العلاقة بين العمل وابن عرس واندماج الموظفين في القطاع غير الربحي

محفزات الاندماج
shutterstock.com/Matt Knoth
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما ننشر الدراسة الاستقصائية السنوية التي نجريها في مؤسستنا، ليدنغ إيدج (Leading Edge)، نركز على نتائج الاستبيانات التي توقع أكبر أثر في زيادة اندماج الموظفين. “اندماج الموظف” هو شعوره بالفخر لانتمائه إلى المؤسسة وحماسه لأداء عمله على أكمل وجه ورغبته في الاستمرار بالعمل لديها واقتراحها على الآخرين بوصفها مكاناً رائعاً للعمل. على الرغم من أن اندماج الموظفين ليس العامل الوحيد الذي يتمتع بالأهمية في الكفاءة التنظيمية، فنحن نركز عليه لأن الأبحاث أثبتت ارتباطه المباشر بالإنتاجية والربحية والدوران الوظيفي وحوادث مكان العمل والتغيب عن العمل وجودة المنتج، إلى جانب أمور أخرى. تشير بياناتنا إلى عوامل مؤسسية معينة شديدة الارتباط باندماج الموظفين نسميها “محفزات الاندماج”، ولاحظنا أنها لم تتغير عن العام الماضي:

  1. الشعور بأن المؤسسة ترعى موظفيها وتهتم بهم.
  2. الثقة بقيادة المؤسسة.
  3. التيقن من أن رفاهة الموظفين تحظى بالأولوية في المؤسسة.
  4. الشعور بوجود تواصل مفتوح وصادق ثنائي الاتجاه في المؤسسة.
  5. الشعور بالانتماء إلى المؤسسة.

تحفّز عناصر تجربة مكان العمل هذه اندماج الموظفين في المؤسسات غير الربحية اليهودية بدرجة أكبر من العناصر الأخرى التي نعمل على دراستها، ولا نعتقد أن ذلك محصور في قطاعنا وحده، فهذه العناصر مهمة للعاملين في جميع القطاعات.

ولكن ماذا عن الأجور؟!

يُطرح علينا هذا السؤال مراراً وتكراراً، ألا يهتم الموظفون بالأجور؟ يسأل الجميع عن هذه المسألة لأن القطاع غير الربحي معروف بأن أجور موظفيه قليلة مقارنة بالقطاعات الأخرى، وهذا صحيح للأسف. لا شك في أن الأجر مهم للموظفين من الناحيتين المعنوية والمادية؛ فهو يؤثر في اختيار مكان السكن وما نملكه والتعليم الذي نوفره لأولادنا وما يمكننا استهلاكه ومقدار ما يمكننا وهبه للآخرين ومشاركته معهم والكثير من الأمور الأخرى، وبالنسبة للعاملين في القطاع غير الربحي فالأجر هو أوضح وسيلة لفهم قيمة الموظف لدى المؤسسة وقياسها. توضح بيانات الاستقصاء أن الأجر مرتبط في الحقيقة باندماج الموظفين، ولذا يتساءل الكثيرون عن سبب عدم التركيز عليه بصورة أوضح: أليست الأجور مهمة؟

جوابنا هو: بلى! ولكن الأجور بحدّ ذاتها ليست من “محفزات الاندماج”، لأن أثرها في تحفيز اندماج الموظفين أقل بكثير من أثر العوامل المؤسسية الأخرى؛ الأجور مهمة ولكنها ليست الأهم.

سنتحدث عن “ابن عرس” من أجل توضيح هذه الفكرة.

التعريف بابن عرس

تخيَّل مكان العمل التالي (تم إعداد هذه القصة في عام 2019 قبل اعتماد العمل عن بُعد): مكتب عادي جداً فيه عدد من الموظفين، إلا أن الشركة ولسبب غير معروف تؤوي فيه مجموعة من حيوانات ابن عرس على اعتبارها “حيوانات المكتب الأليفة”، لهذه الحيوانات مساحة مخصصة في الزاوية الخلفية تضم طعامها والصناديق التي تعشش فيها، وتتمتع بحرية التجول في جميع أنحاء المكتب.

ولكن هذه الحيوانات ليست لطيفة، فهي تعضّ من دون سبب طوال الوقت! تقترب من الموظفين بصمت في غفلة تامة منهم. تخيل أنك تجلس إلى مكتبك غارقاً في قراءة رسائلك الإلكترونية، فتشعر فجأة بألم حادّ في كاحلك، ويهرب ابن عرس من المكان قبل أن تدرك أنه كان هنا أصلاً.

يشتكي الجميع من هذه الحيوانات، ويقرّ فريق القيادة العليا بأنه ليس من المفترض أن تعيش في المكتب، ولكنها هناك منذ إنشائه، ولا أحد يملك الوقت للتفكير في خطة جيدة للتخلص منها. لا يستطيع جميع الموظفين احتمالها وكثير منهم يستقيلون بسببها، وبالتالي تعاني المؤسسة ارتفاع معدل الدوران الوظيفي.

وأخيراً، عثر الفريق القيادي في أحد الأيام على ملجأ لحيوانات ابن عرس ونقلها إليه كلها، وأصبح المكتب خالياً منها تماماً لأول مرة. توقع الفريق القيادي ارتفاع نسب اندماج الموظفين نتيجة لذلك، فقد طالب الموظفون بالتخلص من الحيوانات على مدى أعوام طويلة. في اليوم الأول بعد التخلص من حيوانات ابن عرس شعر الموظفون ببهجة كبيرة، وكان كل منهم يقول للآخر: “هذا رائع!” ونشر أحدهم على منصة التواصل الخاصة بالشركة: “هذا أفضل الأيام على الإطلاق”، واحتفلوا ورمى بعضهم ألعاباً على شكل ابن عرس على بعض وتعالت ضحكاتهم التي يملؤها السرور. وفي اليوم الثاني بقيت روح الاحتفال مخيّمة على المكتب، وبحلول الأسبوع التالي كانت الاحتفالات قد هدأت، ولكن بدت السعادة على الموظفين في تحركاتهم وتواصلهم.

ولكن في الأسبوع الثالث تلاشت النشوة وانخفضت حالة الموظفين المزاجية وعادت إلى مستواها السابق. صحيح أنهم ارتاحوا من العضات المباغتة، ولم يعد يبدو عليهم الاستياء أو التوتر، ولكن لا يبدو أن حماسهم في العمل ازداد. ارتبك الفريق القيادي، ما المشكلة؟

التعريف بنظرية الدافع-الصحة

يمكننا طرح سؤال أفضل من سؤال “ما المشكلة”: “ما الذي لم يسر على النحو الصحيح؟”.

يمكن الاستعانة بنظرية العالم النفسي فريدريك هيرزبرغ “الدافع-الصحة” لتفسير عجز الإجراء المتمثل في إخلاء المكتب الخيالي من حيوانات ابن عرس -وإجراء زيادة الأجور ورفع مستوى الشفافية في سياستها- عن تحقيق زيادة كبيرة في نسب اندماج الموظفين، إذ قسّم العالِم تجربة مكان العمل إلى مجموعتين:

عوامل الصحة التي لا تمنحك السعادة ولكنها قادرة على جعلك تعيساً. خذ مثلاً ركبتيك؛ عندما تكون ركبتاك قويتان لا تقول لنفسك كلما تحركت: “يا للروعة، ركبتاي مريحتان للغاية اليوم! هذا يسعدني جداً!” في الحقيقة، لن تفكر في ركبتيك حين لا تعاني أي مشكلة فيهما، ولكن إذا التوت ركبتك فسيلفت الألم الشديد انتباهك إليها (يستعين أحدنا في هذه الفترة بعكازين للمشي بسبب إصابة خفيفة في ركبته، ولذلك ما نقوله لكم مبني على تجربة واقعية).

أما المجموعة الأخرى فهي العوامل التحفيزية: لن يجعلك غيابها تعيساً، إلا أن نقصها يجعلك تشعر بشيء من الملل، ولكنها إن توفرت فستبهجك بدرجة كبيرة. عندما تتوفر هذه العوامل في وظيفتك سيزداد اندماجك: ستبذل أقصى جهدك لتقدم أفضل أداء ممكن وستنصح الآخرين بحماس للعمل في مؤسستك على اعتبارها مكان عمل رائعاً. ليس المهم أن تؤدي عملك فحسب، بل أن تؤديه على أكمل وجه وتضيف القيمة للمؤسسة وتشعر بأهمية عملك وترضى عن حياتك اليومية فيه.

يمكن إضافة الأجور إلى عوامل الصحة في العمل، مع الركبتين القويتين وخلوّ المكتب من حيوانات ابن عرس، وتضم عوامل الصحة أيضاً سياسات مكان العمل وإجراءاته، وبيئة العمل المادية الآمنة واللطيفة، والمكانة الاجتماعية والأمان الوظيفي. وبطبيعة الحال، هذه العوامل كلها مهمة، وسيستاء موظفوك إذا لم توفرها لهم ولربما غادروا العمل، ولكن عوامل الصحة أساسية في مكان العمل الرائع لا مكمّلة، وهي ليست من محفزات الاندماج في العمل؛ حتى إن توفرت كلها فهي لن تكون كافية لتحفيز اندماج الموظفين، وإنما سيؤدي توفيرها إلى جعل العمل طبيعياً فحسب.

أما إمكانية الوثوق بالقادة والتواصل الفعال في المؤسسة والشعور بأنها تهتم حقاً بموظفيها على اعتبارهم بشراً، فهي العوامل التي نسميها محفزات الاندماج ويسميها هيرزبرغ عوامل التحفيز، وهي لا تقتصر على تصحيح المشكلات بل تبني الثقافة المؤسسية السليمة، وهذا ما رأيناه في بياناتنا عاماً بعد عام. لذا تذكر أن تجربة مكان العمل مهمة بكل جوانبها، ولكن بعض هذه الجوانب يمدنا بالإلهام حقاً وبعضها الآخر يزعجنا -مثل ابن عرس- فحسب.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً