نجحت جائزة زايد للاستدامة من خلال المشاريع المبتكرة التي قدمها 96 فائزاً بدوراتها السابقة، في تغيير حياة ما يزيد عن 370 مليون شخص في 150 دولة حول العالم، واستفادت من هذه المشاريع كل من السودان وإثيوبيا، والنيبال وفيتنام، وتوفالو وجزر المالديف.
أعلنت الجائزة عن الفائزين بجوائزها لدورة عام 2023، وشملت مشاريع من الأردن والبرازيل وفرنسا وبنغلاديش، قدمت حلولاً مبتكرة ومستدامة لتوفير الطاقة والغذاء والمياه والرعاية الصحية للمجتمعات الفقيرة. فكيف تنجح هذه الجائزة بإحداث التغيير الإيجابي بالعالم؟ وما دورها في دعم الجهود العالمية لتحقيق التنمية المستدامة؟
ابتكار حلول للتحديات الإنسانية
انطلقت جائزة زايد للاستدامة في عام 2008، كإحدى المبادرات التي تسعى من خلالها دولة الإمارات إلى دعم الابتكار العالمي والتشجيع على تطوير حلول للتحديات الإنسانية وإحداث تأثير ملموس في حياة العديد من المجتمعات حول العالم.
وتكتسب دورة عام 2023 من جائزة زايد للاستدامة أهمية خاصة لتزامنها مع انطلاق فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة الذي تستضيفه شركة أبوظبي لطاقة المستقبل، مصدر، لمناقشة قضايا الاستدامة وصياغة حلول فعّالة لمشكلة المناخ التي تمثل التحدي الأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي، وذلك في إطار استعداد دولة الإمارات لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 28" (COP28).
وتؤكد جائزة زايد للاستدامة ضرورة التعاون في مواجهة تحديات المناخ وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة في الدول النامية.
لكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يواجه ضغوطاً اقتصادية متزايدة بسبب زيادة معدلات التضخم وارتفاع التكاليف المرتبطة بالحد من الانبعاثات الكربونية؛ إذ ارتفعت تكلفة تحقيق الأهداف العالمية لمكافحة قضايا الجوع والفقر وتغير المناخ بنسبة 25% خلال عام 2021، وزادت فجوة تمويل هذه الأهداف إلى 135 تريليون دولار.
تمويل مشاريع التنمية المستدامة
أسهمت جائزة زايد للاستدامة لعام 2023، والبالغ قيمتها 3 ملايين دولار، في حل مشكلة التمويل التي تواجه مشاريع الحلول المستدامة، إذ قدمت للفائزين منحة بقيمة 600 ألف دولار للمشاريع ضمن قطاعات الصحة والغذاء والمياه والطاقة، فيما حصل ستة فائزين ضمن فئة المدارس الثانوية العالمية على منحة بقيمة 100 ألف دولار لكل منهم. فيما يلي أبرز المشاريع المستدامة التي حصلت على جائزة زايد للاستدامة لهذا العام:
توفير الكهرباء في مخيمات اللاجئين
يركز الهدف السابع من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة على توفير طاقة نظيفة وبتكلفة معقولة للجميع من أجل الحد من الانبعاثات السامة. وعلى الرغم من استمرار تراجع تكاليف مصادر الطاقة المتجددة في عام 2021، فإن هذه التقنيات لا تزال مُكلفة بالنسبة للبلدان النامية.
يُعد الوصول إلى الطاقة الآمنة والمستدامة من الاحتياجات الأساسية للأفراد، لكن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 90% من اللاجئين الذين يعيشون في المخيمات لديهم قدرة محدودة على الوصول إلى الكهرباء، ما يعرضهم لمخاطر تمس الصحة والسلامة.
أدركت شركة نيورو تك في الأردن هذه المشكلة، وطوّرت خوارزميات تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنية سلسلة الكتل "بلوك تشين"، من أجل توفير مصدر للطاقة ضمن مخيمات اللاجئين، ونجحت خلال المرحلة التجريبية في تأمين طاقة كهربائية لأكثر من 10 آلاف لاجئ سوري يعيشون في منطقة الأزرق بالأردن.
واعتمدت الشركة على وسائل متطورة لإدارة الطاقة وتوزيعها من أجل خفض الجهد الكهربائي وزيادة التوعية باستخدام مصادر الكهرباء، ما أسهم في تقليل الضغط على قسم الجهاز التنفسي بالمستشفى الرئيس في المخيم من خلال توفير الكهرباء باستمرار.
تقديم الرعاية الصحية للمجتمعات النائية
كشفت جائحة كوفيد-19 عن نقاط الضعف في نظام الرعاية الصحية، وضرورة تطوير حلول مبتكرة لتقديم خدمات رعاية صحية مستدامة وأكثر مرونة وشمولية في المجتمعات المحتاجة والتي يصعب عليها الوصول إلى تلك الخدمات.
تنبّهت الجمعية الاستكشافية للصحة في البرازيل إلى صعوبة تنقل السكان الأصليين في المناطق المعزولة جغرافياً ضمن غابة الأمازون لتلقي العلاج، فأسست "مجمع مستشفيات متنقل" يوفر لهم رعاية طبية وجراحية متخصصة، وخلال الفترة من عام 2015 إلى 2022، نجح المشروع في إجراء ما يزيد عن 1,900 عملية جراحية، أدت إلى تحسين الأوضاع الصحية لهذه المجتمعات.
كما وفرت الجمعية مركزاً جراحياً متنقلاً يعمل بمولد كهربائي ومجهّز بغرف بأحدث الأجهزة الطبية، للوصول إلى 35 ألف من سكان الأمازون في البرازيل.
إنتاج الغذاء بطريقة مبتكرة
تعد الزراعة ونُظم إنتاج الغذاء من القطاعات الأساسية المساهمة في تغير المناخ، ومع تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري والتوقعات بوصول عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة بحلول عام 2057، يجب السعي لزيادة الإنتاج، وتخفيف الانبعاثات الكربونية عبر تعزيز الابتكار في قطاع الغذاء.
ابتكرت شركة ينسيكت (Ynsect) الفرنسية، طريقة جديدة في إنتاج الغذاء؛ إذ تعمل على تربية الحشرات ومعالجتها وتحويلها إلى مكونات فائقة الجودة، لدعم كامل السلسلة الغذائية، وذلك ضمن مزرعة تعد الأولى من نوعها في أوروبا، مجهّزة بتقنيات الزراعة الرأسية المبتكرة.
أسهم المشروع في تحسين حياة 30 مليون شخص عبر توفير منتجات غذائية مستدامة وطبيعية وذات جودة عالية، وينتج المصنع التجريبي الذي تديره الشركة حالياً 30 طناً من البروتين شهرياً، وستتوسع الشركة لتصبح قادرة على إنتاج أكثر من 1500 طن من البروتين شهرياً بحلول عام 2025.
يساعد حصول شركة ينسيكت على جائزة زايد للاستدامة في تعزيز إنتاجيتها لأكثر من مليون طن وإيصال الغذاء إلى ما يزيد عن 10 ملايين شخص، وبالتالي خفض الانبعاثات الكربونية لقطاع الغذاء بطريقة ملحوظة.
توفير المياه النظيفة
تؤثر مشكلة ندرة المياه وإمكانية الوصول إلى مياه صالحة للشرب في صحة الأفراد والحد من الفقر، والاقتصاد المستدام، والسلام والأمن، ومن المتوقع أن يعاني 1.8 مليار شخص من ندرة في المياه بحلول عام 2025.
وتتفاقم أزمة المياه مع حدوث الأعاصير والفيضانات التي تسبب تلوث في مصادر الشرب وانتشار الأمراض، لذا عملت جمعية تنمية البيئة المحلية والبحوث الزراعية، ليدرز، في أفغانستان على تقديم حلول منخفضة التكلفة وسهلة الاستخدام لحل مشكلة ندرة المياه في المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية، إضافة إلى توفير وسائل ذكية ومستدامة تدعم سبل العيش.
اعتمد مشروع الجمعية على نموذج متكامل لإدارة المياه، شمل تركيب مُرشحات ونظُم لتجميع مياه الأمطار، وبِرك محمية تدعم تعزيز زراعة الحقول وإنتاج الخضروات باستمرار في الأراضي التي كانت تعاني سابقاً من الجفاف، وتمكنت بذلك من توفير أكثر من 12 مليون جالون من المياه لما لا يقل عن 15,881 أسرة.
إشراك الجيل الصاعد بقضايا الاستدامة
إلى جانب هذه المشاريع؛ ركزت جائزة زايد للاستدامة على تطوير مهارات الشباب المتميزين ليصبحوا قادة للاستدامة في المستقبل، فخصصت فئة للمدارس الثانوية العالمية لتمكّن الشباب من تفعيل دورهم في دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية ضمن مجتمعاتهم.
واقترحت المشاريع المقدمة من المدارس المشاركة حلولاً فعّالة تتعلق بنظم الطاقة والغذاء والزراعة المائية، وإدارة النفايات، تعكس قدراتهم الإبداعية في تطوير مشاريع تخدم مجتمعاتهم المحلية، منها مشروع روح الحياة، الذي قدمه طلاب من مدرسة الموهوبين في العراق، الهادف إلى ابتكار محلول مغذي مستدام، وبناء منظومة زراعة مائية لتنمية الخضراوات والفواكه المغذية مع توفير 532 ألف لتر مياه.