التواصل ونشر البيانات لدفع عجلة التغيير

4 دقائق
التواصل ونشر المعلومات
shutterstock.com/Antlii

لا يستطيع الأطفال التصويت، ولا يمكنهم شراء الإعلانات على التلفاز، أو تشكيل لجنة عمل سياسية ليحظوا بما يحتاجون إليه، ولا يمكنهم التحدث بالنيابة عن أنفسهم: لذلك غالباً ما يغيب ذكرهم عن القوائم المكتظة بالأولويات السياسية التي تتنافس على الاهتمام. للتصدي لهذا الإغفال كانت مؤسسة مؤسسة آني إي كيسي فاونديشن (Annie E. Casey Foundation) مشروعاً يعرف باسم "كيدز كاونت" (KIDS COUNT) لأكثر من 25 عاماً.

أنشأ هذه المؤسسة مؤسس شركة يو بي إس -  خدمة الطرود المتحدة (UPS)،جيم كيسي، تكريماً لوالدته الأرملة التي حافظت على تماسك عائلته في الأوقات العصيبة. كان يصب اهتمامه على الأطفال وعائلاتهم بشغف، ومع نمو مؤسسته رأى المكلفون بمتابعة تنفيذ مهمته أن المتحدثين بلسان الأطفال يواجهون صعوبة في إبراز أهمية قضيتهم الهادفة إلى صنع التغيير، وأحد الأسباب هو افتقارهم إلى بيانات موضوعية ودقيقة ومتسقة: كيف يمكن أن يخوضوا في النقاش من أجل مستقبل أفضل، في حين أن الوضع اليافعين الراهن ليس واضحاً؟

فكان مشروع كيدز كاونت وليد تلك الحاجة، فبدأ في عام 1990 بمنتج واحد: كتاب بيانات وطني يقارن آثار 10 مؤشرات على الأطفال (مثل وفيات الرضع ونفقات التعليم ومعدل توظيف المراهقين) في جميع أنحاء الولايات المتحدة. كانت الفكرة من نشر هذا الكتاب تكوين صورة دقيقة وشاملة عن احتياجات الأطفال ليكون التغيير الخطوة التالية. عملت المؤسسة على أمل أن تجذب انتباه وسائل الإعلام من خلال تصنيف النتائج حسب الولاية، بالإضافة إلى جذب انتباه صناع السياسات على الأصعدة المحلية والوطنية والولايات بالاستفادة من النزعة الإنسانية للمنافسة.

على الرغم من تواضع هذه المبادرة الأولى وبساطة حملة ترويجها، بدأت الاستراتيجية تؤتي ثمارها؛ إذ تحمل حكام الولايات حيث كان وضع الأطفال سيئاً مسؤولية تفسير هذا الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين سياساتهم، وحظيت الولايات التي كان حال الأطفال فيها أفضل بفرصة كسب التأييد لمارساتهم المجدية ومشاركة نجاحهم، ودفع الزخم الأولي الذي حققه كتاب البيانات المؤسسة لدعوة المؤسسات الأخرى لإنشاء كتب بيانات خاصة بها على مستوى الولاية، وأدى الاستثمار والتعلم المتواصلان إلى إنشاء شبكة من مزودي البيانات والمناصرين في كل ولاية.

اقرأ أيضاً: الاستثمار في التواصل: جعل الأفكار تتحرك

قيل إننا كثيراً ما نخلط بين الإبلاغ والتواصل، فالإبلاغ هو إرسال الرسالة، بينما التواصل هو إيصالها. مشروع كيدز كاونت هو مشروع غير حزبي يجمع البيانات ويحللها ويعممها، ويستفيد منها في إبراز أهمية رفاهة الأطفال في الولايات الخمسين كافة، وجزر العذراء الأميركية وبورتوريكو، وقد استثمر قوة كل من الإبلاغ والتواصل. إليك بعض الأفكار التي اكتسبناها من تقييم المستفيدين والصحفيين وصناع السياسات لعملنا:

لا تخش توسيع العلامة التجارية

في حين كانت المؤشرات العشر الأولية لرفاهة الطفل ميزة معيارية في كتاب البيانات لسنوات عديدة، أدركنا أننا بحاجة إلى تحديث يعكس أحدث الأبحاث والبيانات، لذلك عملنا مع لجنة من الباحثين وشركاء البيانات، ووسعنا دليل مشروعنا إلى 16 مؤشراً في عام 2012 مصنفة في 4 فئات: الرفاهة الاقتصادية، والصحة، والتعليم، والأسرة والمجتمع. كما تعلمنا أننا بتركيز طاقتنا على إصدار كتاب بيانات سنوي واحد فقط نفقد الفرص للتعمق أكثر في مزيد من القضايا وإبرازها في كثير من الأحيان، لذا أعددنا تقارير السياسة العامة التي تتضمن توصيات السياسة العامة حول مواضيع محددة، إلى جانب لمحات عن البيانات، وهي تحديثات موجزة عن التوجهات المهمة. كما أنشأنا مركز بيانات تفاعلي على الإنترنت يضم البيانات ويقدّم المستجدات باستمرار ويتيح للزائرين إنشاء مخططاتهم ورسوماتهم البيانية الخاصة. واليوم أصبحت وسائل الإعلام تستشهد ببيانات مشروعنا بوتيرة شبه يومية، ويستفيد صناع السياسات من بياناتنا في دعم مقترحاتهم السياسية.

قد تكون الشبكة أقوى وسيلة تواصل

في حين وسّع المشروع منصات التواصل الخاصة به لمواكبة تطور الأفق الرقمي المتسارع، تعلمنا أن تعزيز إمكانيات التواصل للمستفيدين لدينا فعال أكثر من أي أسلوب توعوي منفرد. قادة مشروع كيدز كاونت هم خبراء في الجو السياسي السائد في ولاياتهم والقضايا التي تؤثر على الأطفال فيها، ومنتجات المشروع التي تنشرها المؤسسة وكتب البيانات المحلية التي تنشرها المؤسسات، تساعد في توجيه مئات القصص الإعلامية ومقالات الرأي سنوياً، ما يضخم أصوات هؤلاء القادة المؤثرة ويجعلهم في موضع يمكنهم فيه الاستجابة بسرعة لتطورات السياسة في ولاياتهم. ولبناء هذه الإمكانيات أنشأت المؤسسة مركز التواصل السنوي للمستفيدين من المنح، ليتعلموا عن تخطيط التواصل ووسائل التواصل الاجتماعي وتصوير الفيديو وغيرها من الممارسات، وشجعت على استخدام مركز بيانات المشروع استخداماً إبداعياً هادفاً إلى بناء المهارات. كما استحدثنا مركزاً للتقييم والموارد الإلكترونية يدعى مختبر تعلم المناصرة (Advocacy Learning Lab) يتيح للمستفيدين الوصول إلى الموارد اللازمة لإدارة مؤسسات قوية وتحليل البيانات وتطوير توصيات السياسة العامة، بالإضافة إلى توفير أدوات لتقييم إمكانياتهم في التواصل ومهاراتهم في المناصرة وتحسينها على الدوام. كما تسهل منصة شبكة الأقران المنفصلة على الانترنت التواصل والتعلم الدائم بين المستفيدين.

اقرأ أيضاً: استراتيجيات التواصل المبتكَرة: بلوغ الناس حيثما كانوا

ركز على الجهود المحلية والحلول

في سعينا لتأمين التغطية الإعلامية الوطنية وحصولنا عليها، بينت تقييماتنا (التي تشمل دراسة متعمقة للمبادرات الإعلامية لستة مستفيدين من المشروع في عام 2008) أنه يرجح أن تجذب المعلومات ذات الأهمية المحلية اهتمام الصحفيين، كما يرجح أن تنشر وسائل الإعلام القصص ومقالات الرأي عند ترافق توصيات الحلول بالبيانات، ويرجح أيضاً أن تأخذ حسبانها المعلومات الواردة من مصادر محلية موثوقة يمكنهم الحفاظ على علاقات مستدامة معها. يثير تصنيف كتاب البيانات للولايات وكتب البيانات المحلية التي يصدرها المستفيدون اهتمام وسائل الإعلام، ويقدم المستفيدين بوصفهم خبراء ويشجع القادة على تحسين ترتيبهم مع مرور الوقت.

في عام 2014 وحده، أدرك المستفيدون من مشروع كيدز كاونت مكاسب سياسته في 33 ولاية، إذ حققت 8.3 مليار دولار في الاستثمارات العامة للأطفال والأسر. أثبت هذا النجاح أن البيانات والتواصل الاستراتيجي المستدام يؤديان دوراً محورياً في تحسين السياسة والممارسات العامة على نطاق واسع.

ليس من السهل على أي مؤسسة مواصلة الاستثمار نفسه على مدى 25 عاماً، لكن هذه المكاسب السياسية تبين أن محصلة مثل هذه المبادرات مذهلة لمستقبل دولتنا، وأن تضافر أصواتنا يمثل الأطفال بصوت قوي ومسموع.

اقرأ أيضاً: التواصل الاستراتيجي يلقى مناصَرة رؤساء المؤسَّسات غير الربحية

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي