كيف يمكن للابتكار الاجتماعي حل قضية عدم المساواة؟

6 دقيقة
المساواة
(الرسم التوضيحي: آي ستوك/أكينبوستانسي) 
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في مثل هذا الوقت قبل 20 عاماً دعت رئيسة مؤسسة فورد فاونديشن (Ford Foundation) آنذاك سوزان بيريسفورد في العدد الأول من مجلة ستانفورد سوشال إنوفيشن إلى تغيير اجتماعي شامل لمعالجة الأنظمة “غير العادلة وغير المفيدة التي عفا عليها الزمن”.

خلال العقود التي تلت ذلك، نجح المبتكرون الاجتماعيون في تحقيق الكثير من رؤية بيريسفورد. نجحت الشراكات المتعددة الأطراف ومبادرات التنمية الاقتصادية الواسعة النطاق في خفض نسبة الفقر العالمي إلى النصف. وزاد عدد الفتيات اللاتي يذهبن إلى المدرسة 82 مليون فتاة في الدول النامية. وفي الوقت نفسه، انخفضت وفيات الأمهات بنسبة تزيد على 38%، ما أدى إلى إنقاذ حياة الملايين.

كما أدت التحولات في أسواقنا وبيئاتنا وثقافاتنا ومؤسساتنا إلى تغيير جذري في الطريقة التي نعيش ونعمل بها معاً. تضاعفت نسبة توفر الإنترنت على مستوى العالم خمس مرات. وارتفع حجم الاستثمار المسؤول اجتماعياً في الولايات المتحدة بأكثر من 12 تريليون دولار.

وعلى الرغم من كل هذا التغيير، ما زالت القضية التي تحدثت عنها بيريسفورد تحتاج إلى حلول سريعة. إذ صاحبت التقدم في الابتكار أغلب الأحيان ولفترة طويلة من الزمن، حالة عدم مساواة مجحفة لا ضرورة لها انتشرت على نطاق واسع. خذ الفقر مثلاً، فعلى الرغم من الانخفاض الملموس في عدد الناس الذين يعانون الفقر المدقع، لا تزال الفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع في جميع أنحاء العالم. فالموارد تجتمع على نحو متزايد في أيدي قلة يقيم معظمها في الدول المتقدمة.

ونتيجة لذلك، تتراجع المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في مجال الصحة والرفاهة العالمية، وتتسبب التداعيات الاقتصادية للصراعات الدولية في نقص الغذاء الذي يهدد حياة 345 مليون إنسان. ويعاني مجال العمل الخيري الذي أعمل به وضعاً هشاً. على الرغم من التقدم الهائل الذي أحرزته الأعمال الخيرية في ابتكار طرق جديدة لتقديم التمويل وتحديد المستفيدين من المنح، فإن موارد القطاع تظل مركزة في المؤسسات التي يقودها البيض في الدول المتقدمة.

من الواضح أن الابتكار وحده لا يمكنه سد الفجوات بين الذين يملكون الموارد والذين لا يملكونها، بين من يُمنحون الأولوية في عملية صناعة القرار والتمويل على المستوى الدولي والمُستبعدين من الأجندة العالمية. نمر نحن الذين أمضينا حياتنا في التغيير الاجتماعي والتأثير الاجتماعي، بنقطة تحول هائلة.

ونحن نحتفل بمرور 20 عاماً على انطلاقة مجلة ستانفورد سوشال إنوفيشن ونتطلع إلى العقدين المقبلين، علينا مضاعفة التزامنا بضمان عدم تعارض الابتكار مع المساواة، وعلينا دعم الأفراد والمؤسسات والأفكار التي تسخر الابتكار لتحقيق المساواة.

يتمثل أبلغ تعبير عن هذا الالتزام اليوم في 3 إصلاحات رئيسية مشتركة بين القطاعات، وهي النُهُج الشاملة المتعددة الجوانب؛ والحلول البعيدة المدى للتقدم وتعزيز المجتمع المدني؛ وزيادة الدعم والاهتمام العالميين بالقيادة المحلية، وبخاصة في الدول النامية. من شأن هذه الإصلاحات أن تسهم في قلب السيناريو السائد في العمل الخيري وفي القطاعات الرئيسية الأخرى، فبوسعها تحسين الابتكار الاجتماعي حتى تتمكن الحلول الناشئة من تفكيك البنية المؤسسية التي تدعم عدم المساواة وتعززه بدلاً من مكافحته.

التعامل مع الابتكار من خلال منظور متعدد الجوانب

للبدء، علينا التركيز على المهمشين بشدة بسبب عدم المساواة والتعامل مع الابتكار من منظور متعدد الجوانب. وبوصفنا خبراء، نحن نفهم طبيعة مجالات عملنا والعوائق المحتملة أمام النجاح، والفرص الناشئة للنمو. وفي الوقت نفسه، قد لا نمتلك دائماً المعرفة المهمة التي تأتي من التجربة المباشرة.

يمكن للمتأثرين على نحو مباشر بعدم المساواة والأقرب إلى عواقبها التي لا تعد ولا تحصى أن يشخصوا التأثيرات اليومية للحواجز الهيكلية ويقترحوا الحلول الأكثر فعالية للاحتياجات الملحة. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى الطرق التي يزداد بها التمييز وعدم المساواة عند التقاطعات بين العرق والنوع الاجتماعي والإعاقة والطبقة الاجتماعية وغيرها من الهويات المهمشة، فإن الأفراد الذين يحملون تلك الهويات المتعددة هم الأمهر في بناء الشراكات والتحالفات اللازمة لإحداث التغيير من خلال التنظيم الفعال بين المجتمعات.

وبعبارة أخرى، فإن المشكلات المعقدة والمتقاطعة تتطلب حلولاً متعددة الجوانب. لزعزعة عدم المساواة، يجب على المبتكرين الاجتماعيين أن يفهموا تأثير الهوية في مدى تعرض الأفراد إلى الضرر المنهجي، وأن يعتمدوا على القوة التي تكمن في مقاومة تلك الأضرار. لنأخذ على سبيل المثال التأثيرات السياسية والاجتماعية غير المتكافئة للتكنولوجيا الجديدة، التي خلقت الفرص، ولكنها أدت أيضاً إلى تضخيم المعلومات المضللة والانقسامات وأدخلت خوارزميات متحيزة ووسعت المراقبة أكثر. شرعت مجموعة من العلماء والمنظمين والمعلمين والناشطين والفنانين في تطوير برنامج جست تيك فولوشيبس (Just Tech Fellowships) “لإعادة النظر في الافتراضات حول من عليه تصوّر التقنيات التي تشكل مستقبلنا ومن عليه تصميمها والإشراف عليها”.

يعتمد أفراد المجموعة الأولى من المشاركين في البرنامج على تجاربهم وخبراتهم الخاصة لتقليل العوائق التي تحول دون الوصول إلى المعدات وصيانتها وتخصيصها لأصحاب الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصة)؛ وتحليل تأثير تكنولوجيا المراقبة الأمنية على الطلاب ذوي البشرة السمراء في أنظمة المدارس العامة؛ ووضع خرائط لممارسات المراقبة التي تستهدف المجتمعات المهمشة والتكنولوجيا المستخدمة فيها، وغيرها من الجهود.

ومن خلال التركيز على الذين خبروا على نحو مباشر أخطاء أنظمتنا الحالية وإخفاقاتها، يمكننا استبدال الشمول بالظلم، وأن نبتكر على نحو أكثر فعالية في كل منعطف.

الاستفادة من الابتكار على المدى الطويل

علينا أن ندرك أيضاً أن التقدم يثير ردود فعل عكسية، فثمة خطوة إلى الوراء مع كل خطوتين إلى الأمام. ومن هذا المنطلق فإن الابتكارات الاجتماعية المدروسة، والتي تنشأ وفقاً للبصيرة والمبادئ، يمكن أن توفر أساساً مستقراً للمجتمع المدني وحاجزاً منيعاً ضد التراجع الديمقراطي.

لنتأمل التقدم الاجتماعي خلال العقدين الماضيين، كل تقدم ترافق مع ردود فعل عكسية توازيه بالقوة. واليوم، تتعثر الديمقراطيات على مستوى العالم، ما يعرض الحقوق المكتسبة بشق الأنفس إلى الخطر. إن التراجع الديمقراطي على هذا النطاق يعرض المساواة في كل مكان للخطر. والسماح بردود الفعل السلبية ينطوي على قصر النظر، لأن الديمقراطية شرط أساسي حاسم لأي تغيير اجتماعي دائم.

لقد أبدى الابتكار الاجتماعي بعض المقاومة الضرورية لصد زحف الاستبداد العالمي، لكن معظم الابتكارات الاجتماعية المهمة تستغرق ما بين 20 إلى 30 عاماً حتى تترسخ. تتلخص مهمتنا في “قلب السيناريو” السائد في قطاع العمل الخيري من تقديم المنح القصيرة الأجل إلى الدعم والاستراتيجيات الطويلة الأجل.

بوسع العمل التعاوني الطويل الأجل بين القطاعات أن يوفر دعماً كبيراً للديمقراطيات بدءاً من تعزيز المساواة الاقتصادية إلى دعم حيز العمل المدني. نعزز في مؤسسة فورد فاونديشن البنية التحتية التعاونية من خلال برامج مثل ويفينغ ريزيلينس (Weaving Resilience)، وهو مبادرة بقيمة 80 مليون دولار تدعم مؤسسات المجتمع المدني الفعالة في جميع الدول النامية. التزمنا نحن وشركاؤنا على الأرض في ثماني مناطق بتقديم الدعم المستمر للمؤسسات العاملة في الخطوط الأمامية للنضال من أجل العدالة الاجتماعية، حتى تتمكن من الدفاع عن الحرية المدنية التي نحتاج إليها لتحقيق النجاح.

يتمتع المبتكرون الاجتماعيون بوضع فريد يسمح لهم بعقد مبادرات جديدة وتسهيل التواصل، فهم يعملون بالفعل في نقاط التلاقي بين مختلف القطاعات ومجالات الخبرة المتنوعة. ويمكن لرؤاهم أن تخلق الابتكارات التي تتطلع إلى ما هو أبعد من الانتصارات السهلة للحفاظ على الديمقراطية على المدى الطويل.

تعزيز الابتكار في النقاط الأهم

يتطلب تبني وجهة نظر بعيدة المدى استراتيجيات تمويل وشراكات جديدة، والأهم قادة جدد. ولتحقيق هذه الغاية، علينا دعم قدرة الأفراد والمؤسسات والأفكار وإبرازهم وتعزيز إمكاناتهم وقدرتهم على التأثير، وذلك من خارج الأطر المهيمنة التي تتحكم في عالمنا وتشوهه، سواء كانت تفوق ذوي البشرة البيضاء، أو استثنائية الولايات المتحدة، أو مركزية الدول المتقدمة على حساب الدول النامية.

ومن خلال النظر إلى ما هو أبعد من حدودنا المحلية يمكننا أن نسهم في بناء قوة القادة المحليين ورؤيتهم وقدرتهم في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في الدول النامية، حيث يضع عدد لا يحصى من المبتكرين من أفراد ومؤسسات حجر الأساس لعالم أكثر عدلاً وشمولاً.

نحن نستمد الإلهام من مؤسسات مثل ويغو (WIEGO)، وهي شبكة عالمية للأبحاث والسياسات والمناصرة تركز على تمكين العمال الفقراء، وخاصة النساء، من خلال تقديم المنح إلى المؤسسات التي تمثل الملايين من العمال غير الرسميين الذين يعملون في منازلهم، والباعة الجائلين، وملتقطي النفايات في أكثر من 90 دولة. كان هؤلاء العمال غير الرسميين في مواجهة مباشرة مع جائحة كوفيد-19، وتعرضوا لآثارها المدمرة بسبب الافتقار إلى الحماية الاجتماعية والعمالية خلال الأزمة. من شأن التمويل الأولي بقيمة 25 مليون دولار من مؤسسة فورد فاونديشن الإسهام في ضمان تمثيل العمال غير الرسميين لإسماع أصواتهم ومطالبهم واحتياجاتهم على المستويين الوطني والعالمي. وقد أسهم عملها بالفعل في وضع جداول الأعمال الدولية في أعلى مستويات السلطة.

كما نستمد الإلهام من المؤسسات الأهلية مثل مؤسسة ذي أكسيس تو فاكسينز كواليشن (The Access to Vaccines Coalition) في إندونيسيا، التي دخلت في شراكة مع المجتمع المدني، ومجتمعات السكان الأصليين، ومجموعات أصحاب الهمم، والحكومة لتطعيم 80% من إجمالي السكان على نحو كامل. في كل ركن من أركان العالم، وفي كل قطاع، يواجه القادة الجدد عدم المساواة بطرق ابتكارية وشاملة، يتعين علينا أن نستثمر في جهودهم وأن نوسع نطاقها بدلاً من محاولة إعادة اختراعها.

ستساعدنا هذه الإصلاحات الثلاثة مجتمعة على معالجة الأسباب الجذرية لعدم المساواة في كل قطاع، بما فيها قطاع العمل الخيري نفسه. ومن خلال العمل التشاركي، يمكننا رسم خارطة طريق واضحة للتغيير واتباعها على مدى السنوات العشرين المقبلة، وأبعد من ذلك.

إذا كان التحدي في العقدين الماضيين هو التعامل مع أنظمة غير عادلة، وغير مفيدة، وعفا عليها الزمن، فإن التحدي في عصرنا هو استبدالها بأنظمة أشمل وأكثر مساواة ومستندة إلى أساس دائم من تحقيق العدالة للجميع.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.