الأفكار الكبيرة غير كافية (الجزء الأول)

رحلة الابتكار
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة “الأفكار الكبيرة غير كافية” التي سنتعرف من خلالها على رحلة الابتكار والخرافات حول تنفيذ رحلة الابتكار.

إن امتلاك فكرة رائعة هو نصف رحلة الابتكار فقط. لكي تنجح أفكارك، احترس من خرافات التنفيذ الأربعة هذه.

الفرق بين الإبداع والابتكار هو التنفيذ. الإبداع هو توليد الأفكار الجديدة والقَيّمة، بينما الابتكار يتعلق بتنفيذ هذه الأفكار بنجاح، عبر تحويل المفاهيم إلى حلول قابلة للتنفيذ تنفيذاً كاملاً. ولكن بينما تعزز نماذج الابتكار هذا التمييز باستخدام تسميات مثل “التنفيذ” أو “التأسيس” أو “الإطلاق” أو “التوسّع” لتحديد المرحلة الأخيرة من عملية خلق القيمة، فإن مثل هذه المصطلحات يمكن أن تحرف التحدي عن مساره. تقترح هذه النماذج أنك بمجرد امتلاكك لعرضٍ قَيّمٍ فالبقية تتعلق فقط بالمجهود، وأن الوقت المُستغرق في عملية التفكير الإبداعي والأصالة أصبح جزءاً من الماضي.

ومع ذلك، فإن أكبر مفاجأة للمبتكرين غالباً ما تكون المعارضة الداخلية من داخل مؤسستهم. يتم سحق الحلول الرائعة عندما تتعارض مع النماذج والمعتقدات الأساسية الموجودة بالفعل، أو عندما لا تتناسب مع نموذج العمل السائد. هناك حاجة إلى التفكير غير التقليدي لتصميم نماذج أعمال جديدة، ولإشراك المناصرين والشركاء وأصحاب المصلحة الآخرين بطرق جديدة، وللتفاوض حول قوى المقاومة أو اللامبالاة التي تتآمر ضدك.

يتضح هذا الإبداع بشكل جيد من خلال رحلة الابتكار لـ “يونيس كينيدي شرايفر”، الأخت الصغرى لـ “جون كينيدي”.

وُلدَت يونيس قبل 100 عام في يوليو/تموز، وكانت الرائدة التي أقامت الأولمبياد الخاص وغيرت السلوك تجاه الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية.

إن الجهود الرائدة التي تبذلها شرايفر في مجال الشمول، والتي تم ذكرها في سيرة ذاتية كُتِبت مؤخراً، تتعارض مع بعض مبادئ التنفيذ السائدة على نطاق واسع. تكشف قصتها أربع مغالطات ابتكارية معاصرة يجب على أي مُبتكرٍ مُزعزع التغلب عليها وهو يحاول سد الفجوة من الإبداع إلى الابتكار الناجح.

الخرافات الأربعة لتنفيذ رحلة الابتكار

1. لا تكُن ’الشخص المجنون‘

احتفى ستيف جوبز “بالأشخاص المجانين” على الملأ، وهم المنشقون الذين ينجحون بتجاهل القواعد والأعراف. ولكن في حين أن التفكير خارج الصندوق يمكن أن يساعدك على تقديم أفكار جديدة، فأن يُنظَرَ إليك على أنك “مُرتَد” أو “مُسبّب للمشاكل” ليس طريقة لإسماع أفكارك أو أخذها على محمل الجد. لا ينبغي أن يؤدي عدم الاعتقاد إلى رد فعل تحسُّسيّ تجاه الفكرة “الغريبة” أو منشئها “الغريب”، وكلما كانت فكرتك أكثر تزعزعاً، احتجت إلى إظهار مدى ملاءمتها للقيم الحالية للمؤسسة، وإلى أنظمة الأفكار التي يعتنقها الأشخاص الذين تحتاج إلى دعمهم للمضي قدماً بالفكرة.

جاءت الشرارة الأولى لفكرة شرايفر الكبيرة في عام 1962 بمكالمة هاتفية من أمّ مُحبَطة لم تستطع العثور على مخيم صيفيّ لطفلها من ذوي الإعاقات الذهنية. أصبحت شرايفر، التي تأثرت بعمق بعد إدراج أختها روزماري في مؤسسة رعاية خاصة – بعد فشل العملية الجراحية الدقيقة لفصل فص المخ الجبهي – من كبار المدافعين عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية. وبعفوية، طرَحت شرايفر حلّاً: “عليك أن تأتي إلى هنا بعد شهر من الآن. سوف أبدأ مُخيّمي الخاص”. وعلى أرض مساحتها 200 فدان، أصبح المعسكر الرياضي معروفاً باسم “مخيم شرايفر”.

في ذلك الوقت، كانت الإعاقات الذهنية أمراً غير عصريّ، خارج عالم السياسة تماماً. حتى أن السيناتور جون كينيدي بنفسه لم يدعم الأمر، ولم يكُن على جدول أعماله السياسي كمرشح رئاسي. لكن شرايفر أقنعت شقيقها أنه عندما يصبح رئيساً، فإن دعم الإعاقة الذهنية سيتوافق مع قِيَمِه وموقفه من الحقوق المدنية، فضلاً عن أن ذلك سيمثل فرصة لوضع بصمته التاريخية على هذه القضية. واستجاب عبر جعلِ القضية أولوية وطنية وإنشاء فريق عمل من الخبراء للتوصية بالتغييرات.

استغلت شرايفر نفوذها وتأثيرها مع الرئيس لتتمكن من تعيين نفسها في فريق العمل الذي يترأسه المربي البارز ليونارد مايو. على الرغم من أنها ليست سوى “مستشارة” للجنة العلماء والأطباء والمتخصصين في مجال التعليم المتميزين، فإنها ساعدت في التوسط بالخلافات بينهم وأبقتهم على المسار الصحيح. إن فهمها لكيفية عمل الأشياء في الحكومة، وقدرتها على التنقل بين الفصائل المختلفة للسلطات القائمة سرعان ما جعلها لا غنى عنها. كما أنها حثت اللجنة على تقديم التوصيات العملية اللازمة لتأمين التمويل الفيدرالي (قبل الأسباب التنافسية) والتغيير التشريعي.

وجهت شرايفر غضبها من معاملة الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية إلى سعي منتج ونشاط عملي. وهذا دليل على أن المشاعر السلبية مثل الغضب والإحباط يمكن أن تساعد في دفع الإبداع. ولكن لمتابعة الابتكار الجذري، فأنت في الواقع بحاجة إلى أن تصبح ما يسميه ديفيد غرام الرئيس السابق للمشاريع في شركة “ليغو”، “المتمرد الدبلوماسي“. يجب أن توازن بين ممارسات تحديك الحالية في أثناء تبني وجهات نظر مختلفة وبناء الجسور مع أولئك الذين يمكنهم دعم تقدمك. يتضمن ذلك استخدام لغة تعكس مخاوفهم وتؤكد على الإحساس بالاستمرارية، وإنشاء روايات يمكن أن تروق لأولئك الذين يمكنهم منحك المصداقية والموارد والتشجيع الذي تحتاجه للنجاح. لكي تكون متمرداً دبلوماسياً، يجب أن تفهم أيضاً ديناميكيات وقواعد بيئة العمل – المكتوبة وغير المكتوبة – التي تخطط لتجاوزها.

2. اذهب أبعد من متطلبات “ملاءمة المنتج للسوق” وانظر إلى الصورة الكبيرة

إن ملاءمة المنتج للسوق هي المدى الذي يلبي فيه الحل احتياجات العملاء الحقيقية أفضل من البدائل الحالية. ولكن في حين أن تحقيق هذه المطابقة غالباً ما يتم طرحُه كمؤشر للقياس، إلا أنه جزء فقط من قرار التوسع.

فمن ناحية، تشجع فكرة ملاءمة المنتج للسوق عقلية “راضية” يمكنك من خلالها الاستقرار المبدئي على حلّ جيد بما فيه الكفاية بدلاً من استكشاف الطرق التي يمكنك عبرها إنتاج تأثير محتمل أكبر. على سبيل المثال، فكر جيف بيزوس في الأصل في بناء نشاطه التجاري عبر الإنترنت حول اللوازم المكتبية أو الملابس أو مقاطع الفيديو نظراً لوجود ملاءمة لكل هذه المنتجات مع السوق. كان بإمكانه اعتماد الفئة الأولى التي استوفت هذا المعيار. لكن التحليل الأعمق لعشرين فئة محتملة من المنتجات كشف أن الكتب كانت إلى حدّ بعيد أكثر فئة واعدة (وتحقيق أي من الفئات الأخرى لذلك هو أمر مشكوك فيه). تؤمّن ملاءمة المنتج للسوق مؤشراً مفيداً، إلا أنها عند اعتبارها الهدف والغاية قد تجعلك تُفوّت فرصة أكبر بكثير.

علاوة على ذلك، يميل هذا النهج إلى تجاهل أصحاب المصلحة إلى جانب العملاء الذين يمكنهم إنجاح الحل أو جعله يفشل، بمن فيهم أصحاب المصلحة داخل مؤسستك. يتم التراجع عن العديد من الحلول المبتكرة بسبب فشل مُنشِئِها في القياس الكامل للمقاومة الداخلية المحتملة التي تحمي الوضع الراهن. تمتلك المؤسسات الكبيرة الراسخة “أنظمة مناعة مؤسساتية” يمكنها دفع الابتكار الجذري ونشاط ريادة الأعمال.

نتيجة لذلك، لا يُمكن للحل “المثالي” للمستخدمين تحقيق إمكاناته بالكامل إذا أهمل متطلبات المشهد الأوسع لأصحاب المصلحة. وينطبق هذا بشكل خاصّ على الابتكار الاجتماعي، إذ تميل بُنى العمل إلى أن تكون أكثر تعقيداً، مع وجود لاعبين متعددين ومصالح متضاربة.

كان لدى شرايفر بالفعل معرفة عميقة بالموضوع. كانت قد زارت مؤسسات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما فيها “بعض المؤسسات سيئة السمعة” التي تأوي أشخاص ذوي إعاقات شديدة. لقد تحدثت إلى العائلات والمعلمين والباحثين والسياسيين وفهمت النظام تماماً. اتصلت أولاً بالمدارس والعيادات في منطقتها لتقديم أسماء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين قد يكونون مهتمين، ولطلب وضع هؤلاء الأطفال تحت رعايتها، بانتظار إذن الوالدين. كان المعسكر الرياضي الصيفي الذي اقترحت بناءه على الأرض التي تمتلكها متلائماً مع السوق بشكل واضح. كانت العائلات سعيدة للغاية بالسماح لأطفالها بممارسة الرياضات التي شملت الجري والسباحة وكرة القدم وركوب الخيل. حظيت فكرة البرنامج الترفيهي الخاصّ بتشجيع الآباء والأطفال أنفسهم فوراً.

كان من الممكن أن تكتفي يونيس كينيدي شرايفر بدعوة بعض الأطفال أصحاب الإعاقة الذهنية من أُسَر الطبقة المتوسطة ومجموعة من المتطوعين في الكلية للإشراف على أنشطتهم. كان الجميع ليقدروا هذه الفرصة. إلا أن شغفها بالعدالة الاجتماعية جعلها ترى أبعد من ملاءمة المنتج للسوق وإيجاد طرق للاستفادة من الإمكانات الرمزية الأكبر لهذا الحدث.

اختارت شايفر أن تستخدم هذه المناسبة لتسويق ما تؤمن به بعمق من قدرة الرياضات على التغيير والتوحيد. كان المخيم مجانياً، ولم يكن معزولاً. ولضمان تقديم المشورة الفردية للمشاركين، جندت شرايفر الأحداث الجانحين من الإصلاحية المحلية للعمل جنباً إلى جنب مع متطوعي المدرسة الثانوية وأبنائها.

لقد كان نهجاً غير تقليدي ونموذجياً وشاملاً بالمعنى الأوسع، واكتسب الجميع من التجربة.

شارك المؤلفون في كتابة “التفكير الغريب: الطريق غير التقليدي للأفكار العظيمة” (ALIEN Thinking:The Unconventional Path to Breakthrough Ideas) (الصادر عن بابليك افايرز، 2021).

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.