إن تقييم الأداء ليس مجرد توصية يمكن تقديمها للمؤسسات غير الربحية بل ضرورة مطلقة لاستدامة أعمالها، لأن هذه المؤسسات تركز على إنجاز مهمة اجتماعية وتحقيق التوازن بين كفاءة التكلفة وفعالية البرنامج لخلق أثر أعمق.
القيمة المجتمعية أم النتائج المالية؟
يتمثل جوهر عمل المؤسسات غير الربحية في تقديم الخدمات المجتمعية التي قد تتجاهلها الحكومات والشركات أو لا تتمكن من توفيرها، واليوم أكثر من أي وقت مضى، أصبح اهتمام الممولين والمتبرعين على حد سواء منصبّاً على المؤسسات التي تقيس أداءها المالي وتُقيم أثر برامجها وأساليبها في جمع التبرعات.
تعد المنفعة العامة هي المقياس الرئيس لتقييم أداء المؤسسات غير الربحية بما يتوافق مع الأهداف المجتمعية التي تسعى إلى تحقيقها، وبما ينعكس على تخصيص الموارد واتخاذ قرارات فعالة تقود إلى التشغيل والنمو المستدامين.
إن معيار نجاح المؤسسات غير الربحية هو قياس التأثير الفعلي مقابل الأهداف المراد تحقيقها، لذا يجب ألا تقتصر مؤشرات الأداء على البيانات المالية فقط، إنما يجب ربطها بالمهمة لتتمكن المؤسسة من قياس فعاليتها في خدمة مجتمعاتها.
وفيما يلي 3 مجالات حاسمة لقياس أداء المؤسسات غير الربحية:
1. التخطيط الاستراتيجي والأهداف الطويلة المدى
على عكس الشركات التي تركز على الربحية، يُقاس أداء المؤسسات غير الربحية من خلال تحقيق مهمتها. ما يتطلب في كثير من الأحيان الموازنة بين العجز المالي والفوائض على أساس الاحتياجات الخدمية والمناخ الاقتصادي.
وتعمل المؤسسات غير الربحية على أهداف طويلة المدى مثل الحد من الفقر والأمراض والتلوث، ما يجعل الاستدامة عنصراً حيوياً لقياس الأداء، لذا يجب أن تكون لدى المؤسسات خطط استراتيجية تمتد لسنوات وتتوافق مع المهام والأهداف الطويلة المدى، أيضاً يجب الاعتماد على نماذج مالية قادرة على توقع الفوائض وإنشاء الاحتياطات اللازمة لمواجهة أوقات عدم اليقين، وتعد نسبة صافي الأصول غير المقيّدة إلى النفقات السنوية المقياس الشائع لأداء المؤسسة على المدى الطويل.
يمكن وضع خطة تقييم فعالة بناءً على تحديد الهدف الذي ترجوه المؤسسة من القياس، والمعيار الذي يعكس مدى نجاحها في تحقيق الهدف، والمعلومات التي تحتاج إليها المؤسسة من أجل تحقيق هذا الهدف، وتحديد الجهات والأشخاص الذين تجب مشاركة النتائج معهم، والإطار الزمني المحدد للقياس.
2. الكفاءة التشغيلية
ليست النماذج المالية فقط التي يجب أن تتوافق مع المهمة، بل يجب أيضاً أن تتماشى مؤشرات الكفاءة التشغيلية مع المهمة لتعكس مدى فعالية البرامج والمبادرات المُنفّذة، وهذا يتطلب التركيز على إدارة المواهب وإنتاجية الموظفين وفعاليتهم.
في هذا الإطار، يتعين على المؤسسات غير الربحية وضع معايير واضحة عند تقييم أداء القوى العاملة وربطها دائماً بالمهمة الرئيسية، ويعني ذلك أن توفر الإدارة الموارد التي يحتاج إليها الموظفون وإزالة العقبات التي تعترضهم عند تنفيذ مهامهم، وتحديد مقاييس وأرقام واضحة تساعد على اتخاذ قرارات أفضل فيما يتعلق بإدارة المواهب.
على سبيل المثال، يمكن تقييم أعضاء فريق جمع التبرعات بطريقة مشابهة لكيفية تقييم فريق المبيعات في الشركات، وطرح أسئلة على كل عضو حول عدد الزيارات التي نفذها؟ وهل زار أشخاصاً محددين؟ وهل زار مانحين محتملين؟ وبعدها يمكن مقارنة عدد طلبات التبرع المسجلة والعدد الإجمالي للمتبرعين وعدد الأشخاص الذين أبدوا اهتماماً بالتبرع دون تقديمه مقابل معدل التبرعات الفعلية.
فمع وجود معايير واضحة للنجاح في كل دور، يصبح من الأسهل تحديد مسارات النمو المهني وجعل الجميع يلتزمون بمعايير أعلى، ما يؤدي في النهاية إلى نتائج أفضل للمؤسسة.
3. مقاييس ذات معنى
المال ليس المؤشر الوحيد للنجاح، فالنظر إلى البيانات المالية وحدها مثل نسبة الإيرادات إلى النفقات قد يجعل المؤسسة غير الربحية تبدو أنها فاشلة، ويصبح من الصعب عليها إظهار نتائج عملها. ووفقاً لدراسة بعنوان: "ربط الدولارات بالنتائج" (Connecting Dollars to Outcomes in Nonprofits)، تمكّن 29% فقط من أصل 350 مديراً تنفيذياً لمؤسسة غير ربحية من إثبات فعالية الأموال المستثمرة من المانحين.
هنا تأتي قوة قصص النجاح حول تأثير المؤسسة على المجتمع الذي تلتزم بخدمته إلى جانب البيانات المالية عند تقييم الأداء، على سبيل المثال، يمكن لمؤسسة غير ربحية متخصصة في علاج الأطفال من ذوي الهمم أن تبرز تأثيرها من خلال مشاركة قصص بدلاً من مجرد نشر أرقام، لكن بالطبع رواية هذه القصص تحتاج إلى بيانات مثل كم عدد الأطفال الذين لديهم موعد للعلاج؟ كم عدد الأطفال الذين ينتمون إلى مجموعات سكانية محرومة وليست لديهم القدرة على دفع ثمن العلاج، والذين حصلوا على هذه الخدمة من المؤسسة؟ كم عدد الأشخاص الذين خدمتهم المؤسسة بناءً على الرسالة والرؤية والقيم وقضية الدعم؟
ومن النماذج الفعالة في تقييم أداء المؤسسات غير الربحية هي بطاقة الأداء المتوازن، التي تساعد على وصف الاستراتيجية وتنفيذها بنجاح وترتيب العمل على الأولويات، وتتكون من 4 أبعاد: بُعد العملاء (المتبرعين والمستفيدين)، وبُعد العمليات الداخلية، وبُعد التعلم والنمو، والبُعد المالي.
وأسهم تبنّي هذا النموذج في رفع أداء العديد من الشركات ما شجع المؤسسات غير الربحية على مواءمة بطاقة الأداء المتوازن بحسب المجال الذي تنشط فيه. على سبيل المثال، أثّر تطبيق بطاقة الأداء المتوازن إيجاباً على منظمة الهلال الأحمر السوري، فقد أصبح كل من المراقبة والتحكم في الأداء أكثر شمولية من خلال الاعتماد على المقاييس المالية وغير المالية لكل أقسام المنظمة، وباتت الإدارة الاستراتيجية أكثر مهنية من خلال ربط الأهداف الاستراتيجية المتعددة بعضها مع بعض، وأتاح استخدام البطاقة إمكانية التعلم من الأخطاء واكتشاف مواطن الخلل وهذا أدى إلى تحسن أداء المنظمة بأكملها، لكن إضافة بُعد المخاطر وتطوير مؤشرات أداء أكثر تنوعاً كان يمكن أن يؤدي إلى تحسُن أكبر.
أما نموذج المقارنة المرجعية، فيركز على تحليل الوضع التنافسي للمؤسسة غير الربحية، فيما يُستخدم تحليل الاتجاه باعتباره أسلوباً إحصائياً لرصد التطور التاريخي لنتائج أداء المؤسسة وآثار هذا التطور على أدائها المستقبلي، ما يساعد متخذي القرار على اكتشاف نقاط الضعف ومعالجة أي انحراف بين الأداء الفعلي والأداء المستهدف.
يجب ألا تنظر المؤسسات غير الربحية إلى تقييم الأداء على أنه عملية معقدة، فالبدء بمجموعة بسيطة من المعايير والأهداف التي يمكن الاعتماد عليها مستقبلاً سيسهل عليها الخطوات التالية، ففي الوقت الذي تعمل فيه المؤسسة على قياس العدد السنوي للمتبرعين قد تدرك أنها بحاجة إلى قياس عدد المتبرعين الذين استمروا في المساهمة معها منذ سنوات.
عندما تعطي المؤسسة غير الربحية الأولوية للمعايير الصحيحة الواضحة وتربطها بالأهداف الرئيسية، سيصبح قياس الأداء أمراً سهلاً. المهم، أن تستمر المؤسسة في التركيز على مهمتها وألّا تجعل الأمر يتعلق بالمال فقط حينها ستحكي المقاييس قصة نجاحها.