يرتبط تطور القطاع غير الربحي وتنميته بالبحث في أسباب عزوف الشباب عن العمل الخيري ومعالجتها، لأن التركيز على مشاركة هذه الفئة بالتحديد يضمن فتح آفاق جديدة للحلول المجتمعية.
يقترح هذا المقال أربعة إجراءات كفيلة بالمساعدة في رأب الصدع بين الشباب والأعمال التطوعية تتمثل أساساً في (1) إطلاق برامج توعوية لتشجيع الشباب على المشاركة المجتمعية، و(2) دمج مفهوم التطوع والعطاء في المناهج الدراسية والأنشطة المدرسية اللاصفية، و(3) غرس مفهوم العطاء في سن مبكرة وهو دور منوط بالأسرة، ثم (4) استثمار ارتباط الشباب بالتكنولوجيا لتشجيعهم على الانخراط في العمل الخيري.
وتساعد ثقافة العطاء القائمة في المنطقة العربية في تحقيق هذا الهدف؛ فقد دخلت 13 دولة عربية ضمن مؤشر العطاء العالمي عام 2017 الذي يقيس عطاء الأفراد في 139 دولة من حيث المال والوقت ومساعدة شخص غريب، واحتلت دولة الإمارات مثلاً المرتبة التاسعة في التصنيف. لكن تبقى مشكلة عزوف الشباب عن العمل الخيري بحاجة إلى عمل جماعي يبدأ بالتركيز على فوائد توظيف الطاقات الشابة في المؤسسات غير الربحية.
ما أهمية دمج الشباب في العمل الخيري؟
يمتلك الشباب سمات أكثر إبداعاً مثل الفضول وحس المغامرة، والتي يمكن أن تساعد في تغيير آلية عمل القطاع غير الربحي، من خلال تحديد الأولويات التي يحتاجها المجتمع، والتعبير عن آرائهم وأفكارهم حولها، والبحث في عيوب نظام الخدمات، ما يؤدي إلى تعزيز انتمائهم للمجتمع، وتحقيق الضبط الاجتماعي عبر الوقاية من الجريمة و القضاء على مظاهر الصراع والمنافسة بين الأفراد، وبحسب دراسة مصرية بعنوان: تصور مقترح لدعم ثقافة التطوع للشباب الجامعي لتحقيق الأمن المجتمعي من منظور طريقة تنظيم المجتمع، يعزز التطوع سلامة البناء الاجتماعي ويوجه سلوك الأفراد وطريقة تفكيرهم نحو الصالح الاجتماعي.
ومع ذلك، تتوقف مساحات تحرك الشباب أحياناً بالمنطقة عند نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو بعض المبادرات الضيقة، وذلك بسبب مجموعة من العوامل التي تقلل من دورهم في مجال المشاركة المجتمعية.
كيفية تشجيع الشباب على العمل الخيري
يصطدم الشباب بعدة معوقات تعترض مشاركتهم الاجتماعية، بعضها يتعلق بثقافة المجتمع السائدة، والآخر ناتج عن ممارسات خاطئة في عمل المؤسسات الخيرية والفرق التطوعية، ومن العوائق التي رصدتها دراسة جزائرية بعنوان: المعوقات التي تعترض مشاركة الشباب الجامعي في العمل التطوعي، عدم التوعية بأهمية العمل الخيري وقلة الورش والبرامج التدريبية القادرة على إعداد جيل جديد من المتطوعين الشباب، وقصور دور الإعلام في تسليط الضوء على الممارسات التطوعية والحث عليها.
وتعاني بعض المؤسسات الخيرية من ضعف في الموارد المالية وسوء التخطيط للمشروعات والفعاليات التطوعية، وتوكل مهام لا تناسب مؤهلات الشباب المتطوعين واهتماماتهم. ومن جهة أخرى، فإن الانغماس في ميدان العمل والدراسة يبعد الشباب عن ممارسات العمل الخيري، إذ يصعب عليهم تنظيم وقتهم بين التطوع والدراسة أو العمل.
ويجب تجاوز هذه العقبات؛ فحماس الشباب لمواجهة تحديات الوضع الراهن، ورغبتهم في التأثير والتغيير لا يكفي لتفعيل دورهم في القطاع الخيري، وإنما يجب إشراكهم بطريقة هادفة. فكيف ذلك؟
- تساعد برامج التوعية في تشجيع الشباب على المشاركة المجتمعية وتذكيرهم بأنها خيار مهم لبناء مستقبلهم، وربطهم بمزيد من الفرص والمؤسسات المناسبة للمساهمة في البرامج المجتمعية، ويمكن دفعهم لهذه الممارسات عبر احتساب ساعات التطوع ضمن معايير التوظيف، أو الحصول على ترقيات أو معدل أعلى في المدرسة والجامعة.
- يعزز دمج مفهوم التطوع والعطاء في المناهج الدراسية والأنشطة المدرسية اللاصفية قيمة الأعمال الخيرية منذ الصغر، فإلى جانب تركيز المدارس والجامعات على التجارب الناجحة في مجال الأعمال مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ، يمكن تسليط الضوء على مهاجر قرر مساعدة أقرانه الذين يعانون نفس المشكلات التي واجهها، والتأكيد أن التغيير المجتمعي لا يعني بلوغ الفرد سن معين، أو وصول رصيده المصرفي إلى رقم قياسي، وإنما يبدأ بمجموعة من الشباب ومؤسسة خيرية جيدة وبرامج اجتماعية مؤثرة.
- كلما ركزت الأسرة على غرس مفهوم العطاء لدى الأبناء في سن مبكرة؛ زادت فرص مساهمتهم في المجتمع خلال مرحلة الشباب، فالمشاركة المدنية التي بدأت خلال فترة المراهقة تنتقل إلى مرحلة البلوغ، ومن هنا تبرز أهمية الاستثمار في ربط الشباب بمزيد من الفرص المناسبة للمشاركة المجتمعية ليستمروا فيها مع تقدمهم في السن.
- يعيد ارتباط الشباب بالتكنولوجيا هيكلية العمل الخيري، إذ بدأت الطرق التقليدية للعطاء التي يفضلها المتبرعين الأكبر سناً بالاختفاء مع ظهور جيل الألفية وجيل زد الذي اكتسب أنماط وسلوكيات مبنية على التكنولوجيا، لذا عندما تخطط المؤسسات الخيرية لمشروع اجتماعي عليها البحث في الاتجاهات والمنصات التي تمكنها من البقاء في طليعة خيارات الشباب ونشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك معرفة أكثر القضايا التي تثير اهتمامهم للعمل عليها ومشاركتهم بها.
تتطلب مواجهة عزوف الشباب عن العمل الخيري تخصيص أكثر من مقعد لهذه الفئة على طاولة صنع القرار في المؤسسات غير الربحية والاستماع إلى أفكارهم وتقييمها وتقديرها ودمجها في البرامج والمبادرات المجتمعية.