يأتي كأس العالم 2022 بحلة جديدة وسط الكثير من التحديات، بينما وضع الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، خطة واضحة حتى تكون المرة الأولى التي تقام البطولة الأضخم على أرض عربية تجربة فريدة.
وتركز هذه النسخة من البطولة على أن تكون فيها المرافق والفعاليات مترابطة بطريقة تضمن المحافظة على البيئة، مع تعزيز روح الابتكار وتفعيل برامج المسؤولية الاجتماعية.
اهتمام فيفا بالمسؤولية الاجتماعية
يعمل الاتحاد الدولي لكرة القدم على تحسين حياة الناس في جميع أنحاء العالم من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية الخاصة به، كما يتعاون مع الحكومات ووكالات التنمية العالمية والإقليمية، ومؤسسات حقوق الإنسان، والمؤسسات الدولية والمحلية غير الربحية واللاعبين السابقين لتعزيز مجتمع أكثر عدلاً ومساواة من خلال كرة القدم.
ومنذ عام 2005، شهد نهج فيفا تجاه مسؤوليته الاجتماعية تحولاً مهماً، منتقلاً من دور خيري تقليدي يتمثل بدعم الأنشطة الإنسانية وتقديم تبرعات خيرية، إلى دور مؤثر وأكثر التزاماً ومسؤولية، يتجسد في عدد من الحملات التي أطلقها الاتحاد بهدف مناهضة العنصرية، وترسيخ ثقافة الروح الرياضية، وبث الأمل من خلال كرة القدم في المجتمعات المهمشة.
وبالتزامن مع انطلاق كأس العالم 2022، اعتمد الاتحاد الدولي لكرة القدم، في أغسطس/آب الماضي، ثلاثة برامج للمسؤولية الاجتماعية، وهي تحفيز المتطوعين، ومنصة هيا، ورفاهية الجماهير
المسؤولية الاجتماعية في كأس العالم 2022 بقطر
نظراً للتأثيرات الكبيرة للأحداث الرياضية الضخمة على الدول المضيفة، سعت اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر، لتسخير التأثير الإيجابي لكرة القدم حتى تحفز التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وذلك من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية، ودعم المبتكرين، ورعاية العمال، فضلاً عن إطلاق مبادرات رامية إلى تعزيز التواصل المجتمعي الهادف.
الجيل المبهر
انطلق برنامج الجيل المبهر، بمشاركة عدد من السفراء والمتطوعين ونجوم كرة القدم، منذ فوز قطر باستضافة كأس العالم 2022؛ بهدف استغلال كرة القدم من أجل تحقيق التأثير الإيجابي في المجتمعات، وتغييرها إلى الأفضل.
ونجح البرنامج بالفعل في الانتشار داخل قطر وخارجها، حيث تشمل أنشطته كلاً من البرازيل وروسيا والأردن وسلطنة عُمان ولبنان ونيبال والهند وباكستان والفلبين وهايتي والمملكة المتحدة وسوريا ورواندا، بينما بلغ عدد المستفيدين منه حوالي مليون شخص، إذ استهدف بناء وتجديد 34 ملعباً لكرة القدم في المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية والمناطق المهمّشة والفقيرة، كما أسس سبعة مراكز اجتماعية لدعم مهمته في دعم الضحايا هذه الكوارث.
وينظم الجيل المبهر، عدة برامج لتعزيز رؤيته المتمثلة في استخدام كرة القدم لغرس منظومة القيم، وهي: نادي الجيل المبهر المجتمعي، ومهرجانات الشباب، وبرنامج سفراء الشباب، وبرنامج كرة القدم من أجل التنمية.
تحدي 22
منذ فوزها باستضافة كأس العالم 2022، استعدت قطر لتترك أثراً مستداماً من خلال التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية، والبيئية، عن طريق رؤية تشمل الشباب والمبدعين. ومن هذا المنطلق، فقد بدأت النسخة الأولى من "تحدي 22" عام 2015 لاستثمار شعبية كرة القدم وبطولة كأس العالم، لتشجيع ثقافة الابتكار وتبني أفكار جديدة من إبداع الشباب العربي، مع الأخذ بالاعتبار دور ريادة الأعمال في دعم مستهدفات المسؤولية الاجتماعية. وهذا ما أكدته دراسة سعودية بعنوان "دور ريادة الأعمال في تحقيق المسؤولية الاجتماعية"، حيث أثبتت تأثير ريادة الأعمال والابتكار في البحث عن الفرص الموجودة بالبيئة، وقدرتها على تقديم مشاريع وأفكار جديدة مستشرقة للمستقبل، يمكنها العمل على تعظيم العوائد الناتجة عنها مما يسهم في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع.
ويسعى المشاركون في تحدي 22، إلى التوصل لحلولٍ عملية يمكنها أن تسهم في تحسين حياة المجتمعات العربية، وتحقيق التنمية المستدامة في كل دول المنطقة. كما يعد هذا التحدي فرصة أمام العقول الشابة لإظهار قدراتها إلى العالم خلال فترة كأس العالم 2022، الذي يجذب كل الأنظار إليه.
رعاية العمال
رعاية العمال والموظفين باتت محوراً مهماً ضمن محاور المسؤولية الاجتماعية التي لا تقتصر على البيئة الخارجية، ولكن يجب الاهتمام بالعاملين أيضاً، ومن هنا أطلقت قطر مبادرة رعاية العمال التي تخضع لمعايير رعاية العمال التي وضعتها اللجنة العليا عام 2014.
وتستهدف المبادرة ضمان حصول كل عامل في مشاريع كأس العالم 2022، على أعلى معايير الصحة، والسلامة، والرفاهية، والأمن، كما تسعى إلى الحفاظ على هذا النهج بعد انتهاء البطولة العالمية.
ومن أجل الالتزام برعاية العمال، أجرى فريق البرنامج عمليات تدقيق وتفتيش ربع سنوية بلغت 4,772 عملية حول ممارسات التوظيف الأخلاقي، و2,436 عملية تفتيش على مواقع العمل الخاصة بمشاريع كأس العالم، و1,614 عملية شملت أماكن سكن العمال، فيما أجرى مقابلات مع العمال؛ بهدف ضمان امتثال المقاولين بمعايير رعاية العمال.
ونفذ البرنامج، عدة استراتيجيات للحد من تأثير الإجهاد الحراري، ويجري حالياً إصدار 50 ألف بدلة، و20 ألف قناع وجه للعمال في مشاريع كأس العالم؛ من أجل تبريد الرأس وتحسين جودة الهواء عبر تنقيته من ذرات الغبار المتطايرة في الجو.
منتدى التمكين
كان الالتزام بتمكين أصحاب الهمم، من أجل الوصول إلى كافة مرافق بطولة كأس العالم والاستمتاع بها في صميم عمل اللجنة العليا للمشاريع والإرث. ومنذ بداية التخطيط للبطولة، أقامت منتدى التمكين، وذلك بهدف الاستعانة بآراء واقتراحات أصحاب الهمم، وأكثر من 30 مؤسسة تمثلهم، لتقييم خطط الاستعداد لانطلاق البطولة، وكيفية تحسين الوصول إلى مرافق البنية التحتية. وواصل فريق العمل عن قرب مع مختلف الجهات الحكومية في قطر، لضمان انسيابية خطوات التمكين، وذلك حتى تكون فرص الاستمتاع بالبطولة متاحة للجميع.
وشهد المنتدى على مدار السنوات الماضية، مشاركة أصحاب الهمم في تصميم ملاعب البطولة ومرافقها، مع توظيف أفضل الممارسات التي تؤكد أهمية إسهاماتهم في وضع التصاميم للخدمات والمساحات المخصصة للمشجعين.
تأسيس معهد جسور
في عام 2013، استوحت اللجنة العليا للمشاريع والإرث، فكرة تأسيس معهد جسور من ضرورة إدخال قطاعات جديدة مستدامة ودعم تعليم وتدريب القطريين لتطوير مواهبهم ومهاراتهم، ما ينعكس على بالضرورة على بناء اقتصاد قوي. ويسعى المعهد إلى جعل الرياضة صناعةً مستدامة في انحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وضع المعهد عدة أهداف، بالتزامن مع انطلاق كأس العالم في قطر، تعتمد على تنمية مواهب الأفراد وتطوير مهارات الاختصاصيين، وبالتالي، المساهمة في نمو قطاع الرياضة وتنظيم الفعاليات.
وبعد مرور عقد من الزمن، استطاع معهد جسور تقديم مجموعة من البرامج التعليمية في إدارة الرياضة وإدارة الفعاليات والمجالات ذات الصلة إلى أكثر من 4 آلاف مشارك من الوطن العربي والعالم. كما أطلق برنامجي الدبلوم المهني في إدارة الرياضة وإدارة الفعاليات الكبرى، ليكونا حجر الأساس في التعليم الذي يوفره المعهد.