يمكن أن تكون التحويلات النقدية للعائلة ذات الدخل المتدني التي ترزق بطفل للمرة الأولى ذات أثر هائل على الأطفال الرضع ورفاهة طفلها الطويلة الأمد.
في السنوات الأخيرة، أكدت أبحاث العلوم الاجتماعية والسلوكية المتزايدة أهمية خدمات الرعاية والتعليم في الطفولة المبكرة لرفاهة العائلة والمجتمع. دراسة سنوات الرضيع الأولى (Baby’s First Years) هي دراسة شاملة مستمرة تعاونية متعددة التخصصات يشارك فيها باحثون من 6 مؤسسات، وهي مصممة "لتقييم تأثير الحدّ من الفقر في العائلة والتطور الإدراكي والعاطفي والدماغي للرضع والأطفال الصغار"، وقد أثبتت نتائجها الأولية بالفعل أن بعض السياسات التي تستهدف الأطفال الصغار توقع أثراً إيجابياً عميقاً على المدى الطويل.
ثمة ورقة بحثية جديدة تدعم مجموع هذه الأبحاث ألفها كل من أستاذ علم الاقتصاد في جامعة تكساس إيه آند إم، أندرو بار؛ والخبير الاقتصادي في مكتب تعداد الولايات المتحدة، جوناثان إيغلستون؛ وأستاذ علم الاقتصاد في أكاديمية ويست بوينت التابعة للجيش الأميركي، ألكساندر سميث. توضح هذه الورقة البحثية أن السنة الأولى من عمر الرضيع لها دور حاسم، وإذا حصل الزوجان ذوا الدخل المتدني اللذان ينجبان للمرة الأولى على مبالغ نقدية إضافية أو تحويلات نقدية صغيرة فسيكون أثرها هائلاً في رفاهة طفلهما على المدى الطويل.
درس الباحثون أهلية الأسر للمشاركة في برنامج ائتمان ضريبة الدخل المكتسب (EITC) بناء على عيّنة من الأسر ذات الدخل المتدني التي رزقت بأطفالها في الفترة قبل الأول من شهر يناير/كانون الثاني أو بعده، وبالتركيز على الفترة بين عامي 1993 و1998 ومتابعة مجموعتين من المشاركين، تضم الأولى الأسر المؤهلة للحصول على الإعانات النقدية في العام الأول من عمر الطفل الذي وُلد قبل الأول من يناير/كانون الثاني، بينما تضم الثانية الأسر التي رزقت بطفلها بعد الأول من يناير/كانون الثاني وبالتالي لم تكن مؤهلة للحصول على الإعانات قبل أن يبلغ الطفل عامه الأول، لاحظ الباحثون زيادة في دخل الآباء وأدلة توحي بزيادة استقرار العلاقة بين الزوجين في المجموعتين، ولكن أثر ذلك في تحسين نتائج أطفال المجموعة الأولى كان أكبر. وبالاستفادة من البيانات الضريبية تمكّن الباحثون من تتبع الأطفال حتى وصلوا إلى سن الرشد من أجل تقييم آثار الموارد الإضافية التي حصل آباؤهم عليها قبل أن يتموا عامهم الأول، وأظهرت البيانات ارتفاعاً ملحوظاً يتراوح بين 1% و2% في دخل الأبناء الذين تلقت أسرهم إعانات نقدية في العام الأول من عمرهم، ويعوض هذا الارتفاع النفقات الحكومية ويزيد عليها.
يقول أندرو بار: "لم تكن هذه التحويلات النقدية كبيرة من حيث الرقم، ولكن نسبة إلى وسطي الدخل في الأسر التي أجرينا دراستنا عليها كانت تُعتبر مبلغاً مهماً، وحصلت عليها الأسر في فترة عانت فيها ضغطاً شديداً بعد ولادة الطفل إذ كان دخلها أقلّ".
كان مجموع الإعانات النقدية التي حصلت عليها كل أسرة يقارب 1,300 دولار، أي ما يعادل 10% من دخل المعيل من عمله. يقول بار وزملاؤه إنه عندما تواجه الأسر ذات الدخل المتدني صدمات سلبية مثل فاتورة الخدمات الطبية أو البطالة المفاجئة، تساعد الإعانة المالية ولو كانت مبلغاً صغيراً على تخفيف الضغط المالي وتشكّل دعماً إضافياً يسهم في تحسين نتائج الأطفال في مراحل لاحقة من حياتهم.
كما يقول الخبير الاقتصادي والأستاذ المتميز في كلية التعليم بجامعة كاليفورنيا في مدينة إرفاين، غريغ دانكن: "على الرغم من أن الأبحاث السببية المتزايدة تربط بين زيادة الدخل والتحسينات في صحة الأطفال وسلوكهم ونجاحهم في المدرسة، فهذه الدراسة هي أول دراسة تستكشف آثار زيادة دخل الأسرة في العام الأول تحديداً من عمر الطفل. نعلم أن تطور الطفل الشديد الحساسية للصعوبات التي تواجهها أسرته في سنوات عمره الأولى، وتوضح هذه الدراسة أن تخفيف الصعوبات الاقتصادية في هذه الفترة المبكرة من عمر الطفل يمنحه مكاسب تستمر طوال عمره".
حين درس الباحثون بيانات مكتب تعداد الولايات المتحدة، دققوا أيضاً في بيانات التعليم الإدارية في ولاية نورث كارولاينا من أجل فهم آثار التحويلات النقدية على المدى المتوسط، وسمحت لهم هذه البيانات بالنظر في درجات اختبارات الأطفال والعقوبات التي فُرضت عليهم في المدرسة ومعدلات تخرجهم، وكانت جميعها أفضل لدى أبناء الأسر التي حصلت على الإعانات المالية. ساعدت هذه النتائج في تفسير حجم آثار الدخل الإضافي التي لاحظها الباحثون في مراحل لاحقة من حياة الأبناء.
تشير الدراسة التي أجراها الباحثون إلى ضرورة توفير الإعانات الضريبية المرتبطة بالطفل على الفور بدلاً من تنظيمها وفقاً لنهاية السنة الضريبية. يقول بار: "لاحظنا أدلة دامغة على أهمية هذه المرحلة المبكرة من حياة الطفل، التي يتعرف فيها الزوجان إلى الأمومة والأبوة للمرة الأولى. سيكون إجراء المزيد من الأبحاث مفيداً لدراسة آثار الإعانات التي يحتمل منحها للطفل الثاني أو الثالث، أو التحقق من أن تأثير الإعانة المقدمة للطفل الأول أكبر". يوضح بار أن الأسر ذات الدخل الأعلى تحصل على إعانات ضريبية أيضاً من خلال برامج إعفاء المُعالين من الضرائب غالباً، ولكن هذه الأسر لا تعاني نفس الضيق المالي عادة، ما يعني أنها لن تشهد نفس التغييرات نتيجة للإعانات المالية على المدى الطويل، أو لن تشهد أي تغييرات على الإطلاق.
لاحظ الباحثون أن آثار الإعانات المالية كانت أوضح بالنسبة للأبناء الذكور، وأشارت بعض الدراسات إلى أن بيئة الطفولة المبكرة تؤثر في الأطفال الذكور أكثر من الإناث، ولكن قد يكون من الممكن تفسير الاختلافات بين الجنسين بعوامل أخرى مثل سن الزواج والحصة النسبية من دخل النساء اللاتي يشاركن مع أزواجهن في برامج الإعانة، يقول بار إنه من الضروري إجراء مزيد من الأبحاث من أجل الحصول على أدلة حاسمة.
أندرو بار وجوناثان إيغلستون وأليكساندر سميث، "الاستثمار في الأطفال الرضع: الآثار الدائمة للتحويلات النقدية في الأسر الجديدة" (Investing in Infants: The Lasting Effects of Cash Transfers to New Families)، مجلة كوورترلي جورنال أوف إيكونومكس (The Quarterly Journal of Economics)، 2022.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.