المجتمع المدني في عصر الممارسات غير الإنسانية

5 دقائق
المجتمع المدني

كيف يجب أن يستجيب المجتمع المدني عندما تقوَّض القيم التي تحدد هوية الجميع في أميركا؛ مثل المساواة، والاندماج، وحرية التعبير، وإيواء المحتاجين، وضمان الحقوق، وحماية الفئات الأكثر ضعفاً بيننا؟

خلال عقد من العمل والتنظيم في «التحالف الوطني لعاملات المنازل» (NDWA)، وجدت أن الإجابة تكمن في كرامتنا المشتركة كبشر، لقد علمتني النساء اللواتي أعمل معهن؛ وهن عاملات في المنازل يقدمن العمل الذي يجعل جميع الأعمال الأخرى ممكنة، أن الإنسانية هي جوهر المجتمع المدني، وبينما توجد أنظمة وقواعد، فإن قيمنا وارتباطنا ببعضنا البعض يمثلان أساس المجتمع المدني، وما إذا كان يقدم قيمة.

يحارب «التحالف الوطني لعاملات المنازل» من أجل احترام وكرامة عاملات المنازل وحماية الفرص المتاحة أمامهن؛ تلك العاملات هن المربيات اللواتي يعتنين بأطفالنا، ومدبرات المنازل اللواتي يدرن منازلنا، والعاملات في مجال الرعاية اللواتي يدعمن كبار السن وأحباءنا الذين يعانون من احتياجات خاصة. خلف الأبواب المغلقة للمنازل الخاصة، وفي ظل الظروف الاقتصادية، تضمن عاملات المنازل أن أهم جوانب حياتنا آمنة وفي رعاية جيدة، لكن على الرغم من مساهماتهن الهامة في المجتمع والاقتصاد، لم تتمتع تلك العاملات أبداً بالحقوق والحماية التي يتوقعها معظم العمال في الولايات المتحدة؛ بما في ذلك الحق في الحصول على الحد الأدنى للأجور، والحصول على مقابل العمل الإضافي، والحماية من التمييز، والحق في التفاوض المشترك مع صاحب العمل، والحماية من التحرش، لقد تم استبعاد هذه القوة العاملة؛ التي تشمل نساء ملونات ومهاجرات في الغالب، تماماً من قوانين العمل الأساسية.

بعد عقود من تنظيم المبادرات الشعبية من قِبل عاملات المنازل والمؤيدين لهن؛ بما في ذلك التجمعات الدينية والنقابات العمالية وأصحاب العمل وغيرهم، حدث تغيير في القوانين والسياسات، وساعد «التحالف الوطني لعاملات المنازل» على إحداث تغييرات تنظيمية فيدرالية؛ التي عززت حماية الحد الأدنى للأجور لأكثر من مليوني عاملة رعاية منزلية، كما ناضلنا من أجل حصولهن على الحماية بقوانين العمل في الولاية، ونجحنا في ذلك؛ مثل دخول «قانون حقوق عاملات المنازل» (Domestic Workers Bills of Rights) حيز التنفيذ في ثماني ولايات حتى الآن، لكن حتى بعد هذه الإنجازات، لا يمكن لأي قانون بمفرده أن يضمن اعتراف المجتمع بإنسانية هذه القوة العاملة، لأن المعايير الثقافية التي تشكل السلوك ومعاملتهن أقوى بكثير؛ سواء كنا نقدر هذا العمل كما نفعل بالنسبة إلى القطاعات الأخرى، أو ما إذا كنا نرى هذه القوة العاملة على أنها مهنية حقاً أو مجرد «مساعدة» غير رسمية، فهذه معتقدات مكرّسة بعمق في فكر الناس، ولا يمكن لأحد غيرهم تغييرها.

بالنسبة إلى العاملات في مجال الرعاية، تتجسد المعاملة الإنسانية في المنازل التي تعملن فيها؛ إذ يقدَّر متوسط ​​دخل عاملة الرعاية لكبار السن بـ13 ألف دولار في السنة، ويحدد هذا الدخل الحي الذي تعيش فيه، والطعام الذي يمكنها تأمينه، والتعليم الذي سيحصل عليه أطفالها، والمواصلات التي يمكنها الاعتماد عليها، إنه عمل لا يؤمن الكثير من الدخل، حيث العمل الجاد لا يضمن دفع الفواتير، كما أن الخيارات محدودة أمامهن، ولا تتمتعن بالكماليات. في كثير من الأحيان، ستذهب عاملة الرعاية نفسها للعمل في حي ثري آخر؛ حيث قد تدفع الأسرة التي ترعاها مقابل زوج من الأحذية أكثر مما تدفعه هي للإيجار، ومع ذلك، فهي لا تستطيع ولا تجرد تلك العائلة من إنسانيتها؛ إذ تتطلب وظيفتها أن تراعي بصدق إنسانية الأشخاص الذين في رعايتها، وأن تتواصل معهم. إن الرعاية المنزلية للمسنين على وجه الخصوص، مبنية في جوهرها وفي أحسن صورها على دعم كرامة ورفاه إنسان آخر ليس أقل إنسانية منا، ولكنه ببساطة يحتاج إلى مزيد من المساعدة في مهام حياته اليومية.

خلال سنوات عملنا، رأينا عاملات المنازل يُظهرن الإنسانية والاهتمام ذاته للمناصرين لهن، وهذا ما يدعم فكرة أن النضال من أجل احترام وكرامة هذه القوة العاملة في واقع الأمر، هو النضال من أجل صون احترام وكرامة جميع أفراد المجتمع. نظراً لأن المزيد من العائلات تجد الحاجة إلى الاستعانة بمصادر خارجية للعمل في منازلها، فقد أصبحنا نعتمد أكثر على عاملات المنازل لتقديم الخدمات التي تمكّن أفراد الأسرة الآخرين من العمل خارج المنزل؛ من التنظيف إلى تقديم الرعاية، ومع تزايد عدد السكان المسنين الذين يفضلون «البقاء في منازلهم»؛ بمعنى تلقي المساعدة الشخصية والطبية في منازلهم لأطول فترة ممكنة بدلاً من الانتقال إلى دار رعاية المسنين، تدعم العاملات في مجال الرعاية نوعية حياة جديدة لكبار السن، وقد أدى ذلك إلى إطلاق «التحالف الوطني لعاملات المنازل» حملات تنخرط مع أصحاب العمل، وتبحث عن حلول تزيد قدرة العائلات على تحمل التكاليف، وتبسّط العلاقة المعقدة؛ بحيث عززت تلك الحملات فهم أن جميعنا مترابطون كبشر، وأن لدينا احتياجات إنسانية أساسية مماثلة.

ليس صدفة أنه طوال تاريخ الولايات المتحدة، وفي أوقات المعاملة غير الإنسانية والممارسات غير الأخلاقية المفرطة، تمكنت الحركات الاجتماعية المؤلفة من جموع الناس العاديين؛ الذين تحركهم إنسانيتهم ​​الخالصة، من عكس المسار، فقد تصدت الحركة العمالية في الثلاثينيات من القرن الماضي لقسوة انعدام المساواة والفقر المتأصلين، وناضلت «حركة الحقوق المدنية» ضد فظاعة «قوانين جيم كرو». عملت هذه الحركات الاجتماعية من أجل الإنسانية وقيم الأمة، ونؤمن في «التحالف الوطني لعاملات المنازل» بضرورة تنشيط وتمكين الشعب الأميركي نفسه للحفاظ على مجتمع مدني سليم، فعندما يكون المجتمع المدني غير مدني، لا أحد غير الناس المسلحين بإنسانيتهم، يمكنهم تحفيز تجديد القيم التي ينطوي عليها.

هذه أوقات مهمة لأساس مجتمعنا، إذ أننا نعيش في عصر الممارسات غير الأخلاقية، ونشهد ارتفاعاً في التمييز، وتراجعاً في التعاطف، واستهدافاً صريحاً لمجموعات متزايدة من الناس؛ مثل المسلمين والمهاجرين والأمهات، على سبيل المثال لا الحصر، وتأثير هذا يطالنا جميعاً؛ إذ أننا شهدنا هذا بأعلى مستوياته على الإطلاق. تشعر هذه القوة العاملة المدعومة بصورة غير متكافئة من النساء المهاجرات؛ هن وعائلاتهن والعائلات التي يدعمونها جميعاً، بالأثر المباشر لهذه الممارسات تجاه المهاجرين.

المربيات اللواتي لا يحملن وثائق رسمية؛ مثل حالة لوز، ويعتنين بالأطفال الصغار لأصحاب عملهن، يتعرضن لتهديد متزايد على سلامتهن؛ إذ لم يؤثر المناخ السياسي المتغير فقط على قدرة لوز على البقاء حيث شعرت بالقليل من الاستقرار، لكنه أيضاً فصلها عن أفراد عائلتها؛ الذين هم من الأجانب القصّر، وسيصبحون مواطنين أميركيين. بالنسبة إلى صاحبة العمل إيمي، فإن هذا النضال شخصي أيضاً؛ ففي حال ترحيل لوز، لن تتمكن من العمل خارج المنزل حتى تجد شخصاً آخر تثق به ويكون لديه الخبرة المناسبة، وسيفقد أطفالها رعاية الشخص الذي أحبوه. إن الافتراض ببساطة أن قوى السوق ستوفر بديلاً مناسباً، يتجاهل الجانب الإنساني الفريد لعمل الرعاية، وحقيقة أن قطاع الرعاية ينمو بمعدل أسرع بخمس مرات من القطاعات الأخرى، فمن دون مزيد من الاستثمار الحكومي، سيكون من المستحيل الاحتفاظ بهذه القوة العاملة الهامة وتنميتها لتلبية الطلب المتزايد على هذا العمل.

بعد أن سنّت الإدارة الفيدرالية السابقة سياسات غير مدنية وغير إنسانية؛ بما في ذلك سياسة «عدم التسامح» التي تقاضي جميع المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود وتفصل قسراً الأطفال عن آبائهم، أصبحت الحاجة إلى النضال من أجل إنسانيتنا المشتركة هي الأهم، وقد تفاعل مئات الآلاف من الأشخاص العاديين مع صور وأصوات الأطفال المحتجزين في أقفاص؛ والذين تم نقلهم بعيداً عن آبائهم مثل السجناء، وفي 30 يونيو/حزيران 2018، خرج الناس إلى الشوارع في أكثر من 780 بلدة صغيرة ومدينة كبيرة في جميع أنحاء البلاد، وشاركوا في مسيرات وإجراءات بتوجيه من حملة «فاميلي بيلونغ توغذر» (Family Belong Together)؛ وهي حملة قام بها «التحالف الوطني لعاملات المنازل»، ومؤسسة «موف أون دوت أورغ» (MoveOn.org)، ومؤسسات أخرى، هذه الدعوة الموحدة لجمع شمل هؤلاء الأطفال بأسرهم على الفور، ووضع حد لسياسات «انعدام الإنسانية» المتمثلة في مقاضاة العائلات وفصلها واحتجازها بسبب بحثها عن الأمان وحياة أفضل، تزرع الأمل في استعادة الإنسانية، واستمرار محاربة تصاعد تلك الممارسات في القرن الحادي والعشرين.

في عصر الممارسات غير الأخلاقية هذا، ينبغي أن نتعلم من عاملات المنازل والآلاف الذين يتم حشدهم حولهن، وينبغي أن نناضل بصورة جماعية من أجل مجتمع مدني حقيقي، حتى يتمكن هذا المجتمع من الازدهار، لأن أساس تكوينه على المحك. يدرك الناس أن الأمر متروك للأشخاص العاديين والمؤسسات للارتقاء إلى مستوى الحدث والعمل، ليس فقط لوقف تلك الممارسات، ولكن أيضاً لتذكيرنا بالإنسانية؛ التي هي الأساس وفي قلب المجتمع المدني. لقد فات أوان تحديث روابط المجتمع المدني، وينبغي أن يكون عمله مدفوعاً بإنسانيتنا المشتركة؛ من أسفل الهرم إلى أعلاه ومن الداخل إلى الخارج.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي