كيف تؤسس العلوم الخيرية التكافؤ بين البشر؟

العلوم المدنية
shutterstock.com/LightField Studios
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة “كيف تؤسس العلوم الخيرية التكافؤ بين البشر؟” والتي سوف نتحدث فيها عن العمل الخيري العملي وكيف بإمكانه خلق حقبة جديدة من الشراكة مع أصحاب البشرة الملونة، وسنتعرف إلى نهج “العلوم المدنية”.

حان الوقت ليتعاون العمل الخيري العلمي مع نهج التواصل لخلق حقبة جديدة من الشراكة مع المجتمعات من أصحاب البشرة الملونة.

عندما أُعلن رسمياً أن “كوفيد-19” هو جائحة في مارس/آذار من عام 2020، أطلقت عالمة الاجتماع ألوندرا نيلسون، مجموعة قائمة على التعهيد الجماعي من مصادر متعددة التخصصات لوضع “كوفيد-19” في السياق التاريخي والثقافي. في الأسابيع التالية، أضاف “مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية” (Social Science Research Council)، برئاسة ألوندرا، مبادرات لتطوير رؤىً حول جذور الأزمة، وآثارها على المجتمعات، وتأثيراتها غير المتناسبة على مجتمعات أصحاب البشرة الداكنة والأميركيين الأصليين واللاتينيين. تضمنت بعض المبادرات سجلاً يتتبع الأبحاث المتعلقة بجائحة “كوفيد 19″، وتحليلاً للمعلومات المضللة حولها، وإفادات مباشرة من طلاب جامعة “بروكلين” في المجتمعات التي كان تأثير الجائحة شديداً عليها.

قالت ألوندرا بعد أن عينها الرئيس جو بايدن في يناير/كانون الثاني أول نائب لمدير العلوم والمجتمع في مكتب البيت الأبيض لسياسات العلوم والتكنولوجيا: “أعتقد أننا نتحمل مسؤولية التعاون لجعل سياستنا العلمية والتكنولوجية تمثلنا جميعاً، تمثل من نحن عليه فعلاً معاً. لدينا فرصة رائعة أمامنا لتناول سياستنا العلمية والتكنولوجية بأساليب صادقة وشاملة، لنستخرج القوة الكاملة لمجتمعاتنا وتجاربنا ومخاوفنا وتطلعاتنا، ونحن نفكر ملياً في الأشكال الناشئة للعلوم والتكنولوجيا”.

تتطلب تلبية هذه الفرصة وتحمل المسؤولية ترسيخ التنوع والمساواة والشمول (DEI) في بنية العلم، وهو تحدٍّ يدعو إلى تعاون غير مسبوق بين المجالات والمجتمعات وأنواع المعارف. ستساعدنا اللغة والتواصل على بناء تلك الروابط، وتستند التعريفات التي نستخدمها إلى العمل القائم على التواصل من خلال “كوميونيكيشنز نيتوورك” (Communications Network)، وهي مؤسسة رائدة تضم قادة مجال التواصل في القطاع الاجتماعي. إذ نعني بالمساواة التركيز على تعزيز الفرص للجميع من خلال تغيير العوامل الهيكلية الطويلة الأمد التي تفيد بعض الفئات الاجتماعية وتضر البعض الآخر. ونعني بالشمول التعاون من أجل إقامة شراكات صادقة لتوليد المعرفة وتصميم الحلول التي تعزز الانتماء. ونعني بالتنوع انعكاساً لاختلافات المجتمع، وهذا يشمل العِرق والنوع الاجتماعي والقدرة والحالة الاجتماعية والاقتصادية والديانة. عندما نجمع هذه العوامل في نهج التنوع والمساواة والشمول، فإن الهدف الذي تحتج به ألوندرو هو ضمان أن علومنا وتكنولوجيتنا تمثلنا جميعاً. فكيف يمكن أن يلبي العمل الخيري هذه الفرصة لتصحيح المسار الضروري والمتأخر؟

يعمل عدد متزايد من فاعلي الخير المهتمين بالعلوم على تطوير مبادرات لتعزيز نهج التنوع والمساواة والشمول في مؤسساتهم، والمؤسسات التي يدعمونها، وفي العلوم والمجتمع على نطاق واسع. وفي الوقت ذاته، تحفز الأزمات الجديدة والمتفاقمة -من ضمنها جائحة “كوفيد-19″، والتحيزات في الذكاء الاصطناعي، والظواهر المناخية الكارثية التي تفاقمت بسبب التغير المناخي- فاعلي الخير الذين استثمروا في العدالة الاجتماعية لإيلاء اهتمام أكبر لقضايا المساواة المتعلقة بالتصميم وتطبيق العلوم الناشئة.

يتطلب الجمع بين وجهات النظر والموارد المتنوعة من أجل التعلم المشترك واتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لتحقيق المساواة العديد من مجالات المعرفة المختلفة، بما في ذلك مجال خبرة المؤلفين المشاركين: التواصل العلمي والمشاركة مع مجتمعات محددة. سنستفيد في هذه المقالة من عمل الباحثين والعلماء والمسؤولين عن التواصل والمجتمع المتنامي من المبتكرين الذين يعملون في نقطة التقاء العلم والمجتمع لتقديم إطار عمل لمساعدة فاعلي الخير على رفع مستوى نهج التنوع والمساواة والشمول في دعمهم لأبحاث التواصل العلمي وممارساته.

كل أشكال التنوع مهمة لتحقيق المساواة في العلم. سنركز في المقالة على العرق والإثنية؛ لأن التمييز المنهجي والإقصاء المبني على العرق والإثنية هما السببان الرئيسان لأوجه التفاوت في الولايات المتحدة. يرتبط تعزيز المساواة العرقية في العلوم بالعمل الذي يجري في جميع أنحاء المجتمع؛ لأن الاحتجاجات وتنظيم المجتمع الذي يحفزه عنف الشرطة الموجه ضد أصحاب البشرة الداكنة والهجمات الموجهة ضد الأميركيين الآسيويين تدفع المؤسسات إلى إعادة تقييم ردود أفعالها تجاه العنصرية المنهجية.

لا يتطلب التغيير الخيري الهادف إلى معالجة الإقصاء الطويل الأمد للأشخاص الملونين اتخاذ إجراءات فورية فحسب، إنما يتطلب أيضاً نهجاً لصياغة الإجراءات التي تركز على نهج التنوع والمساواة والشمول. يهدف إطار العمل الذي نقترحه إلى دعم هذا النوع من النهج الشامل الذي يتمحور حول المساواة لكل من المشاركة في العلوم المدنية والعلمية.

5 نُهج في العلوم المدنية

يطور إطار العمل هذا مقالة “منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي” (Stanford Social Innovation Review) المنشورة في عام 2018 بعنوان “حتمية العلوم المدنية” (The Civic Science Imperative)، التي شارك في تأليفها اثنان من المساهمين في كتابة هذه المقالة. وصفت المقالة حاجة العمل الخيري إلى الاستثمار في العلوم المدنية، إذ ورد فيها: “مشاركة عامة واسعة في القضايا التي تنشأ في نقاط الالتقاء الكثيرة بين العلم والمجتمع”. في المجتمعات التي ينجح فيها انخراط العلوم المدنية: “يؤدي العلماء أدواراً فاعلةً بصفتهم مواطنين، ويجعل العديد من الأفراد المنتمين إلى مختلف ميادين الحياة الاستفادة من العلم جزءاً من عمليات صناعة القرار، والبيئة التي يتواصل فيها الناس حول العلم هي مساحة شاملة للجميع لحل المشاكل والاكتشاف العام”.

سلط المقال الضوء على 5 نهج تُتبَّع في العمل الخيري لتعزيز المساعي الجديدة في العلوم المدنية: 1) دعم التواصل والمشاركة العلمية الفعالة. 2) الاستفادة من القوة التي يضفيها تنوع التحالفات. 3) بناء القدرات للتعامل مع الأهداف المتحركة. 4) التركيز على القيم المشتركة. 5) تطوير علاقات موثوقة من خلال الأبحاث التطبيقية وحلقة تبادل المعلومات.

يتطلب التواصل العلمي الهادف والشامل الإصغاء الفعال إلى أصوات الأشخاص الأكثر تضرراً من عدم المساواة.

في السنوات الثلاثة التي أعقبت إصدار مقال “حتمية العلوم المدنية”، أسست عدة مؤسسات خيرية ومنظمات أخرى استثمارات تعاونية لتجريب هذه النُهج. شكلت مؤسسات “ريتا ألين فاونديشن”، و”بوروز ويلكم فَند” (Burroughs Wellcome Fund)، و”كافلي فاونديشن” (Kavli Foundation)، و”غوردون آند بيتي مور فاونديشن” (Gordon and Betty Moore Foundation)، و”ديفيد آند لوسيل باكارد فاونديشن” (David and Lucile Packard Foundation)، ومبادرة “تشان زوكيربيرغ” (Chan Zuckerberg)، تعاونية الممولين باسم “العلوم في المجتمع” (Science in Society). عقدت التعاونية شراكةً مع 15 مؤسسة تعمل في نقاط التقاء العلم مع المجتمع في عام 2020 -من متاحف العلوم ووسائل الإعلام إلى الجمعيات العلمية والأوساط الأكاديمية- لإطلاق برنامج “زمالة العلوم المدنية” (Civic Science Fellows)، (ارتبط ثلاثة مؤلفين شاركوا في كتابة هذه المقالة رسمياً بالبرنامج، أحدهم بصفة المنظم والشريك الممول واثنان بصفة المستشارين). يختبر البرنامج كيفية بناء شبكة تدعم القادة الذين ينتمون إلى عدة خلفيات مهنية وديموغرافية -وهم نجوم صاعدون في العلوم والإعلام والتعليم والمشاركة المدنية وغيرها من المجالات- وتحقيق استدامتها في أثناء استكشافهم لنُهج جديدة مبينة على الأدلة في علوم التواصل والمشاركة المجتمعية، للمشاركة في إنشاء روابط قوية وشاملة بين العلم والحياة المدنية.

كانت إحدى النقاط المحورية التي تعلمناها خلال تلك السنوات أن النُهج الموضحة في المقالة التي صدرت في عام 2018 والأسلوب الذي يدعمها لا يطرح العقبات التي تقف في وجه تطبيق العلوم المدنية الشاملة بصورة كافية، والتي تفرضها العنصرية المنهجية والتمييز ضد ذوي الاحتياجات الخاصة والطبقية وكراهية الأجانب. دون التحويل المقصود للعمل الخيري العلمي والتواصل العلمي لإدراج نُهج تعزز المساواة العرقية، لن نكون قادرين على تأسيس تواصل علمي فعال ومشاركة علمية، وتحالفات متنوعة، وقيم مشتركة، وعلاقات موثوقة، ولن نمتلك القدرة والرؤى لتكييف عملنا في فترات الأزمات. تعد العلوم المدنية التي تركز على المساواة أساساً ضرورياً لتأسيس العلم والتكنولوجيا اللذين يحققان أقصى إمكاناتهما بغاية خدمة الصالح العام- وهي ضرورية أيضاً لتخفيف أوجه عدم المساواة التي تحد من الاستفادة من المزايا العامة للصحة والتعليم والفرص والعدالة. وكما كتب قائد القطاع الاجتماعي “فو لي” على مدونته “الأعمال غير الهادفة للربح أيه إف” (Nonprofit AF)، فإن المساواة ليست “المكمّلة” ‘للعمل الفعلي'”، بل هي العمل الفعلي بحد ذاته.

سنطرح إطار العمل في الفقرة الآتية بصفته الشرط الأساسي لتطبيق نُهج العلوم المدنية الخمسة. للتأكيد على ضرورة التشارك في بناء المعرفة وإيجاد الحلول من البداية، فإننا لا نرسم مساراً محدداً للعمل الخيري، بل نطرح مجموعة أسئلة لتحث على التفكّر. ونأمل أن تحفز هذه الأسئلة تعزيز التبادل الذي سيسهم في صياغة التفاهم والعمل الجماعيَّين.

إطار عمل للتفكُّر

لتحقيق تطلعات العلوم المدنية المشتركة والشاملة، يجب أن تكون المجتمعات التي كان العلم والتكنولوجيا يهملانها محور سعي العمل الخيري واهتمامه. يتطلب ذلك الاستثمار في شبكات علاقات تقدر المساواة، وفي أشخاص قادرين على ربط مجتمعات شتى وأنواع مختلفة من المعرفة، والمشاركة التي تؤدي إلى تحولات في موازين السلطة. سنبدأ بدراسة هذه العناصر الرئيسية، ثم نطلع على 3 مجالات من التحديات التي تواجه العمل الخيري والفرص المتاحة أمامه والتي تتجاوز هذه الاعتبارات: زيادة التنوع العرقي في العلوم ومجال العمل الخيري، وترسيخ عملنا في التعلم المبني على الأدلة، وإنشاء أنظمة مساءلة.

كيف نركز على الفئة المحرومة؟

ينشأ اتفاق متزايد بين الباحثين في مجال التواصل العلمي وممارسيه على أن العلم والتواصل العلمي يجب أن يكونا أكثر تنوعاً وشموليةً، من ناحية القوى العاملة والذين يخدمونهم. يجب على الأفراد والمؤسسات والشبكات مواصلة عملية تحديد المجموعات التي استُبعدت، وتحمل مسؤولية جعل تحقيق نتائج إيجابية لصالحها أولويةً لهم. هذا العمل متجذر في التواصل، وفي الكلمات والروايات التي نستخدمها لتحديد أولوياتنا، وتصور مسارات التغيير، وإقامة علاقات تعاونية لتحقيقها.

درس تقرير “العرق والتمييز العرقي” الذي أصدرته منظومة “شبكة التواصل” (Communications Network) في عام 2020، أحد التحديات والفرص المتعلقة بالحاجة إلى تطوير العلوم المدنية، وهو: التواصل بطريقة مباشرة وواضحة أكثر حول التمييز العرقي بأساليب تعزز المساواة العرقية. أشار التقرير إلى أن مؤسسات القطاع الاجتماعي تفشل غالباً في اتباع الأسلوب الذي يهدف إلى القضاء على العقليات العنصرية، حتى في أثناء “بذل جهود كبيرة لوصف التزامها بنهج التنوع والمساواة والشمول”. تقول كارمن أندرسون، مديرة قسم المساواة والعدالة الاجتماعية في مؤسسة “هينز إندومينتس” (Heinz Endowments): “إن تغيير أساليب التواصل لتناول التمييز العرقي يقتضي بناء المعرفة والمهارة والالتزام بالتغلب على المشقة. وتضيف: “يخشى العديد من الأشخاص ذوي النوايا الحسنة التحدث عن موضوع العرق بالذات، خشية أن يقولوا أو يفعلوا أمراً خاطئاً، أو لأنهم لا يعتقدون بوجود مشكلة على الإطلاق”. وتؤكد أنه ما دام “التمييز العرقي متفش ودائم… فإننا سنحقق تقدماً ضئيلاً”. إذا بقي العمل الخيري عاجزاً أو غير عازم على معالجته بأسلوب مباشر. “قد يصعب الإصغاء إلى الألم والغضب الذي تعبر عنه مجتمعات أصحاب البشرة الملونة، وإدراك ما يعنياه ما لم يوجد التزام صادق بمواجهة التحيز والكراهية، واحترام تجاربهم التي تختلف عن تجربتك، وفهم البيانات الحالية والتاريخية وتداعياتها”.

وأشار التقرير أيضاً إلى أن الناشطين “رسموا حدوداً لنا جميعاً، تمنع الأعمال التجارية من مواصلة العمل بالأسلوب المعتاد دون أن تحسب حساب التمييز العرقي وكيف يتمثل في بيئات عملنا، وتديمه القرارات التي نتخذها أو نفشل في اتخاذها في العمل”. لتلبية هذه المتطلبات، تقدم “شبكة التواصل” أدوات تستخدمها المؤسسات لصياغة الاستراتيجية والتواصل الخارجي وترويج العلامة التجارية والفعاليات والأبحاث لمواجهة التمييز العرقي مباشرةً من خلال التواصل، وضمان شمول جميع المجموعات العرقية.

يفتقر التواصل العلمي غالباً، الذي يشمل المساعي التي يمولها العمل الخيري، إلى استراتيجية شاملة عندما يستهدف الجمهور “العام”. وفي تلك الحالة، تتوفر هذه المساعي وتفيد في الدرجة الأولى الأفراد الذين يملكون وفرةً بالمعلومات أصلاً من الناحية الديموغرافية، الأفراد الذكور الأكثر بياضاً الذين نالوا تعليماً أكثر من جميع سكان الولايات المتحدة. بغض النظر عن النية، قد يرسخ ذلك التمييز العرقي الهيكلي والطبقية التي تميز بعض فئات الناس عن غيرهم. على سبيل المثال، يرجَّح أن يكون متابعو الأخبار العلمية ذكوراً وأصحاب شهادات جامعية، وتجذب المتاحف العلمية عادةً زواراً على درجة عالية من التعليم، وعموماً يمثل أصحاب البشرة البيضاء الشريحة الأكبر من زوار المتاحف في الولايات المتحدة، وهي قضية مساواة يسعى عدد متزايد من المتاحف إلى معالجتها. وحتى المحتوى الإعلامي المصمم للوصول إلى شرائح أوسع من الشرائح المعتادة -مثل إعادة عرض المسلسل التلفزيوني الشهير “كوزموس” (Cosmos) في عام 2014 لعالم الفلك كارل ساغان الذي كان يعرض في عام 1980، بطولة عالم الفيزياء الفلكية نيل ديجراس تايسون- نادراً ما يتجاوز الشرائح التي تمتلك أدوات وامتيازات في المعلومات.

لا تكمن المشكلة ببساطة في ضمان الوصول المتكافئ إلى وسائل التواصل العلمي. فقد درس علماء الاجتماع الظاهرة المعروفة باسم “فرضية الفجوة المعرفية” لعقود من الزمان، بالنظر إلى نفس مصادر المعلومات الجديدة، فإن أولئك الذين يحتلون درجةً أعلى في الأوساط الاجتماعية والاقتصادية، يدركون عادةً هذه المعلومات بكفاءة أكبر من أولئك الذين يكون ترتيبهم أدنى اجتماعياً واقتصادياً، وهذا فارق يفاقم تفاوت المعرفة العلمية. بدلاً من نهج موحد يناسب الجميع، يشير بحث في التواصل العلمي إلى ضرورة تحديد جماهير معينة تستهدفها قضايا محددة بوضوح بغاية التواصل مع قيمهم وتفضيلاتهم لتلقي المعلومات.

لتجنب تفاقم أشكال عدم المساواة، يمكن أن يضمن العمل الخيري أن مساعي المشاركة العلمية التي يدعمها تتفاعل مع المجتمعات التي لا تمثل تمثيلاً كافياً منذ البداية، وأن تشمل التشارك في تصميم أهداف تلك المشاركة ونُهجها، وتعيين خبراء في القيم والأولويات وأنماط التواصل ضمن مجتمع معين، واختبار أفضل وسائل الوصول إلى شرائح مختلفة من المجتمع، سواء من خلال التعليم الرسمي أو غير الرسمي، أو وسائل الإعلام الرئيسية أو البديلة، أو من خلال الترفيه أو التحليل. يتطلب تغيير الهيكليات المصممة لاستبعاد الناس من الوصول إلى مناهل المعرفة تضافر جهود العلماء والمسؤولين عن التواصل، وذلك من خلال تضمين آرائهم وعملهم ووجهات نظرهم بشكل فعال.

وتتطلب صياغة هذه النُهج الاعتراف بالخبرات المتنوعة التي يضفيها الأشخاص والنابعة من تجاربهم الشخصية، وضمان أن يكون لديهم وكالة تمثلهم وليس فرداً واحداً. عندها تُثري رؤاهم الملاحظات والقيم التي يرجع إليها المسؤولون عن التواصل، والمنصات التي يستخدمونها، والأهم من ذلك كله، الأسئلة التي يتدارسها العلماء وطريقة إجراء أبحاثهم.

على سبيل المثال، كوّنت احتياجات المجتمع التواصل المبني على العلم والعمل التعاوني لمختبرَي “أسيليدورا دو إنوفاسيون بارا لا برايمييرا إنفانسيا” (Aceleradora de Innovación para la Primera Infancia) في المكسيك و”آيلاب برايمييرا إنفانسيا” (iLab Primeira Infância) في البرازيل، وكلاهما مختبرات للابتكار الاجتماعي التي أنشأها “مركز جامعة هارفارد لتنمية الطفل” (Harvard University’s Center on the Developing Child) ومنصة “آفاق الابتكار” (Frontiers of Innovation) بهدف البحث والتطوير. تطور هذه المبادرات الشراكات المحلية، وتتابع الاستفسارات الإثنوغرافية، وتتشارك في إنشاء إجراءات لتحديد احتياجات المعلومات المجتمعية ومعالجتها بشكل فعال. ضمت البرامج الناتجة التكنولوجيا والمعلومات المستخلصة من مساهمات أفراد المجتمع عن الأولويات التي حددوها. يتضمن ذلك روبوت الدردشة (تشات بوت) الذي يصل إليه المدرسون في مرحلة رياض الأطفال عن طريق تطبيق “واتساب” (WhatsApp) لدعم التعلم المبني على اللعب وتنمية المهارات اللغوية في مرحلة مبكرة. توفر مبادرة أخرى تدريباً يعتمد على الهاتف المحمول والاقتراحات العملية المقدَّمة للمعلمين في مراحل التعليم المبكر للحد من التوتر الناتج عن التمييز العرقي والتفرقة في مرحلة الطفولة المبكرة، وخاصة بالنسبة للأطفال ذوي البشرة الداكنة.

اقرأ الجزء الثاني من المقال: كيف بالإمكان بناء ثقافة شاملة وعادلة حول العلم والمشاركة العلمية؟

اقرأ الجزء الثالث من المقال: كيف يمكن دعم التغيير المنهجي لتحقيق المساواة العرقية؟

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.