الابتكار، كلمة انتشرت انتشاراً واسعاً لدرجة أنها أفقدتها معظم بريقها وجوهر معناها. ومع ذلك، يبيّن بحثنا أن معظم قادة المؤسسات غير الربحية يعتقدون أنهم كي يتمكنوا من إحراز التقدّم في مهماتهم، لا بدّ لهم من تخيل مناهج جديدة وابتكارها لحل المشكلات الاجتماعية الشائكة.
أجرت مؤسسة ذا بريدجسبان غروب (Bridgespan Group)، بدعم من مؤسسة روكفلر فاونديشن (The Rockefeller Foundation)، استقصاءً شمل 145 قائد مؤسسة غير ربحية حول قدرة مؤسساتهم على الابتكار، الذي نعرّفه بأنه وقت مستقطع من ممارسة العمل يؤدي إلى تحقيق أثر اجتماعي إيجابي ملموس، وبيّن الاستقصاء أن الابتكار بالنسبة للغالبية العظمى من هذه المجموعة يتعدى الشعار الرنان ويتمثل في ضرورة ملحّة يطمح 80% منهم إلى تحقيقها.
تكمن المشكلة في أن 40% فقط من الراغبين في تحقيق الابتكار صرّحوا أن مؤسساتهم مهيّئة للابتكار؛ هذه الفجوة تثير قلقنا لأن معظم الذين شاركوا في دراستنا الاستقصائية قالوا إنهم إذا لم يبتكروا حلولاً جديدة لمواجهة تحديات القطاع الاجتماعي الضخمة -مثل تحسين الأداء الأكاديمي لطلاب المرحلة الإعدادية المعرّضين للخطر، أو زيادة غلّة محاصيل المزارعين الأفارقة، أو تخفيض عدد الوفيات الناتجة عن إسهال الأطفال الصغار في جميع أنحاء العالم بشكل جذري- فلن يحققوا الأثر الواسع النطاق الذي يسعون إليه.
ما يزيد قلقنا هو أن هذه المؤسسات تواجه بيئة متقلّبة ستضخّم حجم صراعاتها غالباً وتوسّع فجوة الطموح لتحقيق الابتكار، إذ قال نحو نصف المشاركين في الاستقصاء إن مؤسساتهم تخضع للأزمات التنظيمية أو التحولات السياسية (أجرينا هذا الاستقصاء قبل تقديم الميزانية الفيدرالية لإدارة الرئيس ترامب)، ويواجه العديد غيرهم منافسة متزايدة من مؤسسات القطاع الاجتماعي الأخرى على التمويل والمواهب والنفوذ.
ووفقاً لاستقصائنا، تعلم معظم المؤسسات غير الربحية أنه لا يكفي تقديم نفس الخدمات بنفس الأسلوب، لكن للأسف تواجه غالبيتها صعوبات كثيرة لترقب الفرص المستجدة من العروض أو الأساليب المميزة التي قد توسّع نطاق انتشارها أو تضخم أثرها. لعل ذلك متوقع، فمن الصعب الخروج عن التقاليد لمحاولة تطبيق مبادئ جديدة وتبني عقلية غير تقليدية والتعلّم من الفشل، ولن يتحرر قادة المؤسسات غير الربحية فعلاً من الوضع الراهن حتى تحدث أزمة تجبرهم على ذلك، تماماً كما هو حال قادة القطاع الربحي والقطاع العام.
للالتزام بنهج متواصل مدروس دور كبير في تحوّل المؤسسات غير الربحية إلى مؤسسات استباقية وفاعلة في مجال الابتكار، وعلى الرغم من ميلنا للاحتفال بالرؤساء التنفيذيين ورواد الأعمال الذين يحققون إنجازات بطولية، فنادراً ما يكون الابتكار وليد ضربة مجازفة عبقرية محكمة واحدة. يتطلّب إحراز تقدم ملموس في سدّ فجوة الابتكار والطموح في أغلب المؤسسات إجراء دراسة استكشافية منهجية وإجراء الاختبارات والتجارب والوقوع في الأخطاء، وبذلك تتراكم المعرفة مع مرور الوقت. الابتكار ليس سحراً أو لغزاً، وتثبت المؤسسات غير الربحية التي تتميز بالأداء العالي أنه بإمكان المؤسسات العمل على تنمية إمكاناتها في الابتكار (إذا كنت ترغب في التعمق أكثر في ذلك الموضوع، أنشأنا مجموعة موارد مجانية على الإنترنت لتساعدك في تحديد مواطن الضعف التي تحتاج إلى التحسين، والحصول على أدوات قابلة للتحميل للتعلم والتخطيط والعمل).
6 عوامل لتنمية القدرة على الابتكار
يمكن للمؤسسات التي تتفوق في طرح الأفكار المبتكرة باستمرار أن يختلف بعضها عن بعض كلياً مع مرور الوقت، فمن الممكن أن تعمل في مجالات متباينة، أو تقدم خدمات متناقضة، أو قد تتفاوت أصولها وإمكاناتها تفاوتاً شديداً. لكن من خلال بحثنا حددنا 6 عوامل مشتركة بين المؤسسات غير الربحية التي تمتلك قدرة عالية على الابتكار:
- القيادة التحفيزية التي تمكّن الموظفين من حل المشكلات المهمة.
- ثقافة حب الاطلاع، حيث يهتم الموظّفون بأكثر من التزاماتهم اليومية، ويشككون في الافتراضات، ويتحدى كل منهم تفكير الآخر، ويتحدون الوضع الراهن بطريقة بنّاءة.
- فرق متنوعة تضم أفراداً ذوي خلفيات وخبرات ومواقف وقدرات مختلفة، وهم المواد الأولية لتنمية قدرة المؤسسة على توليد أفكار خلّاقة.
- حدود مرنة تسمح للمعلومات والأفكار بالتدفق إلى المؤسسة من المصادر الخارجية (مثل المستفيدين) والمؤسسة نفسها.
- مسارات الأفكار التي توفر الهيكلية والإجراءات اللازمة لتحديد المفاهيم الواعدة واختبارها وتحويلها إلى حلول تدفع عجلة التغيير.
- الموارد الجاهزة من تمويل ووقت وتدريب وأدوات، كلها ضرورية لدعم العمل الإبداعي.
وسطياً، تبين أن المشاركين في الاستطلاع الذين يحققون تطلعاتهم الابتكارية أو يتجاوزونها يستطيعون تطبيق كل عامل من هذه العوامل الستة بفعالية أكبر مقارنة بمن يعجزون عن تحقيق تطلعاتهم الابتكارية. وعلى الرغم من أن هذه النتيجة مبنية على بيانات مبلّغ عنها ذاتياً من عينة محدودة نسبياً من قادة القطاع الاجتماعي، فهي تشير إلى ارتباط وثيق بين عوامل الكفاءة التنظيمية والأداء الإبداعي الستة، كما يتوافق هذا الارتباط مع المعلومات التي استقيناها من المقابلات التي أجريناها مع أكثر من 20 خبيراً وممارساً رائداً، ومراجعة المؤلّفات الأكاديمية والمهنية حول دوافع الابتكار في المؤسسات.
العامل الأول: القيادة التحفيزية
تضم المؤسسات المبتكرة باستمرار قادة من كافة المستويات -مدراء ومسؤولين تنفيذيين- يحفّزون فرقهم على تخطي حدود كل ما هو ممكن، حتى عندما يرسمون حدود العمل، إذ يدركون أن الابتكار يزدهر عندما تحدّد الحاجة إليه والمساحة المتاحة له بوضوح وأن ذلك يشجع الموظفين على الابتكار والاستكشاف. من الصعوبة بمكان إدارة التعارض بين المعايير الثابتة والمرونة المتاحة للابتكار بحنكة، ولكنه بالغ الأهمية أيضاً؛ صنّف أكثر من نصف المشاركين في الاستقصاء القيادة الملتزمة بأنها أهم عامل للابتكار بين العوامل الستة.
القيادة التي تحفّز الابتكار:
- تحدد رؤية ملهمة.
- تحدد المسائل والنتائج التي يجب التركيز عليها، ثم تمنح الأفراد مجالاً واسعاً للابتكار ضمن هذه الحدود.
- تشكّل نموذجاً للسلوك الذي يجب أن يقتدي به الآخرون.
خذ مؤسسة هاير أتشيفمنت (Higher Achievement) مثالاً، ومقرّها في العاصمة واشنطن، أسّست في عام 1975 وتقدّم خدمات الإشراف الأكاديمي اليومي والتعليم الصيفي وتنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية لتعزيز الأداء الأكاديمي لطلاب المدارس الإعدادية في الأحياء ذات الدخل المنخفض في 4 مدن: بالتيمور، ومنطقة مترو في العاصمة واشنطن، وبيتسبرغ ، وريتشموند في ولاية فيرجينيا. تتنوّع الأعمال التي تنفذها الرئيسة التنفيذية للمؤسسة، لينزي وود جيفريز، مع فريقها القيادي لابتكار الأفكار والمبادرات ضمن الحدود المرسومة بوضوح.
تحرص لينزي على أن تكون البيانات دليلاً تهتدي به المؤسسة إلى فرص الابتكار والتحسين. يستعرض كافة موظفي المؤسسة البالغ عددهم 85 موظفاً، 11 مؤشر أداء رئيسياً (KPIs) دورياً، مثل متوسّط حضور الطلاب اليومي والأداء الأكاديمي الحالي، تشكّل مؤشرات الأداء الرئيسية هذه محور المناقشات النصف الشهرية بين موظفي الخطوط الأمامية والمشرفين في كامل المؤسسة، وتوجّه عملية صنع القرار.
توضّح لينزي وفريقها القيادي الذي يشمل مدير البرامج، مايك دي ماركو، لزملائها الثوابت في نموذج برنامجهم، والمواضع المرنة القابلة للتجربة والتكيّف. على سبيل المثال، للحفاظ على التناسق في كافة جوانب مسألة مطروحة، تتّبع المؤسسة منهجاً ثابتاً وقياسياً واحداً لا يمكن للموظفين تغييره، لكنها تمنحهم المرونة في إضافة دعائم مكمّلة ما دامت تتوافق مع منهجها القياسي وتستوفي معايير تنشئة الطلاب، لذلك عندما أظهرت البيانات أن طلاب الصف الثامن كانوا ينسحبون من المدرسة في الفصل الدراسي الربيعي، بعد أن يعرفوا المدرسة التي سيلتحقون بها في المرحلة الثانوية، فدفعتنا إحدى الموظفات إلى تقديم منهج مهارات الدراسة لتأمين عملية انتقال سلسة للطلاب.
تقول لينزي عن هذا الموضوع: "بدلاً من إجراء محادثة طويلة حول هذا النهج الجديد، تمكنت الموظفة من إثبات أن الفكرة تندرج ضمن الفئة المرنة وقدّمت البيانات لدعمها. وافقنا على الفكرة وسوف نختبرها، وإذا عاودت أعداد الحاضرين للارتفاع، سنجربها في مواقع أخرى".
عندما تدعم البيانات الفكرة، تطرح لينزي على زملائها أسئلة صعبة تحفزهم على توسيع أفق تفكيرهم، مثل: "مالذي يتطلبه منا إلحاق 80% من طلابنا في المرحلة الإعدادية بمدارس ثانوية منتقاة وعالية الأداء؟" وعندما تلحظ بشائر ثمار فكرة جديدة، تثني عليها وتحرص على أن يصل هذا الثناء إلى مسامع الجميع، فماذا تكون النتيجة؟ أظهرت تجربة عشوائية أن برامج مؤسسة هاير أتشيفمنت تمنح الأطفال مكاسب أكاديمية تعادل 48 يوماً إضافياً من دراسة الرياضيات و 30 يوماً إضافياً من دراسة القراءة.
تقول لينزي عن جهود تحفيز الابتكار: "تتمثل مهمتي بالدرجة الأولى في تعزيز الثقافة"، ونوافقها الرأي، إذ تشير مجموعة كبيرة من المؤلّفات الأكاديمية والاستقصاءات واسعة النطاق أن الثقافة عنصر أساسي للابتكار، يمكن للقادة الذين يهدفون إلى تعزيز الابتكار، بل يجب عليهم، صياغة ثقافة المؤسسة بسلوكياتهم، وهذا يقودنا إلى ثاني عامل حاسم لتحقيق الابتكار المستدام.
العامل الثاني: ثقافة حب الاطلاع
يقول إريك شميت، رئيس شركة جوجل: "كي تبتكر لا بدّ أن تكون لديك ثقافة ملائمة ولا بد لك من فهمها جيداً". وفي معظم الأحيان، تكون الثقافة المناسبة للابتكار هي الثقافة التي يحرّكها حب الاطلاع؛ تبدأ المؤسسات المعروفة بالابتكار بحثها عن موضوع جديد بطرح السؤال: "ماذا لو؟" أو السؤال الذي يفوقه تمرداً بعض الشيء: "لم لا؟" ذكر آلان ويبر في كتابه القواعد الأساسية (Rules of Thumb): "السؤال الوجيه يضاهي الإجابة الوافية"، فالأسئلة بوابات التعلّم، والتعلم يقود عادة إلى التغيير، تشجع ثقافة حب الاطلاع الموظفين على إعادة النظر في افتراضاتهم وفي الأمور القابلة للتحقيق وإعادة تصور مستقبل أفضل.
المؤسسات التي تتبنى ثقافة حب الاطلاع:
- تعزز التواصل والتعاون والثقة.
- تشجع النقاش والتفكير النقدي.
- تعيد التفكير في مساحتها المادية.
بنت مؤسسة كيفا (Kiva.org)، التي تأسّست في عام 2005، ومقرها في سان فرانسيسكو، أول (وأكبر) منصة غير ربحية لتقديم القروض متناهية الصغر في العالم. تستخدم كيفا التمويل الجماعي لتقديم قروض متناهية الصغر دون فوائد لأشخاص من 93 دولة ممن يتجاهلهم النظام المالي التقليدي ويرغبون في بناء مستقبل أفضل لهم.
منذ الوهلة الأولى، كان اثنان من مؤسسي كيفا، بريمال شاه ومات فلانري، معجبين بمفهوم هيكلية تصميم يسمى "نجم البحر"، حيث تتألف المؤسسة من أشخاص مستقلين نسبياً ومستقلين تماماً يتولون زمام عملهم ويديرون مؤسسة كيفا إجمالاً، ويعتقدون أن مسؤوليتهم الأساسية هي إلهام الآخرين وتوجيههم من خلال صياغة مهمة عامة ومجموعة من المبادئ، وطرح أسئلة محفّزة، وتمكين الزملاء من التجربة والمجازفة والانطلاق بأفكارهم الخاصة، يقول بريمال: "من خلال منح الناس إحساساً بالمسؤولية والأمان النفسي، تمكنّا من التوسّع في فكرتنا الأولية وتقديم بعض الأفكار الجديدة المهمة بانتظام".
إحدى هذه الأفكار هي نموذج الإقراض الأميركي لمؤسسة كيفا، المعروف سابقاً باسم كيفا زيب (Kiva Zip)، وعلى الرغم من أن مؤسسة كيفا تشتهر بمبادراتها على المستوى الدولي، فهي في مشروع كيفا زيب بدأت منح القروض لأصحاب الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة في عام 2012.
كان مشروع كيفا زيب من بنات أفكار مات فلانري، وآتى ثماره بجهود فريق صغير يقوده متطوع سابق في المؤسسة يدعى جوني برايس، الذي انتقل بعدها إلى العمل بدوام كامل لتطوير مفهوم المشروع، وأصبح الآن كبير مدراء المؤسسة. يستشهد جوني في منشور على مدونة كيفا بإحدى اقتباساته المفضّلة، وهي عبارة يكثر الرئيس بارتليت تكرارها في المسلسل التلفزيوني الجناح الغربي (The West Wing): "ماذا بعد؟" ويقول: "أعتقد أنها طريقة رائعة للتعامل مع الحياة".
حتى في عمله متطوعاً مؤقتاً، شعر جوني أنه مخوّل ومدعوم بما يكفي ليسأل "ماذا بعد؟" من أجل مشروع كيفا زيب. في أيامه الأولى، أتاح فريق زيب فرصة للمقرضين والمقترضين في مؤسسة كيفا ليتواصلوا أكثر عن كثب فيما بينهم بناءً على مفهوم يمثّل جوهر مهمة كيفا: ربط الناس بعضهم ببعض من خلال تقديم القروض للتخفيف من وطأة الفقر.
في أوائل عام 2013، عمّم فريق كيفا زيب ميزة المحادثات التي أتاحت للمقرضين والمقترضين التحدث بعضهم إلى بعض أول مرة على موقع كيفا زيب الإلكتروني، حيث يمكن لمقرضة في كينيا إرسال رسالة إلى المقترض الذي موّلته عبر الموقع الإلكتروني، ويمكن للمقترض الذي يعيش في ديترويت الرد عليها. أدت هذه العلاقات في معظم الأحيان إلى تلقي المقترضين الدعم بعدة طرق غير متوقعة، فأدى بعض المستجيبين دور الموجّهين، وأدى البعض الآخر دور العملاء والمناصرين للعلامة التجارية.
كان فريق كيفا زيب مسؤولاً أيضاً عن الابتكار في مجال الاكتتاب الاجتماعي، الذي يعني الخدمات المصرفية التي تقدّم بناءً على الشخصية. يعتمد الاكتتاب الاجتماعي اعتماداً كبيراً على رأس المال الاجتماعي لفحص المقترضين المحتملين، الذين يجب عليهم دعوة عدد معين من المقرضين الجدد للانضمام إلى المنصة خلال "فترة جمع التبرعات الخاصة"، قبل نشر طلبهم للقرض علناً على موقع كيفا الإلكتروني. الفكرة من ذلك أنه إذا كان الأشخاص الذين يعرفون المقترض حق المعرفة يعتقدون أنه جدير بالائتمان، فسيشارك مجتمع الإقراض في كيفا في التمويل الجماعي لبقية القرض. يعود هذا النوع من الاكتتاب الاجتماعي بالنفع خصوصاً على المهاجرين وغيرهم ممن لديهم تاريخ ائتماني قصير جداً (أو ليس لديهم تاريخ ائتماني)، إذ يؤهلهم للحصول على قروض الأعمال الصغيرة التقليدية. أنتج برنامج كيفا في الولايات المتحدة في عام 2017 نحو نصف المقرضين الجدد الذين انضموا إلى كيفا ومولوها بأكثر من 25 مليون دولار على شكل قروض جديدة.
يواصل كافة الموظفين في مؤسسة كيفا طرح السؤال "ماذا بعد؟" يومياً، وكما هو الحال في معظم السياقات، يثري تنوع موظفيها الدائمين وزملائها والمتطوعين فيها وشركائها الإجابات والأفكار التي يبتكرونها.
العامل الثالث: الفرق متنوعة
من العوامل الستة التي حلّلها استقصاؤنا، رأى المشاركون أن التنوع هو الأقل أهمية، لكننا نعتقد أن هذا خطأ. يشير غاري هامل في كتابه مستقبل الإدارة، إلى أنه عندما تلتقي الأضداد تتولّد شرارة صغيرة من الطاقة توقد جمر الإلهام، لكن للأسف تدرّب المؤسسات غالباً موظفيها على التخلص من أوجه الاختلاف فيهم من خلال البرامج التي تلقّنهم "الطريقة الوحيدة المثلى". في حين تبطل المؤسسات الإبداعية التفكير الجماعي الذي يستنزف الأفكار ببناء فرق متنوعة، ليس من ناحية النوع الاجتماعي والعرق والانتماء فقط، بل ومن ناحية تجاربهم في الحياة وخبراتهم المهنية ومهاراتهم وأنماطهم المعرفية أيضاً.
المؤسسات التي تؤسّس فرقاً متنوعة لتحقيق الابتكار:
- توظّف أفراداً يكون تنوعهم على 3 مستويات: التركيبة السكانية، والقدرات والأنماط المعرفية والفكرية، والمهارات والخبرات المهنية.
- تشكّل الفرق بحيث تحقق الاستفادة القصوى من تنوعها.
- تعدّ الموظفين لقيادة الفرق المتنوعة والشاملة والإسهام فيها.
لا يكفي البحث عن التنوع فقط، فحتى المؤسسات الهجينة يمكن أن تواجه صعوبة في تحقيق الشمول الحقيقي الذي يفسح المجال لوجهات النظر الخارجية. تسعى مؤسسات كثيرة لتحقيق التنوع عند تعيين موظفيها، ولكنها تُخضع الموظفين الجدد لعملية إعداد بغرض إدماجهم فيها فيصطدمون بكثير من المدراء الذين يفضلون التناغم والتوافق على تضارب الأفكار ووجهات النظر التي يمكن أن تكون وقوداً للأفكار الواعدة.
تواجه لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) الأزمات الإنسانية المدمّرة من خلال تقديم الخدمات للاجئين والمشرّدين في أكثر من 40 دولة، وتدرك أنها تحتاج إلى التخطيط بتأنٍّ لزيادة التنوع. تضمّن ذلك في عام 2016 تلقيح أكثر من 173 ألف طفل لم يتجاوزا السنة ضد الحصبة، وعلاج أكثر من 186 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، وإتاحة الحصول على مياه الشرب النظيفة لـ 3.8 ملايين شخص، وتوفير الفرص التعليمية لأكثر من مليون ونصف المليون طفل، وتقديم تدريب على مهارات العمل لـ 53 ألف شخص، والكثير غير ذلك.
وبهذا النطاق الواسع من العمل في تلك المهمات الحرجة، أنشأت لجنة الإنقاذ الدولية مركز إيربيل (The Airbel Center)، وهو مختبر للبحث والتطوير يساعد على سد الفجوة بين موارد ال مؤسسة المحدودة والتعقيد المفرط في وسائل تلبية الاحتياجات الإنسانية.
يجمع مركز إيربيل بين خبراء تصميم البرامج والباحثين ومتخصصي التصميم المتمحور حول الإنسان وعلماء السلوك والمخططين الاستراتيجيين والمتخصصين في التكنولوجيا من داخل لجنة الإنقاذ الدولية وخارجها، تنظّم عادة فرقها المتعددة التخصصات وفق محور ثلاثي: خبير في البرنامج ومصمّم وخبير استراتيجي، ويديرها خبير عام وينضمّ إليها متخصصون آخرون أحياناً لاستكمال هذه الهيكلية. تنشئ هذه الفرق نماذج أولية ثم تختبرها بإطلاق مشاريع تجريبية وتوسّع أكثر المشاريع الواعدة، وكلها تهدف إلى تلبية الهدف الأساسي للجنة الإنقاذ الدولية، الذي تمثل عام 2016 في تقديم خدمات لأكثر من 26 مليون شخص.
يعتقد أوستن ريغز، مدير مركز إيربيل، أنه على الرغم من أن المركز ما زال في أيامه الأولى فالأفكار التي تمكن من ابتكارها قوية ومقنعة، وذلك بفضل تنوع الفئات في المركز تنوعاً كبيراً.
العامل الرابع: الحدود المرنة
توسّع الحدود المرنة نطاق الابتكار، فتسمح للأفكار الجديدة التي يطرحها الموظفون من كافة المستويات وأعضاء المؤسسة وغيرهم من الأصوات الخارجية بالتغلغل والانتشار بين الأقسام المنفصلة. تتدفق الأفكار الجديدة أفقياً بين الأقران، ما يتيح للموظفين اختبارها في سياقات مختلفة، أو إعادة تجميعها، أو استخدامها لإعادة ابتكار استراتيجيات على وشك انتهاء صلاحيتها.
المؤسسات ذات الحدود المرنة:
- تشارك الأعضاء في التوصل إلى الحلول.
- تحشد الآراء والأفكار من خارج المؤسسة.
- تستثمر في الموظفين والعلاقات والأنظمة الداخلية والخارجية التي تدعم التبادل السلس للمعرفة.
لنأخذ مثلاً لجنة التنمية الريفية في بنغلاديش - براك (BRAC)، وهي واحدة من أكبر المؤسسات غير الحكومية في العالم من حيث عدد الموظفين، إذ توظف أكثر من 100 ألف شخص في 11 دولة، وتدير مجموعة من الخدمات والمؤسسات الاجتماعية التي يستفيد منها 138 مليون عضو، معظمهم في المناطق الريفية. على الرغم من شبكة برامجها واسعة الانتشار، وجدت براك وسائل لتحافظ على تدفق المعلومات والأفكار الجديدة في كافة أنحائها.
تنصت مؤسسة براك بانتباه إلى احتياجات أعضائها الذين تعدّهم منبع الأفكار الجديدة وتجاربهم من خلال اللقاءات المجتمعية الشخصية والأدوات التقنية مثل استطلاعات الرأي عبر الرسائل القصيرة، وتستضيف مؤتمرات مثل ملتقى الابتكار المقتصد (the Frugal Innovation Forum) لتبادل الأفكار مع مؤسسات وممارسين آخرين، وتدير مسابقات ابتكار واسعة النطاق لجمع الأفكار بعضها ضمن المؤسسة فقط والبعض الآخر متاح للجميع.
إحدى الأمثلة على ذلك تحدي صندوق تمويل الابتكار لعام 2015 لتحويل المال عبر الهاتف المحمول، الذي نتج عنه طرح أكثر من 400 فكرة حول الطرق التي تتيح للمؤسسة إدراج الأموال المحولة عبر الهاتف المحمول ضمن برامجها وعملياتها الداخلية، بهدف تعزيز الشمول المالي بين المستفيدين. وأخيراً، يعمل قسم التقييم والأبحاث الفاعل ومختبر الابتكار الاجتماعي التابعان للمؤسسة وسيطين لتبادل المعارف يوافيان الفرق في البقاع البعيدة بأحدث المستجدات باستمرار حول ما يجدي وما لا يجدي.
بعض هذه الأساليب جديد، لكن التركيز على الإنصات ليس كذلك، فمبادرات مؤسسة براك التي تتعمّد الإنصات إلى المستفيدين وتحرص أن تتدفق المعلومات باستمرار في شتى أنحاء المؤسسة، متجذرة في بعض تجاربها الأولى، ومنها المعالجة بالإماهة الفموية (ORT) التي قالت المجلة الطبية لانسيت (Lancet ) إنه من المحتمل أن تكون أهم التطورات الطبية في القرن العشرين.
العلاج بحد ذاته بسيط، وهو إعداد المزيج الصحيح من الملح والسكر والماء لتعويض السوائل عند المصابين بالإسهال، وهو ثاني أكبر مسبّب لوفاة للأطفال الصغار في العالم بعد الالتهاب الرئوي. لكن فهم أسباب عدم قدرة الناس على تبني هذا العلاج تطلّب من مؤسسة براك العمل لسنوات على المراقبة المنهجية والتجربة والأخطاء، وكان العاملون الصحيون المشككون ونقص معدات القياس والدوافع غير النزيهة من الأسباب الجذرية العديدة التي كشفت عنها مؤسسة براك مع مرور الوقت. ونتيجة لجهودها كانت بنغلاديش في عام 2017 صاحبة أعلى نسبة استخدام للعلاج بالإماهة الفموية في العالم، ما أسهم في خفض معدل الوفيات الناتجة عن الإسهال بين الأطفال البنغلاديشيين دون سن الخامسة من نحو 20% بين عاميّ 1988-1993 إلى 2% بين عاميّ 2007-2011.
كما تجد المؤسسات غير الربحية الصغيرة وسائل للإنصات بانتباه إلى مخاوف المستفيدين والموظفين والمؤسسات الأخرى وأفكارهم. توفر مؤسسة بليموث هاوزنغ غروب (Plymouth Housing Group)، ومقرها في مدينة سياتل، إسكاناً دائماً وخدمات دعم لألف شخص من المشردين الدائمين الذين استنفدوا جميع أشكال المساعدة الأخرى. كانت مؤسسة بليموث مثل غيرها من العديد من مؤسسات الخدمات الإنسانية، إذ اعتمدت تقديم الرعاية المقدمة بعد الصدمات، لكنها كانت استثنائية في تركيزها على رأي المشاركين الذي كان الركن الأساسي في نهجها العملي.
في بليموث بلايس، أحد الأبنية الأربعة عشرة التي تملكها بها مؤسسة بليموث، يشارك الموظفون والسكان في لقاءات مجتمعية شهرية ولقاءات المراجعة الأسبوعية، وفعاليات الأداء الحر والحوار المفتوح -وشعارها على لوحة الإعلانات: "تعال وعبر بالغناء" (Come on down, sing it out)- والمشاريع التي يقودها المشاركون التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من إيقاع الحياة اليومي.
أتاحت هذه الممارسات للسكان طرح أفكارهم، مثل تركيب حوض أسماك مشترك وإنشاء حديقة خضار على السطح، لتعزيز رفاهتهم. وقد تبدو أوجه التحسن هذه طفيفة بالنسبة للأطراف الخارجية، لكن السكان المسنين الذين تعرّض معظمهم لصدمات نفسية وبعثت المؤسسة فيهم الحياة تمنحهم أوجه التحسن هذه إحساساً بالمسؤولية والانتماء إلى المجتمع، والأهم من كل ذلك تمنحهم الشعور أنهم في منزلهم. تظهر الاستقصاءات السنوية للسكان تفوّق بليموث بلايس ضمن ملف إسكان بليموث على مدار عامين في مقاييس مثل الرضا العام عن المبنى والموظفين.
يتمتع الترحيب بالأفكار من خارج المؤسسة وتشجيع التدفق الحر للمعلومات ضمنها بأهمية بالغة للمؤسسات غير الربحية على وجه الخصوص، مثل بليموث المجبرة على الامتثال للقواعد والأنظمة البيروقراطية الحكومية الصارمة. تقول كيلي لارسن، مديرة المبادرات الاستراتيجية في مؤسسة بليموث: "من الصعب الانطلاق عندما تكون محكوماً بهذه القواعد الصارمة التي تهدد تمويلك إذا لم تستوف كافة الشروط". تسير كيلي وزملاؤها على خطى مؤسسة هاير أتشيفمنت بمحاولة رسم حد واضح للثوابت، ثم مواصلة البحث على نطاق واسع، داخل المؤسسة وخارجها، عن الأفكار والمعلومات التي يمكن أن تخترق القيود البيروقراطية وغيرها.
العامل الخامس: مسارات الأفكار
أشار إريك ريس في كتابه "الشركة الناشئة الرشيقة" (The Lean Startup) إلى أنه على الرغم من أن "الابتكار أمر لا يمكن التنبؤ به، لكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن إدارته". يقوم الابتكار الفاعل على نظرية بسيطة: طرح الكثير من الأفكار، واستخدام معايير ومقاييس متسقة لترتيب الأولويات بينها، والاستثمار في أهم الأفكار الواعدة، وبالتالي زيادة احتمال أن تؤدي واحدة أو اثنتان إلى تحقيق إنجاز عظيم. يوضّح إريك أنه يمكن أن يكون مفهوم منتج الحد الأدنى (MVP) أداة فعالة ومنخفضة التكلفة لاختبار الأفكار على أرض الواقع: ابن نموذجاً أولياً يحتوي على الحدّ الأدنى من الميزات (لأجل السرعة وكفاءة الاختبار)، لكنه ناجع بما يكفي ليعمل ويحقق نتائج يمكن للموظفين الاستفادة منها.
استناداً إلى المقابلات ونتائج الاستقصاء الذي أجريناه، اعتمدت قلّة من المؤسسات غير الربحية مثل هذه الممارسات، لكن لا يتطلب الأمر قدراً هائلاً من التخطيط لتحديد مسارات وعمليات واضحة لإظهار ابتكارات جديدة واختبارها وتقديمها.
المؤسسات ذات مسارات الأفكار الفعالة:
- تبتكر أفكاراً جديدة بانتظام.
- تختبر الأفكار المطروحة باستخدام معايير ومقاييس ومنهجيات واضحة المعالم.
- ترتب أفضل الأفكار حسب الأولوية وتوسّعها.
تعمل مؤسسة وان إيكر فاند (One Acre Fund) مع 500 ألف من صغار المزارعين في إفريقيا لرفع غلات المحاصيل وزيادة الأرباح من مبيعاتها إلى أقصى حد ممكن، وهي، منذ سنوات طويلة، تتعامل مع الابتكار على نحو عشوائي من دون استراتيجية رسمية كحال معظم المؤسسات غير الربحية. في عام 2008، عرّفت قيادة المؤسسة شبكة المزارعين على نوع جديد من المحاصيل: فاكهة الماراكويا، لكن طرح المنتج توقف تماماً لأن المزارعين لم تعجبهم زراعة هذه الثمرة اللحمية، وحتى الذين زرعوها منهم واجهوا صعوبة في توصيل المحصول إلى السوق سليماً.
كان فشل مشروع فاكهة الماراكويا انتكاسة باهظة الثمن، لكن أدرك قادة المؤسسة أن الفشل يمكن أن يؤدي إلى التعلم والتغيير والتحسين، فشرعت مؤسسة وان إيكر في تطوير مسارات الأفكار المصمّمة على غرار ممارسات كبرى شركات السلع الاستهلاكية المعبّأة الهادفة للربح، ويمكن تنظيم هذه المسارات على أساس المراحل المقترنة بتحويل الأفكار إلى حلول مكتملة الأركان:
على وجه التحديد، جددت مؤسسة وان إيكر فاند أسلوبها في تطوير المنتجات الجديدة، وذلك بإنشاء إجراءات محددة لجمع الأفكار واختبارها وقياسها. وكي تضمن فعالية المنتجات الجديدة وقابلية تبنيها وتنفيذها، دمجت هذه الأهداف في معايير الاختيار الخاصة بها، ثم طورت عملية واضحة متعددة المراحل لتضمن أن تستوفي الابتكارات لمعايير كل مرحلة قبل توسيع نطاقها إلى كامل شبكة المزارعين، وهذه المراحل هي اختبار الأفكار وتنقيحها في الحاضنات الأولية، والتجارب الميدانية الصغيرة، والتجارب الميدانية الأكبر.
أجرى فريق ابتكار المنتجات في المؤسسة عام 2011 استقصاءً لشبكة الباحثين والمزارعين الكينيين من أجل وضع قائمة بأنواع الأشجار التي قد تقدم عائداً طويل الأمد للمزارعين، وبعد تقييم العوائد الاقتصادية المحتملة لعدة أنواع اتفق الفريق على أن شجرة غريفيليا تبدو أكثر الأنواع المبشّرة، بناءً على قدرة الشجرة على النمو بسرعة وتحسينها لجودة التربة (من خلال نشارة أوراقها).
ثم وضع الفريق نموذجاً أولياً للفكرة بتنمية شجرة غريفيليا في مشتل، وبعد العمل على مواجهة بعض التحديات التقنية، مثل أفضل السبل لزراعة الأشجار وغرسها في أنواع مختلفة من التربة، نقل الفريق الشجرة إلى المرحلة التجريبية: الاختبار المباشر في أراضي المزارعين الفرعية، ولم تقدّم مؤسسة وان إيكر شجرة غريفيليا إلى شبكة المزارعين في كينيا إلا بعد التحقق من أنها ستوفر دخلاً إضافياً للمزارعين وبعد حل جميع أوجه التردّد الرئيسية، وزرع كل مزارع 50 شجرة وسطياً.
من خلال بناء مسارات محددة بوضوح لتطوير الأفكار، أدخلت المؤسسة سلسلة من المنتجات الجديدة إضافة إلى شجرة غريفيليا ، فازداد دخل المزارعين من الأنشطة المدعومة من مؤسسة وان إيكر بنسبة 55% وسطياً.
العامل السادس: الموارد الجاهزة
كم مرة سمعت أن الابتكار يولد في بيئة تنعدم فيها الموارد؟ ربما تمكّنت شركات مثل جوجل وآبل ومايكروسوفت وأمازون وديزني وهيوليت-باكارد من تدبّر أمرها بالنجاح من دون موارد لفترة وجيزة عندما كانت شركات ناشئة، لكنها تنفق الآن مليارات الدولارات كل عام على الابتكار، ولديها آلاف الموظفين الذين يعملون على ابتكار منتجات جديدة.
تدرك هذه المؤسسات أن مواصلة الابتكار على المدى الطويل تكاد تكون مستحيلة دون تخصيص التمويل والوقت والتدريب والأدوات لذلك، وينطبق الشيء نفسه على القطاع الاجتماعي، وإذا طبّقت المؤسسات غير الربحية التي تمرّ بضائقة مالية بعض الاختلافات في نهج إريك ريس، "جرب القليل، وتعلّم الكثير" للتحقق من الأفكار، فستتمكن من تقليل المخاطر عن طريق عدم تخصيص الموارد إلا بعد أن إثبات إمكانيات المنتج أو الخدمة الجديدة.
المؤسسات التي تهيّئ الموارد للابتكار:
- تجمع الموارد المالية وتخصصها لتوفير تمويل مرن للابتكار.
- تنظم أدوار الموظفين لإتاحة التركيز على الابتكار، إلى جانب تنفيذ البرامج والعمليات الراهنة.
- تستثمر في دعم التقنيات والأدوات والتدريب.
توفير الموارد للابتكار صعب حتى بالنسبة للمؤسسات غير الربحية الرائدة. خذ مثلاً مؤسسة أوكسفام الدولية (Oxfam International)، وهي اتحاد يضم 20 مؤسسة غير حكومية تعمل في أكثر من 90 دولة للقضاء على الفقر، من خلال الدعم وبرامج التنمية والإغاثة في حالات الكوارث. تمتلك المؤسسة موارد أكبر وأفضل من موارد اكثير من المؤسسات غير الربحية، بإجمالي نفقات بلغ 1.2 مليار دولار في عام 2016، لكنها ما زالت تستصعب تخصيص المال والوقت للابتكار.
لإتاحة عملية أكثر تكيفاً لإنشاء البرامج، يعمل فريق جمع التبرعات في أوكسفام على مشاركة المانحين أهمية جعل المنح المقيدة أكثر مرونة، واختبار إمكانات آليات التمويل البديلة، ومنها الدفع حسب النتائج والاستثمار المؤثر. تمكّن آليات التمويل الأكثر مرونة والاستخدام الرشيد للتبرعات العامة مؤسسة أوكسفام من الاستثمار في مجموعات الأدوات والتدريب والدعم الاستشاري للموظفين، وتزويد الفرق بتمويل مرن لإجراء التجارب، ما يؤدي بدوره إلى إنشاء برامج لم تكن لتنشأ لولا ذلك.
لكن حتى مع وجود تمويل أكثر مرونة وأدوات أفضل للابتكار لا يزال الضغط المهيمن لإنجاز العمل اليومي قائماً. يقول المستشار في مجال الابتكار في مؤسسة أوكسفام في بريطانيا العظمى، جيمس وايتهيد: "أكبر تحدٍ في الابتكار تواجهه مؤسسة مثل أوكسفام هو تخصيص الوقت للعمل من أجل المستقبل، بدلاً من البقاء أسيرة الوقت الحاضر".
لمواجهة هذا التحدي، تختار مؤسسة أوكسفام موظفين في الدول التي تعمل بها لأخذ وقت مستقطع من روتينهم اليومي والانخراط في تجربة غامرة تركز على تعزيز الابتكار، وصمّمت مسرعات حجم التأثير هذه لدعم الموظفين في تكوين وجهات نظر جديدة في عملهم وصياغة مبادرات تزيد أثر مؤسسة أوكسفام ونفوذها ودخلها بدرجة كبيرة، جمعت مسرّعة الأعمال في إفريقيا مشاركين من 9 بلدان لتشكيل مبادرات جديدة تتوافق مع استراتيجيات الدولة.
تتنوع هذه المبادرات الأولية بين زيادة مشاركة المواطنين في مجال الصناعات الاستخراجية في تنزانيا وتوسيع نطاق الابتكار على مستوى النظام في توفير المياه في شمال كينيا، كما أنشأت أوكسفام صندوقاً يوفر موارد متواضعة لاختبار نماذج الأعمال التكميلية، وهي تشمل تطوير منصة تعليمية عالمية على الانترنت للناشطين وإنشاء منصات دعم بين الأقران.
ستظهر نتائج مسرّعات أوكسفام خلال الأشهر والسنوات اللاحقة، لكن بحثنا يشير إلى أن منطقهم العام يدمج الابتكار في عمل المؤسسة اليومي ويحافظ عليه مع مرور الوقت، إذ يتمثّل بوجود موظفين محددين يخصصون وقتاً لغاية واضحة، وهي تطوير نهج جديدة لتحقيق أثر أكبر.
الابتكار ليس حلاً سحرياً يجعل المؤسسة قادرة على مواجهة مستقبل مليء بالتحديات تلقائياً، ولا يوجد مخطّط وحيد لبناء القدرة على الابتكار. يجب على القادة من كل المستويات أن يسخّروا خيالهم وخبراتهم لمواجهة التحديات، ويستكشفوا الأفضل لمؤسساتهم، لكن الاستقصاءات والمقابلات التي أجريناها تشير إلى أن هذه العوامل الستة هي نقاط انطلاق مفيدة لبناء القدرة على الابتكار المتواصل، وبالتالي تحقيق أهم إنجاز: تعزيز رفاهة الإنسان والبيئة.
يُمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من هذا المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخَ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.