كيف يمكن للممولين والمستفيدين العمل معاً لزيادة فعالية المبادرات الخيرية؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أبرزت جائحة كوفيد-19 احتياجات المؤسسات غير الربحية إلى الواجهة، مجبرة الممولين والمؤسسات المستفيدة على حد سواء على إعادة النظر في طرائق تعاونهم لمواجهة التحديات غير المتوقعة ووضع أسس العمل لتلبية الاحتياجات المستقبلية. ويواصل ممولون عدة العمل الجاد للعثور على الطريقة “الأمثل” التي تجعلهم شركاء متعاونين مع المستفيدين من المنح، وذلك وسط دعوات لتقديم منح عادلة وزيادة الوعي بالتفاوتات الاقتصادية في الولايات المتحدة.

لا شك في وجود قوى في العمل الخيري تزود المؤسسات بدعم تشغيلي عام وتمويل غير مقيد. فكلاهما مكون مهم للعمل الخيري القائم على الثقة، وهو نهج لتقديم المنح يؤكد التواضع والتعاون في جوانب عدة. لكن المؤسسات غير الربحية تتجه أيضاً إلى الممولين للحصول على دعم يتجاوز أموال تقديم المنح لبناء القدرات التنظيمية التي تساعدها على تحقيق النجاح على المدى الطويل مثل التواصل والتدريب والتوجيه الاستشاري.

ولتحقيق العدالة اتخذت بعض المؤسسات نهجاً “دون قيود” لبناء القدرات، معتقدة أن تقييمات الممولين للمهارات والكفاءات غير الهادفة للربح مضلَلة أو مبالغ في تقديرهاتبعاً لميول الممولين. ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك ويتساءلون عما إذا كان على القطاع الخيري إعادة تحديد الطرق التي يدعم بها المستفيدين عبر بناء القدرات أو إلغائها تماماً، مشيرين إلى الافتقار إلى المعاملة بالمثل بين الممولين والمستفيدين وتعزيز آليات السلطة الضارة في الممارسة العملية.

في مؤسسة أوفرديك فاملي فاونديشن (Overdeck Family Foundation)، التي تهدف إلى تحسين الفرص التعليمية للأطفال، نرفض بشدة هذين النهجين ونتبنى تحمل المسؤولية المشتركة بين بناء القدرات الاستراتيجية والعمل الخيري القائم على الثقة. وبدلاً من إلغاء بناء القدرات، يجب أن تؤدي المؤسسات دوراً عملياً واستراتيجياً؛ ويجب عليها المشاركة في محادثات شفافة والاعتراف بأن كلاً من المستفيد والممول لديه وجهات نظر مهمة ليقدمها للآخر. وكما كتب رئيس مركز سينتر فور إيفيكتف فيلانثروبي (Center for Effective Philanthropy) فيل بوكانان: “يرفض المانحون والمؤسسات العميقي التفكير الفكرة القائلة بضرورة الفصل بين الاستراتيجية والتقييم والأدلة والتعلم من ناحية، والثقة والإصغاء والدعم المرن من ناحية ثانية. وهم يدركون أنه في حين يجب احترام معرفة وخبرة أولئك الأقرب إلى القضايا، فإن موظفي المؤسسات والجهات المانحة يمتلكون غالباً معرفة مفيدة أيضاً”.

بالطبع تؤثر آليات السلطة بين الممولين والمستفيدين في كيفية تلقي المؤسسات غير الربحية دعم بناء القدرات وتجربته. لكن ذلك ينبغي ألا يمنع الممولين من المشاركة في محادثات حول ذلك مع المستفيدين، وبخاصة إذا كانوا يشاركون فيها بعقلية الرغبة في التعلم. ووفقاً لمؤسسة كانديد ليرنينغ فور فاندرز (Candid Learning for Funders) (غرانت كرافت (GrantCraft) سابقاً)، التي تسعى إلى تحسين العمل الخيري من خلال مساعدة الممولين على تبني استراتيجيات فعالة، تشمل أفضل الممارسات لهذه المحادثات إنشاء أساس للثقة والشفافية ومشاركة قائمة مجربة من التوصيات للمؤسسات غير الربحية للنظر فيها. ويجب أن يكون واضحاً أيضاً أنه لا توجد تداعيات سلبية لاختيار المؤسسات غير الربحية عدم المشاركة في دعم بناء القدرات برعاية الممول. ويؤدي هذا الاتصال الشفاف في كثير من الحالات إلى قرارات أكثر كفاءة وثقة تدعم العمل والاحترام المتبادل.

وجدنا خلال عملنا دليلاً على أن بناء القدرات الاستراتيجية يمكن أن ينجح بالتنسيق مع العمل الخيري القائم على الثقة لتحقيق تأثير أكبر من تأثير التمويل بمفرده. إذ أظهر استقصاء أجراه مركز سينتر فور إيفيكتف فيلانثروبي في عام 2019 أن 95% من المستفيدين من المنح الذين تلقوا دعماً لبناء القدرات أقروا بأنه يقدم فائدة متوسطة أو كبيرة لعملهم أو مؤسساتهم. وعلى ضوء هذه الملاحظات قمنا في عام 2020 بتوسيع عروض الدعم الخاصة بنا لتشمل مناقشات منتظمة حول بناء القدرات مع المستفيدين، ومجموعات الخبراء المجرَبين المحتمل مشاركتهم، والدعم في تطوير نطاقات عمل هادفة مع الاستشاريين، والدعم المالي لتنفيذ المشاريع، وتقديم المشورة بشأن تطبيق الرؤى على المديين القصير والطويل.

وجدنا على مدى السنوات القليلة الماضية أن دعم بناء القدرات الأكثر تأثيراً يركز على مساعدة المؤسسات لتصبح أكثر فعالية من حيث التكلفة والاستدامة وقابلية التوسع. ونقدم لكم هنا نظرة على سبب التركيز الخاص على هذه المجالات مع بعض الأمثلة.

دعم الفعالية من حيث التكلفة 

بطبيعة الحال يهدف العديد من المستفيدين من المنح إلى تحسين فعالية برامجهم من حيث التكلفة والإبلاغ عنها. وبوسع الممولون مساعدتهم من خلال التمويل وبناء القدرات على فهم إذا ما كان نموذجهم يحقق النجاح المنشود. ويمكن للممولين على وجه الخصوص مساعدة المستفيدين على بناء أدلة على التأثير من خلال دعم توظيف وتأمين محللي البيانات، ووصلهم مع الباحثين الذين يمكنهم إجراء الدراسات اللازمة.

هذا هو النهج الذي اتبعناه مع مؤسسة لينا (LENA) أو مؤسسة تحليل اللغة والبيئة، وهي مؤسسة غير ربحية تعتمد على البيانات وتسعى إلى تسريع تطوير اللغة عند الأطفال بين الولادة وسن الخامسة من خلال التدريب القائم على التكنولوجيا. تقيس تقنية “مقياس التحدث” الخاصة بمؤسسة لينا كمية “المنعطفات التخاطبية” (تفاعلات البالغين والأطفال بالاتجاهين)، التي تعد من أكثر المقاييس التنبؤية لمخرجات الأطفال مثل وظائف الدماغ ومهارات القراءة. جمعت المؤسسة كميات كبيرة من البيانات الفردية والمحددة بالموقع، لكنها لم تحظَ بطريقة متناسقة ومبسطة لعرض البيانات المجمعة على المستوى الكلي. وبعد أن سمع فريقنا أن المؤسسة تريد فهم تأثير برامجها على نحو أفضل في مواقع مختلفة، سهّل فريقنا عملية حصول مؤسسة لينا على منحة في مشروع البيانات الاستراتيجية (SDP)، وهو برنامج مدته سنتان في مركز أبحاث سياسات التعليم بجامعة هارفارد، يبحث عن قادة البيانات الموهوبين ويدربهم ويرسلهم إلى المؤسسات التعليمية لتحويل استخداماتهم للبيانات. وقدمنا دعماً كبيراً لتغطية تكلفة المنحة المقدمة لمؤسسة لينا.

أنشأت مؤسسة لينا عبر برنامج المنحة لوحات متابعة للبيانات تقدم مؤشرات على مستوى المدينة لمقاييس التوظيف واستبقاء الموظفين والوصول والتأثير لكل موقع، إذ تكشف عمن وصل إليه البرنامج والتأثير الذي أحدثه فيه. وقدمت لوحات البيانات رؤية جديدة وشاملة لمقاييس المؤسسة وسمحت لصانعي القرار بتوظيف الموارد بشكل أكثر فعالية في مختلف المواقع. وبما أن المدن جميعها ترسل مؤشرات الأداء الرئيسية، يمكن للمواقع رؤية نجاحات المواقع الأخرى بسهولة والمشاركة في محادثات معهم لفهم الإجراءات التي اتخذوها لزيادة تأثيرها. فمثلاً رأى موقع مدينة برمنغهام بولاية ألاباما أن الأطفال في موقع مدينة فيرجينيا بيتش بولاية فيرجينيا حققوا مكاسب عندما استخدمت المؤسسة “لينا غرو” (LENA Grow) أداة مؤسسة لينا لمعلمي الطفولة المبكرة وإعدادات رعاية الأطفال. ونتيجة لذلك قررت تحويل المزيد من الموارد نحو رعاية الأطفال والابتعاد عن الزيارات المنزلية التي كانت تظهر آثاراً أقل في أثناء الجائحة.

واصلت مؤسسة أوفرديك فاملي فاونديشن العمل مع مؤسسة لينا لتوسيع طريقة قياسها للتأثير، وتجاوزت النتائج الخاصة بالأطفال الفرديين لإلقاء الضوء على الاتجاهات الأكبر والتأثير في الممارسات المستندة إلى البيانات على نطاق أوسع. وبالتعاون مع مشروع البيانات الاستراتيجية، ساعد دعمنا مؤسسة لينا في صياغة سرديات بيانات واضحة للتواصل بشكل فعال مع مجموعة من الجمهور المستهدف مثل المعلمين وقادة الدوائر التعليمية وصانعي السياسات، وزاد من تأثير المؤسسة في مجال الطفولة المبكرة.

تعزيز نموذج الإيرادات

يتمثل التحدي الأساسي الآخر الذي يواجه المستفيدين في تحقيق إيرادات موثوقة لتغطية التكلفة الكاملة للعمليات الحالية والمستقبلية. فقد لا تكون البرامج مستدامة على المدى الطويل دون نموذج عائدات قوي.

وعندما عرفنا أن مؤسسة إد ريبورتس (EdReports)، وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى تحسين جودة المواد التعليمية ضمن القاعة الدراسية، ترغب في تحسين استدامتها التنظيمية، قمنا بتغطية مشاركتها في مجموعة ورش عمل ريفجين فيول سيريس (RevJen Fuel Series) الميسرة التي تركز على وضع استراتيجيات لتحقيق إيرادات النمو وتنويعها.

توصلت مؤسسة إد ريبورتس من خلال ورش العمل إلى أنها بحاجة إلى تقليل اعتمادها على الأموال الخيرية وتحديد مسارات جديدة لكسب الإيرادات. ساعدت التجربة قيادة مؤسسة إد ريبورتس على فهم أنها بحاجة إلى تطوير خطة تتضمن مصادر جديدة للإيرادات المكتسبة بدلاً من تحديث الخطة الاستراتيجية للمؤسسة. وتواصل مؤسستنا منذ ذلك الحين مساعدة مؤسسة إد ريبورتس في دراسة السوق لتأمين تدفقات إيرادات جديدة، وفهم أفضل لما يريده عملاؤها المستهدفون، وتشكيل عرض القيمة الفريد الخاص بها من خلال أمور عدة منها تسهيل الشراكات مع مقدمي الخدمات والاستشاريين الآخرين.

تعزيز الطلب وبناء السوق

من جوانب بناء القدرات التي يمكن تحفيزها لدى المؤسسات فهمها الواضح للمشهد التنافسي والفرص المستقبلية للنمو. فدعم المؤسسات غير الربحية عبر تحليل السوق والتخطيط المالي يساعدها على تأمين مصادر تمويلية كافية واستدامة النمو وتجاوز الظروف الاقتصادية الصعبة.

لنأخذ على سبيل المثال قسم المناهج في متحف العلوم بمدينة بوسطن “إي آي إي” (EiE) الذي حصل على منحة وكان يتطلع إلى توسيع حصته في السوق في المناهج من صف ما قبل الروضة إلى الصف الثامن والتعليم المهني. وسعينا لمساعدته على تحقيق هذا الهدف من خلال تسهيل شراكته مع مؤسسة إيدسولوشنز (EdSolutions)، وهي مؤسسة متخصصة في مساعدة المؤسسات على العمل في الأسواق التعليمية والتوسع فيها. تعاونت مؤسسة إيدسولوشنز مع “إي آي إي” في إجراء تحليل لمقدمي الخدمات الحاليين والهيئات الخدمية المتاحة في الدوائر التعليمية والولايات، ولا سيما المهتمة بشراء منهج تكميلي في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الذي يطلق عليه اختصاراً “ستيم” (STEM). وناقشا انطلاقاً من هذه النقطة الولايات والدوائر التعليمية المحتمل اهتمامها ببرامج على غرار ستيم التكميلي الذي يقدمه “إي آي إي” وبخاصة البرامج التي يمكن للولايات والدوائر التعليمية دمجها في مناهج الرياضيات والعلوم الأساسية وبرامج التعلم المهني الحالية للمعلمين.

ونتيجة لهذا العمل تمكّن “إي آي إي” من استهداف الوصول إلى الولايات المهتمة بالفعل بتكامل المناهج الدراسية الأساسية، ما أدى إلى الوصول إلى استراتيجية مبيعات وعملية مبيعات أكثر فاعلية. وتستمر مؤسستنا في تقديم المشورة لـ “إي آي إي” عبر مراحل تنفيذ هذه الاستراتيجية الجديدة، ما يساعده على زيادة إيراداته المكتسبة من خلال فهم أعمق لمكانته التنافسية في السوق.

كيف يمكن للممولين التدخل؟

نظراً إلى التغيرات المتسارعة في آفاق المؤسسات غير الربحية، ينبغي للممولين عدم إهمال دعم بناء القدرات. ويجب أن يؤدي المموّلون دوراً مباشراً وأكثر استراتيجية يتضمن محادثات شفافة مع المستفيدين، والاعتراف بوجهات النظر القيّمة لدى الجانبين، والمشاركة في وضع خطط لمواجهة التحديات المتفق عليها.

إذ يتطلب نجاح هذه الجهود الثقة والاحترام المشترك وتبادل تحمل المسؤولية التي يمكن للمستفيدين والممولين تطويرها بطرق ملموسة. فالمشاركة بتواضع وتبني عقلية تسعى للتعلم تفسح المجال لكلا الطرفين لمشاركة وجهات نظرهما وخبراتهما الفريدة. بعد تحديد التحديات التي يواجهها قادة المؤسسات غير الربحية، بالإضافة إلى احتياجاتهم وثغرات الدعم لديهم، يجب على الممولين تقديم مجموعة محدودة من فرص بناء القدرات المجرّبة والعالية الجودة مع شرح واضح لإمكانات الفرص في مواجهة التحديات. كما ينبغي أن يستمر التعاون بين الممولين مع المستفيدين من المنح طوال مدة عملية بناء القدرات، وبخاصة إذا كانت تشمل شركاء خارجيين. والمتابعة مهمة للممولين في أثناء اللقاءات لدعم عملية صناعة القرار الاستراتيجي المستمرة مع المستفيدين والحرص على تحقيق فائدة من دعم بناء القدرات الذي يقدمونه وضمان استغلاله. وهي فرصة للطرفين للتعلم والاستمرار في التحسن.

ولا يعني ذلك حضور الممولين لكل المحادثات، ولكن يجب عليهم السعي ليكونوا مصدراً لمعالجة المعلومات المستخلصة من مشاريع بناء القدرات والتخطيط للخطوات القادمة. لقد استنتجنا أن السماح للخبراء والاستشاريين الخارجيين بالعمل مباشرة مع المستفيدين في أثناء عملهم بوصفهم شركاء بالأفكار ومستشارين مؤتمنين فعّال في بناء الثقة والتغيير الطويل الأمد. عبر تعاون الممولين ومتلقي المنح بوسعهما المشاركة في بناء القدرات التي تؤدي إلى نتائج هائلة، وتعزيز تأثير متلقي المنح في المستفيدين لسنوات عدة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.