4 سيناريوهات محتملة لمستقبل عمل النقابات

مستقبل عمل النقابات
shutterstock.com/vectortatu
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أدت عوامل مثل التحول من الصناعة إلى الوظائف الخدمية، وإضفاء الطابع غير الرسمي على الاقتصاد وعلاقة العمل المتغيرة، والأتمتة، إلى تراجع العضوية في النقابات، فضلاً عن القيود القانونية وانتهاكات الحقوق النقابية التي تؤثر في قدرة النقابات على تنظيم العمال وتمثيلهم وخدمتهم. وعليه، ما الذي يمكن أن نتوقعه حول مستقبل عمل النقابات؟

يوجد أربعة سيناريوهات محتملة لمستقبل عمل النقابات:

  1. التهميش التدريجي للنقابات: من خلال الاستمرار في التوجهات الحالية مع انخفاض معدلات إنشاء النقابات والانضمام لها ما يضعف دورها في تشكيل أسواق العمل الناشئة الجديدة.
  2. ازدواجية التمثيل والسياسات الخاصة بالنقابات: تفادياً للتهميش، ستدافع النقابات عن مكانتها وتركز على نقاط قوتها الحالية المتمثلة في الشركات الكبرى والعمالة الماهرة والمتخصصون في القطاع العام والخدمات الاجتماعية، ما يقود إلى إهمال الفئات العاملة في القطاعات الأقل تمثيلاً أو غير الرسمية.
  3. الإحلال: أن تترك النقابات بصورة تدريجية المجال لأشكال أخرى من العمل والتمثيل الاجتماعي مثل المؤسسات غير الحكومية والشركات القانونية ووكالات العمل الوسيطة والاستشاريون.
  4. إحياء دور النقابات: ستتوصل النقابات إلى طريقة مبتكرة لتننظيم القوى العاملة الجديدة غير المستقرة في الاقتصاد الرقمي والدفاع عن حقوقهم، والتوّسع للوصول إلى ما يتجاوز قاعدة العضوية الحالية عبر تعزيز الحوار الاجتماعي الشامل والفعال.

ويعد تنشيط النقابات من السيناريوهات المستقبلية الأكثر احتمالاً وملاءمةً، حيث تجد النقابات أساليب مبتكرة وتشكل تحالفات لتمثيل جميع القوى العاملة، ففي الوقت الذي سلطت فيه الجائحة الضوء على ضعف مقومات العمل اللائق، اعتمد العمال أيضاً على تلك النقابات لتحسين ظروف العمل وتحقيق الحماية الاجتماعية.

وفي أثناء الجائحة، تمكنت النقابات من مساعدة العمال وأسرهم عبر تقديم المشورة القانونية وإنشاء صناديق طوارئ، وتنظيم برامج تدريب وحملات توعية، واعتبار فيروس كورونا إصابة عمل، كما وظّفت بعض النقابات، مثل النقابات في السويد، الحوار المجتمعي للوصول إلى الأعضاء الجدد والمساهمة في الاستجابة للأزمات.

وتقوم النقابات بتنظيم العمال الشباب أو الأقل تمثيلاً، إذ عالجت النقابات احتياجات العمال في الاقتصاد غير الرسمي من خلال تنظيمهم ودمجهم في الهياكل الرسمية للحركة النقابية، ففي الأردن وقعت وزارة العمل اتفاقية مع الاتحاد العام لنقابات العمال لتخفيف اللوائح الخاصة بإصدار تصاريح العمل للاجئين السوريين وتسهيل اضمامهم إلى سوق العمل الرسمي.

مع انتشار الأتمتة وتوسّع دور الآلية يزداد تخوف النقابات من أن يهدد التطور التكنولوجي مستقبل القوى العاملة، لكن حان الوقت الآن للبحث عن سبل الاستفادة من هذا التطور لدعم حقوق العمال وتطوير مهاراتهم للتأقلم مع المتطلبات الجديدة في سوق العمل، الذي بات يبحث عن الابتكار والإبداع أكثر من أي شيء آخر.

قد تساعد التكنولوجيا مثل وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي في تنظيم العمل النقابي للدفاع عن الحقوق العمالية. بحسب مجلة “ذي إيكونوميست” (The Economist)، يعد إضراب المعلمين في ولاية فرجينيا الغربية مثالاً جيداً على ذلك، إذ أنشأ المعلمون مجموعة على موقع فيسبوك تحت اسم “إضراب مدرسي أوكلاهوما – حان الوقت الآن” (Oklahoma Teacher Walkout – The Time is Now) ضمت أكثر من 45 ألف عضو للاحتجاج والمطالبة بزيادة رواتبهم، وبعد إضراب استمر تسعة أيام، أقر المجلس التشريعي للولاية زيادة رواتب المعلمين وموظفي الدولة الآخرين بنسبة 5%.

في النهاية السيناريوهات الأربعة المستقبلية للنقابات العمالية كلها ممكنة وتحدث الآن أحياناً في نفس الدولة، وفي قطاعات ومجموعات مختلفة. ومع إمعان النقابات النظر والتفكير في هذه السيناريوهات يمكنها التعامل مع حالة عدم اليقين التي تحيط أدوارها.

كيف ظهرت النقابات؟

تعد النقابة تنظيماً يضم مجموعة من العاملين في منشأة معينة أو صناعة معينة للدفاع عن حقوقهم المقررة قانوناً، وحمايتهم من خفض الأجور، وتقديم المساعدات في أثناء الإغلاق أو الإضراب، وكان رواد الحركة النقابية البريطانية أول من أنشأ النقابات في الفترة بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، إذ قد بدأ الاعتراف رسمياً بالنقابات عام 1871، وفي فرنسا عام 1848، ثم توالى الاعتراف بعد ذلك في أوروبا وغيرها من بلدان العالم.

وبعد الحرب العالمية الثانية، انتعشت الحريات النقابية لاسيما بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948. لكن منذ منتصف القرن العشرين بدأ دور الحركات النقابية بالانحسار نتيجة التغيرات السياسية والاقتصادية التي يشهدا العالم، ففي فرنسا على سبيل المثال لا الحصر، أقرت مؤخراً إصلاحات في نظام التقاعد رغم احتجاج النقابات العمالية على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً.

العمل النقابي في المنطقة العربية

وفي المنطقة العربية، اقترن العمل النقابي في أغلب الأحيان بالطابع السياسي، وتأثير الأنظمة على قادة النقابات لتقييد مطالب العمال برفع الأجور وتحسين ظروف العمل، ما أدى إلى تراجع ثقة الطبقة العاملة بالحركات النقابية وقدرتها على مواجهة مشاكل ملحة مثل الفقر والبطالة وتدني المستوى المعيشي.

ويمكن أن يعزى سبب تراجع دور النقابات إلى ظهور تيار العولمة، إذ بدا تأثيره على الحريات والحقوق النقابية واضحاً منذ تزايد قوة المؤسسات متعددة الجنسيات وعددها، ومع تسارع الدول، خاصة النامية منها، على جذب الاستثمارات الأجنبية أصبح يُنظر إلى المطالب بتوسيع نطاق الحماية أو تحسين شروط العمل على أنها عائق أمام تدفق هذه الاستثمارات، وعبء جديد يُضعف من قدرة المؤسسات المحلية.

كما يرتبط هذا التراجع بطبيعة العمل النقابي نفسه، من حيث عدم مواكبة تطورات العصر، وغياب برامج التنمية في مناهج النقابات، ومن جهة أخرى نقص فهم العمال ومعرفتهم بالنصوص الموجودة في اتفاقية العمل الجماعية ما يؤدي إلي تزايد النزاعات.

تعد النقابات من المؤسسات القائمة على حرية التعبير عن الرأي، لذا فإن ضمان استقلاليتها من العوامل المهمة لتسترجع دورها وقوتها، وهذا يتطلب من السلطات العامة للدول منح النقابات القدرة للتعبير عن تطلعات العمل وحقوقهم. فبحسب منظمة العمل الدولية، تحقيق العدالة الاجتماعية مرتبط بحرية تأسيس النقابات وإدارة أعمالها لتحقيق التوازن بين القوى العاملة وأصحاب العمل.