الاندماج والاستحواذ: أداتان استراتيجيتان لدعم نمو المؤسسات غير الربحية

7 دقيقة
نمو المؤسسات غير الربحية

في عام 2023، بدأت مؤسستا ريزلوشن بروجيكت وإيناكتس بدراسة إمكانية اندماجهما. كان الهدف من ذلك هو توسيع نطاق أثرنا دون اللجوء إلى إعادة بناء البنية التحتية القائمة؛ إذ طورت مؤسسة ريزلوشن بروجيكت نموذج زمالة مجرب وفعال لدعم رواد الأعمال الاجتماعية الشباب، في حين أنشأت مؤسسة إيناكتس شبكة عالمية قوية ومؤثرة من المؤسسات أو الأفراد بالإضافة إلى برامج تعليمية شاملة.

كنا نعلم أن الطريق سيكون صعباً، وهذا ما حدث بالفعل. على الرغم من اعتقاد بعض الأشخاص أنه يجب على القطاع غير الربحي عدم النظر إلى عمليات الاندماج والاستحواذ بوصفها مجرد حل للخروج من الأزمات، فإن تجربتنا توضح أنه ربما يجب علينا اعتماد هذا النهج بوصفه أداة استراتيجية أساسية وطبيعية في المؤسسات التي تركز على تحقيق رسالتها وأهدافها.

تجربتنا

تظهر تجربتنا كيف يمكن لعمليات الاندماج والاستحواذ في المؤسسات غير الربحية أن تسهم في تسريع تحقيق الأثر بدرجة كبيرة من خلال توسيع شبكة العلاقات. فمن خلال دمج مؤسستينا بطريقة استراتيجية ومدروسة، تمكنا من الوصول إلى شبكة عالمية أنشأتها مؤسسة إيناكتس على مدى 50 عاماً من العمل الشاق، وحققنا في بضع سنوات فقط ما كان سيتطلب عقداً أو أكثر وملايين الدولارات لتطويره لو عملنا بمفردنا. كما وسعنا نطاق عملنا من 3 دول ليشمل 35 دولة في 6 قارات، ما أتاح فرصاً غير مسبوقة لرواد الأعمال الاجتماعية الشباب للتواصل على المستوى العالمي.

أظهرت عملية الاندماج تحسيناً كبيراً في استخدام الموارد مع تعزيز الأثر؛ إذ خفضنا ميزانيتنا السنوية المشتركة من مبلغ يتراوح بين 11 و13 مليون دولار إلى مبلغ يتراوح بين 6 و7 ملايين دولار وأعدنا استثمار هذه الوفورات بطريقة استراتيجية ومدروسة لتعزيز جودة البرنامج وتوسيع نطاق انتشاره. كانت مؤسسة ريزلوشن بروجيكت تدعم 700 رائد أعمال اجتماعية شاب، لكن عملية الاندماج مع مؤسسة إيناكتس أدت إلى توسيع أثرنا المشترك ليشمل أكثر من 40,000 رائد أعمال اجتماعية شاب سنوياً في 100 دولة تقريباً. تحقق هذا الانتشار الواسع من خلال مساهمة 35 مكتباً مستقلاً تابعاً لمؤسسة إيناكتس في عدد من الدول؛ إذ تتلقى هذه المكاتب التوجيه وتحظى بفرص التواصل مع مكاتب إيناكتس الأخرى وتحصل على الخدمات المشتركة المقدمة على مستوى العالم.

على عكس عمليات الاندماج في القطاع الخاص حيث تكون العوائد المالية هي المعيار الأساسي، فقد استندت عملية الاندماج التي أجريناها في القطاع الاجتماعي بالدرجة الأولى إلى توافق عميق في رسالتي المؤسستين وأهدافهما. سمح لنا هذا التوافق بالحفاظ على العناصر المميزة في نهج كلتا المؤسستين وتعزيزها. أصبح نموذج الزمالة المكثف الذي تقدمه مؤسسة ريزلوشن والذي يوفر التمويل الأولي والإرشاد، جزءاً من منظومة البرامج التعليمية الفعالة التي تقدمها مؤسسة إيناكتس ونظامها المعتمد للمسابقات الدولية. وسنعرض هذا الاندماج في معرض إكسبو الولايات المتحدة الأميركية 2025 في مدينة كنساس سيتي، وذلك من خلال دمج نموذج تحدي المشاريع الاجتماعية الذي تقدمه مؤسسة ريزلوشن ضمن نظام المسابقات المعتمد في مؤسسة إيناكتس، ما يؤدي إلى إنشاء منظومة دعم أشمل  لرواد الأعمال الاجتماعية الشباب.

موقف القطاع الاجتماعي من عمليات الاندماج والاستحواذ

على الرغم من أن عمليات الاندماج والاستحواذ كانت أداة مهمة للنمو في القطاع الخاص منذ فترة طويلة، فإن القطاع الاجتماعي كان أكثر تردداً في تبني هذه العمليات. قد يعود بعض أسباب هذا التردد إلى ثقافة قطاعنا، مثل تمجيد المؤسسين والتعامل مع رؤاهم الفردية على أنها أمور مقدسة، بالإضافة إلى اهتمامنا الجماعي وإعجابنا بقصص النجاح الفريدة المتعلقة بالمؤسسات التي تتمكن من تحقيق نمو كبير بمفردها. ربما أقنعنا أنفسنا بأن قوى السوق التي تحفز الاندماج في القطاع الخاص لا تنطبق على المؤسسات التي تسعى لتحقيق رسالتها وأهدافها، ولا شك في أن القطاع الاجتماعي يواجه تحديات فريدة من نوعها.

تتطلب هذه العمليات غالباً موارد كبيرة، فعلى سبيل المثال، أشارت الخبيرتان كريستي جورج وتارين ستينبريكنر كوفمان إلى أن تكلفة عملية اندماج مؤسسة غايدستار مع مؤسسة فاونديشن سنتر، التي تعرف حالياً باسم كانديد، بلغت 45 مليون دولار. لا تتطلب عمليات الاندماج جميعها مثل هذه الاستثمارات الضخمة، ولكن نظراً لأن المؤسسات غير الربحية لا تستطيع ادخار الأرباح للاستثمار المستقبلي، بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهها المشاريع الاجتماعية غالباً للحفاظ على هوامش الربح التي من شأنها أن تدعم النمو السريع، فإننا نعتمد بالأساس على حملات جمع التبرعات وفرص الاستثمار المحددة لتحقيق التوسع.

ونتيجة لذلك، إذا لم تحظ المؤسسة بمكانة متميزة في مجالها، فإن عملية النمو تتطلب غالباً وقتاً طويلاً وتحتاج إلى موارد ضخمة. ولكن نظراً لترابط القطاع الاجتماعي، تزداد احتمالية وجود شريك مناسب سبق وأن أسس ما تبحث عنه، ولو كان في موقع جغرافي آخر أو استخدم طريقة مختلفة بعض الشيء. وعلى الرغم من التحديات التي تصاحب عملية الاندماج، فإن مقدار الوقت الذي يمكن توفيره مقارنة بعملية إنشاء شيء جديد من الصفر قد يكون كبيراً جداً.

التعامل مع التحديات

العنصر البشري. تمثل التحدي الأبرز الذي واجهناه خلال عملية الاندماج في التعامل مع الروابط العاطفية العميقة ضمن شبكة معقدة من أصحاب المصلحة. وعلى عكس عمليات الاندماج في القطاع الخاص، حيث يمكن عادةً معالجة مخاوف الموظفين من خلال تقديم حزم التعويضات، تتطلب هذه العمليات في المؤسسات غير الربحية التعامل مع مشاعر القلق والارتباطات العاطفية لدى المستفيدين والشركاء وأفراد المجتمع دون تقديم أي حوافز مالية لتسهيل عملية الانتقال؛ إذ يشعر المستفيدون بالقلق بشأن مجتمعاتهم وتطرح المؤسسات الشريكة تساؤلات حول مستقبل العلاقات الطويلة الأمد، ويواجه الموظفون احتمالية تغيير وظائفهم دون الحصول على أي تعويضات مالية سواء كبيرة أم بسيطة. ينتج عن ذلك أعباء عاطفية وأخلاقية فريدة لا تستطيع الدلائل الإرشادية والخطط التقليدية المعتمدة في عمليات الاندماج والاستحواذ معالجتها.

وللتغلب على هذه التحديات الإنسانية، ركزنا على تطبيع مفهوم الاندماج وتسهيل تقبّله ومساعدة أصحاب المصلحة على تصور فوائده المستقبلية. احترمنا مشاعر المؤسسين واعتزازهم بمنجزاتهم ووسعنا مجلس الإدارة مؤقتاً ليشمل أعضاء من كلتا المؤسستين، مع إدراكنا أن عضوية مجلس الإدارة لها دورات حياة طبيعية وأن الاستفادة من المواهب المتوفرة في كلتا المؤسستين ساعدت على تحقيق اندماج أفضل وأكثر فعالية.

يتطلب التعامل مع قلة الموارد حلولاً إبداعية، ففي حين تحظى عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع الخاص بفرق متخصصة وميزانيات كبيرة، واجهت عملية اندماج مؤسستينا غير الربحيتين تحديات كبيرة نتيجة محدودية الموارد؛ إذ يفتقر العديد من الممولين إلى الخبرة فيما يتعلق بتحديد تكلفة هذه التحولات وأساليب دعمها، كما أن الحصول على الاستشارات والتوجيهات القانونية الجيدة، وهو أمر ضروري للتعامل مع تعقيدات عمليات اندماج المؤسسات غير الربحية، لا يزال مكلفاً. كان يجب علينا إيجاد طرق إبداعية لتمويل عملية الاندماج والمرحلة المهمة التي تليها، مع الاستمرار في تسيير العمليات اليومية بواسطة فرق العمل التي كانت تعمل بالفعل تحت ضغوط كبيرة وبأقصى طاقتها.

أسهم التواصل الفعال وتوضيح الزيادة الكبيرة في الأثر والقيمة المالية المتوقعة من عملية الاندماج في تسهيل المحادثات مع الممولين وإقناعهم. كان يجب علينا جمع أكثر من 2 مليون دولار في غضون أسبوع واحد لإتمام العملية. قدم المستثمران جيرالدين أكونيا سانشاين وغابي سانشاين التزاماً مالياً كبيراً يمتد لعدة سنوات مع صرف مبالغ نقدية فورية تقريباً، في حين قدم العديد من ممولي مؤسسة إيناكتس التزامات آجلة (معظم هؤلاء الممولين أوفوا بالتزاماتهم وليس جميعهم). كما حصلنا على دعم من صندوق سي تشينج لودستار فور ننبروفيت كولابوريشن، وهو من الجهات المانحة القليلة التي تلتزم بدعم الجوانب التشغيلية المتعلقة بعمليات الاندماج والاستحواذ في المؤسسات غير الربحية. من خلال تجربتنا، أدركنا ضرورة الاستعداد لتحمل تكاليف إضافية عديدة وتعلمنا أنه يجب على الممولين الشعور بالارتياح والاستعداد لتقديم تبرعات غير مشروطة بناءً على إيمانهم برسالة المؤسسة وأهدافها، مع إدراكهم للفوائد التي سيحققونها على المدى القريب والمتوسط من خلال هذا النوع من الاستثمارات الأولية.

تتطلب مرحلة التكامل اهتماماً أكبر من إتمام عملية الاندماج نفسها. يمثل توقيع وثائق الاندماج بداية العمل الحقيقي وليس نهايته، إذ تتسم المرحلة اللاحقة بدرجة أعلى من الغموض والتعقيد مقارنة بعملية الاندماج ذاتها، ما يتطلب استثماراً مستداماً في إدارة التغيير وتعزيز مشاركة أصحاب المصلحة. بعد مرور 12 شهراً على عملية الاندماج، لا يزال أمامنا عمل يجب أن نؤديه في كل قسم من أقسام مؤسستنا الجديدة، سواء في الشؤون المالية أم في بناء العلامة التجارية أم تطوير البرامج أم إدارة الجوانب القانونية. يجب على المؤسسات تحقيق التوازن بين الضغط الفوري لإثبات الكفاءة وإظهار النتائج السريعة وبين العمل على المدى الطويل لتحقيق التكامل الثقافي ومواءمة البرامج. يمكن أن يؤدي ضعف الاستثمار في هذه الجهود إلى تقويض عمليات الاندماج حتى لو كانت مبنية على أسس استراتيجية مدروسة.

أسهمت شركة ديلويت في مشروع تطوعي للاندماج الاستراتيجي استمر 7 أسابيع، وكان لهذا المشروع دور حاسم في إعدادنا لتحقيق اندماج ناجح. يشعر المستشارون غالباً بالحماس تجاه العمل في مشاريع الاندماج والاستحواذ في القطاع غير الربحي وقد يوافقون على تقديم خدماتهم مجاناً، لا سيما أنهم يعملون بانتظام في تقديم الاستشارات لعمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع الخاص، ولكنهم لا يحصلون في كثير من الأحيان على فرصة لتطبيق هذه المهارات في المؤسسات غير الربحية، ولكن إذا لم تتمكن من تأمين الدعم المجاني، فلا يزال من المهم تخصيص ميزانية مناسبة لتغطية التكاليف. كان من الضروري أيضاً توضيح التوقعات لفريق العمل حول مدى الحاجة إلى التحلي بالمرونة والاستعداد للتعامل مع حالة الغموض التي تحيط بالقرارات المستقبلية.

خطوات للتطوير والمضي قدماً

يجب على القطاع الاجتماعي تغيير نظرته إلى عمليات الاندماج والاستحواذ بوصفها حلاً أخيراً للمؤسسات التي تواجه الصعوبات. وبدلاً من ذلك، يجب أن ندرك أنها استراتيجية فعالة لتحقيق أثر أكبر بكفاءة أعلى. يتطلب هذا التحول تغيير العقلية والممارسات العملية:

  1. يجب على الجهات الممولة إنشاء قنوات تمويل مخصصة لعمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع غير الربحي، ويشمل ذلك توفير الدعم لتغطية تكاليف الفحص النافي للجهالة ومرحلة ما بعد الاندماج، مع ضمان سرعة توفير هذه الأموال وصرفها.
  2. يجب على قادة القطاع مشاركة تجاربهم وخبراتهم في عمليات الاندماج والاستحواذ، بالإضافة إلى أفضل الممارسات المتبعة بطريقة واضحة وعلنية، ما يساعد على تسهيل مناقشة هذه العمليات وتقبلها.
  3. يجب أن يشارك أعضاء مجالس الإدارة، الذين يتمتعون بخبرة في عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع الخاص، بفعالية في استكشاف هذه الفرص.
  4. يجب على المؤسسات وضع معايير واضحة لاختيار الشراكات المحتملة، مع التركيز على توافق الأهداف وتكامل القدرات المتاحة.

نظراً لجسامة التحديات التي تواجه عالمنا، أصبح من الضروري الاستفادة من أي أداة يمكن أن تساعدنا على تحقيق أثر أكبر بوتيرة أسرع. تمثل عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع الاجتماعي أداة مشروعة وفعالة لتعزيز التوسع، لذلك، يجب اعتمادها والاعتراف بقيمتها على هذا الأساس.

 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.              

المحتوى محمي