حوكمة التكنولوجيا في المؤسسات غير الربحية

12 دقيقة
المؤسسات غير الربحية
shutterstock.com/Cardaf
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إعطاء الأولوية لمتخصصي التكنولوجيا في مجلس الإدارة من شأنه أن يساعد المؤسسات غير الربحية ومؤسسات الخدمات الاجتماعية على تحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة وتحسين نتائج دعم المجتمعات.

باتت التكنولوجيا ضرورية لنجاح المؤسسات غير الربحية، إذ تمكّن الأدوات الرقمية المؤسسات من أتمتة العمليات والوصول إلى شرائح جديدة من الجمهور وإعادة تصميم البرامج وتقييم تأثيرها بوضوح وفعالية أكبر.

لكن الفجوة الرقمية آخذة في الاتساع، فقد أفاد ربع المؤسسات غير الربحية فقط بوجود استراتيجية محددة للانتقال إلى أسلوب العمل الرقمي، وقرابة نصف هذه المؤسسات فقط لديها الموارد اللازمة لتنفيذ استراتيجيتها. ليس من المستغرب أن تنفق المؤسسات غير الربحية نحو دولار واحد على التكنولوجيا مقابل كل 3 دولارات تنفقها الشركات الخاصة، لكننا نعلم أن المؤسسات غير الربحية الماهرة في مجال التكنولوجيا أكثر قدرة على تحقيق رسالتها بأربعة أضعاف.

الجانب المشرق في الأمر هو أن متخصصي التكنولوجيا ذوي الأهداف الاجتماعية حريصون على الشراكة مع نظرائهم في المؤسسات غير الربحية لسد هذه الفجوة. أعرب أكثر من 400,000 متخصص في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة على لينكد إن (LinkedIn) عن رغبتهم في الانضمام إلى مجلس إدارة مؤسسة غير ربحية. يرغب هذا الجيل الجديد من العاملين في مجال التكنولوجيا في الاستفادة من مهاراته وشبكاته من أجل خدمة الصالح العام، لكن القليل منهم يشارك فعلياً.

يمثل ذلك فرصة هائلة غير مستغلة للمؤسسات لاستخدام مواهب التكنولوجيا لتحقيق نتائج أفضل لمجتمعاتها. قرر كل من المؤلفَين المشاركين في كتابة هذه المقالة والزميلين السابقين في مؤسسة تابروت فاونديشن (Taproot Foundation)، أليثيا هانيمان وآرون هيرست، بوصفهما خبيرين يعملان منذ فترة طويلة في مجال الحوكمة غير الربحية والتأثير الاجتماعي للشركات وتوظيف التكنولوجيا من أجل الصالح العام، أن يتعاونا مع مؤسسة أوكتا فور غود (Okta for Good) بقيادة إيرين بودو فيلتر (وهي أيضاً مؤلفة مشاركة في هذه المقالة) لفهم التحديات التي تواجهها المؤسسات غير الربحية في تطوير استراتيجية تكنولوجية وتوظيف التكنولوجيا الحديثة. في أوائل عام 2023، أجرينا أكثر من 50 مقابلة مع قادة مؤسسات غير ربحية (منهم خبراء في مجال التكنولوجيا غير الربحية) ومدراء تنفيذيين في مجال التكنولوجيا لإيجاد طريقة لتحقيق تقدم في هذا المسعى. برزت إشارة واضحة: يمكن لتدخل مجالس الإدارة أن يُحدث تحولاً جذرياً في تعامل المؤسسات غير الربحية مع التكنولوجيا بطريقة تعزز مهام هذه المجالس وتساعدها على توسيع نطاق عملياتها وتسمح لها بإعداد رؤية طويلة الأمد للتكنولوجيا داخل مؤسساتها.

ومن الأمثلة على ذلك مؤسسة ليمونتري (Lemontree)، وهي مؤسسة غير ربحية تصل الناس بالموارد الغذائية في مدن من مختلف أنحاء الولايات المتحدة. كانت المؤسسة تقدم حزم الوجبات للأسر ذات الدخل المنخفض، لكنها اكتشفت في أثناء الجائحة أن مواد البقالة والوجبات المجانية كانت متاحة بيسر وسهولة. يقول المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق أليكس غودين: “أدركنا أن الغالبية العظمى من الجياع لا يعانون الجوع بسبب عدم توافر الموارد الغذائية [بل] لأنهم لا يستطيعون الحصول على معلومات موثوقة عن أماكن العثور عليها، كنا بحاجة إلى حل مشكلة مختلفة تماماً [و] توفير معلومات دقيقة عن مصادر الغذاء المجانية بطريقة يمكن للباحثين عن هذه المواد الحصول عليها”.

احتاجت المؤسسة إلى خبراء في التكنولوجيا لإنشاء قاعدة بيانات على الإنترنت يمكنها تجميع البيانات المتاحة والتحقق منها، ومن ثم إشراك المستخدمين في خط مباشر عبر الرسائل النصية للوصول إلى تلك المعلومات. طلب غودين من روتول ديف، وهو مؤسس ورائد أعمال في مجال التكنولوجيا، الانضمام إلى مجلس إدارة مؤسسة ليمونتري في أواخر عام 2021 وتقديم التوجيهات للمؤسسة التي أخذت تتوسع بسرعة. ويروي غودين أنه قال لروتول: “تعطل الموقع الإلكتروني، هل العطل كبير؟ فأجاب روتل: لا، الموقع بخير. نحن ننفق 5,000 دولار شهرياً على الخوادم، هل يفي ذلك بالغرض؟ ومتى نحتاج إلى تنمية فريقنا؟ وهكذا بدأنا التعاون، إنه يساعدنا على [فهم] الجوانب التي يجب أن نركز عليها والتي يجب ألا نركز عليها، والتي قد نحتاج إلى تعديلها”.

اعتمد غودين أيضاً على ديف لتوظيف مهندس برمجيات وتدريبه. بسبب صغر حجم الفريق، لم تستطع ليمونتري أن تقدم الكثير مما يحفز المهندسين، مثل التعلم من الأقران وتنمية الفريق. قدّم ديف التوجيه الذي يُقدم في الشركات الكبيرة بالإضافة إلى الرؤى والتعلم الذي يقدمه فريق عمل كبير. قال غودين للمهندس: “أنت الآن تتلقى التوجيه مباشرة من [رئيس تنفيذي للتكنولوجيا] يتمتع بالكثير من العلاقات في هذا القطاع، شخص أكثر إثارة للإعجاب ممن قد تجدهم في ‘وظيفة عادية'”.

وبدعم من ديف، وضعت ليمونتري استراتيجية تكنولوجية للمساعدة على توسيع نطاق عملياتها إلى 8 مدن. في عام 2020، كانت المؤسسة تقدم خدماتها لـ 1,500 مستفيد بالمجمل، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، أصبحت تقدم خدماتها لـ 1,000 مستفيد أسبوعياً، ومن المتوقع أن تقدم خدماتها لأكثر من 3,000 مستفيد يومياً بنهاية عام 2023. كان أحد العناصر المهمة في استراتيجية نموها تصميم منصة تكنولوجية عبر الإنترنت داخل المؤسسة، ما سمح للفريق بتكييفها بسرعة لتناسب الاستخدامات المختلفة. وكما قال ديف: “عندما أصدرنا أداة تتيح تطوع الشركات، سجلت شبكة بلومبرغ على الفور. أصبح التحدي نقل منتج صممناه حديثاً إلى السوق وتوسيع نطاقه عبر مواقع الشركة المتعددة وآلاف المتطوعين. يمكنك فعل ذلك بكفاءة أكبر بكثير في حال أنشأت برمجيتك الخاصّة”.

منظور جديد وضروري

لطالما أعطت المؤسسات غير الربحية الأولوية للقادة ذوي الخبرة القانونية وكذلك المالية في مجالس إدارتها. لكن تصميم مجالس الإدارة الحديثة وُضع منذ فترة طويلة قبل أن تصبح التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من العمليات التجارية وصناعة القرار، واليوم يمثل نقص الخبرة التكنولوجية فجوة كبيرة. لا يمكن لمجالس إدارة المؤسسات غير الربحية أن تنجز مسؤولياتها القانونية بفعالية دون الخبرة والاستشارات في مجال التكنولوجيا، وتشمل هذه المسؤوليات واجب الحرص وواجب الولاء وواجب الامتثال.

بالتأكيد ثمة قادة متخصصون بالتكنولوجيا موجودون بالفعل في مجالس إدارة مؤسسات غير ربحية، ولكن معظم من تحدثنا إليهم شعروا بأنهم موضع تقدير لقدرتهم على الاستفادة من شبكاتهم في مجال التكنولوجيا للحصول على التبرعات أكثر من خبرتهم في التكنولوجيا. يشعر الرؤساء التنفيذيون للمؤسسات غير الربحية غالباً بالشعور نفسه؛ فقد يكون لديهم تمثيل من قطاع التكنولوجيا في مجالس إدارتهم، ولكنهم لا يستفيدون من مهاراتهم الفريدة. أحد أسباب ذلك عدم وجود نموذج واضح لقيادة التكنولوجيا في مجالس الإدارة. لا يعرف قادة التكنولوجيا في مجالس الإدارة طريقة بدء محادثات هادفة حول قدرات المؤسسة في التكنولوجيا، ولا الحدود الفاصلة بين عمل المتطوعين ومجلس الإدارة والموظفين.

يجب أن يمتلك قادة المؤسسات غير الربحية استراتيجية توظيف تحدد مهام عضو مجلس الإدارة المتخصص بالتكنولوجيا وإشراك بقية أعضاء مجلس الإدارة في جدول أعمال التكنولوجيا. لا يمكن لأعضاء مجلس الإدارة المتخصصين في مجال التكنولوجيا أن يحلّوا كل التحديات، ولكن عندما يصبحون على دراية بسياق المؤسسات غير الربحية ويُدعمون في أداء مهامهم المحددة، يمكنهم تقديم حلول مبتكرة وفعالة لبعض المشكلات المحيّرة التي تواجهها المؤسسات غير الربحية.

إطار عمل لحوكمة التكنولوجيا

يتطلب تبنّي حوكمة التكنولوجيا تحت إشراف عضو مجلس إدارة متخصص بالتكنولوجيا إطار عمل مشترك يساعد قادة المؤسسات غير الربحية والقائمين على إدارة عمليات تكنولوجيا المعلومات على وضع استراتيجية طويلة الأجل. واستناداً إلى بحثنا، حددنا 4 مجالات منفصلة يمكن لأعضاء مجلس الإدارة المتخصصين بالتكنولوجيا إحداث تأثير سريع فيها، ووضعناها في إطار الأسئلة التي يمكن لعضو مجلس الإدارة المتخصص في التكنولوجيا بحثها مباشرة مع المدير التنفيذي أو الرئيس التنفيذي أو مع مجلس الإدارة.

1. إدارة المخاطر: هل نطبّق ممارسات الأمان والخصوصية الصحيحة؟ هل نستخدم التكنولوجيا بطرق أخلاقية؟

إدارة المخاطر مجال واسع ويشمل الخصوصية والآداب المهنية واستخدام البيانات والمعلومات، وهو مجال كبير للمؤسسات غير الربحية ومؤسسات الخدمات الاجتماعية التي تتعامل مع البيانات الشخصية لآلاف العملاء. هيرا (HERA)، على سبيل المثال، منصة صحية متنقلة تساعد اللاجئين على التعامل مع نظام الرعاية الصحية المحلي بلغات متعددة، مثل العثور على مقدمي الخدمات الصحية والاتصال بخدمات الطوارئ. قال لنا مؤسس المنصة آرال سوراميلي: “أنا طبيب ولا أعرف شيئاً عن تكنولوجيا المعلومات، لسنا بحاجة إلى من يصمم التكنولوجيا الخاصة بنا بل إلى من يساعدنا على تصور كيف يمكن للبنية التحتية أن تُمكّننا من التقدم إلى الأمام. أمضينا شهرين في اتخاذ القرار بين تصميم تطبيق أصلي أو تصميم تطبيق متعدد المنصات، وهو قرار بالغ الأهمية له آثار هائلة في نموذج عملنا. ثم سألنا المتبرع: هل لديكم تأمين سيبراني؟ بدا الأمر وكأنه مهمة بسيطة، لكننا لم نكن واثقين من طريقة اتخاذ الخيارات الصحيحة لتلبية متطلبات الممولين والشركاء الرئيسيين، وهي سلسلة من القرارات التي نستفيد فيها من خبراء التكنولوجيا في أثناء نمونا، بدءاً من أصغر منتج قابل للتطبيق وصولاً إلى تصميم خطواتنا المستقبلية”.

بدأ سوراميلي العمل مع سنيغا رامنارايانان التي انضمت مؤخراً إلى مجلس إدارة منصة هيرا والتي تتمتع بخبرة واسعة في استخدام التكنولوجيا في عملية المبيعات واستراتيجية المنتجات. “قدمت سنيغا إسهامات كبيرة من خلال العمل معي ومع [الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا] في وضع رؤية للتكنولوجيا والمنتجات، وساعدتنا على تحديد أولوياتنا في تحديد المشكلات التقنية ذات الأولوية. يمثل العمل أحياناً توازناً بين ما يريده المتبرع وما يمكننا فعله، والأهم من ذلك تقديم الأفضل للسكان الذين نقدم لهم خدماتنا”.

ونتيجة لذلك، بات لدى المؤسسة اليوم معايير دولية للأمن السيبراني. “يساعدنا عضو مجلس الإدارة الجديد المتخصص بالتكنولوجيا على رسم رؤيتنا للمستقبل ومعرفة الطريقة التي تساعدنا بها التكنولوجيا على تحقيقها عبر الأدوات التي نستخدمها داخلياً أو التي تعين المستخدم، ويشمل ذلك القرارات المتعلقة بالتوظيف والتخطيط وتجربة ميزات التكنولوجيا المختلفة”.

2. تخطيط التكنولوجيا: هل نستخدم التكنولوجيا لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة والتأثير والتعلم؟ هل لدينا خطة عمل خاصة بالتكنولوجيا طويلة الأجل مرتبطة بنموذج أعمالنا وخطة النمو؟

يسعى قادة المؤسسات غير الربحية إلى الاستثمار في التكنولوجيا المناسبة، ولكن تحديد الخطوات الصحيحة قد يكون صعباً بغياب الخبرة في مجال التكنولوجيا وإدارة فرق عمل صغيرة. قد ينطبق هذا الأمر حتى على المؤسسات غير الربحية التي تعتمد على التكنولوجيا وتصمم منتجاتها. خذ مثلاً مؤسسة غادز لاف وي ديليفر (God’s Love We Deliver) وهي مؤسسة غير دينية تقدم وجبات الطعام للذين يعانون أمراضاً خطرة. كانت عمليات إنتاج الوجبات وتوصيلها وخدمة العملاء جميعها مدعومة بالتكنولوجيا، وفي بعض الحالات، كان بإمكان حل تكنولوجي جديد أن يحسّن عمليات المؤسسة على نحو جذري. كانت الحزمة التكنولوجية معقدة للغاية وكان فريق تكنولوجيا المعلومات صغيراً جداً وكان من الصعب عليه معرفة من أين يبدأ العمل.

تدخلت المديرة التنفيذية للتحول التكنولوجي في مؤسسة مورغان ستانلي (Morgan Stanley) مونيكا سيريلو، حيث التقت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة غادز لاف وي ديليفر آنذاك، أليثيا هانيمان (المؤلفة المشاركة في هذه المقالة) بسيريلو عن طريق زملاء سابقين في الوقت الذي كانت فيه مؤسسة مورغان ستانلي تأمل زيادة دعمها للمؤسسات غير الربحية في المجتمع. بعد إجراء تقييم أولي للاستراتيجية والقدرات التكنولوجية، ساعدت سيريلو مؤسسة هانيمان على الارتقاء بالتكنولوجيا إلى أعلى مستويات الاستراتيجية، ووضعتا دراسة جدوى قوية للاستثمار في الأدوات والأنظمة التي كانت المؤسسة في أمسّ الحاجة إليها مثل تكنولوجيا مركز الاتصال، بالإضافة إلى تحديد المجالات التي لا تحتاج فيها المؤسسة إلى حلول تكنولوجية مثل نظام تحديد المواقع الجغرافية لتتبع ساعات عمل موظفي التوصيل. وبفضل تحسين بيانات مركز الاتصال وعملياته، انخفض عدد عمليات التسليم غير المنجزة (التي كانت في الأصل من 5% إلى 7%) إلى النصف.

3. توفير موارد التكنولوجيا: ما موارد التكنولوجيا التي نحتاج إليها لتحقيق أهدافنا؟ كيف يمكنني الاستفادة من شبكتي (بما فيها من متطوعين ومتقدمين للعمل الطوعي وبرمجيات وموارد تطوعية) للحصول على دعم أكبر؟

يحتاج قادة المؤسسات غير الربحية إلى المساعدة في معرفة طرق استخدام التكنولوجيا الحديثة لتسريع برامجهم ومعرفة مدى تأثيرها في العمل والموظفين. يحرص القادة على الاستعانة بالمتطوعين لتلبية المتطلبات التكنولوجية، لكنهم لا يعرفون دائماً طرق تحديد نطاق مشاريع التكنولوجيا أو إدارتها. وكما أخبرتنا مؤسِّسة مؤسسة فين إيكويتي (FinEQUITY) غير الربحية للقروض الصغيرة بريان كورنيش: “تتصل بنا فرق كبيرة من شركات كبرى تعرض علينا موارد تطوعية مجانية، أعلم أن دعمهم مفيد جداً، ولكن ليس لدي دائماً الوقت لمعرفة ما يمكن أن يقدموه بالضبط”.

لا تمتلك مؤسسة فين إيكويتي عضو مجلس إدارة ذا خبرة في التكنولوجيا، لكنها تستعين بمتطوعين على دراية بالتكنولوجيا للعمل على الأنظمة الداخلية وجهود التسويق، وتعتمد على مستشارين غير رسميين للحصول على استشارات عالية المستوى. تقول كورنيش: “هؤلاء هم مؤسسو التكنولوجيا لدينا الذين يستجيبون لدعوتي عندما أتصل بهم، أتعرف على مجالات خبرتهم -مثل الأتمتة- ثم أتواصل معهم عندما تكون لديّ أسئلة أظن أنهم سيقدمون لي أفكاراً بشأنها”.

توصلت مؤسسة تابروت فاونديشن، التي تقدم خدمات مجانية للمؤسسات غير الربحية والمؤسسات الاجتماعية على مستوى العالم، إلى أن أعضاء مجلس الإدارة المتخصصين بالتكنولوجيا يستطيعون المساعدة في العثور على موارد تكنولوجية مجانية مناسبة وتوجيه الموظفين الذين لديهم مهارات تكنولوجية. نظراً للفوارق بين الأجيال، نجد أن الموظفين الأكثر دراية بالتكنولوجيا في المؤسسات غير الربحية هم الموظفون الأصغر سناً. يمكن لقائد فريق التكنولوجيا أن يوجه هؤلاء الموظفين للنمو بطريقة تخدم المؤسسة ومسيرتهم المهنية، ما يؤدي إلى رفع نسبة استبقاء الموظفين ذوي المواهب التكنولوجية. ويشمل ذلك المتطوعين الخيرين الذين يمكنهم تقديم المشورة ودعم إدارة التغيير حتى بعد اكتمال المشروع.

4. التكنولوجيا والمجتمع: كيف ستؤثر تغييرات التكنولوجيا في أصحاب المصالح على مدى 3 إلى 5 أعوام؟ كيف يمكننا أن نقود باستخدام التكنولوجيا بأسلوب استباقي وليس بأسلوب رد الفعل؟ كيف يمكن للابتكار التكنولوجي أن يدفع رسالتنا إلى الأمام؟

لا يقتصر دور قادة المؤسسات غير الربحية اليوم على تقييم مدى ارتباط التكنولوجيا بعمليات مؤسساتهم فحسب، بل كيف يمكنهم الدعوة إلى الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا. يمكن لقيادة التكنولوجيا المساعدة في كلتا الجبهتين. يقول مؤسس شركتي بينيتك (Benetech) وتيك ماترز (Tech Matters) غير الربحيتين جيم فروكترمان: “ثمة فرصة كبيرة لتحويل المناقشات على مستوى مجالس الإدارة حول التطبيق المناسب والفعال للذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يساعد عضو مجلس الإدارة المتخصص بالتكنولوجيا على تحقيقه. ولهذا السبب انضم جيم إلى مجلس إدارة مؤسسة نيكسليف أناليتيكس (Nexleaf Analytics)، وهي مؤسسة غير ربحية تستخدم تكنولوجيا مثل ثلاجات اللقاحات التي تُراقب من بُعد وتحليلات البيانات لتوفير البيانات في الوقت الفعلي وبأسعار معقولة للمرافق الصحية التي تعاني نقص الموارد والتي يصعب الوصول إليها. قالت لنا الرئيسة التنفيذية والمؤسِّسة المشاركة للمؤسسة نيثيا راماناثان: “بالإضافة إلى توسيع نطاق تفكيرنا في مجال الذكاء الاصطناعي، نستفيد من خبرة جيم في إنشاء شركات البرمجيات المستدامة المفتوحة المصدر وتقديم المشورة لها، إذ تستجيب مؤسسة نيكسليف للطلب المتزايد على برمجيات ذات إدارة أكثر استدامة للوزارات الصحية لإدارة إمداداتها الحيوية في الوقت الفعلي”.

وكما هي الحال مع باقي أعضاء مجلس الإدارة، يمكن أن تختلف شراكة عضو مجلس الإدارة المتخصص بالتكنولوجيا مع موظفي المؤسسة غير الربحية بناءً على حجم كل مؤسسة ونضجها التكنولوجي. بالنسبة إلى المؤسسات غير الربحية الصغيرة، يمكن أن يوفر هذا الدور بعض الدعم للموظفين إذا لم يكن فيها موظفو تكنولوجيا. أما بالنسبة إلى المؤسسات غير الربحية المتوسطة الحجم التي لديها فرق تكنولوجيا صغيرة، فيمكنه تقديم التوجيه والدعم لتطوير الاستراتيجية. أما بالنسبة إلى المؤسسات غير الربحية الكبيرة التي تمتلك فرق تكنولوجيا أكثر نضجاً ومسؤولاً تنفيذياً للتكنولوجيا ضمن فريق عملها، فيصبح دور عضو مجلس الإدارة أقرب إلى تقديم المشورة بشأن الاستراتيجية والإشراف. لكن عموماً يجب أن يتولى عضو مجلس الإدارة المتخصص بالتكنولوجيا مسؤولية ضمان دمج المحادثات حول التكنولوجيا في الاجتماعات إلى جانب مواضيع مثل التمويل؛ والمساعدة في الحصول على الموارد التكنولوجية لتحقيق الخطة الاستراتيجية؛ والمساعدة في تتبع التقدم العام نحو زيادة القدرات، مع التركيز على تحقيق قيمة أكبر طويلة الأجل مقارنةً بالالتزامات التطوعية الضيقة.

تفعيل حوكمة التكنولوجيا

بالتأكيد ثمة حاجة كبيرة إلى مواهب التكنولوجيا في مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية، ولكن ليس كل المتخصصين بالتكنولوجيا مناسبين لها. تشمل الكفاءات الأساسية مهارات الاستشارات الداخلية والخارجية، وشبكة كبيرة من المتخصصين بالتكنولوجيا، وبعض الكفاءة في قيادة المحادثات على المستوى التنفيذي، وخبرة في إدارة الموظفين، وفهماً واسعاً للتكنولوجيا من حيث صلتها باستراتيجية المؤسسة وعملياتها. يتطلب العثور على القائد (أو القادة) المناسبين لمجلس الإدارة أن يتخذ الرؤساء التنفيذيون للمؤسسات غير الربحية أو رؤساء مجالس الإدارة الخطوات الثلاث الآتية:

  1. حدد احتياجاتك بوضوح. قبل البحث عن أي شخص لديه خبرة في مجال التكنولوجيا، اقضِ بعض الوقت في فهم احتياجاتك واحتياجات مجلس الإدارة الحالي وكيف يمكن أن تتوافق هذه الاحتياجات مع المهارات والخبرات التي تعتقد أنها غائبة. ما المستوى المناسب من الأقدمية والخبرة في المجال؟ ما مجالات تقاطع العمل مع أعضاء مجلس الإدارة الحاليين التي ترغب في تسليط الضوء عليها أو تجنبها؟ على سبيل المثال، إذا كانت مؤسستك صغيرة ومرنة وتنمو بسرعة، يمكنك الاستعانة بشخص لديه خبرة في الشركات الناشئة بدلاً من شخص عمِل فقط مع الشركات الكبيرة. إذا كانت شركات الخدمات المالية أو شركات المحاماة تهيمن على مجلس إدارتك يمكنك اختيار متخصصين بالتكنولوجيا من تلك القطاعات لتلائم ثقافتها، أو ابحث عن قطاع جديد لإضافة منظور جديد.
  2. عيّن. فكر في البدء من الداخل، إذا كان لديك قادة متخصصون بالتكنولوجيا في مجلس الإدارة بالفعل، ففكر إن كان بإمكانك إشراكهم بالمجلس بطريقة مختلفة. تحدث إليهم حول التركيز على التكنولوجيا لترى إن كانوا مهتمين بالفرصة. مع تحديد ما يناسب من التوقعات والدعم، قد يكون تعيين عضو حالي في مجلس الإدارة أفضل من تعيين شخص جديد تماماً، لأنه على دراية بالمؤسسة بالفعل.

بعد ذلك، ابحث في شبكة علاقاتك. أرسل الملف التعريفي الذي أعددته مع مجلس الإدارة الحالي وفريق القيادة والمانحين الأفراد والمؤسسات والشركاء من الشركات والمتطوعين والشركاء المجتمعيين من خلال رسائل البريد الإلكتروني المستهدفة للأشخاص الذين قد تكون لهم صلات بالقيادة التكنولوجية أو قطاع التكنولوجيا. اسأل زملاءك الذين لديهم قادة مجالس إدارة في مجال التكنولوجيا عن طريقة تعيينهم في مجالس الإدارة واعرف إذا كان لديهم اتصالات أو اقتراحات لبحثك، واطلب من أعضاء مجلس الإدارة البحث في شبكة علاقاتهم من الدرجة الأولى عن قادة التكنولوجيا الذين يبحثون عن منصب في مجلس إدارة مؤسسة غير ربحية. إذا وجدت شخصاً يناسب ملفك التعريفي، فعليك التواصل معه حتى لو لم يكن قد أشار إلى أنه مهتم بالعمل في مجلس الإدارة حتى تتمكن من الاستمرار في بناء شبكة علاقاتك؛ فقد يعرف شخصاً مناسباً لك.

إذا لم تعثر على الشخص المناسب، فقد تحتاج إلى الاستعانة بوكالة توظيف. ولمعالجة الحاجة المُلحة المتزايدة لحوكمة التكنولوجيا، أطلقنا مبادرة جديدة وهي منصة بورد دوت ديف (Board.Dev)، حيث يمكن لقادة التكنولوجيا والمؤسسات غير الربحية وشركاء الشركات ومؤسسات القطاع الاجتماعي المشاركة في وضع رؤية وخريطة طريق لاستخدام التكنولوجيا في المؤسسات غير الربحية. تدعم منصة بورد دوت ديف عملية الربط والتدريب لضمان أن تتمكن المؤسسات غير الربحية وقادة التكنولوجيا المناسبين من العثور بعضهم على بعض، مع تأسيس مجموعة لتبادل المعرفة والخبرات فيما بين قادة التكنولوجيا في مجالس الإدارة لتسريع عملية التعلم.

  1. درّب. خصص وقتاً إضافياً لتعرّف الموظف الذي عيّنته على واقع مؤسستك فيما يتعلق بالتكنولوجيا وطموحاتها، أطلعه على التحديات أو النجاحات الأخيرة، بالإضافة إلى نتائج أي استقصاءات أو تقييمات أجريتها. راجعا الميزانية الحالية معاً لتسليط الضوء على التكاليف الثابتة المتعلقة بالتكنولوجيا، مثل وحدات التخزين أو البرمجيات التي يمكنك تغطية تكاليفها من خلال التبرعات أو الخصومات من مقدمي الخدمات، وتحديد الجوانب الجاهزة للاستثمارات التكنولوجية، مثل مركز الاتصال أو أتمتة مهام التسويق. من الجيد أيضاً أن يتحدث قائد التكنولوجيا إلى الموظفين المشاركين في وضع خطط التكنولوجيا وتنفيذها. وكما ذكرنا سابقاً، غالباً يكون الموظفون الأكثر تفوقاً في مجال التكنولوجيا في المؤسسات غير الربحية هم الموظفون الصغار؛ فهم على دراية بالعمل ولديهم في الغالب نماذج استخدام أو أفكار حول سبل تطبيق التكنولوجيا قد لا يكون المدراء أو القادة على دراية بها. على سبيل المثال، قد يكون مدير البرنامج بدأ استخدام الإصدار المجاني من أداة إدارة المشاريع عبر الإنترنت. اكتشاف ما هو مستخدم بالفعل بصورة غير رسمية يمكن أن يوضح لك المواضع التي يحتاج فيها أعضاء الفريق إلى الدعم.

بناء ثقافة التكنولوجيا

بغض النظر عن الطريقة التي يختارها قادة المؤسسات غير الربحية لإدراج حوكمة التكنولوجيا في مؤسساتهم، يجب أن يتعاملوا معها على أنها مبادرة مهمة من خلال تحديد الأهداف، وتسليط الضوء على الفوائد، ومشاركة الدروس المستفادة مع الموظفين، والاحتفاء بالمكاسب، بعبارة أدق، من خلال بناء ثقافة التكنولوجيا وتشجيع محو أمية البيانات. مع وجود إطار عمل لحوكمة التكنولوجيا، يمكن للمؤسسات غير الربحية المشاركة بفعالية أكبر مع أعضاء مجلس الإدارة وقيادة المؤسسات غير الربحية والموظفين الآخرين. يستطيع عضو مجلس الإدارة المتخصص بالتكنولوجيا الاستفادة من موارد التكنولوجيا وأدواتها مثل البرمجيات المفتوحة المصدر والتسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي لتحقيق قيمة طويلة الأجل. نظراً لوجود عرض وطلب على أعضاء مجلس الإدارة المتخصصين بالتكنولوجيا، يجب على كل مجلس إدارة غير ربحي أن يفكر في الحصول على عضو مجلس إدارة متخصص بالتكنولوجيا لتسخير قوة التكنولوجيا لتحقيق تأثير أكبر.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.