كيف تتوسّع: الحجم مهم لكن لماذا الشكل مهم أكثر؟

التوسع
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

التوسع هي إحدى الكلمات التي تحمل معاني مختلفة بالنسبة لكل شخص. ولكن لقياس التوسع، ولمعرفة ما إذا كان التدخل قد تم توسيع نطاقه بشكل ملموس، عليك أن تقرر ما تقصده حقاً. عندما عزم مايكل كريمر وآخرون على قياس العائد الاجتماعي من استثمارات الابتكار التي قامت بها وحدة مشاريع تطوير الابتكار (Development Innovation Ventures. DIV) التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، اختاروا 4 تدخلات كانت قد “توسعت” ووصلت إلى مليون شخص على الأقل، واستخدموا هذا المقياس المعياري لتقدير العائد الاجتماعي لاستثمارات وحدة ديف (يمكنك الاطلاع على المقال الرائع الذي كتبه كل من جوسلين ايستس ودايفيد إيفانز وسارة روز لتلخيص هذا العمل). لقد لاحظوا أن اختيار معيار مليون شخص كان “اقتطاعاً عشوائياً مبنياً على تكلفة جمع البيانات التفصيلية”. وعلى هذا الأساس، تم الحكم بأن كل دولار تنفقه وحدة ديف سيولّد ما قيمته 17 دولاراً من التأثير الاجتماعي.

سواء أكان 17 دولاراً هو الرقم الصحيح أم لا، يوضح البحث أن العائد على الاستثمار ذو قيمة كبيرة، وأنه لأمر جيد الحصول على دليل مُقنع حول قيمة الاستثمار الذكي في الابتكار، لأنه مورد قوي لدعم قضايا الناشطين الآخرين. (أحلم أن تصلح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية نهجها الحالي لمشاريعها المتفرقة ذات التأثير المشكوك فيه، وزيادة ميزانية وحدة ديف بشكل كبير، وإعادة الهيكلة حول حلول التوسع مثل تلك التي أطلقتها مشاريع وحدة ديف إلى جانب العديد من الحلول الأخرى التي أثبت فعاليتها مايكل كريمر وزملاؤه).

على الرغم من استحالة أن يُزحزح حلمي البسيط هذا الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عن مواقفها، فإن الدراسة توفر وسيلة جيدة لاختبار هذا المفهوم النقدي لـ “التوسع”. من الرائع أن يقوم المؤلفون بتعريف ما يقصدونه بوضوح: نقول عن شيء ما إنه توسع عندما يصل إلى مليون شخص. لكن في عالم يتألف من سبعة مليارات شخص، ويعاني الكثير من المشكلات الكبيرة، قد يكون رقم مليون مجرد البداية. يجب علينا التفكير في التوسع ضمن إطار يضم كلاً من حجم المشكلة واحتمالات نجاح الحل. مع وضع ذلك في الاعتبار، فإن ما يهم هو شكل منحنى التأثير واحتمال أن يصبح منحدر التأثير الإضافي بمرور الوقت أكثر حدة حتى يقترب الحل من تحقيق إمكاناته الكاملة.

بكلمات أخرى، إن التوسع ليس رقماً، بل هو منحنى. “التوسع” هو تحقيق نمو مستدام غير خطي للتأثير مع زخم متزايد يقنعنا بأن شيئاً كبيراً حقاً، أي تحقيق الحل لإمكاناته الكاملة، قد يحدث فعلاً.

إن اختزال معنى التوسع  بـ”الوصول إلى مليون شخص” لن يبدأ حتى بتعريف هذه الكلمة. يفشل هذا الاختزال في توقع منحنى التأثير على شكل حرف S، وهو التأثير الذي ينطلق ثم يستقيم على مستوى واحد ويؤثر في العديد من التدخلات. على سبيل المثال، انظر إلى موزعات الكلور التي تم الاستشهاد بها على أنها انتصار ضخم، وهي أجهزة بسيطة موضوعة في مصادر المياه المجتمعية تجعل من السهل رش جرعة من الكلور المنقي في حاوية المياه المملوءة الخاصة بك. أظهرت التجارب العشوائية المتحكم بها (RCTs) المصممة جيداً في المجتمعات الريفية في كينيا ومالاوي وأوغندا تأثيراً مذهلاً، نظراً لأنها تدخلات فعالة ورخيصة التكلفة وسهلة الاستخدام. وهذا أمر رائع، إلى حد ما.

دعمت مؤسسة مولاجو (Mulago) هذا العمل. وقد عقدنا عليه آمالاً كبيرة. كما بدا أنه سينجح في أي مكان يوجد فيه مصدر مياه غير محمي، ما يعني ضمناً أنه سينفع العشرات وربما مئات الملايين من الناس. إلا أن المشكلة كانت تكمن في غياب استراتيجية حقيقية يمكن أن تحقق إمكانات هذا الحل إلى أقصاها. في أعقاب هذه الدراسات المرموقة، وبفضل الجهود الرائعة التي بذلتها مؤسسة إيفدنس أكشن (Evidence Action) غير الحكومية، نما انتشار موزعات الكلور بسرعة، ثم بلغ ذروته عند نحو أربعة ملايين مستخدم في جميع أنحاء العالم بحسب البيانات المتوفرة. لم يتدخل أحد لتنفيذه أو تمويل العملية بما يتيح لها الاقتراب من تحقيق إمكاناتها الحقيقية: لم تكن هناك طريقة معقولة للوصول إلى نموذج عمل مُربح، كما لم تُظهر الحكومات الكثير من الاهتمام بالقيام بذلك أو الدفع مقابله. ورغم أن بعض المؤسسات غير الحكومية قد تبنت المشروع، إلا أنها نادراً ما توسع نطاق أي شيء بطريقة منسقة، وحتى لو أرادت ذلك، لم يكن هناك ممول محدد على استعداد لتمويل الجهود بالحجم الذي يلائم أهمية المشروع. نتيجة لذلك، أصبح تركيب موزعات الكلور متشعباً بين مشاريع المؤسسات غير الحكومية التي تدفع ثمنها باستخدام أي تمويل يمكن لهذه المؤسسات الحصول عليه. وعندما قام المنفذون بجمع الأموال من خلال صفقة متزعزعة متعلقة برصيد انبعاثات الكربون المسموح بها والتي قامت بالتمويل بهدف “تجنب الغلي”، كان الأمر علامة يأس صارخة. كانت الفكرة أن موزعات الكلور سوف تجنبنا الحاجة إلى تنقية المياه بالغلي: كانت المشكلة أن هؤلاء السكان لم يغلوا الماء من قبل ولم يكن هناك سبب معقول للاعتقاد بأنهم سيبدؤون فعل ذلك على الإطلاق.

لتجنب اللبس، فإن حماية 4 ملايين أسرة من الأمراض المنقولة عن طريق المياه أمر عظيم، والجهد المبذول في نشر موزعات الكلور يستحق هذه الجهود لتحقيقه تماماً. لكننا إذا أردنا تناول الأمر من منظور التوسع، يجب علينا الإشارة إلى أن استخدام الموزع قد تم تسويته إلى منحنى تطور أعمال للتأثير، والذي يصل إلى مستويات مطال أقل بكثير مما كنا نعتقد أنه يمكن أن يصل إليه. كان الوصول إلى رقم مليون رائعاً عندما كان هناك زخم، ولكن عندما يتراجع هذا الزخم كثيراً عن مستوى الإمكانات، فضلاً عن الحاجة، فإن الرقم مليون لا يبدو كبيراً. والآن، أصبحت موزعات الكلور تدخلاً يشبه الزومبي، فلا هو ميت بعد، وليس حياً تماماً أيضاً. سيظل الابتكار حياً طالما أن هناك شخصاً على استعداد للمحاربة من أجل التمويل لاستمراره، ولكن إذا كان من المفترض أن يحدث هذا الابتكار تأثيراً كبيراً ودائماً في مشكلة كبيرة، فقد فشل.

أحد الأمثلة الأخرى هو النقاش حول “مراقبة الحضور الرقمية” للعاملين الصحيين في العيادات الهندية، وهي محاولة لجعل موظفي المرافق الصحية يلتزمون بالحضور إلى العمل باستخدام قارئ بصمات الأصابع لتوثيق حضورهم. وقد قيل إن هذا التدخل قد وصل إلى 1.8 مليون شخص. لكنه في الحقيقة لم “يتوسع” إلى الحجم المطلوب على الإطلاق: الرقم 1.8 مليون يصف فقط عدد السكان المشمولين في الدراسة التجريبية! ونظراً لأن هذا التدخل تم اختباره أولياً على معيار 1 مليون لوصفه كتوسع، لم يتم تعديل النموذج المتبع مطلقاً. ولست متأكداً ما إذا كان مؤهلاً لتوصيفه بمنحنى تطور الأعمال أساساً. بل الأسوأ من ذلك، أنه تم إيقاف العمل على التدخل وهو ما يزال في المرحلة التجريبية. وكما نشرح في هذه المقالة، فهذا المثال يمثل تجربة مهجورة. والتجربة المهجورة، مهما تكن ناجحة، فلا تعتبر مثالاً على التوسع الناجح، والوصول “لرقم مليون” ليس مهماً إطلاقاً في هذه الحالات. لطالما كان التخلي عن التجارب الواعدة من أسوأ عادات قطاع التنمية في جميع أنحاء العالم، وإنها لمشكلة حقيقية أن لدينا تجارب عشوائية متحكم بها في كل مكان دون أن تدعمها أي مؤسسة ملتزمة بالتوسع في تحقيق النتائج الإيجابية.

إن استخدام معيار الوصول إلى “مليون” لقياس التوسع يتسبب أيضاً في تجاهل التأثير الدائم. فعلى سبيل المثال، إليك أحد الاستثمارات الرئيسية الأخرى المذكورة وهي “ملصقات السلامة على الطرق”، التي يتم وضعها في الحافلات الصغيرة العامة في كينيا لتشجيع الركاب على الإبلاغ عن القيادة المتهورة. في شاحنات الركاب الكينية، التي تسمى ماتاتوس، يتم تحفيز السائقين على القيادة مثل المجانين، لذا فإن الملصقات الموضوعة في مكان بارز تذكر الركاب أنه يمكنهم ويجب عليهم إخبار السائق بإبطاء سرعته. إنه تدخل سهل إلى حد ما وبتكلفة قليلة جداً، كما أن العائد على الاستثمار مثير للإعجاب. وحتى الآن، تسير الأمور على خير ما يرام. ولكن، هل يخلق هذا التدخل تأثيراً دائماً؟ هناك مشكلة الاعتياد: فنحن نميل إلى تجاهل ملصقات التحذير المنتشرة في كل مكان بمرور الوقت، ربما خاصةً عندما تتسخ أو تتعرض للتخريب. ويجب عليك أن تضع نظاماً يضمن أن هذه الملصقات في مكانها الصحيح. وبالطبع، لم يتغير شيء بشأن المحفزات التي تؤدي إلى القيادة المجنونة في المقام الأول. لم يتم تكرار التدخل في التجارب العشوائية المتحكم بها المنفذة في تنزانيا وأوغندا، كما تم تعليق البرنامج في كينيا، لذلك قد أكون على صواب. ويبدو الأمر أنه منحنى آخر لتطور أعمال.

هناك أحد الاستثناءات المذكورة في الورقة وهو مشروع بيع النظارات بأسعار مقبولة الذي نفذته مؤسسة فيجن سبرينغ (VisionSpring): في هذا المثال نرى مؤسسة متمكنة مهووسة بالتوسع تقدم مثالاً لمنحنى تأثير مستدام وشديد الميلان. تتمتع تجربة بيع النظارات بعائد استثمار مذهل، لأننا نتحدث عن سبل العيش المستردة ومساعدة شخص ما على استئناف شيء يعرف مسبقاً كيف يفعله. ولكن مهما تكن النظارات مفيدة للأشخاص، فلا يزال يتعين عليك بيعها بنشاط وفعالية في “آخر محطة متاحة الوصول إلى المستخدم”. هذا يعني أنك إذا كنت ترغب في توسيع نطاق بيع النظارات بأسعار معقولة، فيجب عليك توظيف قنوات التوزيع الحالية حيث يمكنك أن تكون واثقاً أنه سيتم تسويق النظارات وبيعها للأشخاص الذين سيستفيدون أكثر منها.

وهو بالضبط ما تفعله فيجن سبرينغ، وهذا ما يمكن أن يُبقي التأثير دائماً على انحدار المنحنى. وكانت أكبر نجاحاتهم حتى الآن هي التوزيع من خلال مؤسسة بناء الموارد عبر المجتمعات، براك (BRAC) في بنغلادش، حيث يبيع المتخصصون الصحيون المحليون النظارات كجزء من السلع الصحية. نحن نحب مؤسسة فيجن سبرينغ وما تفعله، وقمنا بتمويلها لسنوات. قد يكون من الصعب اكتشاف أفضل طريقة لتوسيع نطاق الابتكار، لكننا دعمنا جهود المؤسسة لمعرفة ذلك، حتى الطرق المسدودة منها، لأنها قامت بالعمل الضروري بطريقة ذكية، مثل بذل الجهد الدؤوب الذي يتطلبه إنشاء مسار تأثير حاد الميلان والحفاظ عليه. سيكون لدينا احتمال نقل النظارات إلى نطاق حل المشكلات حيث تبدأ المزيد من المؤسسات في توصيلها بقنوات التوزيع الصحيحة، بل الأفضل من ذلك عندما يقوم الموزعون المناسبون بذلك بمفردهم.

إذا كان الابتكار مهماً، فالابتكارات العالية التأثير يجب أن تتوسع بما فيه الكفاية لتحدث فرقاً في التعامل مع المشكلة. قد يبدو القول غريباً، إلا أن رقم مليون قد لا يكون شديد الأهمية إذا تسطح منحنى التأثير قبل وقت طويل من تحقيق الإمكانات. ومع وجود 8 مليارات شخص على هذا الكوكب، هناك حاجة إلى اتخاذ حلول قابلة للتطوير على طول الطريق وقادرة على تحقيق أقصى إمكاناتها، ولا يوجد حل يقترب من إمكاناته ما لم تكن ثمة مؤسسة مهووسة بإيصاله إلى هناك.

منحنى التأثير أكثر أهمية من الأرقام، والفشل في الحفاظ على تصاعد هذه المنحنيات هو المؤشر الأهم لبيئة عملنا الكلية المكونة من ممول/فاعل. إذا لم تتمكن المنظمة التي لديها فكرة، أو الباحث الذي لديه نتيجة، من تحديد الفاعلين الواعدين والممولين على نطاق واسع، فمن المحتمل أن تكون النتيجة منحنى تطور أعمال يستوي قبل وقت طويل من حل أي شيء. لا يهم الابتكار ما لم يكن هناك هدف ومستقبل واعد يسعى إليه.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.