5 طرق لزيادة التبرعات الخيرية يقترحها جامع تبرعات مخضرم

7 دقيقة
جمع التبرعات
(الصورة: آيستوك/دولغاتشوف)

قرأت عدداً كبيراً من المقالات حول تراجع التبرعات الخيرية، لكن ما شد انتباهي ندرة التطرق إلى عملية جمع التبرعات في حد ذاتها بوصفها جزءاً من المشكلة، أليس ذلك أمراً غريباً. تخيّل الحديث عن تراجع الزراعة دون ذكر المزارعين. تركز غالبية النقاشات حول هذه المشكلة على الجهات المانحة، على الرغم من وجود طرف آخر لعملية جمع التبرعات لا يقل أهمية عنها، وهو جامعو التبرعات. وبعد 37 عاماً من العمل في جمع التبرعات للمؤسسات غير الربحية، أستطيع القول إن مجال جمع التبرعات لهذه المؤسسات يعاني بعض المشكلات المزمنة التي تؤثر في عملية جمع التبرعات، ويتجاهلها الكثير لأنها مشكلات مزمنة.

يمارس الآلاف من المؤسسات غير الربحية الأميركية عملية جمع التبرعات، بدءاً من "المتاجر" الصغيرة المكونة من مسؤول جمع تبرعات واحد إلى الفِرق الكبيرة التي تضم العشرات من جامعي التبرعات. ثمة العديد من طرق جمع التبرعات والعديد من القائمين عليها، ومن بين هذه الطرق التبرعات الكبيرة، التسويق المباشر، الأوساط المانحة، التبرعات المخطط لها، وغيرها الكثير. ثمة جامعو تبرعات في المؤسسات الكبيرة مثل الجامعات والمستشفيات، وكذلك في المؤسسات الصغيرة.

أنا أحب جمع التبرعات، فجمع التبرعات عمل رائع، والملتزمون بمهنتنا يعرفون أن عملنا يغير العالم نحو الأفضل. ولأننا نعشق التأثير الذي يتركه عملنا، أرغب في تحسينه.

ما المشكلة إذاً؟

  1. تتعرض مهنة جمع التبرعات للإساءة | ثمة إحصائية ذات وقع مؤلم؛ هي أن متوسط عمل جامعي التبرعات يبلغ 16 شهراً. وتمثل "الأهداف غير الواقعية" السبب الرئيسي لترك العمل. يوثق بحث بعنوان: "عدم النضوج: دراسة وطنية للتحديات التي تواجه جمع التبرعات غير الربحية" (Underdeveloped: A National Study of Challenges Facing Nonprofit Fundraising) الأهداف غير الواقعية التي يحددها من لا يعرف سوى القليل عن عمل جمع التبرعات، والموارد المحدودة المخصصة لوظيفة جمع التبرعات المتطلبة، وقلة التقدير التي لقيتها أنا والعديد من جامعي التبرعات طوال مسيرتنا المهنية. وعلى الرغم من أنني حصلت على وظائف رائعة، مررت أيضاً بتجارب صعبة، ففي إحدى المرات وضع لي عضو مجلس الإدارة هدفاً يتمثل بجمع ثلاثة أضعاف ما يمكننا جمعه، ولم يراجع ميزانيتنا قط وقال ذلك صراحةً؛ إذ قال إنه "ظنَّ" أن مؤسسة مثل مؤسستنا يجب أن "تجمع تبرعات كبيرة". انهارت المعنويات حينها ولم نقترب من تحقيق الهدف.

كيف يمكننا زيادة جمع التبرعات عندما نسيء التعامل مع جامعي التبرعات؟ كتبت مقالات كاملة حول هذا الموضوع، وهذه إحداها. مع أن مهنتنا يُساء فهمها على نطاق واسع ويُقلل من قيمتها، نبقى صامتين إلى حد كبير، فجامعو التبرعات الذين يتحدثون عن أي من ذلك يخسرون وظائفهم. لدينا ثقافة الصمت، لذلك ليس من الغريب ألا نسمع ذكر جامعي التبرعات في المناقشات المتعلقة بالعمل الخيري. وفي الوقت نفسه، يحب الكثير من الأشخاص التحدث عن جامعي التبرعات الذين لم يجمعوا سنتاً واحداً في حياتهم، والأشخاص الذين "جمعوا" التبرعات ولكنهم لم يطلقوا عليها مهنة وعملوا بها بدوام كامل. عند الحديث عن جمع التبرعات، خذ المصدر في الحسبان دائماً.

  1. الرجال ذوو البشرة البيضاء كبار السن | تعد مهنة جمع التبرعات إحدى المهن الأقل تنوعاً، إذ تركز بشدة على مجموعة سكانية واحدة. في المدن المليئة بالأثرياء من أصل لاتيني مثل منطقة خليج سان فرانسيسكو، من النادر وجود مانحين كبار من أصل لاتيني في الأعمال غير ربحية، ويوجد عدد قليل من أعضاء مجالس الإدارة من أصل لاتيني، ومواقع الويب غير الربحية لا تحوي برامج موجهة إلى مجتمع ذوي الأصول اللاتينية.  إذا كنا نريد المزيد من التبرعات، فلماذا نتجاوز 20% من السكان؟ (فضلاً عن المجموعات الأخرى). هذه المشكلة ليست مستعصية عن الحل، إذ عملت مرة في مجال الرعاية الصحية وكان لدي الوقت والموارد لبناء مجموعة صغيرة من المانحين الكبار من ذوي الأصول اللاتينية؛ وفي إحدى المرات جمعت منحة للفنون تتجاوز مليون دولار من أميركي من أصل مكسيكي. لم يكن ذلك بفضل عملي الرائع؛ بل بفضل التخطيط والتنظيم الجيدين لعملية جمع التبرعات. ولا شيء يمنع الآخرين من أن يفعلوا الأمر نفسه.

تتغير الولايات المتحدة من الناحية السكانية، ولكن كل من جمع التبرعات والمؤسسات غير الربحية لم يتغير، وذلك أحد عوامل تراجع التبرعات. ثمة حاجة ماسّة إلى تثقيف المانحين المتعددي الثقافات واللغات. لكن من غير الصائب أن نطلب المال من الناس مباشرة. علينا إتمام دورة جمع التبرعات مع ذوي البشرة الملونة. علينا أن نتساءل، هل مؤسستنا معروفة ومحترمة في مجتمعات المانحين الجدد؟ إذا سألنا الناس عن المؤسسات التي لم يسمعوا عنها من قبل، فماذا نتوقع أن تكون النتيجة؟

باختصار، نحن بحاجة إلى دعم المؤسسات التي تركز على ذوي البشرة الملونة لتحسين عملية جمع التبرعات، وتمكين مجتمعاتهم المحلية من التبرع لقضاياهم الخاصة، القضايا التي يعيشونها (وليس مجرد القراءة عنها في الكتب)، وذلك يشمل التعليم، والصحة، وحقوق المرأة، والبيئة وحقوق التصويت وحقوق الأقليات وغير ذلك الكثير. وبدلاً من أن نعتبر هؤلاء السكان ضحايا وليسوا أدوات تغيير لمجتمعاتهم، علينا أن نعتبر التبرع تمكيناً لهم.

  1. ضعف الاستثمار | تتعامل غالبية المؤسسات غير الربحية مع جمع التبرعات وكأنه شر لا بد منه، ما يعني أنها تتجنب التركيز على عملية جمع التبرعات، ولا تستثمر فيها كما يجب، وبالتالي تقوّضها. فتنفق المال في حال توافره على البرامج أولاً وتعتقد أن عملية جمع التبرعات هي مجرد كتابة طلبات منح، وليس لديها أدنى فكرة عن أنواع جمع التبرعات العديدة المتاحة (إلى جانب المواقف السلبية العميقة تجاه عملية جمع التبرعات وجامعيها الذين يحتاجون إلى المال لتحقيق النجاح).

ونظراً لعدم رغبة المؤسسات غير الربحية في الاهتمام بعملية جمع التبرعات، سيترتب على نجاح أي حملة جمع تبرعات نتائج عكسية. حالفني الحظ مرتين في مسيرتي المهنية وحصلت على تبرعات ضخمة، لكن القيادة التي لم تكن تعرف شيئاً عن عمليات جمع التبرعات طالبتني بالمزيد. فكرت بهذه الطريقة لأنها لم تفهم آلية عمل جمع التبرعات، فقد ظنت أن العملية تتلخص بطلب المال من الأغنياء فقط، لكنها لا تقتصر على ذلك.

لا يوجد مبرر لتعامل المؤسسات غير الربحية مع جامعي التبرعات بهذه الطريقة. لا تعاني المؤسسات التي تستثمر في عملية جمع التبرعات مشكلات مع توافر التبرعات. ففي العام الماضي ارتفع معدل المنح الجامعية بنسبة 12.5%، والسبب واضح، إذ تستثمر المؤسسات المعنية بالمنح الجامعية بقوة في عملية جمع التبرعات بالمال والموظفين والوقت والخبرة، ولا تعاني تراجعاً بالتبرعات.

  1. لا يوجد متبرعون جدد | "التنقيب" جزء من عملية جمع التبرعات ويُعتقد أن المؤسسات الكبيرة الغنية فقط تستطيع تحمل كلفته. ولكنه يقتصر على الخروج والعثور على متبرعين جدد فحسب. ويتطلب الكثير من الوقت والجهد والاجتماعات، ومع أنه بطيء ومكلف، فهو الطريقة الوحيدة لزيادة عدد المانحين في قائمتك (وفي كثير من الحالات، تحويل العديد إلى مانحين). والمؤسسات التي تستثمر في التنقيب تزدهر على المدى الطويل. وذلك يزيد غرابة مناقشة تراجع التبرعات في حين تزداد التبرعات في بعض المؤسسات غير الربحية. والفرق أن تلك المؤسسات لديها مجالس إدارة تفهم عملية جمع التبرعات، وتنفق عليها بسخاء، وتوظف فرق العمل، وتمنحها الوقت والاحترام.

لا تمتلك غالبية مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية المعرفة الكافية في جمع التبرعات لكي تدعم التنقيب. إذ تفقد صبرها مع ما يبدو لها مضيعة للوقت. لكن التنقيب ضروري لزيادة التبرعات، والمؤسسات غير الربحية التي تفهم هذه القاعدة تنمو وتزيد مصادر التبرعات الجديدة.

  1. عدم النضوج المهني| عادة ما يكون التطوير المهني لجامعي التبرعات مصمماً للمؤسسات الثرية. إذ لا يقتصر الأمر على المؤتمرات والتدريب فحسب، فمعظم التدريب على جمع التبرعات مصمم للمؤسسات غير الربحية الكبيرة، لأنها تمتلك ميزانيات كبيرة. وبالتالي تمتلك المؤسسات غير الربحية الصغيرة والمتوسطة الحجم طرقاً قليلة لتعلم كيفية تنمية جمع التبرعات. فكيف ستزيد التبرعات إن كانت لا تعرف أساساً كيف تزيدها؟ لا تعرف. فبدلاً من إيجاد مانحين جدد، ترسل طلبات الحصول على منح بطريقة عشوائية عبر البريد.

يعني هذا النقص في فرص التطوير المهني أن غالبية جامعي التبرعات غير الربحية غير مدربين. عندما تظن المؤسسات أن جمع التبرعات ليس مهنة، وأن أي شخص يمكنه تأدية المهمة، ترفض التطوير المهني لجامعي التبرعات في المقابل يحضر زملاؤهم في البرامج نفسها مؤتمراً تلو الآخر للتطوير المهني. أشارك في قيادة أول معهد لاتيني لجمع التبرعات يدعى سوموس إل بودير (Somos El Poder)، و90% من جامعي التبرعات الذين ندربهم لم يتلقوا أي نوع من التدريب على جمع التبرعات. وبمجرد تعيينهم يُطلب منهم جمع الأموال.

يحتاج الممولون والمؤسسات الخيرية إلى دعم التطوير المهني لجامعي التبرعات بسخاء، وبخاصة المؤسسات التي تركز على المجتمعات المحرومة. اللاتينيون مميزون في هذا المجال، إذ إنهم يتمتعون بقدرة عطاء هائلة لم تستغلها مجموعات المجتمع اللاتيني نفسها. بحسب تقديراتي، يتمتع اللاتينيون بقدرة عطاء سنوية تبلغ 24.7 مليار دولار. ولكن كيف يمكنهم إطلاق العنان لقوة العطاء هذه دون تعلّم كيفية جمع التبرعات؟

يأتي العطاء من جمع التبرعات

تواجه عملية جمع التبرعات بعض المشكلات المزمنة التاريخية التي تحتاج إلى معالجة، لكن ثمة مشكلات جديدة طارئة، إذ إن جامعي التبرعات المخضرمين ذوي الخبرة يتركون هذه المهنة بعد جائحة كوفيد-19. تمكّن العديد منهم من الحفاظ على مؤسساتهم غير الربحية خلال الجائحة ولم ينالوا إلا القليل من الشكر، مع ازدياد الطلبات غير الواقعية بتحقيق أهداف أعلى. لقد سئموا، ويبدو أن المؤسسات غير الربحية التي تخسرهم لا تفهم دورهم ولا كيف دفعتهم أفعالها إلى ترك العمل.

فما العمل إذاً؟ يمتلك الممولون والمؤسسات الخيرية القدرة على التحفيز الفعال:

  1. موّلوا وادعموا التطوير المهني لجامعي التبرعات، وبخاصة في المؤسسات التي تركز على ذوي البشرة الملونة. ابدؤوا بالنظر إلى جمع التبرعات بوصفها "بنية تحتية"، وابحثوا عن التدريب والدعم المناسبين ثقافياً. هناك الكثير من الشركات الاستشارية ذات خدمات جمع التبرعات الباهظة الثمن التي ترغب في خدمة مجتمعات الأقليات، ولكن لكل مجتمع خصائصه، وما يصلح لمجتمع لا يصلح لمجتمع آخر. لذا كونوا حذرين، لا يوجد حل واحد يصلح للجميع.
  2. اطلبوا من مجالس إدارة المؤسسات المستفيدة من المنح أن تخضع لتدريب حقيقي على جمع التبرعات، حيث تتعرف على دورة جمع التبرعات. أضعُ تقييماً لتدريب مجالس الإدارة على جمع التبرعات في الظروف الصعبة التي تستغرق منهم وقتاً طويلاً، وتكون مسؤولية مجالس الإدارة، حيث تتدرب على التبرعات الكبيرة، ولا يكفي إلقاء نظرة سريعة.
  3. اطلبوا من المستفيدين من المنح أو المستفيدين المحتملين منها خطة معقدة ومتنوعة لجمع التبرعات، خطة تبني الاعتماد على الذات وتقلل الاعتماد على المنح. انظروا إلى الميزانية والاستثمار في موظفي جمع التبرعات: هل هناك فريق لجمع التبرعات؟ أم مجرد مسؤول واحد لديه ثلاث وظائف في وصفه الوظيفي؟
  4. ادعموا المؤسسات غير الربحية بمجالس إدارة متنوعة خالية من التمثيل الصوري تشبه المجتمعات التي تخدمها. تشكيل مجلس إدارة متنوع ومعطاء ومؤثر يتطلب إجراء بحث شامل وتوعية فعالة، وعندما يتنوع مجلس الإدارة، تتغير المؤسسة. وهو مؤشر مهم على الفرق بين مَن يجيد نشر بيانات التنوع والمساواة والشمول فحسب ومن يطبقها.
  5. قدّموا الدعم المالي والتمويل لمسؤولي جمع التبرعات في المؤسسات غير الربحية الصغيرة والمتوسطة. وظائف مسؤولي جمع التبرعات هشة، فهي عرضة لتقليص عدد الموظفين وخفض مستوى الدعم المالي، وقد شهدت ذلك مرات عديدة في مسيرتي المهنية.  يعد الدعم المالي استثماراً فعالاً للنمو المالي الطويل المدى لأي مؤسسة غير ربحية.

يمثل جمع التبرعات قدرة الناس على فعل الخير. هل يمكنك أن تتخيل ما سيحدث لو أجري عدد قليل من هذه التغييرات؟ إذا تغيرت المواقف تجاه جمع التبرعات؟ إذا بدأ قادة المؤسسات غير الربحية وعامة الناس تكريم جامعي التبرعات للعمل الرائع والجميل الذي يؤدونه؟ إن القدرة على العطاء في الولايات المتحدة هائلة اليوم، وهي القدرة على تغيير هذا البلد نحو الأفضل عبر التصدي للتغير المناخي، ووقف الظلم، ودعم المهاجرين، والدفاع عن حقوق المرأة، وتمويل المنح الدراسية الكبيرة، وغير ذلك الكثير. تحسين جمع التبرعات يعني تحسين هذا البلد، فلنعمل.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي