حلول اجتماعية للإجهاد المتناهي الصغر في أماكن العمل

9 دقائق
الإجهاد المتناهي الصغر
shutterstock.com/Leila Alekto Photo

في أثناء عملنا على بحث تناول 300 موظف من ذوي الأداء العالي في 15 مؤسسة عالمية مختلفة قبل بضع سنوات، توصلنا إلى نتيجة مثيرة للدهشة. فعلى الرغم من تأكيد مؤسساتهم أنهم من ذوي الأداء الاستثنائي، كلما تقدمنا في المقابلات الشخصية، أصبح من الواضح أن العديد منهم كانوا يعانون ليبقى متماسكين. لم يكونوا يواجهون أي مشكلة كبيرة، بل كان تراكماً كبيراً للضغوط الصغيرة غير الملحوظة التي أثرت في رفاههم بدرجة كبيرة. توصلنا إلى تسمية هذه الظاهرة بالإجهاد المتناهي الصغر، وهي لحظات قصيرة من التوتر ناتجة عن تفاعلاتنا مع أشخاص آخرين تحدث بسرعة كبيرة لا نكاد نلتفت إليها، لكن تأثيرها التراكمي هائل.

يأتي الإجهاد المتناهي الصغر بأشكال عدة مثل الضغوط الدقيقة التي تستنزف قدرتنا على إنجاز المهام (مثل مواجهة زيادة حادة في المسؤوليات في العمل أو في المنزل)، والضغوط الدقيقة التي تستنفد احتياطياتنا العاطفية (مثل التعرض لضغط "غير مباشر" من أشخاص آخرين)، والضغوط الدقيقة الناجمة عن مخالفة طبيعتنا (عندما تكون جزءاً من فريق مبيعات شرس بخلاف طبيعتك). لكننا توصلنا أيضاً إلى نتيجة مهمة مع عدد قليل من ذوي الأداء العالي الذين كانوا أفضل حالاً عبر قدرتهم على التخفيف من آثار الإجهاد المتناهي الصغر. فهُم تعرضوا لعدد كبير من أشكال الإجهاد المتناهي الصغر في حياتهم ومهنهم مثل غيرهم من ذوي الأداء العالي، لكنهم كانوا قادرين على التعامل معها بشكل أفضل. ولا يرجع السبب في ذلك إلى أنهم أقوى بطبيعتهم، ولكن لأنهم استطاعوا تعزيز قدرتهم على التحمل، ليس بالقوة الفردية والجهود البطولية بل عبر تفاعلهم مع الآخرين، وهنا مربط الفرس. فقد ظننا لمدة طويلة من الزمن أننا لن نكتسب القدرة على التحمل إلا عندما نتحلى بنوع من العزيمة الداخلية في الأوقات الصعبة. ولكن إذا سألت 300 شخص كيف اجتازوا المحطات صعبة في حياتهم ولم تركز اهتمامك على ما فعلوه بل على دور علاقاتهم بمن حولهم في ذلك، فستتوصل إلى مجموعة من الطرائق المحددة التي تعزز بها العلاقات القدرة على التحمل في حياتنا (بشرط أن تكون العلاقات متينة وعرف الناس كيف يلجؤون إليها). تعلمنا من هذا البحث باختصار أن القدرة على التحمل نتيجة عمل جماعي. وسنقدم لك اليوم نصائح عن هذا الموضوع. روب كروس وكارين ديلون

كان أحد أطباء التخدير الذي سنطلق عليه اسم "مايكل" معتاداً على اجتياز عناء التحديات اليومية التي يواجهها بوصفه رئيساً لقسمه في مستشفى ذي سمعة طيبة. ونظراً لمسؤوليته عن مئات الأطباء والممرضين، كانت أيامه تعج بأشكال عدة من الإجهاد المتناهي الصغر مثل الأولويات الإدارية المتقلبة، وتعارض الأهداف مع رؤساء الأقسام الأخرى، والمتطلبات البيروقراطية التي تضعف قدرته على إنجاز العمل، ومطالب كبار المتبرعين التي تجعله يفقد التركيز عن أولوياته الخاصة، وهلمّ جرّاً. لكنه تمكن من الثبات في وجه كل هذه العواصف لأنه أقام مجموعة من العلاقات داخل المستشفى وخارجه، وقد ساعدته هذه العلاقات في التعامل مع الإجهاد المتناهي الصغر. وظل على هذا الحال معظم أيامه، وحقق نجاحات في ظروف كان يوفق بها بين متطلبات حياته المهنية ذات الضغوط العالية. لكن ذلك كله تغير في ظل الجائحة. فقد دأب مايكل وفريقه على العمل في المستشفى المكتظ بالمرضى كل يوم، لأن التخدير تخصص لا يمكن ممارسته بأسلوب "الطبابة عن بُعد". تنازعه خلال هذه الفترة شعوران، فقد كان من ناحية يشعر بالمسؤولية تجاه أفراد فريقه المعرضين لخطر داهم، ومن ناحية أخرى تجاه حياة عدد هائل من المرضى المتأثرين بالجائحة، وهو ما مثّل له عبئاً كالجبال. حتى إنه قال لنا: "لم أذق طعم النوم ليلاً لمدة شهرين متواصلين. كنت أرسل فريقي إلى معركة دون أن أوفر لهم سبل الحماية الكافية، ودون أن أعرف حتى كم منهم قد يصاب بالمرض". اضطر مايكل إلى العمل 16 ساعة يومياً، وكان عليه أن يحدد كيف ومتى سيعمل فريقه في هذه الظروف الصعبة. ويتذكر قائلاً: "كان بعض الزملاء يتصلون بي ليلاً وفي عطلات نهاية الأسبوع، وكانوا يبكون على الهاتف. إن أردنا الصراحة، كانوا خائفين على حياتهم".

لكن مايكل كان على استعداد تام لهذه الأوقات العصيبة. فقد أسس علاقات متينة عبر السنين بمجموعة متنوعة من الأشخاص الذين ساعدوه في تجاوز الإجهاد المتناهي الصغر في عمله. لذلك عندما واجه ضغوطاً لم يسبق لها مثيل في حياته، واجهها متسلحاً بمجموعة من الأشخاص الذين يمكنهم مساعدته في التغلب عليها عن طريق إزالة أشكال الإجهاد المتناهي الصغر التي برزت عندما اضطر هو وفريقه إلى تغيير طريقة عملهم في أثناء الجائحة. إذ قدمت شبكة علاقاته دعماً متنوع الأشكال، من تولي المهام الذي وفر عليه وقتاً ثميناً إلى تقديم الموارد الإضافية لقسمه إلى مساعدته على التفكير في مواجهة التحديات اليومية. يضيف مايكل: "لا أستطيع أن أعبر عن مدى امتناني لزملائي، لم أقدر قيمة المساعدة التي نتبادلها في حياتنا اليومية حتى ذلك الحين".

كشفت لنا الجائحة أهمية دور علاقاتنا الشخصية والمهنية في تغلبنا على الظروف الصعبة. إذ يساعدنا تعزيز علاقاتنا وما تحويه من فوائد على الثبات في وجه الأزمات على الصعد كافة.

وتؤدي تنمية قدرتنا على التحمل عبر حياتنا اليومية دوراً مهماً في نجاحنا المهني وصحتنا الجسدية والنفسية. ثمة أبحاث عدة تشير إلى أن ذوي القدرة على التحمل يحققون نجاحات مهنية ويتمتعون بالأفضلية عند التنافس على الوظائف أو الترقيات. كما أنهم يتمتعون بقدرات مميزة على التعامل مع المهام الصعبة والظروف الاقتصادية القاسية. فقد أظهرت الدراسات أن القدرة على التحمل تقي الناس من الإرهاق وترتبط بمستويات أعلى من الأمل والتفاؤل. كما أن ذوي القدرة على التحمل أقل عرضة للإصابة بأمراض جسدية أو نفسية خلال الأوقات الصعبة ويتمتعون بمستويات عالية من الرضا الوظيفي. وعندما تتغير بيئة عملهم وتصبح مهاراتهم قديمة، يتمتعون بقدرة أفضل على تعلم المهارات الجديدة وتطويرها. جميعنا بحاجة إلى تنمية قدرتنا على التحمل لمواجهة أشكال الإجهاد المتناهي الصغر اليومية لمنعها من عرقلة مسيرة تقدمنا.

أثبت الذين تميزوا في التعامل مع الإجهاد المتناهي الصغر في أبحاثنا، وهم من أطلقنا عليهم "مجموعة الـ 10%"، إمكانية تعزيز قدرتك على التحمل وتنميتها عبر لحظات قصيرة من التواصل الصادق مع مجموعة من الأشخاص في حياتك. وعليك أن تكون بارعاً في التواصل مع الأشخاص المناسبين في شبكتك بطرائق بسيطة وفعالة للحصول على النوع المناسب من الدعم في الوقت المناسب. على سبيل المثال، نحتاج أحياناً إلى المشاركة الوجدانية ولكن قد يؤدي بنا الإفراط بها إلى الأسى والعجز عن التقدم. ونحتاج أحياناً إلى نصيحة بشأن خطواتنا القادمة أو رؤى جديدة في حياتنا، ونحتاج أحياناً أخرى إلى السخرية من عبثية الحياة. ويمكن للحظات قصيرة أن تعيد لنا توازننا وتحمينا من الانزلاق نحو السلبية.

ما مواصفات شبكة القدرة على التحمل؟

يعتمد معظمنا على العائلة والأصدقاء المقربين للحصول على الدعم في الأوقات الصعبة. في حين يمكن للأشخاص من خارج دوائرنا المقربة أن يؤدوا دوراً مهماً في مساعدتنا على تحمل الإجهاد المتناهي الصغر الذي نواجهه يومياً. كان أفراد مجموعة الـ 10% ماهرين في تعزيز شبكاتهم وتنميتها بطرائق تساعدهم على التغلب على أشكال الإجهاد المتناهي الصغر اليومية. إذ تؤدي هذه الشبكات القائمة مسبقاً دوراً حاسماً في تجاوز الأزمات عند حدوثها.

ولا تنحصر فوائد هذه الشبكات في وجود أشخاص نعتمد عليهم في الأوقات الصعبة فحسب، بل في تفاعلاتنا مع الأشخاص في هذه الشبكات، مثل المحادثات التي تؤكد صحة خططنا، وتعيد صياغة منظورنا للمواقف الصعبة، وتساعدنا على الضحك وتبادل المشاعر الصادقة، وتشجعنا على الوقوف والمضي قُدماً. إليك طريقة تعزيز القدرة على التحمل في لحظات الإجهاد المتناهي الصغر عبر التواصل مع الأشخاص التي تربطك بهم علاقات في حياتك.

التمس المشاركة الوجدانية حتى تتمكن من التعبير عن مشاعرك والحفاظ على توازنك النفسي

قد تنفر أحياناً من نصائح الآخرين وتوجيهاتهم عندما تواجه التحديات. قد ترغب أحياناً أخرى بأن يصغي إليك أحدهم بصدق ويؤكد صحة مشاعرك. يساعدك هذا النوع من الدعم في الحفاظ على توازنك النفسي. تعلم أزواج عدة هذا الدرس لكن بعد فوات الأوان، فقد كانوا يقدمون حلولاً عملية استجابة لشكاوى أزواجهم ولم يدركوا أن أزواجهم لم يكونوا يلتمسون المشورة. عندما تجري هذه المحادثات على النحو الصحيح، يحصل الناس على ما يحتاجون إليه في ذلك الوقت. قال لنا أحد المصرفيين الناجحين: "لا أتردد في التنفيس عما في داخلي وأعبّر بصدق عما أشعر به، وحينها تقول زوجتي:" لا تقلق، ستسير الأمور على ما يرام، أعلم أن ذلك ليس صحيحاً دائماً، ولكن عندما تقول ذلك الكلام أشعر بالراحة".

تعالج المشاركة الوجدانية الإجهاد المتناهي الصغر بثلاث طرائق؛ إذ تسمح لك بالتعبير عن مشاعرك، وتتيح لك الغضب دون عواقب لكي تستطيع بعدها أن تستجيب للمشكلة على نحو أكثر عقلانية. كما توفر لك تأكيد صحة مشاعرك. إذ يؤكد لك شخص آخر أن ما تمر به صعب أو أن إحباطك منطقي. يوقف التأكيد الإجهاد المتناهي الصغر النابع من الشك الذاتي أو الشعور بأنك على خطأ. وأخيراً، تظهر المشاركة الوجدانية مدى اهتمام الآخرين بك. فمعرفة أن ثمة شخصاً ما يساندك لها تأثير مريح وتمنحك الثقة أنك لن تواجه الشدائد بمفردك. وصف لنا أحد الذين قابلناهم الشعور الذي يستمده من أفراد مجموعته الدينية عندما يمر بوقت عصيب في العمل بطريقة فريدة حيث قال: "إنه قوة الحضور، لم أحتج إلى أن يقولوا أي شيء. كانوا يجلسون ويقضون الوقت معي، وهذا وحده كفيل بمعرفة أنهم يقفون إلى جانبي".

ولا تقتصر فائدة المشاركة الوجدانية على تهدئة النفس؛ إذ يمكنك الاستفادة منها كدعم مؤقت يساعد في تقوية عزيمتك لمواجهة المواقف الصعبة. على سبيل المثال، يعتمد غابي الذي يعمل مسؤولاً تنفيذياً في مجال التكنولوجيا على زوجته ومجموعة مقربة من الأصدقاء للحصول على الدعم الذي توفره المشاركة الوجدانية. وتعمل زوجته في الشركة نفسها ولديهما ما يطلق عليه "جلسات تبادل المواقف الصعبة" حول العمل. فالإفصاح عن الهموم والمشكلات بصوت عالٍ يمنح غابي مزيداً من الهدوء ووضوح الرؤية. وعادةً تؤكد له زوجته أن المشكلات التي يواجهها صعبة على أي شخص وتذكره بأنه سيكون أقسى الناس على نفسه. كما يفرّغ غابي عن همومه مع مجموعة من الأصدقاء، منهم مَن يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات مثله ومنهم رسام كاريكاتير محترف، بالإضافة إلى اختصاصات متنوعة. فهو يشعر أنه يستطيع المزاح ويكون على طبيعته عندما يكون معهم. وأوضح قائلاً: "يكفيني الشكوى لهم كي أستعيد توازني، أشعر بالراحة عندما أعلم أنني لست وحدي في مواجهة الصعاب". تكفي هذه الجزئية لكي يستجمع غابي قواه ويجد حلولاً للمشكلة التي يواجهها.

ابحث عن الذين يساعدونك في العثور على الحلول والمضي قُدماً

للتنفيس عن الهموم فوائده، لكنك تحتاج إلى حلول عملية للمضي قُدماً. تساعدنا العلاقات بطريقتين، فهي تزودنا بأمثلة على الحلول الممكنة عندما نسأل شخصاً واجه مواقف مماثلة وكيف تعامل معها. كما تحفزك العلاقات الجيدة على المضي قدماً؛ فقد يدفعك أحدهم لاستلام زمام المبادرة والتصرف بدلاً من الغرق في دوامة من التحسر.

يتميز ذوو القدرة الكبيرة على التحمل بقدرتهم على الاستفادة من أفكار الآخرين بدرجة كبيرة وذلك بهدف العثور على حلول متنوعة لحل المشكلات. ويلجؤون إلى ذلك بسرعة في المواقف البسيطة، ما يمنع من تفاقم الإجهاد المتناهي الصغر. عزز قدرتك على التحمل عبر بناء العلاقات بالأشخاص الذين يمكنهم مساعدتك في تجزئة المشكلات إلى أجزاء أصغر وأسهل للحل والعثور على طرائق جديدة لإحراز التقدم في المهام الصعبة وتحفيزك على العمل.

يمكنك أن تلتمس المشاركة الوجدانية من أي شخص يهمه أمرك. كما يمكن لمجموعة فرعية صغيرة في شبكتك مساعدتك على العثور على الحلول والمضي قدماً. ابحث عن الأشخاص الذين يمكنهم فهم تفاصيل المشكلة، مثل الذين يملكون خبرة في إدارة الشركات، أو الذين لديهم خبرة مع الشخص الذي تسبب لك في الإجهاد المتناهي الصغر، فتكون نصيحتهم دقيقة وممكنة التنفيذ. وابحث عن الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتك في حل المشكلات. كما يمكن لنفس الشخص أن يؤدي أدواراً متعددة، فيمكن للذي يستمع إلى مشكلاتك ويوفر لك المشاركة الوجدانية أن يساعدك أيضاً في التخطيط لتجاوز هذه المشكلات. لكن عليك الحرص على توافر مجموعة متنوعة من الأشخاص في شبكتك حتى لا تعتمد على شخص واحد لتأدية أدوار متعددة.

التمس وجهة النظر الموضوعية عند حدوث المشكلات

قد تشعر بحالة من الذعر عندما تواجه العقبات، لكن عندما تنظر إلى الأحداث بمنظور أوسع يمكن أن تضعها في إطار مختلف أكثر إيجابية. يشار إلى هذا الاتساع في المنظور بعدم التهويل. وقد يتطلب ذلك قدراً عظيماً من الجهد الذهني في حال قمت به بمفردك. يسهل علينا إعادة النظر في مشكلاتنا ورؤيتها بصورة أوضح وبمنظور أوسع عندما نتلقى المساعدة من الآخرين.

على سبيل المثال، عندما اكتشف تشارلي أنه استُبعد من اجتماع مهم، أول ما تبادر إلى ذهنه الذهاب إلى مكتب المدير. ولكن بعد أن أدرك أنه في حالة غضب متزايد اتصل بزميلة موثوقة لم تكن من مجموعته. ولأنها لم تكن تحت وطأة المشاعر المؤلمة نفسها التي شعر بها تشارلي، ساعدته بدرجة كبيرة في تعديل وجهة نظره. إذ نصحته قائلة: "لا تحرك ساكناً اليوم، فمديرك يعالج الكثير من القضايا في آن واحد حالياً. وقد يكون هناك سبب وجيه لاستبعادك، أو ربما كان سهواً. لا تتسرع بالذهاب غاضباً إلى مكتبه حتى تعرف المزيد عما يحدث". وكانت النصيحة في محلها، فقد اكتشف تشارلي في محادثة لاحقة مع مديره أنه كان يحاول تقديم خدمة له بعدم إضاعة وقته في ذلك الاجتماع. لا تكون المشكلات بالسوء الذي نتصوره غالباً وبخاصة عندما نفهم ميزة تجاوز التحديات في سبيل الوصول إلى أهداف أكبر.

اطلب يد العون عند مواجهة التحديات المهنية والأسرية

تذكّر الأوقات التي واجهت فيه زيادة حادة في حجم العمل، مثل طلب من عميل رئيسي في لحظات العمل الأخيرة، وظروف العمل المضنية بسبب نقص الموظفين، والضغوط الشديدة المرافقة لعرض تقديمي أمام مجلس الإدارة. كيف تجاوزت هذه الأوقات الصعبة؟ لا بد أنك لجأت إلى إجراءات بطولية للنجاح في تجاوزها. وقضيت ساعات إضافية في العمل، وكان تفكيرك بين العمل والمنزل دائماً حتى عندما كنت تحاول أن يكون ذهنك حاضراً كلياً مع عائلتك، وربما ألغيت خططاً في حياتك الشخصية. لكن لهذه الجهود الاستثنائية ضريبتها، فبذل الجهود المضنية في العمل لتلبية الزيادة الحادة في حجم العمل، أو في الأعباء المنزلية، يمكن أن يؤدي إلى اختلال التوازن في كل شيء حولك، ما يضعف إحساسك بالسيطرة على مجريات حياتك.

لكن الطريقة التي تعزز القدرة على التحمل هي طلب المساعدة من شبكة علاقاتك. لنعد إلى مايكل، طبيب التخدير الذي تحدثنا عنه في مقدمة المقالة. فعلى الرغم من متطلبات المرحلة الصعبة التي كان يمر بها، لم يتفرد بالبطولة. والخطوة التي أحسن مايكل اتخاذها في ذلك الوقت العصيب هي طلب المساعدة بطرائق بسيطة ولكنها فعالة. أخبرنا مايكل أن مجرد الشعور بوجود أشخاص موثوقين يمدون له يد المساعدة "سمح لي بالتركيز على الأولويات خلال تلك الأوقات".

الاستعداد أفضل طريقة للدفاع

لا تُبنى هذه الشبكات بين عشية وضحاها. وكما أوضحنا سابقاً، ينمّي أفراد مجموعة الـ 10% روابط حقيقية ويحافظون عليها في جوانب كثيرة من حياتهم، ليس عبر العمل فحسب بل عبر الأنشطة الرياضية، والعمل التطوعي، والمجتمعات المدنية أو الدينية، والنوادي، ومجموعة الآباء الذين يلتقون بهم خلال نشاطات أطفالهم، وهلمّ جرّاً. ولهذه التفاعلات في هذه المجالات أبعاد شديدة الأهمية، إذ توسع آفاق هويتهم وتتيح لهم النظر من "زوايا جديدة" إلى حياتهم. وبالتالي، فإن قدرتنا على التحمل تزداد (أو تقل) حسب تواصلنا مع الآخرين.

وبما أنك لا تدري كمية الإجهاد المتناهي الصغر الذي ينتظرك في أي لحظة، فقد لا تدري أيضاً مدى أهمية العلاج الذي توفره علاقاتك لهذا الإجهاد. تُولد قدرتنا على التحمل نتيجة التفاعل مع الأشخاص في هذه الشبكات، مثل المحادثات التي تؤكد صحة خططنا، وتعيد صياغة منظورنا للمواقف الصعبة، وتساعدنا على الضحك وتبادل المشاعر الصادقة، وتشجعنا على الوقوف والمضي قدماً. فالتواصل مع الآخرين ليس مجرد شيء لطيف في حياتنا فحسب؛ إنه ضروري لرفاهنا في كل الجوانب.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي