قد يبدو التفكير في سلبيات التنمية المستدامة مسألة غريبة، لكن على الرغم من إسهام الحلول المستدامة في القضاء على الفقر وتعزيز الإنصاف الاجتماعي؛ فإن لها انعكاسات سلبية تتمثل بارتفاع تكاليفها وتسبّبها بفقدان الوظائف في بعض القطاعات، وتضييع بعض فرص الاستثمار بسبب متطلباتها.
أوجه انتقاد التنمية المستدامة
لا يمكن معالجة العديد من القضايا الإنسانية الكبرى، مثل تغير المناخ، وندرة المياه، وعدم المساواة، والجوع إلا من خلال حشد الجهود العالمية لتعزيز التنمية المستدامة؛ والتي تشمل الالتزام بالتقدم الاجتماعي والتوازن البيئي والازدهار الاقتصادي، لكن محاولات تطبيق الممارسات المستدامة لم تنجح فعلياً في حل المشكلات العالمية، وذلك بسبب حصر مشاكل المجتمع في السياق البيئي وجعل قضايا التلوث والمناخ أساس استراتيجية التنمية المستدامة بأكملها، إلى جانب الاختلاف في فهم أهداف التنمية المستدامة الناجم عن تنوع الخلفيات الثقافية والاجتماعية والفكرية للدول والأشخاص المشاركين في عملية التنمية، فالعلماء والمفكرين لديهم تفسيرات متباينة لقيم العدالة والتوازن، كما أن استعداد الدول للتكامل العالمي يتطلب تحولاً كبيراً في أنظمتها السياسية والاقتصادية والثقافية.
تسير الأنماط العالمية للإنتاج والاستهلاك عكس اتجاه متطلبات الاستدامة، ومع ذلك، هناك 4 جوانب سلبية مرتبطة بالتنمية المستدامة نفسها، وهي:
1. ارتفاع التكاليف
إن التخطيط لمشاريع مستدامة وتنفيذها يُعد خياراً مكلفاً بالنسبة للبلدان النامية التي لا تمتلك الموارد المالية والكفاءات العلمية اللازمة لإحداث تغيير في عادات الاستهلاك والإنتاج، وقد تضطر البلدان التي تعاني من الصراعات أو المجاعات إلى مواجهة أولويات أخرى تجعلها غير قادرة على الموازنة بين المكاسب الفورية والاستثمارات طويلة الأجل للتحول نحو التنمية المستدامة والتي قد تؤتي ثمارها في المستقبل.
تعد تكاليف بناء منشآت جديدة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتشغيلها أرخص من محطات الغاز أو الفحم، إذ استمرت تكاليف مصادر الطاقة المتجددة في التراجع في عام 2021، وبحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، انخفضت تكلفة الكهرباء من الرياح البرية 15%، والرياح البحرية 13%، والطاقة الشمسية الكهروضوئية 13% مقارنةً بعام 2020، لكن لا تزال هذه التقنيات مُكلفة بالنسبة للبلدان النامية، فلماذا تعد المنتجات المستدامة أكثر تكلفة؟
تعتبر المواد التي تدخل في المنتجات المستدامة أكثر تكلفة في الزراعة أو الإنتاج أو التصنيع أو المعالجة، لأنها ذات جودة أعلى وتأثير بيئي أقل، على سبيل المثال، زراعة القطن العضوي باستخدام نظام عمل عادل، ستكون أكثر تكلفة مقارنةً بالقطن المُثقل بالآفات الحشرية والذي يحصده العمال مقابل أجر زهيد.
وتبدو المنتجات المستدامة أكثر تكلفة أيضاً لأنها تدوم لفترة أطول، على سبيل المثال، زجاجة مياه قابلة لإعادة الاستخدام خالية من البلاستيك، مثل زجاجة مياه نيون كاكتوس (Neon Cactus)، تكلفتها أعلى من زجاجة المياه التي تستخدم لمرة واحدة، كما أن الطلب على الخيارات الصديقة للبيئة والمستدامة لا يزال منخفض نسبياً مقارنةً بالمنتجات التقليدية السائدة التي يمكنها الاستفادة من وفورات الحجم.
وعليه، يجب أن يكون الخيارات المستدامة المعيار الأساسي للتنمية وليست البديل الأغلى أو رفاهية لا يمكن للجميع تحمل تكلفتها.
2. فقدان الوظائف في بعض القطاعات
في الوقت الذي تستهدف فيه التنمية المستدامة ضمان حياة صحية ورفاهية للجميع، قد تضطر بعض الصناعات مع تبنيّ خيارات الاستدامة إلى تقليل أنشطتها أو إيقافها تماماً، ما يؤدي إلى فقدان العديد من الأشخاص وظائفهم، خصوصاً ذوي المهارات المتدنية أو الذين كرّسوا حياتهم للعمل في صناعة واحدة ويصعُب عليهم التكيف مع متطلبات التنمية.
في حين أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر قد يساعد في إنشاء 24 مليون وظيفة جديدة عالمياً بحلول عام 2030، إلا أنه قد يؤدي إلى فقدان ستة ملايين وظيفة في الصناعات التي تعتمد على الكربون، فمن المقرر أن يشهد قطاع النفط خسارة أكثر من مليون وظيفة، وحذرت منظمة العمل الدولية بأن السياسات الصحيحة لتعزيز الاقتصاد الأخضر يجب أن يرافقها شبكات أمان اجتماعي أفضل للعمال.
3. صعوبة التغيير
تحتاج التنمية المستدامة إلى التحول المعرفي وتعلم أشياء جديدة، ويجد الأشخاص صعوبة في ذلك لأنهم يفضلون المنتجات التي اعتادوا عليها بدلاً من تجربة شيء جديد، فاعتماد وسائل النقل الصديقة للبيئة يحتاج إلى معرفة كيفية استخدامها، لكن جزء من هذا التحول المعرفي يتجاوز التعلم، فقد يعرف الأشخاص جيداً كيفية التجول في المدينة بطريقة أكثر استدامة، لكنهم غير قادرين على الخروج من دائرة عاداتهم الاجتماعية، فربما لا ترغب العائلة في الانتقال إلى منطقة صُممت على نحو مستدام لأنها اعتادت نمط حياة معين.
يستلزم إحداث التغيير الاجتماعي تدريباً وممارسة تماماً كما يفعل الأطباء أو الرياضيون الأولمبيون، فالعمل على قاعدة الجبل يعني تغيير العقليات والسلوكيات، أما العمل على قمته فيعني تطوير الأدوات والمعارف، وبالتالي تكمن الصعوبة في توجيه اهتمامات الأفراد نحو هدف مشترك ومساعدتهم على المشاركة النشطة في التنمية المستدامة.
4. تضييع بعض فرص الاستثمار
تفرض التنمية المستدامة العديد من المتطلبات مثل تقليل الانبعاثات السامة، وإعادة التدوير، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وضمان بيئة عمل عادلة للجميع، ما يدفع بعض الشركات والمؤسسات إلى عدم الاستثمار في دول تشدد على الامتثال لهذه المتطلبات، أو اختيار صناعة معينة لا تحتاج إلى تطبيق معايير استدامة عالية، وبذلك تضيع العديد من الفرص الاستثمارية التي يمكن أن تساعد في التنمية الاقتصادية وخلق وظائف جديدة.
ويزداد الضغط على الشركات والمؤسسات لتلبية هذه المتطلبات في ظل ميل الأفراد إلى دعم المؤسسات والشركات المسؤولة اجتماعياً، إذ توصلت دراسة أجرتها شركة الاستشارات نيلسن (Nielsen)، إلى أن 55% من المستهلكين على استعداد لدفع المزيد مقابل المنتجات من الشركات المسؤولة اجتماعياً.
من جهة أخرى، ترى الشركات والمؤسسات أن متطلبات التنمية المستدامة ستؤثر سلباً على المدى القريب، لأن إعطاء الأولوية لاحتياجات المجتمع وأصحاب المصلحة، سيقلل الفوائد التي تعود على المساهمين المباشرين.