يزداد تعقّد المشكلات والتحديات التي تواجه العالم، ليزداد معها الدور الحيوي للمؤسسات الخيرية في صناعة التغيير، بدءاً من تحقيق العدالة الاجتماعية وانتهاءً بحماية البيئة، لكن لتسهم تلك المؤسسات في خلق عالم أفضل تحتاج إلى محتوى مُقنع قادر على إيصال رسالتها إيصالاً فعّالاً وإشراك الجمهور. وهنا تأتي قوة الكتابة. يقول الكاتب الشهير جورج برنارد شو: "الاستثمار في التواصل يولّد النتائج؛ سواء كنت تروّج للصودا أو للتغيير الاجتماعي. المشكلة الأكبر في التواصل هي الوهم بحدوثه". فالتواصل أمر أساسي لإحداث التغيير الاجتماعي، ودون رسالة واضحة ومقنعة؛ سيكون من الصعب على المؤسسات الخيرية إشراك جمهورها. ما يجعل الكتابة الفعّالة أداة جوهرية لتعبّر المؤسسات عن رؤيتها وأهدافها واستراتيجياتها بطريقة يسهل الوصول إليها وفهمها لجمهورها المستهدف.
تضمن الكتابة الفعالة توظيف كل كلمة وجملة لنقل غرض المؤسسة الخيرية وقيمها بطريقة تلقى صدى لدى جمهورها، سواء كان ذلك من خلال الموقع الإلكتروني، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو حملات البريد الإلكتروني، أو غيرها من أشكال التواصل.
ومهما كان الأمر يتعلق سواء بطلب الحصول على مِنح أو صياغة نداء لجمع التبرعات، أو إنشاء قصص ملهمة ذات تأثير، أو إعداد التقارير السنوية، فإن الكتابة هي أداة رئيسية للمؤسسات الخيرية في تحقيق 4 أمور أساسية:
1. جذب المزيد من المانحين
لن يُكتب لأي مؤسسة خيرية النجاح دون مشاركة المانحين ودعمهم، لأن المِنح تساعد هذه المؤسسات على تجاوز عقبات التمويل والدعم المادي اللازم لقضيتها. لذا يمكن أن تكون الكتابة أداة قوية لجذب المانحين المحتملين من خلال إنشاء محتوى مقنع يلقى صدى لديهم.
يتكون الجزء الأكبر من كتابة المنح من صياغة مقترح مقنع، يلخص أفكار المؤسسة وأهدافها الرئيسية، ويقدّم نظرة سريعة وواضحة حول خططها والطرائق التي يمكن أن يستفيد بها المانحون من الدعم.
ما يجعل كتابة المنحة أمراً صعباً جداً هو أن كل ممول يبحث عن شيء مختلف عن مقترح المنحة، فالتكوينات السردية، وشكل تقديم المعلومات قد يختلف بدرجة كبيرة من ممول إلى آخر، لكن معظم الممولين يريدون رؤية العناصر الأساسية نفسها في المقترح وهي:
- ملخص يقدم نظرة عامة موجزة عن المنحة مع معلومات حول المؤسسة وغايتها من المنحة وقدرتها على إنجاز المشروع المُقترح.
- وصف للمؤسسة وخدماتها من حيث المهمة أو القضية التي تعمل عليها والموقع والتركيبة السكانية للفئة المستهدفة. فتقديم مثل هذه الخلفية التنظيمية سيساعد على بناء الثقة والمصداقية لدى المانحين.
- استخدام بيانات واضحة لتحديد المشكلة التي تسعى المؤسسة لمعالجتها وربطها بأهداف المانحين.
- تحديد النتائج والفوائد المتوقعة من المشروع المقترح.
- توضيح كيفية تخصيص التمويل المقترح، ومدى ملاءمته مع الخطة المالية العامة للمؤسسة.
- شرح خطة المؤسسة لتقييم المشروع وقياس مدى نجاحه.
وترتبط الكتابة الفعالة للمنح أيضاً بالبحث عن المانحين المحتملين الذين لديهم أهداف مماثلة للمؤسسة، والتركيز على إدارة مقترحات المنح النشطة، وإعداد التقارير حول كيفية استخدامها.
2. نداء مقنع لجمع التبرعات
تعد التبرعات أيضاً عنصراً أساسياً في عمل المؤسسات الخيرية، وعلى الرغم من تعدد الوسائل المتبعة في جمع التبرعات؛ فإن كتابة نداء التبرع بطريقة مقنعة يحفّز الناس على العطاء، من خلال صياغة رسائل تلامس مشاعرهم وقيمهم، وفي الوقت نفسه تسلط الضوء على مدى أهمية القضية التي تعمل عليها المؤسسة.
فقد يتخذ المتبرعون قرارات التبرع بناءً على معلومات محدودة غالباً أو استجابةً لدعوة قُدمت لهم بأسلوب ذكي، من هنا تأتي أهمية الكتابة الفعّالة في نداء جمع التبرعات، الذي لا يقتصر على جمع المال فحسب، بل يتعلق بخلق ارتباط بين المتبرعين والقضية أيضاً، ما يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من تنمية المجتمع.
إذ تساعد اللغة المقنعة والصور الحية والسرد المقنع على إبراز مدى إلحاح القضية التي تعمل عليها المؤسسة الخيرية، وإيصال تأثير عملها وإظهار النتائج الملموسة التي يمكن أن تحققها المساهمات في دعم هذه القضية، إذ كشفت إحدى الدراسات أن التبرعات تتجه إلى المؤسسات الخيرية التي تعتمد مقاييس سهلة الفهم وقابلة للمقارنة، وتحقق نتائج قابلة للإثبات.
ومع انتشار التكنولوجيا الحديثة، يمكن للمؤسسات الخيرية ضمان وصول محتواها الرقمي إلى الجمهور، عبر توظيف آلية تحسين محركات البحث واستراتيجيات مواقع التواصل الاجتماعي في الكتابة الفعّالة لنداء التبرع.
3. إعداد تقارير تبنّي الثقة والمصداقية
إن استمرارية عمل المؤسسات الخيرية مرهون ببناء الثقة والمصداقية مع الجمهور والجهات المانحة وأصحاب المصلحة على المدى الطويل، إذ بيّن 71% من المتبرعين المشاركين في استطلاع العطاء العربي عام 2015 أنهم سيوقفون تبرعاتهم إلى المؤسسات الخيرية التي لا توضح كيفية إنفاق الأموال والجهات المستفيدة منها، وكذلك أصبح 76% من المانحين يطالبون تلك المؤسسات باعتماد الشفافية في الإفصاح عن نتائج أعمالها، وتقديم أدلة تؤكد مدى فعاليتها.
بالتالي، من خلال استخدام المعلومات الواقعية، والمصادر الموثوقة، واللغة الشفافة، والوسائل المرئية، ورواية القصص الناجحة في كتابة التقارير السنوية، يمكن للمؤسسات الخيرية أن توصل رسالتها وتحدياتها وأهدافها بطريقة واضحة وسهلة الفهم، وتنقل قيمها وإنجازاتها ومدى التزامها بقضيتها، فالكتابة الفعّالة في التقارير لا تقتصر على نقل المعلومات فحسب، بل تتعلق بإنشاء سرد مقنع يلهم الأشخاص ليصبحوا جزءاً من رحلة المؤسسة أيضاً.
4. التوصل إلى حلول مبتكرة المشكلات
عادةً ما تلجأ المؤسسات إلى جلسات العصف الذهني من أجل التوصل إلى حلول للمشكلات المجتمعية لكن ما مدى فعالية هذه الجلسات؟ وهل يحصل الجميع على فرصة لمشاركة آرائهم، أم أن الأشخاص ذوي الأصوات العالية يهيمنون على المناقشة؟
عندما يقتصر التركيز على الأصوات الأكثر ثقة فقط، فقد تخسر المؤسسات الخيرية أفكاراً أكثر ابتكاراً وإبداعاً، لكن للتأكد من حصول الجميع على جلسة استماع عادلة يمكن استخدام الكتابة الذهنية (Brainwriting) بدلاً من العصف الذهني.
تُعد الكتابة الذهنية طريقة إبداعية لحل المشكلات يمكنها مساعدة المؤسسات الخيرية على توليد عدد كبير من الأفكار بسرعة وكفاءة، إذ تتضمن مشاركة الجميع في كتابة أفكارهم على الورق أو عبر الإنترنت وليس مناقشتها شفوياً وتمريرها إلى الآخرين للحصول على تعليقات وتحسين، وبذلك تضمن المؤسسة الحصول على أفكار أكثر ابتكاراً وجودةً والحد من التحيز المعرفي وتأثير المشاركين المهيمنين، وكذلك تعزيز المشاركة والتعاون بين الأشخاص الانطوائيين والخجولين.
ونذكر هنا قصة انهيار منجم تنقيب عن الذهب في تشيلي عام 2010 ليحتجز بداخله 33 عاملاً مدة 69 يوماً ثم أُنقذوا بواسطة أداة حفر اقترحها أحد المتطوعين عبر منصة إلكترونية مخصصة لاقتراح حلول مبتكرة لأزمة العمال.
إذا كانت المؤسسات الخيرية تريد حقاً إيصال إنجازاتها وتأثيرها إلى أصحاب المصلحة والجهات المانحة والمجتمع الأوسع وتحفيزهم على المشاركة في عملها، فلا توجد أداة أقوى من الكتابة الفعّالة.