هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيد القدرة على النطق؟

جهاز سيرنكس
shutterstock.com/Nubefy
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عبارة “القدرة على الكلام حق، وليست امتيازاً” هي رسالة المبتكرين التي توجّه عملهم لصنع جهاز سيرنكس (Syrinx)، وهو حنجرة كهربائية تعتمد على تعلم الآلة في إعادة توليد الكلام والأنماط الصوتية من أجل مساعدة الناس على استعادة أصواتهم الطبيعية.

مُخترِع جهاز سيرنكس هو طالب الدراسات العليا في الهندسة بجامعة طوكيو، ماساكي تاكيوتشي، وكان قد شارك في برنامج المجتمع المدني في الجامعة من أجل معالجة المشكلات التي يواجهها أصحاب الهمم (ذوو الاحتياجات الخاصة)، وعمل على تصميم جهاز سيرنكس وصنعه مع زملائه كوناك لي وجايزول آن ويوكي أوغاساوارا وميزوكي أراكي ويوتارو سويجيما وكارين كيهو.

عندما يتكلم الإنسان يخرج الهواء من الرئتين باتجاه الرغامى ويسبب اهتزاز الحبال الصوتية في الحنجرة، وتحمل هذه الاهتزازات بدورها الهواء إلى الفم حيث تشكل الشفتان المقاطع اللفظية، ولكن إذا استؤصلت الحنجرة فلن تبقى حبال صوتية تهتز.

كان تاكيوتشي قد شاهد مقطع فيديو على منصة يوتيوب يظهر فيه شخص خضع لعملية استئصال الحنجرة، وهي إجراء جراحي تتم فيه إزالة حنجرة المريض جزئياً أو كلياً ويفقد القدرة على الكلام على إثرها، وحتى اليوم كانت أنظمة الصوت البديلة عبارة عن أجهزة ضخمة تُحمل باليد، شكلها شبيه بالعصا وتوضع عند فتحة الرغامى التي تخلفها عملية الاستئصال في العنق.

يقول تاكيوتشي: “كان المريض الذي استؤصلت حنجرته في مقطع الفيديو يستخدم تقنية الكلام المريئي، ولكن جودة الصوت الناتج عنها كانت رديئة للغاية”. دفعه مقطع الفيديو لاستكشاف مشكلة فقدان الصوت وتأثيرها في حياة عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يخضعون لجراحة استئصال الحنجرة كل عام، أي قرابة 12 ألفاً في الولايات المتحدة سنوياً، علماً أن نحو 300 ألف شخص في العالم يفقدون أصواتهم كل عام بسبب السرطان. يقول تاكيوتشي: “ذهبت إلى مجتمع فاقدي الحنجرة الياباني، ويسمى مجتمع جينريكاي، وأجريت مقابلات مع أفراده لسؤالهم عما يحتاجون إليه، فقالوا إنهم يرغبون في التحدث أمام الناس بأصوات طبيعية. لذلك عملنا على صناعة جهاز سيرنكس، وهو حنجرة كهربائية قابلة للارتداء قادرة على إعادة صوت المريض الذي فقد حنجرته”.

صمم تاكيوتشي النموذج الأولي للجهاز في شهر أغسطس/آب من عام 2019، وصمم النموذج الحالي ذا القدرة على توليد الصوت الإنساني بجودة أعلى في شهر مارس/آذار من عام 2020. اقتبس تايكوتشي تصميم الجهاز من الطبيعة، وتحديداً من طائر المينا الشائع (common hill mynah) المتكلم الذي يعيش في جنوب آسيا وجنوب شرقها، إذ يملك حنجرتين يمزج الأصوات التي تولدانها من أجل تقليد صوت الإنسان.

سيرنكس هو جهاز مصنوع بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد ويمكن ارتداؤه مثل طوق حول العنق، ويعمل بإحداث اهتزازات هوائية في حلق الشخص لتوليد الصوت الذي يستطيع تحويله إلى كلمات بواسطة فمه ولسانه، فيتكلم بصوت طبيعي وليس شبيهاً بصوت الروبوت كما هو حال الصوت الذي تنتجه أجهزة الحنجرة الكهربائية التقليدية. يوضح تاكيوتشي أن الأجهزة التي تُحمل باليد تولّد أصواتاً لا تكاد تشبه صوت الإنسان لأن أنماط الموجات الصوتية فيها محدودة، في حين أن الذكاء الاصطناعي في جهاز سيرنكس يولّد أنماط اهتزازات هوائية أكثر تعقيداً تساعد على توليد أصوات بشرية حقيقية.

شعر أفراد مجتمع جينريكاي الذين جربوا الجهاز بالدهشة عندما سمعوا الصوت الذي يولّده، ويقول تاكاشي، وهو أحد المرضى الفاقدين للحنجرة الذين جربوه: “يمكنني استخدام كلتا يديّ عندما أتكلم. أريد أن أرتدي الجهاز والتحدث أمام الناس!”

حاز فريق سيرنكس (الذي كان يسمى سابقاً فريق نيوتون) على الجائزة الأولى في نهائي مسابقة “كأس التخيل” الإقليمية التي تقيمها شركة مايكروسوفت في آسيا عام 2020، كما حصل على جائزة جيمس دايسون والجائزة الكبرى في مسابقة شركات الرعاية الصحية اليابانية لعام 2021. كانت بعض هذه الجوائز نقدية؛ 8 آلاف دولار من مسابقة كأس التخيل و2,800 دولار من مسابقة جيمس دايسون، وأسهمت في التمويل الذي كان الفريق بأمسّ الحاجة إليه لصناعة جهاز سيرنكس. كما يعتمد تاكيوتشي على منحته المالية التي يحصل عليها في برنامج الدراسات العليا (1,800 دولار شهرياً) والمِنح المالية الإضافية التي حصل عليها من كل من وزارة الداخلية والاتصالات اليابانية عام 2021 في مسابقتها تحدي الابتكار المزعزع (INNO-vation Disruptive Challenge) (30 ألف دولار) ومنظمة الطاقة الجديدة وتطوير التكنولوجيا الصناعية (50 ألف دولار).

يقول تاكيوتشي: “حصلت على المِنح المالية، ولكننا بحاجة إلى المزيد من المال، فنحن لم نصل إلى مرحلة بيع جهاز سيرنكس بعد، ولا نزال في مرحلة النموذج الأولي”. وأضاف أن هدفه هو بيع جهاز سيرنكس في غضون 3 أعوام، ووضح قائلاً: “يتعين علينا معالجة بعض المشكلات، مثل إضافة نبرة الصوت وكتم صوت الاهتزاز. سنحتاج إلى مزيد من التمويل من أجل صنع كميات كبيرة من الجهاز كي يتسنى لنا اختباره على عدد أكبر من المستخدمين وبيعه في جميع أنحاء العالم”.

يكرّس فريق سيرنكس جهوده لتحقيق رسالته المتمثلة في تحسين حياة من فقدوا أصواتهم بسبب السرطان أو الأمراض الأخرى أو الصدمات، ويقول تاكيوتشي: “أريد أن أعيد لهم قدراتهم التي فقدوها وأن أضمن لهم العيش في عالم يحترم فرديتهم وشخصياتهم”.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.