ما صناديق النفع العام؟

صناديق النفع العام
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مع إنشاء أول صناديق الاستثمار الخاصة التي تهدف إلى خدمة الصالح العام بالإضافة إلى العوائد المالية. ويشار إليها عادةً باسم “صناديق التأثير”، تمكّن المستثمرون المهتمون بالتأثير من تجميع مواردهم وطلب مساعدة مدراء الصناديق المحترفين في تنفيذ أهدافهم. كانت صناديق التأثير خطوة كبيرة إلى الأمام، لكنها ما تزال مقيدة بمجموعة متنوعة من العوامل، مثل عدم وضوح تعريف صندوق التأثير، وانعدام الثقة بسبب “الغسل الأخضر” الحقيقي أو المزعوم، وعدم وجود الحوافز المناسبة والمتوازنة لمدراء الصناديق.

نعتقد أن الخطوة التالية في تطور الاستثمار المؤثر هي شركة التوصية البسيطة ذات النفع العام وفقاً لقانون ولاية ديلاوير، أو ما يعرف بـ “صندوق النفع العام”، وهو هيكل صندوق الاستثمار الذي استخدمه صندوق ساماريتان بارتنرز فاند الأول إل بي (Samaritan Partners Fund I, LP) وهو صندوق نفع عام تشرّف المؤلفان بتقديم المشورة له. مثله مثل نظيراته من الشركات؛ أي “شركات النفع العام”، يوفر صندوق النفع العام ضمان تحقيق النفع العام بالإضافة إلى عائدات مالية، كما يحافظ على المرونة التي تجعل شركة التوصية البسيطة الشكل المعياري لغالبية صناديق الاستثمار الأميركية. نأمل أن تؤدي هذه المقالة إلى زيادة الوعي بنموذج صندوق النفع العام وإطلاق الحوار حول طرق تحسينه واستخدامه على نحو أفضل في قادم الأيام. يحل صندوق النفع العام بشكله الحالي العديد من المشكلات الرئيسية التي يعانيها الاستثمار المؤثر، والتي سنشرحها لاحقاً. بيد أنه لا يزال هناك مجال لتحقيق المزيد من التقدم، نعتقد أن تحديث لوائح صناديق النفع العام في ولاية ديلاوير، واعتماد شهادات مماثلة لتلك الموجودة لشركات النفع العام، وإنشاء مستندات معيارية توضح أفضل الممارسات لصناديق النفع العام، من شأنه أن يجعل الصندوق معياراً ذهبياً ويزيد رأس المال المستثمر في الشركات التي تسعى إلى تحقيق الصالح العام.

ما صندوق النفع العام وما الفرق بينه وبين الصناديق الأخرى؟

صناديق رأس المال المغامر التقليدية وصناديق رأس المال الخاصة تجمع رأس المال وتستثمر فيه من أجل تحقيق أقصى عائد مالي للمستثمرين، أما صناديق التأثير فتوسع أهدافها لتشمل التأثير الاجتماعي أيضاً. على غرار الصناديق التقليدية، تُشكَّل صناديق التأثير على نحو مشابه لشراكات التوصية البسيطة وفقاً لقانون ولاية ديلاوير، ما يوفر مرونة كبيرة في تحديد آلية عمل الصندوق، وذلك يتيح لصناديق التأثير السعي لتحقيق التأثير الاجتماعي إلى جانب العوائد المالية وأحياناً تكون الأولوية للتأثير. بيد أنّ هذه المرونة تخلق غموضاً، ولها جوانبها السلبية، إذ تختلف صناديق التأثير المتنوعة اختلافاً جوهرياً في شروطها، ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وزيادة العبء على المستثمرين الذين يسعون إلى تحديد إذا ما كان صندوق التأثير سيحقق توازناً بين الصالح الاجتماعي والعائد المالي الذي يتوافق مع توقعاتهم وقِيَمهم.

تتناقض مرونة شركة التوصية البسيطة في ديلاوير مع صرامة قانون ديلاوير للشركات. توفر هذه الصرامة الوضوح للمستثمرين والمدراء، ولكنها تعوق قدرة شركات ديلاوير على السعي لتحقيق الصالح الاجتماعي دون إعطاء الأولوية للأرباح المالية، ما يمنع شركات ديلاوير التقليدية من السعي لتحقيق الصالح الاجتماعي على قدم المساواة مع أهدافها المالية. لذلك أنشأت ولاية ديلاوير نوعاً جديداً من الكيانات في عام 2013، وهو شركة ديلاوير للنفع العام، لتوفير المرونة اللازمة للشركات لتحقيق التأثير الاجتماعي على نحو صريح إلى جانب العائدات المالية (يشار إليها عادة باسم “شركة النفع العام” وهي مختلفة عن الشركات الحاصلة على شهادة بي من مؤسسة بي لاب (B Lab).

يستفيد صندوق النفع العام منهما، فهو يحافظ على مرونة شركة التوصية البسيطة في ديلاوير مع اعتماد صرامة شركة النفع العام. السمات الرئيسية الثلاث التي تمييز صندوق النفع العام هي:

  1. الالتزام بتحقيق التوازن بين السعي لتحقيق نفع عام محدد والتأثير في أصحاب المصالح والمصالح المالية للمستثمرين (“اعتبارات النفع العام” الثلاثة).
  2. التزام خاص بالإبلاغ عن الأنشطة الاستثمارية لصندوق النفع العام وتأثيرها.
  3. آلية تنفيذ قانونية يمكن من خلالها للمستثمرين تحميل مدير الصندوق المسؤولية.

وبالتالي، يحصل كل من المستثمرين ومدراء الصناديق على ضمانات محددة. ويدرك المستثمرون أن صناديق النفع العام التي يستثمرون فيها جميعها دون استثناء تشمل هذه العناصر، ويحصل مدراء الصناديق على خطة توجيهية لتشغيل صندوق النفع العام ليحقق أهدافه الاجتماعية والمالية.

كيف يحل صندوق النفع العام المشكلات الرئيسية التي يعانيها الاستثمار المؤثر؟

يمكن لصندوق الفوائد أن يحل ثلاث مشكلات منعت حتى الآن منظومة الاستثمار المؤثر من تحقيق إمكاناتها الكاملة.

  1. التعريف: لا يوجد تعريف واضح “لصندوق تأثير” أو لطريقة عمله. قد يشتمل أحد صناديق التأثير على التزام قانوني بتحقيق التأثير الاجتماعي في اتفاقية الشراكة الخاصة به، ويقتصر صندوق آخر على التزام غير ملزم بالاستثمار في الشركات التي تمتلك برامج لتعزيز التنوع والعدالة والشمول. ونتيجة لذلك، يضطر المستثمرون الذين يركزون على التأثير إلى بذل الوقت والموارد لمعرفة توافق صندوق التأثير مع قيمهم وإذا ما كان يحتوي على شروط قابلة للتنفيذ فيما يتعلق بجهود الصندوق لتحقيق النفع العام الاجتماعي أو إذا ما كانوا واثقين بحسن نية مدير الصندوق لتنفيذ أهدافهم. ويضمن نموذج صندوق النفع العام أن يكون لدى مدير الصندوق التزام قانوني دائم قابل للتنفيذ لتحقيق التوازن بين اعتبارات النفع العام، ومطالبته بتزويد المستثمرين بتقارير حول تأثير الصندوق، وبالتالي تسهيل عملية التدقيق اللازم.
  2. الثقة: يمكن أن تؤدي اتهامات “الغسل الأخضر” إلى تآكل الثقة بحركة الاستثمار المؤثر، وفي بعض الأحيان يكون التأثير الاجتماعي ثانوياً بالنسبة إلى العائدات المالية، حيث يكون مجرد إجراء شكلي “بند على الجدول” قبل إجراء الاستثمار. يسهم نموذج صندوق النفع العام في الحماية ضد الغسل الأخضر في حد ذاته والادعاءات الكاذبة المتعلقة به من خلال توفير معيار قابل للتنفيذ يمكن قياس أنشطة الصندوق على أساسه، وبالتالي إعطاء المستثمرين الأدوات اللازمة لتحميل مدير الصندوق المسؤولية.
  3. حوافز المدراء: عندما اعتمدت صناديق الأثر على نموذج الصناديق التقليدية، أدت الحوافز الاقتصادية وتدابير الحماية لمدراء الصناديق إلى تحويل تركيزها بعيداً عن تحقيق الأثر الاجتماعي بدرجة لا تتماشى مع إمكانية تحقيق عوائد مالية كبيرة. توفر الصناديق الخاصة التقليدية حماية قانونية قوية لمدراء الصناديق، وغالباً ما تدفع المدير إلى ارتكاب عمليات احتيال أو غيرها من الإجراءات المتعمدة ذات التأثير السلبي الجوهري على الصندوق قبل أن يتمكن المستثمرون من المساءلة قانونية. وعندما تلتقي تدابير الحماية هذه مع التعويضات القائمة على الأداء، يصبح لدى مدراء الصناديق حافز قوي للسعي إلى تحقيق عوائد مالية كبيرة ويعملون لتحقيق الحد الأدنى فقط من أهداف التأثير الاجتماعي. يحل صندوق النفع العام هذه المشكلة من خلال الالتزامات القانونية الإلزامية وآلية التنفيذ الصارمة التي يمكن استخدامها لضمان سعي مدراء الصناديق لتحقيق التوازن المناسب بين العوائد الاجتماعية والمالية.

ثمة مجال لتحسين نموذج صندوق النفع العام نفسه أيضاً، وتحديداً بالاعتماد على الدروس المستفادة من تجربة شركات النفع العام، إذ يمكن تعزيز صندوق النفع العام من خلال إجراء تعديلات في إطاره القانوني، ووضع المعايير واعتمادها مثل شهادة “الصندوق بي”، وتطوير أفضل الممارسات مثل وضع مجموعة من المستندات النموذجية لصناديق النفع العام على غرار التي وضعتها جمعية إنستيتيوشنال ليمتد بارتنرز (Institutional Limited Partners Association) للصناديق التقليدية. يمكن لهذه العملية أن تسرع الدورة المحمودة التي تخصص من خلالها صناديق النفع العام رأس المال للشركات ذات التأثير الاجتماعي الإيجابي، وتعيد هذه الشركات أرباحاً إلى الصناديق، وتؤدي دورها في توسيع نطاق رأس المال المستخدم لتعزيز الأهداف الاجتماعية مع الاستمرار في توليد عوائد مالية لأصحاب الاستثمارات.

لماذا لا تستخدم صناديق التأثير هيكل صندوق النفع العام؟

كانت ولاية ديلاوير أول ولاية تسمح بتشكيل صندوق النفع العام، وإلى الآن هي الوحيدة بعد أن تبنت قوانين صندوق النفع العام في الأول من أغسطس/آب عام 2019. ومع ذلك، فإن صندوق ساماريتان بارتنرز فاند الأول إل بي هو الصندوق الوحيد من نوعه، على حد علمنا، على مستوى المؤسسات المالية الذي أُسس بصفته صندوق نفع عام.

لماذا لم يختر الآخرون استخدام هذا الهيكل؟ لدينا ثلاث فرضيات.

  1. قد يعتبره البعض نموذجاً غربياً. في الواقع، تسمح مرونة شركة التوصية البسيطة التقليدية لصندوق التأثير بإنشاء السمات الرئيسية لصندوق النفع العام عن طريق وضعها في العقد. وكما ذكرنا سابقاً، تؤدي هذه المرونة إلى إنفاق موارد كبيرة فيما يتعلق بعمليات تدقيق المستثمرين لصناديق الاستثمار المؤثر، وتكاليف كبيرة في صياغة تلك المستندات القانونية والتفاوض بشأنها، بالإضافة إلى فتح الباب أمام عمليات الغسل الأخضر، سواء الفعلية أو المزعومة. بمعنى آخر، يمكن لصندوق النفع العام أن يخفض التكاليف ويوفر الضمانات من خلال الجمع بين أفضل عناصر وضوح شركة النفع العام وصرامتها مع مرونة شركة التوصية البسيطة التقليدية.
  2. قد لا يكون نموذج صندوق النفع العام مناسباً لجميع صناديق التأثير، وبخاصة في حالته الحالية. كما ذكرنا سابقاً، يمكن إجراء تحسينات كبيرة على النموذج، حتى بعد تنفيذ هذه التحسينات قد لا يكون الهيكل المناسب للذين لديهم أساليب بديلة لتحقيق التأثير الاجتماعي والعوائد المالية. بإيجاز، لن يكون هيكل صندوق النفع العام مناسباً للجميع في منظومة الاستثمار المؤثر، ولكنه يقدم خطة توجيهية واضحة للمستثمرين ومدراء الصناديق الذين يرغبون في دمج التأثير الاجتماعي في صلب أنشطتهم الاستثمارية.
  3. ربما لم يكن مدراء الصناديق والمستشارون القانونيون والمستثمرون في منظومة الاستثمار المؤثر على علم بهذا الخيار. وربما اعتقد بعضهم أن استخدام صندوق النفع العام ليس ضرورياً نظراً لقدرتهم على تنفيذ شروطهم الخاصة في كل صندوق على حدة. لكننا نعتقد أن تحويل التركيز من نهج الصناديق المنفردة إلى نهج يركز على المعايير والممارسات المشتركة للصناديق المهتمة بالتأثير المتوافرة في نموذج صندوق الفوائد من شأنه أن يسرع التقدم المحرز عبر تسهيل إنشاء صناديق فعالة مهتمة بالتأثير توجه رأس المال نحو الشركات التي تسعى لتحقيق أهداف اجتماعية.

ماذا عن شركات الإدارة التي نُظِّمَت لكي تكون كيانات نفع عام؟

أنشأت بعض صناديق التأثير صناديق شركة التوصية البسيطة التقليدية لإثبات التزامها بموازنة العوائد المالية مع التأثير الاجتماعي، ولكنها شكلت واحدة على الأقل من شركات إدارة الصندوق بوصفها شركة ذات مسؤولية محدودة ذات نفع عام وفقاً لقانون ولاية ديلاوير (شركة ذات مسؤولية محدودة تعادل صندوق النفع العام وشركة النفع العام). بموجب هذا الهيكل، يتعين على شركة الإدارة إدارة الصندوق بطريقة تتفق مع اعتبارات النفع العام، حتى لو لم يكن للصندوق منافع عامة معلنة تهدف إلى تعزيزها.

يعد ذلك عملاً حسن النية لتوفير أساس قانوني لتحقيق العوائد المالية والأثر الاجتماعي مع تخفيف المخاطر المحتملة المرتبطة بتوفير آلية التنفيذ التي ذكرناها سابقاً. ومع ذلك، نعتقد أنه يحوّل حق التنفيذ من المستثمرين في الصندوق إلى أصحاب شركة الإدارة، ما يضعف كثيراً قدرة المستثمرين (ما لم يقض عليها) على ضمان وفاء مدير الصندوق بالتزامه بالسعي إلى تحقيق التأثير الاجتماعي إلى جانب العوائد المالية.

بالنسبة لنا، فإن قرار تشكيل شركة إدارة باعتبارها “شركة نفع عام ذات مسؤولية محدودة” بدلاً من جعل الصندوق صندوق نفع عام يسلط الضوء على الحاجة إلى تطويرات إضافية في الأساس القانوني ودعم البنية التحتية الاجتماعية لصندوق النفع العام. ومع تشكيل المزيد من صناديق النفع العام ووضع المعايير وأفضل الممارسات، يمكن تحقيق التوازن الصحيح بين مرونة شركة التوصية البسيطة التقليدية وصرامة شركة النفع العام ووضوحها.

ما الخطوات القادمة؟

يوفر نموذج صندوق النفع العام الوضوح والشفافية وآلية التنفيذ اللازمة لمعالجة المشكلات التي تعوق صناديق التأثير حالياً من خلال تعزيزه لصندوق التأثير التقليدي بميزات ساعدت في نجاح شركات النفع العام، ومع ذلك، من الضروري تطوير أفضل الممارسات والمستندات المعيارية والشهادات لكي تصل صناديق النفع العام إلى إمكاناتها الكاملة. ومع تطور بيئة عمل صناديق النفع العام، تستطيع هذه الصناديق أن تسرع آلية وضع المستثمرين المهتمين بالتأثير أموالهم في أيدي الذين يسعون إلى فعل الخير.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.