3 عوامل مستخلصة من مبادرة صنّاع الأمل تقود إلى نجاح العمل الإنساني 

4 دقيقة
صناع الأمل
shutterstock.com/KieferPix
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الأمل مفتاح القوة ومحرك التغيير نحو مستقبل أفضل، لكن هل يمكن صناعته؟

نسمع كثيراً عن مسابقات عديدة في مجالات الرياضة والفنون والعلوم والترفيه، لكن الجديد الذي انطلق من دبي عام 2017 كان مسابقة صناع الأمل التي تبحث عن أصحاب العطاء للاحتفاء بهم. ففي كل مدينة أو قرية هناك أشخاص أو مؤسسات تسعى إلى مواجهة التحديات المجتمعية بطرائق مبتكرة لكنها تحتاج إلى من يسلط الضوء عليها. فما سر نجاح مبادرة صناع الأمل؟

وظيفة بمليون درهم!

“نبحث عن صانع أمل في عالمنا العربي، يتقن مهارات البذل وخدمة الناس، ويكون إيجابياً ومؤمناً بطاقات من حوله من أبناء الوطن العربي، ولديه خبرة تتمثل في قيامه بمبادرة مجتمعية واحدة على الأقل، وذلك نظير مكافأة قيمتها مليون درهم، وهذه الفرصة متاحة لأي شخص بغض النظر عن العمر”.

بهذه الطريقة المبتكرة كانت بداية إطلاق مبادرة “صناع الأمل” التي تندرج ضمن مبادرات مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، لتصبح أكبر مبادرة عربية تهدف إلى تكريم أصحاب المبادرات الخيرية المميزة في العالم العربي عبر تقديم الدعم المادي لهم لمساعدتهم على تكثيف جهودهم الإنسانية وتوسيع نطاق مشاريعهم الخيرية لتصل إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين، إضافة إلى تشجيع العطاء وغرس ثقافة الأمل والإيجابية على الرغم من التحديات.

لماذا نحتاج إلى الأمل؟

تفرض تحديات مثل الفقر والبطالة وتدني مستويات الصحة والتعليم ضغوطاً اقتصادية واجتماعية وبيئية على المنطقة لا يمكن التخلص منها إلا من خلال تكاتف جميع الجهود ونشر التفاؤل والإيجابية بين الأجيال الجديدة بالقدرة على تحسين الواقع، من هنا، قررت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم العالمية إطلاق “صناع الأمل” وتوجهت المبادرة إلى أي شخص أو مؤسسة لديها مشروع أو مبادرة أو برنامج أو حملة مبتكرة ذات تأثير قوي وواضح في تحسين حياة الفئات المستضعفة في المجتمع أو حل مشكلات وتحديات مُلحة، سواء كان هذا العمل نابعاً من جهد شخصي أو يأخذ طابعاً تطوعياً ينتفي معه أي ربح أو منفعة مادية.

ويُشترط في المبادرة المشارِكة في الجائزة أن تتمتع بالأصالة والابتكار وأن تسهم في إحداث فرق إيجابي في حياة المستفيدين، وأن يكون صاحب المبادرة مشهوداً له بتميز نشاطه الإنساني وأن يسخّر كل الجهود والموارد لإنجاحه، كما يجب أن تتسم المبادرة بالاستدامة والقابلية لتوسيع نطاق الاستفادة منها.

إن التركيز على هدف خدمة أكبر عدد ممكن من المستفيدين فقط قد لا يعني بالضرورة المعالجة الجذرية للمشكلة، فمدى الوصول العالي لا يكافئ قوة التأثير، فالمسألة تتعلق بوضع برامج معتمدة على 3 ركائز رئيسية: الاتساع، والعمق، والاستمرارية.

على سبيل المثال، أدركت الدكتورة الصيدلانية العراقية تالا الخليل أهمية هذه الركائز واعتمدتها في مبادرتها أكاديمية المحاربين للأطفال المرضى، ما أهّلها للفوز بجائزة صناع الأمل في دورتها الرابعة التي أُعلن عنها مؤخراً، إذ نجحت تالا في تغيير حياة أكثر من 500 طفل من أصحاب الهمم والمرضى بالسرطان عبر تقديم الدعم النفسي اللازم لهم، ويدخل في سجلها الإنساني قدرتها على إنقاذ طفل من الانتحار 5 مرات لتتمكن بعد ذلك من تسجيل 3 براءات اختراع، والإشراف على عمل 30 موظفاً بأحد المصانع.

وفقاً لما سبق يمكن استنتاج 3 عوامل رئيسية أسهمت في نجاح مبادرة صناع الأمل، يمكن الاستفادة منها لتعزيز فعالية أي عمل إنساني.

1. إضفاء الطابع المؤسسي

لا يمكن تصور عمل خيري مؤثر دون أن يقترن بآليات واضحة وتخطيط استراتيجي مستدام، فهناك الكثير من الحملات التطوعية التي يفكر فيها الأفراد في المنطقة لكنها تفتقر إلى الطابع المؤسسي والإطار الاستراتيجي لتحويلها إلى منظومة عمل متكاملة.

وبهدف تحويل المبادرات الشخصية إلى مشاريع إنسانية مجتمعية، أعلن الشيخ محمد بن راشد في عام 2018 عن أكاديمية صناع الأمل بتكلفة إجمالية تبلغ 50 مليون درهم، وتُعنى بتقديم دورات وبرامج تعليمية في مجال العمل الإنساني لمساعدة أصحاب الأفكار الإنسانية التطوعية والريادية على تحويلها إلى مؤسسات متكاملة قائمة على دراسات وخطط وآليات محددة، وفتح الأفق أمام معظم الفئات المجتمعية للمشاركة في العمل الإنساني، بما يضمن استدامة صناعة الأمل في العالم العربي.

بذلك تحوِّل الأكاديمية العطاء إلى نهج متكامل يتوافق مع احتياجات المستفيدين من أيتام ومشردين ومحرومين، وتجيب عن الأسئلة التي تدور في أذهان كل من أراد الإسهام في العطاء بما يمكّنهم من وضع الدراسات الأساسية للبدء بالعمل الخيري والحصول على الدعم اللازم لتوسيع نطاق أثره.

2. توسيع نطاق الأثر

إن فعالية الحراك الإنساني تنبع من قدرته على تحقيق نتائج عملية وأثر ملموس يشمل أكبر عدد من الأشخاص، فكان لمبادرة صناع الأمل دور في إبراز آلاف القصص الإنسانية المبتكرة والخلاّقة التي يعمل أصحابها بعيداً عن دائرة الضوء ودفعت العديد من الأشخاص إلى الانتقال من القضايا الصغيرة إلى مجالات العمل الإنساني الأوسع.

وتسليط الضوء على أصحاب العطاء فتح لهم أفاق التعاون مع الجهات الحكومية والأهلية في بلدانهم، ما يجعل تأثير مبادرة صناع الأمل يصل إلى مستوى الدول والحكومات وليس الأفراد فقط.

فالمهندس المصري محمود وحيد، صاحب المؤسسة المتخصصة في إيواء المشردين من كبار السن، ومعالجتهم، وتوفير الرعاية لهم، معانا لإنقاذ إنسان، تمكّن من تحقيق حلمه في توسيع نطاق عمله الإنساني بعد فوزه بجائزة صناع الأمل في دورتها الثانية، وتعاونت المؤسسة مع وزارة التضامن الاجتماعي المصرية في عدة مشاريع وباتت تهتم بالأطفال المشردين أيضاً، واليوم، تقدم المؤسسة خدماتها لـ 440 شخصاً من كبار السن، وترعى 23 طفلاً.

3. التشجيع على مزيد من العطاء

عندما يرى الأشخاص نماذج إنسانية ناجحة سيحاولون محاكاتها، وسيتساءلون عن كيفية الإسهام في مسيرة العطاء، وهذا ما عملت عليه صناع الأمل، إذ لا تعد جائزة مادية فقط إنما جائزة فكرية تستهدف تغيير سلوك الأشخاص وخصوصاً الشباب، وتجعلهم أكثر فعالية في مجتمعاتهم.

إن إظهار أصحاب العطاء كأبطال حقيقيين قريبين من الحياة اليوميّة للأفراد من مختلف أطياف المجتمع، يحفز على جعل كل من العمل الإنساني والتطوعي منهج حياة، فالدورة الأولى من جائزة صناع الأمل استقبلت 65 ألف طلب ترشيح، وارتفع في الثانية ليتجاوز 87 ألف طلب ترشيح، وشارك في الدورة الثالثة 92 ألف صانع أمل، وسجلت الدورة الرابعة أكثر من 58 ألف مشاركة، لتستقبل المبادرة أكثر من 300 ألف صانع أمل عربي خلال أربع دورات، ما يظهر الدافع القوي لكثير من الأشخاص للمساهمة في العطاء والعمل الإنساني.

وشهدت الدورة الرابعة تعاون بين مبادرة صناع الأمل مع منصة ET بالعربي، لإدخال المشاهير والفنانين في دائرة العطاء وفتح الفرصة أمامهم لتبني مبادرات إنسانية متنوعة في عدة بلدان، بهدف ترسيخ ثقافة الأمل والإيجابية في المجتمعات العربية، انطلاقاً من التأثير الكبير الذي يمتلكونه في مجتمعاتهم.

وستستمر صناع الأمل في دعم البرامج التطوعية الهادفة إلى تحسين الحياة في المجتمعات العربية، وتسليط الضوء على الجهود الإنساني لخدمة المستضعفين وتخفيف معاناتهم بما ينسجم مع  رؤية مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، في تعزيز ثقافة الأمل ودعم أصحاب الأفكار المبتكرة لتمكينهم من تحويلها إلى مشاريع مستدامة.

تحيا الشعوب على التفاؤل والأمل بغدٍ أفضل، ومبادرة مثل صناع الأمل تفتح الباب أمام الأجيال الجديدة لتغيير واقعها وجعل مجتمعاتها أنسب مكان يعيش فيه الجميع في سلام واستقرار اقتصادي واجتماعي ونفسي.