لماذا يزيد هدر الطعام في رمضان؟

3 دقائق
هدر الطعام في شهر رمضان
shutterstock.com/Zurijeta

ازدحام في مراكز التسوق ومتاجر الأغذية، موائد عامرة بأصناف الطعام المتعددة، سلة مهملات ممتلئة بنفايات الغذاء. مشهد سنوي يتكرر خلال شهر رمضان فيجرده من معناه الديني والروحي، ليصبح كل شيء عن الطعام.

مشهد يعكس مفارقة كبيرة. في الوقت الذي يعاني فيه 52 مليون شخص في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا نقصاً مزمناً في التغذية؛ يصل متوسط هدر الغذاء في شهر الصيام إلى 350 كيلو غراماً للفرد الواحد، كما يزداد حجم الإنفاق على الطعام بنسبة 50%. لنلقي نظرة على واقع الهدر قبل التطرق إلى أسبابه.

إنفاق يتجاوز حجم المَعِدات

يبلغ إنتاج الفرد في أوروبا من النفايات نحو 1.2 كيلوغرام يومياً، بينما يصل في الإمارات إلى 2.7 كيلوغرام يومياً، أي ما يعادل الضعف، وتزداد كمية النفايات المنتجة في رمضان لتبلغ 5.4 كيلوغرام يومياً، ما يؤدي إلى أضرار بيئية واقتصادية، إذ ينتج عن تحلل فضلات الطعام انبعاث غاز الميثان الذي يفوق ضرره ثاني أكسيد الكربون بـ 25 مرة، فيما تكلف نفايات الطعام اقتصاد الدولة أكثر من 13 مليار درهم سنوياً.

وفي مصر، تصل نسبة هدر الطعام في رمضان إلى 52%، فيما تبلغ قيمة استهلاك المصريين من الطعام في هذا الشهر 80 مليار جنيه، وترتفع كمية نفايات الطعام في البحرين إلى 600 طن يومياً، والحال نفسه في قطر؛ إذ تُقدر وزارة البيئة نسبة هدر الطعام في رمضان بنحو 50%، وتعد قطر ضمن الدول المتصدرة لمؤشر نصيب الفرد من النفايات الغذائية، والتي تتراوح من 584 إلى 657 كيلوغرام سنوياً.

وكشف مؤشر هدر الأغذية عن هدر 3.3 ملايين طن من الطعام في المغرب عام 2019، فيما تُلقى ثلث المواد الغذائية في سلة المهملات خلال شهر رمضان، وتتخلص نحو 41% من الأسر المغربية من أغذية تصل قيمتها إلى 500 درهم شهرياً.

الوضع لا يختلف كثيراً في الدول الإسلامية خارج المنطقة العربية، مثل باكستان وإندونيسيا وماليزيا التي يزداد فيها هدر الطعام في رمضان بنسبة 15-20%، إذ يُلقى نحو 270 ألف طن سنوياً من المواد الغائية الصالحة للاستهلاك في سلة المهملات.

إغراءات تسويقية وسلوك غير مستدام

تثير هذه الإحصاءات تساؤلات مهمة حول أسباب زيادة هدر الغذاء في رمضان. مثل أي مناسبة دينية أخرى، يتخذ شهر الصيام طابعاً تجارياً ويشكل فرصة ذهبية لتسويق المنتجات، فيبدأ تجار التجزئة بتخزين المنتجات الغذائية قبل شهر على الأقل لتلبية الطلب الزائد، وتقدم المحلات ومراكز التسوق والمطاعم والفنادق العروض والتخفيضات الخاصة بشهر الصيام كأداة تسويقية تجذب المستهلكين لشراء منتجات زائدة عن حاجتهم، معتمدين على فكرة أن 95% من قراراتنا اليومية تُتخذ دون وعي نتيجة الاعتياد.

قد ينظر القائمون على الشركات والمؤسسات أن شهر رمضان هو وقت الحذر والإنتاجية الأقل، ولكنه أيضاً وقت اقتناص الفرص، خاصة بالنسبة لقطاعات الضيافة والأغذية وتجارة التجزئة.

لا تتحمل هذه القطاعات وحدها مسؤولية هدر الغذاء، فهناك بعض العادات والممارسات التي تتسبب بخسارة كميات كبيرة من الطعام الصالح للاستهلاك، إذ تدفع ثقافة الكرم وحسن الضيافة الأُسر إلى التخلص من الأصناف المتبقية في سلة المهملات، بدلاً من تناولها كوجبات خفيفة في منتصف الليل أو كسحور في اليوم التالي، لأن أغلب الأشخاص يحرصون على تناول الطعام الطازج، وعلى استعداد لإنفاق مبلغ إضافي لتحسين جودة الطعام.

كما يؤدي سوء تخزين المنتجات الغذائية، أو الالتزام الصارم بتاريخ صلاحيتها للاستخدام، دوراً رئيسياً في زيادة الهدر خلال شهر رمضان، إلى جانب عوامل خارجية أخرى مثل الممارسات الزراعية الضارة، والبنية التحتية غير الملائمة، وسوء مرافق التخزين. فكيف يمكن معالجة مشكلة الهدر في رمضان؟

حلول ومبادرات

تستورد منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا أكثر من 50% من احتياجاتها الغذائية، ومع ذلك فإنها تخسر نحو ثلث الأغذية التي تنتجها وتستوردها، وبالتالي يعد حل مشكلة هدر الطعام عاملاً أساسياً لتحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على الموارد الطبيعية في المنطقة.

وعليه، بادرت الحكومات والمؤسسات في الدول العربية في إطلاق برامج وحملات لتقليل الهدر الغذائي في شهر رمضان، إذ تعاون بنك الطعام المصري مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، الفاو، وكذلك مع منصة الفيديوهات القصيرة، تيك توك، للتوعية بأهمية المحافظة على الطعام، من خلال إطلاق وسوم من قبيل #cookforgood يشارك عبره الطهاة المؤثرون طرائق مبتكرة لتحويل بقايا الطعام إلى وجبات جديدة، وقدمت المنصة تبرعات بقيمة 50 ألف دولار لإيصال الوجبات الصحية في رمضان للفئات الأكثر احتياجاً.

وتعمل العديد من الفنادق والمطاعم على تقليل نفايات الطعام بهدف خفض التكاليف، والمساهمة في مبادرات الأمن الغذائي المحلية، أو تقليل البصمة البيئية. وفي عام 2020 بدأت بعض المطاعم ومنافذ البيع في دبي باستخدام تطبيق فودكارما (FoodKarma) الذي يربط من لديهم فائض من الطعام بمن هم في حاجة إليه.

تحقق هذه المبادرات وغيرها نتائج جيدة، لكن يجب تطبيقها على نطاق أوسع لإحداث تغيير في السلوك، وزيادة الوعي العام بأهمية مشكلة هدر الطعام، إلى جانب ضرورة سن تشريعات وقوانين فعّالة، مثلاً، أقرّت الصين في عام 2021 قانوناً يفرض على المطاعم التي تشجع على هدر الغذاء غرامة بقيمة 10 آلاف يوان، ما يعادل 1453 دولار، ويمنع المدونين عبر الإنترنت من إطلاق بث مباشر حول تجربة تناول الطعام بنهم، ومن يفعل ذلك، يتوجب عليه دفع غرامة بقيمة 100 ألف يوان، ما يعادل 14.530 دولار.

المحتوى محمي