تطرح الأمية في العالم العربي تحديات تعترض مسار التطور، وتؤدي إلى ركود التنمية، كما تؤثر سلباً في عملية اكتساب المعرفة والعادات والقيم، والشعور بالانتماء للمجتمع، وكذلك قدرة الآباء على متابعة تعليم أطفالهم.
واقع مستمر رغم الجهود
ترسم الإحصاءات صورة قاتمة عن واقع الأمية في العالم العربي، إذ يُظهر تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الألسكو، لعام 2021، بأن هناك 69.4 مليون شخص في المنطقة العربية ممن هم في الفئة العمرية 15 عاماً فما فوق، يعانون من الأمية، ويمثلون 9% من إجمالي عدد الأميين حول العالم.
وحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021، فإن نسبة الأمية بين الفئة العمرية 15 عاماً فما فوق في الدول العربية، تراجعت من 27.3% في عام 2011 إلى 25.5% في عام 2019، وتوزعت هذه النسبة بين 14% للذكور 14%، و16.4% للإناث. ما يعني أن جهود التعليم ومحو الأمية نجحت في خفض نسبة الأمية لهذه الفئة العمرية بنحو 1.8% فقط.
لا يزال هناك 773 مليون شخص بالغ حول العالم يعانون من الأمية بحسب اليونسكو، ولأسباب مختلفة تعود إلى غياب التعليم في السنوات الأولى، والنزاعات وعدم الاستقرار السياسي، ومشاكل الهجرة واللجوء، وعدم توفر فرص التعليم الجيد. وبعيداً عن تعدد الأسباب؛ كشفت الدراسات أن المُستبعَدين من نظام التعليم في سن مبكرة يظلون محرومين لبقية حياتهم.
الأمية في العالم العربي: كلفة باهظة
ترشح بعض الدراسات ارتفاع الأمية خلال العامين المقبلين، ما سيصعُب معه الحد من آثار الأمية في العالم العربي وهي 4 آثار:
1. ركود التنمية
تشكل الأمية في العالم العربي عائقاً أمام تحقيق التنمية المستدامة والوعي الثقافي والحضاري والصحي للمجتمع والأفراد، بحسب دراسة حديثة حول الموضوع.
ويمنع استحكام الأمية المجتمع من النهوض باقتصاده، ويجعله عُرضة للاستغلال وغير قادر على التوظيف الأمثل لموارده.
2. تردّي الوضع الاقتصادي
تتجه الحكومات في جميع أنحاء العالم نحو اقتصادات قائمة على المعرفة، ما يتطلب تمتع الأفراد بمهارات وقيم عالية، ما يجعل التعليم أساس تنمية القدرات الابتكارية والإبداعية للطالب في جميع المراحل الدراسية. لكن في حال زادت نسبة الأمية ستظل العديد من الوظائف شاغرة لعدم وجود أفراد يتمتعون بالمهارات الكافية للقيام بهذه الأدوار، ما يؤدي إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل.
ومن المرجح أن يفوّت الأشخاص الذين يعانون من الأمية فرص المشاركة الفعالة في سوق العمل بسبب تدني مستوى إنتاجيتهم، وفجوة المهارات بينهم وبين من يتمتعون بقدرات معرفية كبيرة، فأصحاب العمل سيميلون لذوي الكفاءات العلمية والخبرات القادرين على تقديم قيمة مضافة للعمل، بالتالي سيجد الأميّون أنفسهم أمام وظائف ذات جودة وأجور أقل لا تساعدهم على الارتقاء بمستواهم المعيشي.
3. ضعف الانتماء للمجتمع
يشعر الشخص الذي لا يُجيد القراءة والكتابة بأنه غير قادر على المشاركة في المجتمع، ويكافح من أجل معرفة حقوقه وواجباته، والعثور على عمل أو تأمين السكن ودفع الفواتير، وقد يدفع به إحساس الخوف والخجل والعجز إلى مزيد من العزلة.
شعور الأميين بالضعف الاجتماعي يضر بتقديرهم لذاتهم ويحد من قدرتهم على الاستجابة الفردية والاستفادة من الحلول الاجتماعية التي تقدمها لهم المؤسسات الخيرية، لأن درجة السيطرة التي يمارسها الأفراد والأسر على أنواع مختلفة من الموارد أو الأصول مرتبطة بقدرتهم على توظيف هذه الموارد لاستغلال الفرص المتاحة ومواجهة الظروف المعيشية الصعبة.
انحصار الأميّون في دائرة الفقر وفرص محدودة للعمل أو توليد الدخل، سيزيد من احتمال تدني مستواهم الصحي وانخفاض وعيهم بأهمية النظافة الشخصية، وتحوّلهم إلى الجريمة وزيادة اعتمادهم على الرعاية الاجتماعية، وكذلك ارتفاع معدلات الحوادث المهنية، لعدم قدرة العمال على قراءة تعليمات تشغيل الآلات.
4. الحرمان من التعليم عبر الأجيال
يولي الآباء الأميّون اهتماماً بالعمل أكثر من التعليم، فيسير الأبناء على خطى ذويهم ويفشلون في إكمال تعليمهم الابتدائي، لتستمر الأمية في حلقة مفرغة عبر الأجيال، بسبب عدم قدرة الآباء المهارات على مساعدة أطفالهم في متابعة تعليمهم. في المقابل، سيكون لمهارات القراءة والكتابة القوية بين الآباء آثار إيجابية على حياة أطفالهم، لأن تعريض الأطفال للكلمات والقصص منذ سن مبكرة يمكن أن يساعد في بناء قاعدة لغوية قوية ويعزز التطور المعرفي.
ينجم عن مشكلة الأمية في مرحلة الطفولة المبكرة صعوبات في تعلم اللغة واكتساب القيم والعادات والمعارف في المراحل الدراسية المختلفة، كما تعيق تطور وظائف الدماغ، إذ أثبتت الدراسات أن الخبرات المبكرة التي يكتسبها الإنسان خلال أعوامه الأولى هي المؤثر الأساسي في النمو الدماغي، لذا يجب أن تركز برامج إعادة تأهيل التعليم على الجودة والإنصاف على مستوى الفرد والأنظمة.
التدخل المبكر
بدلاً من معالجة مشكلة الأمية في الوطن العربي لدى البالغين عند ظهورها؛ من الأفضل منع هذه المشكلة والحد من عواقبها عن طريق تدخلات الطفولة المبكرة، وتطوير مهارات القراءة والكتابة واللغة قبل مرحلة التعليم الرسمي، لذا تعد برامج محو الأمية عاملاً أساسياً لتشكيل نواة التعليم الأساسي وتحقيق المساواة الاجتماعية والتنمية المستدامة.