

فعلى سبيل المثال، استخدمت مؤسسة كومونيدادس لاتيناس أونيداس إن سيرفيثيو "كلوز" (Comunidades Latinas Unidas en Servicio (CLUES)) نموذجاً جماعياً لكي يحصل المستأجرون ذوو الدخل المنخفض على فهم أفضل لعملية إسهامهم في التغيير على مستوى الأنظمة. وشارك فيها تسعة وعشرون من السكان الذين يمثلون طيفاً من الخبرات المعيشية في التفكير في الحلول على مستوى الأنظمة وتصميمها. بدأت مؤسسة كلوز العمل من خلال بناء العلاقات والثقة المتبادلة، والاستماع إلى القصص التي شاركها السكان ومناقشة الموضوعات المطروحة المشتركة لتسهيل التواصل الشخصي بين المجموعة. واستمرت هذه المجموعة من السكان في التواصل وحل مشكلات الإسكان في مجتمعهم حتى بعد انتهاء المشاركة الرسمية للمجموعة. وتمثل دور مؤسسة كلوز بالاستماع إلى أفكار السكان، ومشاركة معلومات تتعلق بهذه الأفكار بطرق مفيدة، وبناء ثقة وقدرة السكان في تلك المجموعة على التحدث إلى مجموعات أوسع من أفراد المجتمع الآخرين والمسؤولين الحكوميين والدعوة لإحداث تغييرات في سياسة الإسكان وممارساته.

وذكر أحد موظفي المؤسسة في التقييم: "نريدهم (أي السكان) أن يشعروا بالثقة. الآن وبعد الانتهاء من عملية التدريب، قال لي أحدهم "عندما أخبرتنا في البداية أننا سوف نتحدث إلى المشرعين اعتقدتك مجنوناً، لكني الآن أرى نفسي قائداً، وأنا قادر على فعل ذلك". وهذا هو الهدف، بناء تلك الثقة في الناس التي تشعرهم بقدرتهم على إحداث التغيير".

كيف يرفع قطاع العمل الخيري مستوى الأداء

ينبع التغيير من المجتمعات، لكن يبقى تحقيقه صعب المنال ما لم تحظَ المجتمعات بفرصة توحيد الجهود. من خلال عملية التقييم مع المؤسسات المستفيدة من المنح، أكدت المؤسسات أن بناء العلاقات والمشاركة المجتمعية العميقة تستغرق وقتاً وخبرة وذلك لضمان حدوث تغيير ذي فائدة للسكان، بالإضافة لكونها ذات كلفة مالية.

حيث يتسم العمل الذي يقوده المجتمع بالديناميكية، لذا من المهم أن تكون مرناً في التمويل ومنفتحاً على إمكانية تغيير الأولويات والشركات والعمليات لتنفيذ العمل وذلك عبر عملية التعلم التي تخوضها المؤسسات المستفيدة من المنح. فعلى سبيل المثال، يمكن للممولين تقديم دعم تشغيلي مرن يساعد المؤسسات على التفاعل مع مجتمعاتهم. ذلك الدعم الذي يسمح لهم بتعويض السكان مالياً بشكل منصف، للآباء والطلاب وأصحاب الأعمال وغيرهم من الذين لديهم أعمالهم الخاصة في حياتهم اليومية، وذلك مقابل الخبرة التي يقدمونها لدفع عملية التغيير قدماً.

كما يمكن للممولين الاعتماد على مبادئ العمل الخيري القائم على الثقة، بما في ذلك مرونة التقارير وشروط العروض. حيث أكدت المؤسسات الحاصلة على المنح مدى صعوبة إعداد كمٍّ كبير من التقارير الخاصة بالمنح التي يطلبها المموّلون، وتفضل على ذلك استغلال وقتها وجهدها المحدود في التركيز على إنجاز عملها. كما أكدت أهمية إيجاد طرق للتواصل والمشاركة المباشرة بين المؤسسات الحاصلة على المنح والمؤسسة المانحة لنقل صورة العمل.

يعد توفر البنية التحتية ومسارات للعمليات ولفهم عملية التعلم وتطبيقها استناداً إلى نتائج التقييم ضرورة بالغة الأهمية ضمن المؤسسة المانحة. ستستغرق النتائج وقتاً كما هو الحال مع معظم أنظمة تغيير طرق العمل. لذا ينبغي تقبّل أن الإجراءات المرحلية مثل بناء العلاقات والثقة يمكن أن تستغرق سنوات بدلاً من أشهر،

وإدراك حقيقة أن قطاعات تنمية المجتمع والصحة ما تزال في طور التعافي من تداعيات الجائحة وتحتاج إلى التركيز على عملية تعافيها وتعافي المجتمعات التي تخدمها.

تشكيل مجتمع التعلم

سلطت تجربتنا في عمليات التقييم الضوء على أهمية العمل الخيري ليس عبر تمويل العمل بطرق ممكنة وشاملة فحسب، بل عبر خلق فرص للتعلم والمشاركة والتواصل بين المستفيدين من المنح. لقد أدركنا الحاجة إلى التعلم المستمر عبر الروابط المتبادلة في هذا العمل الذي أدى بدوره إلى إنشاء مجتمع تعلم جديد يضم جميع المؤسسات الحاصلة على منح إتش إي إتش والذي سيعمل على مدار الثمانية عشر شهراً المقبلة. يمكنها معاً المضي قدماً في هذا المجال، وتعميق ممارساتها واستراتيجياتها من خلال التعلم من نظرائها ودراسة طرق عملها، واستخلاص أفضل الممارسات وتطبيقها.

وبصفتنا أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الممولين فاندرز فور هاوزينغ آند أوبورتيونيتي أف إتش أو (Funders for Housing and Opportunity(FHO))، فإننا نقدر وجود مجال لمشاركة ما نتعلمه من تجربتنا، بالإضافة إلى التعلم من الأعضاء الآخرين في الجمعية الذين يشاركوننا اهتمامنا العميق بقضية عدالة الإسكان والصحة. حيث لعب زملاؤنا في أف إتش أو وشركاؤنا في تمويل المنح دوراً مهماً في تبادل الرؤى المستقبلية التي أدت إلى تعزيز العدالة الصحية من خلال مبادرة الإسكان. وبوسعنا كمؤسسات تحقيق إنجارات أكبر عبر العمل الجماعي مقارنة مع العمل الفردي. معاً نستطيع نقل معرفتنا إلى واضعي السياسات ومواءمة الاستثمارات للمساعدة على إحداث التغيير المنشود في سبيل ازدهار المجتمعات.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي