كيف تزدهر الرائدات الاجتماعيات السعوديات؟

6 دقائق
shutterstock.com/The Road Provides

كانت أمنية في أواخر العشرينيات من عمرها ولديها وظيفة مستقرة في شركة دولية في جدة بالمملكة العربية السعودية عندما صادفت مصطلح الريادة الاجتماعية أول مرة. إذ تعرفت إلى الريادة الاجتماعية عبر صديقة لها كانت تدرس للحصول على شهادة الماجستير في هذا التخصص خارج البلاد. وبعد قضاء الكثير من الوقت في القراءة ومشاهدة مقاطع الفيديو حول هذا الموضوع، قررت أمنية أن تجرب حظها وتنشئ مؤسسة اجتماعية.

لم تكن تلك القفزة النوعية بالمهمة السهلة. فلم يكن محيطها من عائلة وأصدقاء يدرون بشيء عن الريادة الاجتماعية، وكان عليها أن تشرحها لهم مراراً وتكراراً. لم يتمكنوا من فهم سبب تركها وظيفتها ذات الأجر الثابت والبدء بما افترضوه مؤسسة خيرية. وكان عليها أيضاً أن تشرح عن الريادة الاجتماعية للممولين والمستثمرين المحتملين، وكانت بحاجة إلى إيجاد رواد اجتماعيين آخرين بهدف التعرف على شبكات الأعمال المناسبة للانضمام إليها.

كيف يمكن للرائدات الاجتماعيات الاستمرار وحتى الازدهار في مجتمعات غير غربية حيث ما تزال الريادة الاجتماعية في مهدها؟ بحثنا هذه الأسئلة بين عامي 2014 و2019 في أطروحة دكتوراة في الإدارة والتمويل في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن. حيث درسنا رواداً اجتماعيين من الإناث والذكور في المملكة العربية السعودية وركزنا على استفادتهم من رأس المال الاجتماعي والمعارف (تقابلها المحاباة والمحسوبية في الغرب). وتابعنا في عام 2021 الرواد الاجتماعيين الذين درسناهم.

وتوصلنا إلى أن الرائدات الاجتماعيات السعوديات يواجهن عوائق كبيرة أمام تنمية مشاريعهن، لكن يمكنهن استغلال بعض المزايا التي لا يتمتع بها نظرائهن من الرجال من خلال العلاقات الاجتماعية العميقة مع العائلة والأصدقاء المقربين. ويمكن أن يقدم بحثنا المساعدة للجهود المبذولة لدعم الرائدات الاجتماعيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك في أماكن أخرى من العالم حيث تواجه النساء ظروفاً اجتماعية مماثلة.

المعارف ورأس المال الاجتماعي

لم ترتفع في المملكة العربية السعودية نسبة المشاركة في الريادة الاجتماعية على نحو كبير في السنوات الخمس الماضية، إذ بقي عدد المؤسسات الاجتماعية ثابتاً عند قرابة 2,597 إلى 3,000 مؤسسة. حيث توجد حالياً مؤسسة غير ربحية واحدة لكل 10,000 شخص في المملكة العربية السعودية. وفي المقابل توجد في كندا والولايات المتحدة مؤسسة واحدة لكل 50 شخصاً، ومؤسسة واحدة لكل 200 شخص في فرنسا. لكن المملكة العربية السعودية أبدت مؤخراً اهتماماً بتنمية هذا القطاع. ففي يونيو/حزيران 2021 وافق مجلس الوزراء السعودي على إنشاء المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي (NCNP)، الذي يشرف على تنظيم هذا القطاع. وحتى بوجود الدعم الحكومي تواجه الرائدات الاجتماعيات عقبات كبيرة مثلهن مثل نظرائهن على مستوى العالم.

وتوصلنا إلى أربعة تحديات عامة على وجه التحديد. أولاً، تحظى الرائدات الاجتماعيات بموارد أقل من نظرائهن من الرجال بسبب احتكاكهن المحدود مع الأوساط الاجتماعية خارج الأسرة. فللنساء وجود أقل من الرجال في شبكات الأعمال التقليدية ونتيجة لذلك لا يستطعن الحصول على البيانات من تلك الشبكات. كما تضم شبكات النساء عدداً ضئيلاً من رواد الأعمال وتفتقر إلى التنوع. وتشعر النساء بالحاجة إلى بذل جهود كبيرة والعمل بجدية أكبر لكسب ثقة المستثمرين والجهات الراعية واحترامهم.

ثانياً، يعد الدعم المقدم من العلاقات القوية للرائدات الاجتماعيات عاملاً أساسياً لنجاحهن. ونقصد بالعلاقات القوية هنا العلاقات مع الأصدقاء المقربين وأفراد الأسرة الذين يتفاعل معهم الفرد على نحو دائم على أساس الثقة المتبادلة، وترتكز على الروابط الوجدانية العميقة. وتعد العلاقات القوية مصدراً لإيجاد موظفين، وتؤمّن وصولاً غير رسمي إلى رأس المال من الأصدقاء وأفراد الأسرة، وتوفر الدعم الاجتماعي والبيانات المهمة التي غالباً ما تكون متاحة فقط من خلال العلاقات المبنية على الثقة العالية.

وللدعم المقدم من الأسرة وبخاصة من الزوج كبير الأثر في نجاح الرائدات الاجتماعيات. فعلى سبيل المثال، عادة ما يشكل الآباء أو الأزواج أو أفراد الأسرة الآخرون المصادر التقليدية لتمويل رائدات الأعمال السعوديات، وهم يقدمون غالباً رأس مال كافياً لمشاريع الأعمال الصغيرة. لذلك يرتبط تقدم المرأة في المجتمع السعودي ارتباطاً وثيقاً بالدور الداعم لأسرتها وعائلتها الأوسع.

ومن المفارقات أن بعض المشاركات ذكرن الأسرة بصفتها عقبة رئيسة أمام النمو، في حين تراها أخريات من أهم العوامل التي تسهم في النمو. ويعتمد الفرق بين المرأة والرجل في العائلات على عدة عوامل مثل مستوى التعليم والطبقة الاجتماعية والاقتصادية والخلفية الحضرية أو الريفية. على سبيل المثال، أوضحت اثنتان من اللاتي كانت لهن تجربة في إنشاء مؤسسات اجتماعية، إحداهما تركز على البطالة بين الإناث والأخرى على مكافحة هدر الطعام، أن أسرتيهما دعمتا تعليمهما العالي عبر المنح أو الحصول على شهادة الماجستير في الريادة الاجتماعية وأظهرتا تفهماً وإيماناً بعمل ابنتيهما كرائدة اجتماعية. حيث قالت إحدى الرائدات الاجتماعيات: "آمنت عائلتي بصواب أن يكون لديّها ابنة تساعد المجتمع، حتى لو لم تتقاضَ راتباً جيداً، وشاركهم زوجي في هذا الرأي".

والعكس كان صحيحاً بالنسبة لاثنتين أخريين من الرائدات الاجتماعيات، إحداهما يركز عملها على الفئة الشابة والأخرى على بطالة الإناث، حيث واجهتا معارضة من أسرتيهما واعتمدتا على علاقات أضعف للتمويل وأشكال أخرى من الدعم. إذ كافحتا بشدة من أجل نمو أعمالهما نتيجة لذلك.

ثالثاً، تتلقى الرائدات الاجتماعيات دعماً أقل من علاقاتهن الضعيفة مقارنة مع الرواد الاجتماعيين الذكور. ونعني بالعلاقات الضعيفة المجموعة المتنوعة من الذين يقعون خارج دائرة العلاقات القوية ولكنهم قد يقدمون رأس المال والدعم، مثل العملاء والموردين والمؤسسات المالية، وجميعهم يتعاملون معهن على نحو غير منتظم وغير مستمر. وبالتوافق مع النتائج الأخرى المتعلقة برائدات الأعمال، تستمد رائدات الأعمال السعوديات ثقتهن ودعمهن من أفراد الأسرة مع الاستمرار في مواجهة العديد من التحديات بشأن الحصول على التمويل. في المقابل، يواجه الذكور السعوديون ضغوطاً بسبب نظرة الأسرة والمجتمع للريادة الاجتماعية ومدى ملاءمتها لمعيل أسرة كمصدر رزق. وذلك لأن بعض عائلات الرواد الاجتماعيين الذكور تعدّ الريادة الاجتماعية عملاً خيرياً. حيث قال لنا رائد اجتماعي: "لا تفهم عائلتي سبب رغبتي في إنشاء مؤسسة اجتماعية لا تربح الكثير وتركز على توظيف النساء". وفي هذه الحالة يجد الذكور أنه من الأسهل التواصل عبر العلاقات الضعيفة.

رابعاً، ثبت لدينا أن المعارف شكل مهم من أشكال رأس المال الاجتماعي للرائدات الاجتماعيات. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكن للاستفادة من المعارف أن تتغلب على التحيز ضد المرأة في المجتمعات التي يهيمن عليها الذكور، ما يتيح للمرأة فرصاً أفضل للتقدم. من ناحية أخرى، قد يؤدي الافتقار إلى المعارف إلى إحباط نجاح الأفراد بنفس الطريقة التي يعيق بها الافتقار إلى العلاقات والتوجيه في الدول الغربية.

تذليل العقبات

بناءً على النتائج التي توصلنا إليها، نقدم أربع توصيات لمساعدة الرائدات الاجتماعيات في المملكة العربية السعودية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأماكن أخرى يواجهن فيها ظروف مماثلة. أولاً، ثمة حاجة شديدة عند الرائدات الاجتماعيات الطموحات إلى شبكات دعم لتحقيق النجاح. للبنية الاجتماعية للمجتمع الذي تعيش فيه الرائدة الاجتماعية، وكذلك الطريقة التي تتواصل بها مع مجتمعها كبير الأثر في مدى دعم رأس المال الاجتماعي الذي تستند إليه النساء لبدء أعمالهن التجارية. كما يحد عجزهن على الوصول إلى المستثمرين وهيئات التمويل وشبكات الأعمال والأحداث التي تقيمها الشبكات الاجتماعية من فرصهن في زيادة رأس المال والموارد الأخرى الضرورية لنمو الأعمال التجارية. وينبغي للمسؤولين عن العمل الخيري تشجيع تشكيل شبكات نسائية من خلال ربطها بالجمعيات والمؤسسات الخيرية المهمة، لا سيما تلك التي تعدّ تمكين المرأة من أولوياتها.

ثانياً، يجب على الرائدات الاجتماعيات وداعميهن تناول العلاقات الأسرية على نحو استراتيجي. إذ تشكل الأسرة عقبة عندما لا تستطيع المرأة منح الوقت والاهتمام اللازمين للعمل و(أو) لا تستطيع السفر بسبب الالتزامات العائلية ومسؤوليات رعاية الأطفال. لكن الموقف الإيجابي للأسرة والزوج، بالإضافة إلى دعمهما المعنوي، من شأنهما أن يساعدا النساء في تحقيق أداء ناجح ونتائج إيجابية.

ثالثاً، تعيين المزيد من النساء في المناصب القيادية ذات الصلة بالعمل الاجتماعي من شأنه أن يساعد الرائدات الاجتماعيات في الحصول على دعم أكبر وعلى زيادة قدرتهن على الوصول إلى شبكة علاقات تقدم هذا الدعم. عانى الرواد الاجتماعيون من الذكور والإناث من العقبات الاجتماعية والثقافية المتعلقة بالفرق بين المرأة والرجل، مثل نظرة المجتمع لمدى ملاءمة هذا المجال لهم، وقدرتهم على الحصول على التمويل، وقدرتهم على التواصل مع الهيئات الحكومية. كما ذكر الرواد الاجتماعيون موضع الدراسة بشكل خاص كيف أثّر الفرق بين المرأة والرجل في قدرتهم على تطوير العلاقات مع عملائهم ومورديهم والبنوك التي يتعاملون معها.

تعتقد النساء أن رحلتهن في هذا المجال كانت ستكون أسهل مع عدد أقل من الحواجز الثقافية. فعلى سبيل المثال، اشتكت الرائدات الاجتماعيات من عدم تمكنهن من حضور العديد من أحداث شبكات التواصل مثل الرجال. حيث تجد النساء صعوبة في التواصل، لأن الرجال يشغلون العديد من المناصب العليا في الحكومة والقطاع الخاص. وهذا يعني أن الرواد الاجتماعيين الذكور لديهم فرصة أفضل للوصول إلى شبكات أكبر وتعزيز علاقاتهم الضعيفة. وفي حال كان عدد النساء جيداً في المناصب القيادية في المؤسسات الخيرية وغير الربحية والهيئات الحكومية ذات الصلة بالمؤسسات الاجتماعية، فقد يكون من الأسهل على الرائدات الاجتماعيات التعامل معها.

رابعاً، يشكل الحصول على معارف في الريادة الاجتماعية أداة للتغلب على التحديات المفترضة. لأن النساء وجدن أنه من الأفضل تلقي الدعم الأسري لمشاريعهن، حيث سهل عليهن ذلك الوصول إلى العلاقات القوية وإلى المعارف من هذه العلاقات القوية. ومن ناحية أخرى، لم يحظ الرواد الاجتماعيون الذكور بالقدر نفسه من الدعم من العلاقات القوية ولكن كان لديهم وصول أسهل إلى العلاقات الضعيفة، وكذلك المعارف من العلاقات القوية والضعيفة على حد سواء. كما لم يواجه الرواد الاجتماعيون من الذكور أي مشكلة في استخدام رأس مالهم الاجتماعي، حيث تمكنوا من دخول المباني الحكومية المؤلفة بالكامل من الذكور، في حين كان على الإناث استخدام الهاتف أو البريد الإلكتروني للوصول إلى بعض الموظفين الحكوميين الذكور.

تُعد الانتماءات القبلية والعائلية في العالم العربي عوامل مهمة للقدرة على استخدام المعارف. ومع أن الذين يستثمرون في بناء المنظومة الاجتماعية قد لا يكونون قادرين على التأثير في العلاقة بين الرائدات الاجتماعيات والمعارف الخاصة بهن، فإن زيادة الوعي بالريادة الاجتماعية عبر وسائل الإعلام قد تشجع معارف هؤلاء النساء على تقديم الرعاية وأنواع أخرى من الدعم لهن.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي