آن أوان التعلم المؤسسي (الجزء الثاني)

التعلم المؤسسي
shutterstock.com/yuttana Contributor Studio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقدم منصة “ستانفورد للابتكار الاجتماعي” الجزء الثاني من سلسلة “آن أوان التعلم المؤسسي”، التي التي تحدثنا في جزئها الأول عن آلية جديدة اتبعتها المؤسسات غير الربحية لعمل موظفيها خلال الجائحة أهمها العمل عن بعد، وسنبين في هذا الجزء ضرورة تحديث هذه المؤسسات للسياسات والإجراءات المتخذة وإشراك الموظفين الرأي في أسلوب العمل الجديد في الفترات المقبلة. 

أحياناً تحقق المؤسسات قدراً كافياً من الشفافية باستخدام وسائل تلائم الجميع (أو الأغلبية)، وأحياناً أخرى يمكن أن تكون المحادثات الفردية مثمرة أكثر وتساعد على رفع سوية الأداء وزيادة مدة الاستبقاء، خاصةً إذا كان للموظفين احتياجات مختلفة.

مهما يكن الأسلوب المتبّع، فإنه يجب على القادة الاستجابة باحترام لملاحظات الموظفين وإدراك الدور الذي يؤديه التواصل والشفافية في بناء الثقة وكسب التأييد لعملية التغيير. وصفت إحدى الموظفات في مؤسسة غير ربحية التي شملها الاستقصاء الذي أجريناه تجربتها في الامتناع عن المشاركة بقولها: “اتخذ رئيس المؤسسة والقيادة العليا قرار العودة إلى العمل في المكتب بدوام كامل، دون تدخل الموظفين. لم يُجرَى استقصاء بين الموظفين أو يُسألوا عن رأيهم حول ذلك في أي مرحلة. زعم أحدهم بأن رئيس المؤسسة سيخرج في جولات بين المكاتب ‘للتأكد من وجود الموظفين على رأس عملهم على مكاتبهم’. بالنسبة لي كان هذا التصرف متعالياً ومهيناً، فقد أثبت (كل فرد في) المؤسسة أنه كان فعلاً (قادراً) على أداء عمله على أكمل وجه خلال العام الماضي الذي كانوا يعملون فيه عن بعد”.

في المقابل، أوضح نائب رئيس ملجأ الأسرة الذي ذكرناه في بداية المقال أن الجائحة عززت الثقة ضمن المؤسسة، ويرجع جزء من ذلك إلى جلسات نقاش الفريق الأسبوعية الدورية حول التعاطف والتفاهم. وأشار: “لقد حاولنا فعلاً رعاية الأشخاص (المقيمين في الملجأ)، لكننا أيضاً حرصنا على أن نعتني بموظفينا وأنفسنا…. كنا واثقين من أن الجميع كان يبذل قصارى جهده”. من المرجّح أن يكون هذا النهج قد أسهم في ألّا تخسر المؤسسة أي موظف بسبب هواجسه من فيروس “كوفيد-19”.

ابتكارات برنامج “كوفيد19″: هل نواصل العمل بها أو نتخلى عنها أو نغيرها؟

أدت الطبيعة المديدة وغير المسبوقة للجائحة أيضاً إلى تعقيد برنامجية المؤسسات غير الربحية وألزمت المؤسسات بإجراء تغييرات جذرية لتحافظ على قابلية تحقيق رسالتها.

تشمل التغييرات التحولات التشغيلية، مثل نقل البرامج الشخصية إلى منصات افتراضية وتطوير استراتيجيات تواصل رقمية جديدة. في بعض الحالات، كان التحدي الرئيسي الذي تواجهه هو تكييف البرنامجية لتتوافق مع بروتوكولات الحماية من فيروس “كوفيد-19”. على سبيل المثال، أشارت تقارير على مستوى الولاية إلى أن المؤسسات غير الربحية تحملت النفقات الإضافية المترتبة على تأمين معدات الحماية الشخصية، وفي بعض الحالات تحولت من البرامج التي يديرها المتطوعون إلى البرامج التي يقودها الموظفون. كما كان عليها إيقاف البرامج التي لم تعمل في ظل هذه القيود الجديدة بشكل مؤقت أو دائم.

احتاجت المؤسسات غير الربحية الأخرى إلى تعديل معايير أهلية الخدمة لمراعاة الاحتياجات المستجدة. على سبيل المثال، إن تحالف “المؤسسات التطوعية الوطنية الفاعلة في مجال الكوارث الذي يركز عادةً على الكوارث الطبيعية، وسع نطاق عمله ليشمل الاستجابة للجائحة. غيرت مؤسسات مثل المؤسسات غير الربحية التي تعنى بالخدمات الصحية و البشرية أنماط عملها لتصبح أول المستجيبين، في حين اعتمدت مؤسسات أخرى مثل المؤسسات الفنية البرنامجية والتطوير للحفاظ على سبل عيشها خلال الجائحة.

لكن رغم أن الابتكارات المتعلقة بفيروس كوفيد تواصل توسيع قدرات المؤسسات غير الربحية، فإن ذلك ليس سيئاً كلياً، فإن اعتماد تكنولوجيا جديدة، وتوسيع معايير الخدمة، والتخلص من الأنشطة البرنامجية الأقل قابلية للتطبيق هي تطورات مثمرة. كما قال أحد موظفي مؤسسة غير ربحية من الذين استقصينا آراؤهم: “أظن أن التغييرات المرتبطة بفيروس كوفيد -رغم أنها مثيرة للتوتر ومؤلمة وصعبة وشاقة- ستحقق التوازن في مؤسستنا لتجعلها أكثر استدامةً وتحسن خدمتها لمجتمعنا”.

يمكن لقادة المؤسسات غير الربحية صياغة عملية تعاونية ومتكاملة لتقييم أي الابتكارات أحسنت خدمة مهمة المؤسسة غير الربحية، وأيها لم تحقق ذلك، وهل يجب إعادة إدراج أي مستفيدين من برامج ما قبل الجائحة قد فوتناهم. تتمثل إحدى سبل بدء هذه العملية في استخدام تحليل “سوات” (SWOT) واضح المعالم لتحديد “نقاط قوة الابتكار أو نقاط ضعفه أو الفرص التي أتاحها أو المخاطر التي قد تنتج عنها”، أو استخدام تقييم مثل نموذج “ألماسة ليفيت” (Leavitt’s Diamond) الذي يؤكد التوافق بين الأشخاص والهيكلية والمهام والتكنولوجيا. تحدد هذه الممارسات بشكل عاجل أي وسائل التكيف المرتبطة معاً التي يجب أن تجعلها المؤسسات غير الربحية دائمة. كما تساعد في تحديث معايير القياس والتقييم، وتسليط الضوء على الكفاءات الجديدة التي لا يجب أن تبارح مكانها.

كما هو الحال في قسم الموارد البشرية، تُحقق أقصى استفادة من هذه العملية عندما تكون تعاونية، مستندةً على مجموعة عمل متعددة الوظائف، أو استقصاء للموظفين، أو ملتقى تبادلات ذاتية التنظيم بقيادة الموظفين، أو حتى جلسات استماع مع مجموعات مختلفة من الموظفين. يجب أن يكون الإنصاف والشمول من الاعتبارات الرئيسية، وينبغي أن توازن الاعتبارات المتعلقة بطريقة التقدم بين استقرار المؤسسة على المدى الطويل والكفاءات القصيرة المدى. وكما هو الحال في أي تغيير مؤسسي، تكون الشفافية مهمة. بدأت رابطة ذات عضوية نعرفها تتحدث عن خططها للعودة إلى المكتب الربيع الماضي بإجرائها استقصاءات رأي للموظفين وعقد اجتماعات تضم جميع أفراد المؤسسة لإبلاغهم بالخطط والتفسيرات المنطقية لها لتوليد الثقة بينهم. فإن إبلاغ الموظفين بمتطلبات العملية، والتفسيرات المنطقية لأي انعكاسات أو حالات تكييف أو تعديلات، وأثر التغيير على الموظفين سيزيد احتمالية دعم الموظفين لعملية التغيير. كما يجب أن تحرص المؤسسات على إشراك الممولين والشركاء الآخرين، عند اتخاذ قرارات في برنامجية المؤسسة.

أخيراً، بعد أن تجمع المؤسسات المساهمات وتحدد أي الابتكارات التي ستواصل العمل بها أو تتخلى عنها أو تغيرها، ينبغي لها تحديث السياسات والإجراءات وحتى تقييمات أداء الموظفين لتعكس أسلوب العمل الجديد.

تشتهر المؤسسات غير الربحية بقلة الاستثمار المعتادة في قدراتها، التي تشمل الممارسات والأدوات التي تعدها لهذه المرحلة من التعلم المؤسسي. لكن آن أوان مواجهة التحدي -للاعتماد مجدداً- من خلال إشراك الموظفين والشركاء، وتحليل التغييرات المؤسسية والبرنامجية، وتقصي الممارسات التي ستواصل خدمة رسالة المؤسسة جيداً في المرحلة التالية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.