تشعر الشركات بضغط متزايد لتطبيق ممارسات المسؤولية الاجتماعية، لكن يمكن أن يتحول هذا العبء إلى مصدر للابتكار ومزايا تنافسية تتجلى في تعميق العلاقات مع العملاء الرئيسيين، وتعزيز الوعي بالعلامة التجارية، وتحسين الصورة العامة للشركة وجذب المواهب، وزيادة مشاركة الموظفين.
يمكن أن تكون المسؤولية الاجتماعية وسيلة فعّالة لتوظف الشركات مواردها وخبراتها ورؤيتها في أنشطة تعود بالنفع على المجتمع، وكلما كانت الشركة أكثر التزاماً بمعايير المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع المحلي الذي تعمل فيه؛ زادت قدرتها على الاستمرار وكسب ثقة الأفراد من خلال تقديم خدمات تلبي احتياجاتهم، ما يعزز مكانتها أمام المنافسين.
كيف تؤثر المسؤولية الاجتماعية في الميزة التنافسية؟
قد تؤثر التطورات في القضايا الملحة مثل تغير المناخ وزيادة عدد السكان ونقص الموارد، على أعمال الشركات، إلا أن هذه التطورات ستفتح فرصاً لنمو الشركات الأكثر قدرة على تطوير الخدمات التي تلبي احتياجات المجتمع، فالتنافس بين الشركات بات مرتبطاً بالوسائل التي يمكن من خلالها تطوير المجتمعات، إلى جانب تحقيق المكاسب المادية على المدى الطويل عبر بوابة المسؤولية الاجتماعية، إذ أكدت دراسة بعنوان: "علاقة المسؤولية الاجتماعية بالميزة التنافسية"، ضرورة سرعة الاستجابة للتغيرات داخل الشركة وفي البيئة المحيطة لمواكبة التطور في تقديم الخدمات، والتركيز على المسؤولية الاجتماعية للحفاظ على مستوى عالٍ من الميزة التنافسية.
ولكي تصبح المسؤولية الاجتماعية ميزة تنافسية؛ يجب ألا تتجلى فقط في صورة تقديم إسهامات إلى المؤسسات الخيرية المحلية أو مد يد العون لدى حصول كارثة، وإنما أن تمتد إلى إيجاد قيم مشتركة في ممارسات الأعمال والاهتمام بالبعد الاجتماعي للمنافسة.
وقد يقود التطبيق السيء للمسؤولية الاجتماعية إلى الإضرار بسمعة الشركة ومكانتها، كما حصل حين تهربت فولكس فاجن (Volkswagen) من ضوابط الانبعاثات السامة وروّجت لسيارات على أنها صديقة للبيئة لتمنح نفسها ميزة غير عادلة على منافسيها، في قضية انتهت باستقالة رئيسها التنفيذي، وتسببت حينها بخسارة سهم الشركة 25% من قيمته، إلى جانب الأضرار البيئية الناتجة عن هذا التحايل.
ما واجهت شركة نايكي (Nike) للألبسة الرياضية، حملة مقاطعة واسعة من المستهلكين بسبب ممارسات مسيئة إزاء العاملين في مصانع لها بإندونيسيا، واضطرت إلى دفع تعويض بقيمة مليون دولار على الوقت الإضافي غير مدفوع الأجر للعمال.
لكي تكون الشركات قادرة على تنفيذ المسؤولية الاجتماعية بطريقة صحيحة، عليها التفكير بدورها وتأثيرها في المجتمع كأساس للنمو على المدى البعيد، وأن يكون الابتكار والتطوير ومشاركة أصحاب المصلحة جزء من استراتيجيتها لخلق قيمة مضافة وتحقيق تأثير إيجابي في المجتمع. لكن ما المجالات الرئيسية لتعزيز التنافسية بالاستثمار في المسؤولية الاجتماعية؟
3 مجالات لتعزيز الميزة التنافسية
إن إنشاء استراتيجية فعالة للمسؤولية الاجتماعية يمكّن الشركات من تحقيق الميزة التنافسية في ثلاثة مجالات رئيسية:
1. الوعي بالعلامة التجارية
توصلت الدراسات إلى ارتباط إيجابي بين المسؤولية الاجتماعية للشركات وزيادة وعي المستهلكين بالعلامة التجارية، ونظراً للمنافسة العالمية، وتطور الوسائل التكنولوجية، وتقليل التمايز بين العلامات التجارية، فيمكن استخدام المسؤولية الاجتماعية أيضاً في رسم صورة إيجابية للعلامة التجارية في أذهان المستهلكين المحتملين.
وعليه، يجب أن تكون العلامات التجارية ملهمة بطريقة مسؤولة اجتماعياً لأصحاب المصلحة، وأن تكون المبادرات جزءاً من قصة العلامة التجارية وأنشطة الشركة، لذلك، نجحت شركة واربي باركر (Warby Parker) الأميركية للنظارات، من خلال برنامج اشترِ نظارات وتبرع بنظارات (Buy a Pair, Give a Pair)، في تعزيز علامتها التجارية.
2. ثقة العملاء وولائهم
لم يعد اكتساب ثقة العملاء وولائهم مسألة سهلة، مع تزايد مطالبهم بإظهار الشركات مدى التزامها تجاه المجتمع والبيئة، إذ يؤكد 80% من المشاركين في مقياس ثقة ايدلمان لعام 2016، ضرورة أن يكون للأعمال التجارية دوراً في معالجة القضايا المجتمعية، فيما أبدى 55% من المشاركين في دراسة أجرتها نيلسن، استعدادهم لدفع المزيد مقابل المنتجات من الشركات المسؤولة اجتماعياً.
بعض الشركات تبني الثقة مع العملاء من خلال اعتماد الشفافية حول مصدر المنتج وتأثيراته البيئية مثل ستاربكس، فيما تركز شركات أخرى مثل آبل على النتائج المحسوبة لجهود المسؤولية الاجتماعية، كما يمكن أن يكون إجراء الحملات وسيلة فعّالة لتشجيع العملاء على دعم مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات، فمن خلال حملة تعال نظِف #ComeClean استهدفت شركة الجيل السابع (Seventh Generation) لمنتجات العناية الشخصية والمنزلية الصديقة للبيئة، تثقيف المستهلكين وتشجيعهم على المشاركة في حق معرفة مكونات المنتجات لجعل العيش الآمن والمستدام ممكناً.
3. مشاركة الموظفين
إحدى المزايا التنافسية الملموسة للمسؤولية الاجتماعية هي تأثيرها في مشاركة الموظفين، إذ تساعد في الحفاظ على إنتاجية الموظفين الحاليين ومشاركتهم في مكان العمل؛ فيما تحفِز المرشحين المحتملين للانضمام إلى الشركة، إذ وجد استطلاع: "اتجاهات الوظائف والتوظيف التي ستراها في عام 2020 وما بعده" (The Job & Hiring Trending You'll See in 2020 & Beyond)، أجراه موقع غلاسدور (Glassdoor) للتوظيف عام 2019، أن 75% من الموظفين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً يتوقعون أن يتخذ أصحاب العمل موقفاً بشأن القضايا المهمة.
تُعد آي بي إم (IBM) إحدى الشركات التي نقلت فكرة مشاركة الموظفين في ممارسات المسؤولية الاجتماعية إلى آفاق جديدة، إذ قدّمت مبادرة تطوعية قائمة على المهارات وتؤثر أيضاً في المواهب واستراتيجيات التطوير المهني، مكّنتها من تعزيز قدرتها التنافسية ومساعدة المجتمعات المحتاجة عبر تنفيذ العديد من المشاريع الخيرية.