الثقة في المؤسسات المجتمعية المختلفة آخذة في التراجع. هذا ليس كلاماً نظرياً بل حقيقة، وأكدّه كبار الخبراء في مؤشر ثقة إيدلمان (Edelman Trust Barometer) ومؤسسة غالوب (Gallup)، والاستقصاء الاجتماعي العام الذي أجراه مركز نورك للأبحاث الاجتماعية في جامعة شيكاغو (NORC).
يشكل هذا التراجع المتزايد في الثقة مشكلة خطرة، فهو يؤدي إلى تآكل الديمقراطية التعددية الفعّالة، ويهدد الصحة العامة، ويجعل من المستحيل حل المشكلات الجماعية مثل التغير المناخي. الثقة في المؤسسات ضرورية لإنشاء العقد الاجتماعي الذي يحكم الديمقراطية ويسمح للمجتمعات والأمة بعقد اتفاقات مدنية مستدامة. لا تأتي الثقة من فراغ، بل تبدأ بالأفراد وتنتشر عبر شرائح المجتمع الواسعة.
لمؤسسات المجتمع المدني الأميركية دور مهم في هذا الصدد، مثل المؤسسات غير الربحية التي تعمل على تعزيز الكرامة والحقوق، والأوساط الأكاديمية التي تتيح المجال لدراسة القضايا اليومية، والمؤسسات المجتمعية التي تعمل على بناء الثقة في الانتخابات، يسهم جميعها في تنامي الثقة الاجتماعية أو تراجعها. تتطلب بناء الثقة أفعالاً تتماشى مع القيم، ولا تقتصر على التحدث عن الخطوات الضرورية فحسب، بل تنفيذها فعلاً.
كسب الثقة واستعادتها والحفاظ عليها مهمة معقدة بالنسبة إلى قادة مؤسسات المجتمع المدني، لكنها ممكنة وضرورية لتحقيق رسائلهم. عليهم أن يدركوا السياق الذي يبنون فيه الثقة بين مجموعات متنوعة من الناس، من الموظفين إلى الشركاء إلى الذين يقدمون لهم الخدمات وصولاً إلى المجتمع برمّته.
وما يزيد صعوبة المهمة وجود جهات فاعلة هدامة في المجتمع تقوّض الثقة عمداً وتحرض المجتمعات بعضها ضد بعض وتنشر المعلومات المضللة وتسخّر أدوات متطورة سريعة الانتشار لفعل أسوأ ما في وسعها. ولكي يتمكن قادة المجتمع المدني من معالجة التراجع المتزايد في الثقة واستخدام الثقة الاجتماعية لتوطيد أواصر المجتمع بدلاً من تقسيمه، يجب أن يكون القادة مجهّزين لذلك جيداً.
. .
بتمويل من مؤسسة روبرت وود جونسون فاونديشن (Robert Wood Johnson Foundation)، (الآراء الواردة في هذه المقالة لا تمثل بالضرورة آراء المؤسسة)، ألقى فريقنا في مؤسسة سبتفاير استراتيجيز (Spitfire Strategies) نظرة فاحصة على أبحاث العلوم الاجتماعية على مدار العشرين عاماً الماضية حول اكتساب الثقة واستعادتها، وأجرى مقابلات استمع فيها إلى أكثر من 25 قائداً حول عمليات بناء الثقة، وبحث دراسات حالة عدة لفهم عملية بناء الثقة واستعادتها على أرض الواقع. واستناداً إلى ما تعلمناه، أنشأنا دليلاً لقادة المجتمع المدني لكسب ثقة عالية على نحو مدروس ومستمر، بالإضافة إلى طرق استعادة الثقة عند اهتزازها.
فيما يلي 5 خطوات على القادة أخذها في الحسبان:
أولا، افهم الثقة الاجتماعية
الثقة الاجتماعية هي اعتقاد عام بأمانة الآخرين ونزاهتهم وجدارتهم، ويستند إلى مبررات قوية. والأهم من ذلك، الثقة عمياء، وهذا يعني أنها ليست عقلانية أو منطقية بالكامل، وتتطلب الأيمان بأن الناس، بمن فيهم الغرباء، سوف يتصرفون بدافع النزاهة والنية الحسنة. يريد الناس أن تحمي جماعات حقوق الإنسان حقوقهم الفردية إذا تعرضت للانتهاك، وأن تحاسب جماعات الدفاع عن البيئة المتسببين بالتلوث، وأن تحمي مؤسسات الصحة العامة صحة الناس وليس جيوب شركات الأدوية الكبرى.
ثانياً، حدد ما تعنيه "الثقة القوية" بالنسبة إلى مؤسستك وكيف تساعد على تحقيق رسالتها
احرص على أن يعرف العاملون في المؤسسة جميعهم، من الموظفين إلى مجلس الإدارة، ما الثقة القوية ودورهم في تعزيزها. على سبيل المثال، تُعلم مؤسسة بي مي كوميونيتي (BMe Community) "المؤسسات والأفراد تعريف ذوي البشرة السمراء والناس جميعهم من خلال تطلعاتهم وإسهاماتهم وليس من خلال الاختلافات والنظرة الدونية". تعني الثقة القوية في منظور مؤسسة بي مي تعريف الناس جميعهم من خلال مزاياهم وإسهاماتهم دائماً. ويتعين على موظفيها ومجلس إدارتها وشبكتها تحقيق ذلك الهدف.
ثالثاً، اعرف بوضوح المجموعات المتنوعة من الناس التي ترغب في بناء علاقات ثقة معها
يرغب القادة في كسب الثقة على المستوى الفردي وكذلك على مستوى المؤسسة من الموظفين وأعضاء مجلس الإدارة والشركاء والمجموعات في المجتمع الذي يعملون معه. خونتوس أفانفاموس (Juntos Avanzamos) شبكة من الاتحادات الائتمانية الملتزمة بخدمة المجتمعات اللاتينية والناطقة بالإسبانية ومجتمعات المهاجرين. تتيح شبكة اتحادات خونتوس أفانفاموس الائتمانية الخدمات المصرفية بغض النظر عن وضع الحصول على الجنسية. إذ تصمم خدمات مخصصة لعملائها وتزيل الحواجز الشائعة أمام الخدمات المصرفية من خلال قبول أشكال بديلة لتحديد الهوية، مثل جوازات السفر، في حين لا يقبل العديد من البنوك الأخرى سوى الهوية الصادرة عن الولايات المتحدة. فهي تحتاج إلى ثقة كبيرة من موظفيها، والمجتمعات التي تعمل فيها مؤسساتها المالية، والبنوك التي تطمح لضمها إلى شبكتها، والقطاع المصرفي عموماً، وقطاع المستهلكين المهاجرين لكي تنجح في تحقيق رسالتها.
رابعاً، احصل على فكرة من داخل المؤسسة وخارجها عن مدى جدارة مؤسستك بالثقة، وما العيوب التي تحتاج إلى إصلاحها لرفع مستوى الثقة
تقدم مؤسسة ذا بارتنرشيب فور ببلك سيرفيس (The Partnership for Public Service) نموذجاً لتقييم الثقة، وهي لوحة معلومات تتتبع مستوى الثقة في الحكومة الأميركية، حيث تتتبع عمل الهيئات التي تتقن عملها مثل إدارة المتنزهات الوطنية التي حصلت على تقدير إيجابي بنسبة 84%، والتي ليست كذلك مثل إدارة الهجرة والجمارك الأميركية التي حصلت على تقدير إيجابي بنسبة 46%. وهي تطرح أسئلة تتعلق بالثقة، التي يجيب عنها كثير من الناس بالقول إن الحكومة الأميركية تهدر الأموال، وفاسدة، وتنقصها الكفاءة، ولا تستمع إلى الجمهور، ولا تعامل الناس بعدالة. صحيح أنه من الصعب على القادة سماع ذلك، لكن لوحة المعلومات هذه تقدم أفكاراً واضحة لتحسين الثقة الاجتماعية.
على القادة معرفة مستوى الثقة بانتظام، ابدأ بما لديك من إيجابيات. تتضمن بعض مؤشرات الثقة العالية التي تنصح الأبحاث بالبحث عنها ما يلي: الناس ليسوا عالقين في دائرة الحفاظ على البقاء فحسب، فهم يتجاوزون مساحتهم الشخصية ويلتمسون التعاون مع الآخرين ويظهرون استعداداً لاستقبال أفكار جديدة وتوسيع دائرة الأشخاص الذين يثقون بهم. يتجاوب معك الناس بكل انفتاح وتقبّل للتأثير. يشعر الذين يتفاعلون مع مؤسستك بالترحيب، ويمتلكون القدرة على المشاركة، ويشعرون بقدرتهم على المشاركة بطرق هادفة. الناس في مؤسستك وفي المجتمع متفائلون. ثمة شعور قوي داخل المؤسسة وخارجها بأن مؤسستك تضع المصلحة العامة فوق مصلحتها. عندما يدخل شخص ما إلى العيادة الصحية، يُسأل أولاً عن حالته وما المشكلة الصحية التي يعانيها وليس الدفع مسبّقاً مقابل الخدمات.
يحتاج القادة أيضاً إلى معرفة المجالات التي يواجهون فيها ضعف الثقة واهتزازها وانعدامها. فكلها تجعل العمل صعباً.
- يحدث ضعف الثقة عندما لا يعرف الناس الكثير عن المؤسسة أو القضية التي تعالجها، وهو ليس موقفاً سلبياً بل سمة إنسانية يجب توقعها. وقد يحدث ذلك عندما تعيّن المؤسسة رئيساً تنفيذياً جديداً.
- عدم الثقة يُظهر الشك، الناس متشككون ولديهم الكثير من الأسئلة. قد تواجه شريحة كاملة من المؤسسات أو القطاعات انعدام الثقة، والذكاء الاصطناعي من هذه الشريحة، فالناس لا يفهمونه تماماً. يقول بعض الناس إنه يمثل نهاية العالم؛ ويقول آخرون إنه سيساعدنا على إنشاء عالم أفضل، وبعض الناس لا يثق بمن أنشؤوه أو بطرق توظيفه. الذين يشعرون بضعف الثقة يكونون غالباً منفتحين على المعلومات الجديدة، أما الذين تنعدم الثقة لديهم فيرفضون المعلومات الجديدة في معظم الأحيان.
- انعدام الثقة أكثر ضرراً، إنه اعتقاد راسخ بأن مؤسسة أو فئة من المؤسسات، مثل المؤسسات العلمية، ليست جديرة بالثقة.
تشير الأبحاث إلى أن انعدام الثقة الاجتماعية يمثل مشكلة لأنه يخلق مشاعر سلبية قاسية مثل الاستياء واللامبالاة وخيبة الأمل والغضب، وذلك يؤثر سلباً في المجتمع ويجعل من الصعب على المؤسسات تحقيق أهدافها. يتجلى عدم الثقة في المزالق الاجتماعية التي يحجم فيها الناس عن فعل ما يعرفون أنه في مصلحتهم ومصلحة المجتمع. على المستوى المحلي، يعرف الناس أنهم جميعاً بحاجة إلى الحفاظ على المياه، لكنهم يرون جيرانهم يسقون حدائقهم، فيقررون استهلاك المزيد من المياه أيضاً. على المستوى الوطني، يعرف الناس أن النقل العام يحل الازدحام ويخفف من تداعيات التغير المناخي، لكنهم يعتقدون أن الآخرين لن يركبوا الحافلات أو القطار فيستخدمون سياراتهم الخاصة. على المستوى الدولي، يعرف الناس أن البلدان المتقدمة تسهم بدرجة كبيرة في إطلاق غازات الدفيئة، وبدلاً من الضغط على تلك الدول لفعل ما في وسعها، يبررون التقاعس عن العمل من خلال الإشارة إلى أن الدول الأخرى لا تفعل ما بوسعها.
تذكّر أن الثقة الاجتماعية متغيرة بحسب التاريخ والظروف الحالية، فوفقاً للأبحاث، تترك خيانة الثقة ندوباً في الذاكرة الجماعية. بالنسبة إلى الفئات التي تواجه التمييز مثل الأقليات وذوي البشرة السمراء والسكان الأصليين والنساء، تتطلب الثقة منهم قدراً كبيراً من المخاطرة وتعني التعرض للخطر. إذ تسببت الأنظمة الصحية في إلحاق ضرر جسيم بالمجتمعات في الماضي، ما أدى إلى انعدام الثقة في الأنظمة الصحية، والتردد مؤخراً في الحصول على لقاح كوفيد-19. قد يمثل انعدام الثقة أداة وقاية للذين اضطروا إلى حماية أنفسهم من المؤسسات المؤذية طوال حياتهم. لا تتعامل مع انعدام الثقة باعتباره سلوكاً سيئاً يحتاج إلى تصحيح، بل تعامل معه بصفته نتيجة لتجارب الناس واعمل على أن تصبح أكثر جدارة بالثقة من خلال معالجة الأسباب الجذرية للضرر والحرص على عدم إطالة أمده.
خامساً، تبنَّ أفضل الممارسات لكسب ثقة أكبر
عندما يعرف القادة نوع الثقة التي يريدون بناءها ومع من، بالإضافة إلى حالة ثقتهم الحالية، بوسعهم أن يعرفوا أين يجدون الفرص لكسب ثقة أكبر. بالاستفادة من الأبحاث وآراء الخبراء جميعها، يحدد دليلنا 10 توصيات مقسمة إلى ثلاث فئات:
- افعل ما تقوله. ذلك يعني التصرف بنزاهة ومعرفة القواعد الأخلاقية واتباعها ورفع المعايير الأخلاقية لإثبات أنها قائمة وبخير.
- قدّم أفضل ما لديك. أي الممارسات والسلوكيات التي من شأنها أن ترفع الثقة، مثل إثبات الكفاءة وإظهار ثقتك في الأشخاص الذين تخدمهم والترحيب بالمشاركة.
- تجنب الوقوع في المشكلات. أي السلوكيات والممارسات التي يجب تجنبها لأنها تؤدي إلى تآكل الثقة، مثل إخفاء مواطن عدم التوافق بدلاً من اتخاذ إجراءات ملموسة لإصلاحها.
إليك بعض التوصيات من كل فئة لتضعها في الحسبان.
لكي تتمكن من فعل ما تقوله، تحتاج المؤسسات إلى إعطاء الأولوية لمعرفة المعايير الأخلاقية واتباعها ووضع نماذج لها. الفرق بين المعايير الأخلاقية والقيم هو أن المعايير الأخلاقية هي توقعات لكيف يتصرف الناس والقيم هي المعتقدات الأساسية التي تؤدي إلى تلك المعايير. يتطلب تجسيد هذه المعايير الأخلاقية من المؤسسات ممارسة الارتقاء الأخلاقي، الذي يستند إلى العنصر النفسي في الثقة الاجتماعية. عندما يرى الناس الآخرين يطبقون معاييرهم الأخلاقية، أي كما يتوقعون منهم أن يتصرفوا، سيشعرون بثقة أكبر في الآخرين، ما يزيد من التعاون والسلوكيات الاجتماعية الإيجابية التي تفيد المجتمع برمته.
يقدم الطبيب الحاصل على درجة الدكتوراة والمدير الأسبق لمعاهد الصحة الوطنية (NIH) والمدير السابق لمشروع الجينوم البشري (Human Genome Project) فرانسيس كولينز مثالاً جيداً للارتقاء الأخلاقي. بعد إصدار تقرير مؤسسة ناشيونال أكاديميز (National Academies) حول التحرش بالنساء في الأوساط العلمية، خرج كولينز بإحدى الطرق الفورية والقابلة للتنفيذ تمكّنه هو وأمثاله في المناصب القيادية البارزة من تقديم المساعدة: تخلص من "لجان الرجال". انتشار اللجان التي تضم ذكوراً فقط أمر شائع جداً لدرجة وجود ألقاب متعددة لها في اللغة الإنجليزية، مثل مؤتمرات الرجال (manferences) وندوات الرجال (himposiums) ولجان الرجال (manels). تعهّد كولينز في تصريح علني بعدم التحدث في الاجتماعات أو المؤتمرات العلمية مع لجان لا تُظهر التزاماً بضم العلماء من جميع الخلفيات وطالب القادة العلميين الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه. حظي تصريح كولينز بالاهتمام على مستوى الولايات المتحدة نظراً لمكانته البارزة، وقال كولينز إنه يعتقد أن تصريحه دفع المزيد من الأشخاص إلى إعادة النظر في الذين يدعونهم للظهور في جلسات الحوار.
إحدى التوصيات لتقديم أفضل ما لديك، هي الإشارة إلى ثقتك بمجتمعاتك، وذلك لتزيد فرصة ثقتهم بك. الثقة تتطلب المعاملة بالمثل وتولدها أيضاً. إذا وثقت بك، فمن المرجح أن تثق بي والعكس صحيح. عندما يذهب طفلك إلى المدرسة، هل يمر عبر أجهزة الكشف عن المعادن؟ عندما تحتاج إلى مساعدة، هل يتعين عليك "إثبات" حاجتك إلى المساعدة عن طريق ملء النماذج؟ ثمة الكثير من القواعد والأنظمة والعمليات القائمة على افتراض أن الأشخاص سوف يغشّون أو يسيئون استخدام الموارد أو المساعدات، وأنه لا يمكن الوثوق بهم ولا يجدر ذلك. هذا الشك أو توقع عدم الثقة يمكن أن يتفاقم ويصبح جرحاً مفتوحاً وحتى دائماً في مؤسستك.
من الأمثلة الجيدة على ذلك مؤسسة منغوليا ماذرز ترست (Magnolia Mother’s Trust) أو اختصاراً إم إم تي (MMT) التي تبني علاقات ثقة متبادلة مع المشاركين في برنامجها. توفر مؤسسة إم إم تي للأمهات ذوات البشرة السمراء اللاتي يعانين انعدام الأمن المالي في مدينة جاكسون بولاية ميسيسيبي خدمات الدعم و1,000 دولار شهرياً مدة عام واحد، وتقرر الأمهات كيفية استخدام الأموال لأنهن أفضل من يعرف ما تحتاج إليه أسرهن. تثق مؤسسة إم إم تي بالأمهات. وفي المقابل، ذكرت الأمهات أنهن يشعرن دائماً باحترام الموظفين لهن. أدى ذلك إلى نشوء علاقات ونتائج إيجابية. وفقاً لتقرير التقييم الخاص بالمؤسسة لعامي 2022-2023، قالت إحدى المشاركات: "تحصل على تشجيع مستمر، ومساعدة بالموارد، ودعم نفسي، ومساعدة مالية، كل ذلك في آن واحد. هذا البرنامج مبني على الحب النقي".
لتجنب المشكلات، اعترف بأخطائك ولا تراوغ. ثمة مثل شائع يقول: "لا يمكنك الاختباء خلف إصبعك". ربما تجد مؤسستك نفسها في حالة عدم توافق بين قيمها المعلنة وأفعالك. يحدث ذلك عندما تقول إنك لن تسرح الموظفين نتيجة لنقص في الميزانية، ثم تجد نفسك مضطراً إلى التراجع عما قلت. في حال أخفقت مؤسستك في الاعتراف صراحة بحالة عدم التوافق هذه، فلن يؤدي ذلك إلا إلى زيادة تآكل الثقة مع الفئات المستهدفة المهمة. تمر المؤسسات في موقف حرج عندما تقرر إجراء تغييرات في أولوياتها المهمة أو التنازل عن سياساتها، أو حتى عدم اتخاذ موقف بشأن قضية ما. لنأخذ على سبيل المثال مؤسسة هيومان رايتس كامبين (Human Rights Campaign) أو اختصاراً آتش آر سي (HRC). في عام 2007، أخفقت مؤسسة آتش آر سي في استخدام قوتها في حشد التأييد لدعم حقوق الأقليات في تشريعات عدم التمييز في العمل، وذلك على الرغم من رسالتها الشاملة والتصريحات الداعمة التي أطلقها رئيس المؤسسة في ذلك الوقت. عندما أصبح تشاد غريفيث رئيساً للمؤسسة في عام 2012، قدّم اعتذاراً رسمياً نيابة عن المؤسسة. ثم قدّم خطة لحشد التأييد من أجل تشريع عام وشامل، وطلب أن يتحمل المسؤولية. واليوم، تواصل مؤسسة آتش آر سي التمسك بالتزامها تجاه قضايا الأقليات.
إذا تبين أن تصرفك أو قرارك كان خطأ، اعترف. فالناس يعلمون ما يحدث وإن لم يقولوا ذلك. قد يكون من الصعب في تلك اللحظات عدم اتخاذ موقف دفاعي أو تحويل التركيز من التأثير إلى النيات، ولكن في هذه اللحظات توجد فرصة حقيقية لبناء الثقة.
ليس ثمة وقت أفضل للمشاركة في بناء الثقة من الآن. اسأل نفسك وفريقك: هل ما نفعله اليوم وهذا الأسبوع وهذا العام يعزز الثقة أو يؤدي إلى تآكلها؟ لديك منصب فريد ويمكنك استخدام سلطتك لجعل الثقة موطن قوة لمؤسستك لكي تحقق نتائج أفضل لمجتمعنا. إن الالتزام بسلوكيات وممارسات ملموسة يُكسب الثقة، وتحمّل مسؤولية النتائج من شأنه أن يساعد على استعادة الثقة ورفع مستوى الثقة الاجتماعية. تخّيل إمكانات ذلك العالم.
"تجديد الثقة: دليل المجتمع المدني لمعالجة تراجع الثقة: (Replenishing Trust: Civil Society’s Guide to Reversing the Trust Deficit) من تأليف كريستين غريم، وكلير دي ليون، ومايكل كروفورد، وديانا تشون من مؤسسة سبتفاير استراتيجيز (Spitfire Strategies)، يمكن تنزيله من الرابط spitfirestrategies.com/trust.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.