بين مؤسسة تسعى إلى دعم العمالة المحلية لكنها تصطدم بجدار قلة المهارة والكفاءة، وموظف يكتفي بفرصة العمل التي تقدمها الحكومة للاستفادة من مزاياها المتعددة دون السعي إلى التطور المهني تبرز مشكلة نظام الحصص في سوق العمل الخليجي.
فعلى الرغم من تطبيق حكومات الخليج استراتيجات التوطين للحد من التحديات المتعلقة بتوفير فرص عمل للمواطنين؛ إلا أن تطبيق نظام الحصص واكبه عدداً من الآثار السلبية، منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يتعلق بتوظيف العمال الوهميين، والمفاهيم الخاطئة المتعلقة بمستويات إنتاجية الموظفين المحليين، وعدم تقدير البعض لدور الدولة الأبوية أو الراعية، وانخفاض الأمان الوظيفي بين العاملين المغتربين وتقليل التنوع في مكان العمل. ومن خلال دراسة البروفيسور البنا والدكتورة فاطمة للدراسات الأدبية المنشورة حول نظام الحصص في دول الخليج على مدار عقدين من الزمن، فإن نظام الحصص في حد ذاته لا يخلق وظائف جديدة؛ بل أن هناك حاجة ملحة إلى النظر إلى ما أبعد من الأرقام والإحصاءات والتي قد تقدم في كثير من الأحيان صورة غير حقيقية للواقع ومضللة لصانعي السياسات.
ومن هذا المنطلق، يجب أن يدور الهدف النهائي لسياسات التوطين حول فكرة أداء السكان لمهامهم بكفاءة وفاعلية، بدلاً من فكرة الحصول على وظائف فقط.
لماذا تستخدم دول الخليج نظام (الكوتا)؟ وكيف؟
تعد الحصص في حد ذاتها الأداة الأكثر شيوعاً لتنفيذ التوطين في دول الخليج لأنها سهلت تحقيق الأهداف الوطنية بشأن إحصاءات توظيف المواطنين. ولذلك شهدت دول المجلس تبنياً نشطاً لنظام الحصص تحت مسميات مختلفة كبرنامج نطاقات في المملكة العربية السعودية، حيث تم فرض حصص سعودية بنسبة 23% لتعزيز التوطين في سوق العمل (لصالح المواطنين ليتم تعيينهم في المملكة العربية السعودية). أما في البحرين فتم فرض زيادة سنوية بنسبة 5% في عدد الموظفين المحليين المعينين. ومع ذلك، ما يحتاج صانعو السياسات إدراكه هو أن نظام الحصص بشكله الحالي هو أداة كمية بحتة، تقتصر على تحديد عدد المواطنين العاملين وليس تطوير قوة عاملة محلية قادرة على المنافسة.
ونظراً لأن الحكومات تضع حصصاً طموحة لتوظيف أعداد متزايدة من المواطنين، واجهت أسواق العمل في دول الخليج المزيد من التحديات والصعوبات نظراً لارتفاع نسبة العاملين الأجانب في دول المجلس إلى ما يزيد عن 90%. في المقابل، كانت المؤسسات تواجه مشاكل في العثور على المواطنين الأكفاء الذين يمكن لهم أن يحلوا محل الموظفين الأجانب. وتحقيقاً لهذه الغاية، بدأت بعض المؤسسات في تبني نظام الحصص الذي تم فرضه من قبل الحكومات لتوظيف المواطنين رسمياً، بغض النظر عن مدى ملاءمتهم للمنصب في بعض الأحيان، وذلك لضمان استمرارية أعمالهم. بينما عملت شركات أخرى على تخفيض متطلبات العمل لتتناسب مع مجموعة المهارات المتاحة للقوى العاملة المحلية. وهذا لا يعني أن حكومات دول الخليج لم تستثمر في استراتيجيات أخرى لتطوير قوتها العاملة المحلية. فعلى سبيل المثال؛ شجعت بعض حكومات المنطقة على تبني أنشطة التدريب والتطوير بين مؤسسات الأعمال، ومع ذلك، لم تبد العديد من المؤسسات الاستعداد لتحمل مثل هذه التكاليف الإضافية.
مع تنفيذ دول الخليج لنظام الحصص لأكثر من عقد من الزمن، فإن الإحصائيات المتعلقة بتوظيف المواطنين لا تبدو مبشرة. والسؤال هنا، هل نظام الحصص يعيق أو يسهل التنفيذ الناجح للتوطين؟ وما الذي يمكن أن تفعله حكومات المنطقة للتغلب على العوائق الحالية المرتبطة بهذا النظام وتحقيق أهداف التوطين الخاصة بها بنجاح؟
خمسة تحديات للتحول إلى نظام الكوتا فعّال
أشارت الأبحاث المتعلقة بنظام الكوتا إلى أسباباً مختلفة لعدم فعالية هذا النظام، والتي تعددت بين رفض المؤسسات له بسبب ارتفاع تكاليفه الاقتصادية، وعدم التقيد به عندما لا تفي القوى العاملة المحلية بمتطلبات الوظيفة، وقدرة بعض المؤسسات على التهرب من النظام أو التحايل على أهدافه. وسنلقي نظرة على كل من هذه التحديات المحتملة لصانعي السياسات والحلول اللازمة للتغلب عليها كما هو موضح في الشكل أدناه.
1. تفضيل الوظائف المناسبة اجتماعياً وثقافياً
جعلت الأعراف الثقافية والاجتماعية السائدة في منطقة الخليج من الصعب على المؤسسات تحقيق أهداف الحصص الطموحة التي حددتها حكومات دول المنطقة بسبب تفضيلات السكان المحليين لبعض الوظائف المناسبة ثقافياً أو وظائف القطاع الحكومي وخصوصاً الوظائف القيادية. أدى تفضيل المواطنين للوظائف الإدارية أو ذات المردود العالي إلى تكوين فكرة غير جيدة عن القوى العاملة المحلية وذلك بامتلاكها عقلية "المدير"، حيث إن الوظائف الوحيدة المقبولة لديهم هي تقريباً تلك التي توفر لهم الاحترام والمكانة والسلطة. وبناء على هذه الصورة النمطية هناك مخاوف متعلقة بانضباط أو التزام السكان المحليين وتوجهاتهم اتجاه العمل. وفي بعض الدول تم إطلاق مصطلح "رجال الحصص" أو "نساء الحصص" على بعض المواطنين، الأمر الذي خلق إحساساً بالتهميش، وأكد على انخفاض مهارات أو مؤهلات بعض المرشحين الذين تم تعينهم.
الحل: من أجل التغلب على هذا التحدي، تحتاج دول الخليج إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها نحو تنمية القوى العاملة المحلية. ويلزم أن تقرن هذه الاستراتيجيات بتنمية المهارات، والأدوات التنظيمية والمؤسسية الفعالة، والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وتوظيف المرأة بما يتلاءم مع ظروفها في المجتمعات الخليجية وقوى السوق من خلال حزمة من الحوافز. علاوة على ذلك، تحتاج الحكومات إلى ضمان مطابقة دقيقة بين الوظائف المطلوبة وما تقدمه مؤسسات التعليم، والعمل على تطوير ثقافة أداء مدفوعة بمعايير الإنتاجية. كما يمكن للمبادرات الإضافية المتعلقة بتطوير القيم والمعتقدات، والالتزام الوظيفي، والتعاون بين القوى العاملة المحلية أن تصنع العجائب في غرس الأمان الوظيفي بين السكان المحليين في القطاع الخاص وخلق مجموعة من القوى العاملة المحلية المؤهلة.
2. التركيز على توفير فرص العمل أكثر من تنمية المهارات
أدت مدفوعات الرعاية الاجتماعية المجزية التي تقدمها حكومات دول الخليج للمواطنين، والتي تأتي احياناً على شكل وظائف حكومية مضمونة، إلى خلق حلقة مفرغة، حيث أسهمت في تكوين المواطنون مواقف سلبية تجاه العمل، ونتيجة لذلك، أصبح كثير منهم يفضل البقاء خارج منطقة سوق العمل الحقيقي، ولا سيما القطاع الخاص. ومع محاولة حكومات دول الخليج زيادة نسبة الأجور للمواطنين التي يتم دفعها من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتوفير المزيد من فرص العمل في القطاع العام، ليس من المستغرب أن تكون القطاعات الحكومية في دول الخليج الآن مشبعة بالسكان المحليين وليست في وضع يسمح لها بتوظيف المزيد. ولسوء الحظ فإن الأهداف التي دفعت حكومات هذه الدول إلى خلق فرص عمل للمواطنين في القطاع العام كانت غير ناجحة من حيث ضمان توظيفهم على المدى الطويل وذلك بسبب عدم التركيز على تنمية القدرات والمواهب.
الحل: ما سبق يدعو دول الخليج إلى إعادة التفكير في نظامها كدولة أبوية/ داعمة. كما يمكن الاخذ بعين الاعتبار سياسات إدارة الموارد البشرية التي تجمع بين النهج القانوني والمعياري. يحتاج نظام الرعاية الاجتماعية الحالي إلى مراجعة ليتم إعادة صياغته حول أداء عمل المواطنين، الأمر الذي لا يخلق ثقافة الاعتماد على النفس فقط بين القوى العاملة المحلية، ولكنه يشجع سلوك توظيف مقبول في القطاع الخاص. إن تصحيح هذه العوامل الاجتماعية والثقافية ستستغرق وقتاً طويلاً، وبالتالي يجب استكمالها بمبادرات على مستوى التعليم بحيث يتم تدريب الطلاب المحليين لتنمية عادات التقييم الذاتي لمساعدتهم على تطوير أنفسهم ضمن منظومة حديثة وشاملة للتدريب. وباستخدام التنويع الاقتصادي كأداة، يمكن للحكومات أيضاً تنويع قائمة الوظائف المقبولة اجتماعياً للمواطنين وتوسيع نطاق أصحاب العمل الذين يختارونهم للتوسع خارج القطاع العام، ومن هنا تأتي أهمية التركيز على التعليم والتدريب المهني.
3. الإطار القانوني يقلل فعالية نظام الحصص
يعمل الإطار القانوني الحالي لمنطقة دول الخليج ككل، على الحد من منافع المؤسسات التي لا تلتزم بنظام الحصص المفروض قانوناً ومكافاة المؤسسات الملتزمة، مثل برنامج مكافأة أجور التوطين الذي أطلقه صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف في السعودية، حيث أكدت دراسة أجراها الباحث فرحان البوسعيدي عام 2018 أن فشل نظام التوطين في دول مجلس التعاون يعود إلى الممارسات الحالية لنظام الحصص إلى جانب عدم وجود الأطر التشريعية السليمة.
إذ لم تسفر تلك الضغوط إلا عن قيام عدد قليل من المؤسسات باتخاذ خطوات نحو ضمان توظيف وإيواء المواهب المحلية المناسبة، في حين لجأت مؤسسات أخرى إلى توظيف عمال وهميين حققوا أهداف الحصص من الناحية الإحصائية فقط.
كما أن افتقار المؤسسة إلى أساس أخلاقي في محاولتها العقيمة للامتثال لأهداف الحصص المفروضة قد تسبب أيضا في تأثير سلبي غير مباشر على الصورة النمطية للمواطنين بأنهم غير فعالين وغير منتجين على الرغم من وجود كوادر وطنية تحتاج إلى نظم عمل ملائمة حتي تظهر قدراتها وتطورها بشكل ملائم. وعلى نطاق آخر، فرضت بعض دول الخليج حصصاً على العمالة الأجنبية التي يمكن توظيفها، ما أدى إلى تقييد التوازن الطبيعي لسوق العمل. ونظراً لأن الحكومات طبقت سياسات مختلفة على القوى العاملة الوطنية والوافدة، فقد نشأ سوق عمل مزدوج، حيث شهد القطاعان غير المتنافسين فئات مختلفة للأجور، ومتطلبات العمل، والمعاملة المختلفة من أصحاب العمل لشاغلي نفس الوظيفة.
الحل: يمكن تنفيذ نظام الحصص في القطاعات التي تواجه طلباً أقل مرونة أو حيث تكون العمالة الوطنية والأجنبية متقاربة البدائل، كما تحتاج المؤسسات إلى ترشيد استخدام نظام الحصص مع مراعاة وجهات النظر أصحاب المصلحة مثل أصحاب العمل والحكومة والموظفين والعملاء والمنافسين وأخيراً وليس آخراً العلماء والخبراء. فمن من المهم أن يكون أصحاب العمل قادرون على مناقشة مخاوفهم ومخاوفهم المرتبطة باستخدام نظام الحصص وتوظيف المواطنين لإيجاد حلول أفضل لحل هذه المخاوف.
4. تهرُب المؤسسات من الالتزام بنظام الحصص
أدى فرض نظام حصص على الشركات الأجنبية لجعلهم غير راغبين في توظيف المواطنين، لدرجة أنهم تبنوا طرقاً مختلفة للتهرب من الحاجة إلى توظيف السكان المحليين بما في ذلك الاستفادة من الواسطة للتغلب على الحصص التي تفرضها الحكومة. وأصبحت المؤسسات تنظر إلى الموارد البشرية على أنها تكلفة وليست أصل بشري ذو قيمة، وفي حال التوطين، اعتبروها أحد أشكال الضرائب غير المباشرة، الأمر الذي قلل من رغبتهم بتوظيف المواطنين. كما أن هناك بعض المؤسسات يتم ايقافهم عن العمل بسبب عدم قدرتها على الوفاء بمتطلبات نظام الحصص من حيث توفير فرص عمل كافية للمواطنين الذين يصرون على رواتب تنافسية. في الحالات التي تم فيها توظيف المواطنين، واجهت المؤسسات معدلات دوران عالية بترك الوظائف في القطاع الخاص متجهين للقطاع العام الأكثر جاذبية للمواطنين من ناحية الأجور والمزايا.
الحل: بالنظر إلى التكاليف المتزايدة المرتبطة بنظام الحصص، فإنه يلزم تقييم مدى ملاءمة نظام الحصص لكل صناعة علي حده وتطبيقه بشكل انتقائي. كما يمكن منح المؤسسات، بدلاً من توظيف المواطنين، خيار آخر لدفع الضرائب التي يمكن استخدامها بعد ذلك من قبل الحكومة لتعزيز مهارات القوى العاملة المحلية. ويمكن أن تحقق الحصص أيضاً نتائج أكثر إيجابية في القطاعات التي يمكن أن تحل بسهولة محل القوى العاملة الأجنبية، ما سيقلل من تكاليف الإنتاج.
5. قلة تمثيل النساء في سوق العمل
عندما تم تحديد نظام الحصص لإجبار المؤسسات على توفير المزيد من فرص العمل للمواطنات وعلى الرغم من توافر النساء المتعلمات، لم يتمكن نظام الحصص من تحقيق معدلات التوظيف المرغوبة للنساء بسبب العادات الاجتماعية والثقافية الموجودة. نتيجة لذلك، فإن شبح ارتفاع مستويات بطالة الإناث في دول الخليج يلوح في الأفق. ولقد شكلت الثقافة الذكورية في دول الخليج عقبة في تعزيز توظيف المرأة، حيث تعتبر مشاركة المواطنات في سوق العمل محكومة لثقافة "العيب" لذا يتطلب من سوق العمل خلق المزيد من الوظائف التي تعتبر مناسبة ثقافياً للمرأة الخليجية. علاوة على ذلك، بعض النساء في دول الخليج لا يفضلن العمل في بيئة مختلطة أو بساعات عمل غير مرنة. وبالتالي، فإن توظيف النساء المحليات يأتي بتكاليف ثابتة إضافية بسبب القوى الثقافية المؤثرة. الأمر الذي أدى إلى خلق مستوى كبير من التمييز بين الجنسين في المنطقة. ومن المثير للاهتمام أن المؤسسات في دول الخليج ليس لديها قوانين محددة تتعلق بالتمييز بين الجنسين.
الحل: هناك حاجة إلى سياسات جديدة تعمل على تحسين تمثيل النساء المحليات في سوق العمل، وتسمح بدمجهن بسلاسة في المجال المهني، ونشير هنا إلى وجود مبادرات ناجحة لتمكين المراة في سوق العمل منها مؤسسة نماء للارتقاء بالمراة في الإمارات، وتحركات تطالب أصحاب الشركات بزيادة تمثيل المرأة في المناصب القيادية، حيث تبذل مبادرة بيرل جهوداً فعالة في الإطار.
نظام الحصص (الكوتا) هو نهج مدفوع بالنتائج، إذ أنه يركز بشكل مفرط على قياس نجاح استراتيجية التوطين باستخدام المقاييس الكمية، مع إيلاء القليل من الاهتمام للمقاييس النوعية مثل التوجهات الصحيحة نحو التوطين ورفع كفاءة العنصر البشري. وعلى الرغم من أن نظام الحصص يمكن أن يكون أداة فعالة لتوفير المزيد من الفرص لمجموعة من الأقليات، فإنه بسبب غياب المرشحين المؤهلين من هؤلاء الأقليات، أدى ذلك إلى أن يكون نظام الحصص سبباً في غرس الصورة النمطية السلبية عن المواطنين. ونتيجة لذلك، نحتاج إلى أن ندرك أن التوطين هو أكثر من مجرد تحقيق نسب إحصائية مطلوبة، حيث نحتاج النظر إلى ما وراء هذه الأرقام.
ويبقى نظام الحصص كواحد من العديد من الطرائق التي يمكن لدول الخليج من خلالها تحسين توظيف السكان المحليين؛ مثل مواءمة التعليم مع احتياجات سوق العمل، والتنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط والغاز، وتطوير اقتصاد قائم على المعرفة وسوق عمل يلتزم بمعايير الكفاءة والمساواة.