كيف تنطلق مبادئ العمل الخيري من المحلية إلى العالمية؟

6 دقائق
شبكة (PAL)
shutterstock.com/Rawpixel.com

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "مبادئ العمل الخيري الدولي الفعال والمؤثر" والتي تُقسم إلى 3 أجزاء. تحدثنا في جزئها الأول عن أهم أشكال العطاء العالمي وأهمية العطاء الدولي لدعم المجتمعات. وفي جزئها الثاني بدأنا في توضيح ما هي "شبكة العمل الشعبي من أجل التعلم" (PAL Network) أو شبكة (PAL) وكيف يبدو العمل الخيري الموجه عالمياً (ومحلياً أيضاً). واليوم في الجزء الثالث من السلسلة نستكمل الحديث حول العمل الخيري الموجه عالمياً ومحلياً.

3. الانطلاق مما هو متناسب محلياً للتأثير على الأجندة العالمية

إن مجال التنمية الدولية مليء بمحاولات "التأثير على الأجندة العالمية" في المحادثات بين الفاعلين "العالميين" والفاعلين "العالميين" الآخرين. ينبغي أن تتجذّر في مثل هذه المحادثات الاحتياجات الحقيقية للأشخاص، والمنظمات غير الحكومية المحلية، لا سيما تلك المرتبطة بمحادثات دولية وإقليمية وعالمية من خلال الشبكات الرسمية، ويمكن أن تكون مصدراً لا يقدر بثمن للإلهام والمعلومات حول الإجراءات التي يمكن للجهات الفاعلة الدولية اتخاذها للتأثير بشكل هادف على الحياة وسبل العيش.

بدأت شبكة (PAL) بمشكلة متناسبة محلياً، وهي حقيقة أن العديد من الأطفال المرتادين للمدرسة لم يكونوا يتعلمون القراءة والحساب، وعملت على معالجتها في بلدها. وعندما تواصلت مع المؤسسات الأخرى التي كانت تتعامل مع قضايا مماثلة في بلدانهم واجتمعوا معاً كشبكة (PAL) ليتعلم بعضهم من بعض، أدركوا أن القضايا التي كانت متناسبة محلياً في كل دولة منها كان لها صدى عالمي أيضاً. ومعاً تمكنوا من بناء جسر يصل بين الجهود المحلية والتأثير العالمي. فعلى سبيل المثال، عملوا على ضمان أن تتضمن أهداف التنمية المستدامة أهدافاً تعليمية تركز على تعلم الأطفال - وهو تحسين على أهداف التنمية المعتمدة للألفية السابقة التي نظرت فقط فيما إذا كان الأطفال قد التحقوا بالمدرسة وأكملوا صفوفهم الدراسية.

كانت دعوتهم مرتبطة بالواقع المُعاش من قبل المواطنين في بلدانهم، ما جعل التغيير الذي كانوا يحاربون في سبيل تحقيقه مهماً وذا مغزى.

يمكن أن يلعب الممولون دوراً مهماً في تيسير هذه الجهود بما يتجاوز مبالغ التمويل التي يقدمونها. فعلى سبيل المثال، في حالة شبكة (PAL)، عمل مسؤولو البرامج من مؤسسة هيوليت بنشاط لجمع أصوات المؤسسات الأعضاء على طاولة المفاوضات في المحافل "العالمية" حيث كان المموّلون يمتلكون اتصالات جيدة، ولولا ذلك لكان من الممكن استبعاد مثل هذه الجهود.

إن منهجية تغيير السياسات التي تنطلق من الأسفل إلى الأعلى هي إحدى السمات المميزة أيضاً لعمل شبكة (WIEGO). فقد أدركت شبكة (WIEGO) أهمية معايير العمل للنساء العاملات في القطاع غير الرسمي استناداً إلى عملها مع العمال في الجهات غير الرسمية لمدة فاقت عقداً من الزمن. حيث دعمت (WIEGO) في عام 2016 على سبيل المثال بعض العمال الأكثر احتياجاً في أكرا، وهم نساء كاياي (النساء اللواتي تنقلن الأحمال على رؤوسهن)، وأسست بنجاحٍ حملةً من أجل إنهاء رسوم العمل اليومية، ما يؤكد أن عمال الجهات غير الرسمية يجب ألا يتحملوا جميع التكاليف والمخاطر المرتبطة بأعمالهم. كما دعمت (WIEGO) العمال في الجهات غير الرسمية لضمان الوصول الموسع للضمان الاجتماعي وحسنت البنية التحتية والخدمات في الأسواق. باستخدام مبادئ من هذه الالتزامات - مثل أن المسار إلى إضفاء الطابع الرسمي يجب أن يكون داعماً وليس عقابياً - دعت (WIEGO) منظمة العمل الدولية لاعتماد توصية منظمة العمل الدولية رقم 204، وهي معيار العمل الدولي الأول على الإطلاق المخصص للاقتصاد غير الرسمي، وخارطة طريق السياسات التي تسهل الانتقال من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي في الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية البالغ عددها 186 دولة.

تتضمن التوصية العديد من المطالب التي قدمتها "منصة شبكة WIEGO"، وهي خارطة طريق للسياسة تم إنشاؤها بالاشتراك مع مؤسسات العمال غير الرسمية من أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، مثل: الحقوق والضمانات والحوافز للعمال غير الرسميين، وذلك لإضفاء الطابع الرسمي والاعتراف بأهمية وجود بيئة قانونية وسياسية ودية، وديمومة الوظائف الرسمية وتوسيعها والحماية من إضفاء الطابع غير الرسمي على الوظائف الرسمية، والاعتراف بالفضاء العام كمكان عمل، وتوسيع الحماية الاجتماعية للعمال غير الرسميين، بما في ذلك تغطية التأمين الاجتماعي والصحة والسلامة المهنية، والاعتراف بضرورة تمثيل المؤسسات القائمة على العضوية للعمال غير الرسميين في مفاوضات أو مشاورات ثلاثية حول القضايا التي تمسهم.

يساعد عمل المؤسسات أمثال شبكة (PAL) و(WIEGO) على تحقيق الوعود وإلزام الهيئات العالمية بالاستفادة من مجتمعات الخبراء في الأماكن التي من المفترض أن يكون عمل المؤسسات متناسباً معها. كما يوضح أهمية وضع جداول العمل محلياً، وحشد الدعم عالمياً.

4. تيسير التعلم المستمر والتبادل المشترك الذي يعتمد على أنواع متعددة من المعرفة والخبرة

غالباً ما يفترض الممولون أن المؤسسات القائمة في البلدان منخفضة الدخل تحتاج إلى خبرات خارجية في سبيل القيام بعملها. وبينما لا ضير في تحصيل الدعم الخارجي من أجل التعلم، يكمن خطر التركيز المحموم على "بناء القدرات" في حقيقة أن الممولين قد يفشلون في التعرف على نقاط القوة العديدة لهذه المؤسسات واستغلالها: مثل الفهم العميق للحاجات المحلية، وأنواع الحلول التي قد تنجح في حل المشكلة، والاقتصاد السياسي في بيئة العمل، وغيرها الكثير. وعندما يستخدم الممولون التقييمات للمساءلة أو لأهداف بيروقراطية، فربما كانوا يلبون حاجاتهم الشخصية عوضاً عن توفير فرصة للتعلم للمؤسسات لتتمكن من تكرار التجارب وتحسينها.

إن الممولين الذين يرون أن كل منظمة لديها شيء لتتعلمه وشيء لتعليمه (بما في ذلك للممول!)، يفتحون مساحة لتبادل ثري وهادف مشترك. وقد تعلمت مبادرة مراكز التفكير هذا الدرس في منتصف الطريق. ففي البداية، قدمت المبادرة جلسات بناء قدرات للحاصلين على المنح ضمن الشبكة. ووجدت أن قادة مراكز التفكير لم يكتسبوا الكثير من هذه الجلسات بقدر ما كانوا يكتسبون من المحادثات مع مسؤولي البرامج وأقرانهم في مراكز الأبحاث الأخرى؛ لذلك تحولت المبادرة من تقديم جلسات بناء القدرات إلى تيسير جلسات التبادل بين الأقران، التي وجدها قادة مراكز التفكير أكثر فائدة. ساعدت جلسات تبادل الأقران بين مراكز التفكير على تيسير نشر الأفكار الناجحة مثل إثراء النقاش الانتخابي في أمريكا اللاتينية.

ينتشر الدعم ضمن شبكة (WIEGO) أفقياً عبر فرق المدينة المختلفة التي تتبادل الحوارات حول مجالات المواضيع، والاجتماعات ربع السنوية داخل البلدان التي تجتمع فيها جميع القطاعات، والاتصالات بين الزملاء عندما يحتاجون إلى الدعم. يوجد فريق صغير واحد لشبكة (WIEGO) داخل الدولة، إلا أنهم قادرون على الاستفادة من الشبكة العالمية الكبيرة للحصول على الدعم التقني الموجه، سواءً في مجالات محددة أو عندما تطلبه الفرق المحلية. وهذا الأمر يضع كل الأعضاء ضمن شبكة (WIEGO) على سوية واحدة. وبشكل مشابه يتعلم أعضاء شبكة (PAL) من بعضهم البعض، وكما أشار أحد الأعضاء: "تهتم شبكة (PAL) بالمحبة كما تهتم بالتعلم. فهي تقوم بإثارة المشاعر بطريقة لا يفعلها البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA) [وهو برنامج تقييم دولي كبير ضمن المنظمة الدولية للتعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)]".

بالإضافة إلى التبادل المشترك، يعد تمويل التقييمات الخارجية والبحث أداة أخرى لتسهيل التعلم المستمر داخل المؤسسات عندما يتم إثراء البحث باستخدام مدخلات المؤسسة التي يتم تقييمها. فقد استفاد أعضاء شبكة (PAL) من بحث أجراه فريق من جامعة كامبريدج ومُوِّل بأموال المنحة. نظر البحث في كيفية استخدام تقييمات التعلم التي أنشأها أعضاء الشبكة لحث الإجراءات التي من شأنها تحسين هذه النتائج. ووجدوا فرصاً لربط التقييمات التي يقودها المواطنون بالإجراءات التي يقودها المواطنون، ما شجع شبكة (PAL) على دعم أعضائها وتشجيعهم ليتعلموا المزيد عن برامج مثل برنامج التدريس على المستوى الصحيح (Teaching at the Right Level).

يمكن لوجهات النظر الخارجية أن تكون مفيدة، إلا أن الأمر الأساسي الذي يتعين على الممولين فعله هو فهم أن كل مؤسسة تمتلك شيئاً لتتعلمه وشيئاً لتُعلّمه، وأن المعرفة تأتي من مصادر مختلفة (الخبرات الحياتية والتحليل التجريبي مثلاً). وهذا يفتح آفاقاً واسعةً لإغناء التعلم والتكيف والتحسن على كافة الأصعدة.

نهاية الأعمال الاعتيادية

من السهل جداً على فاعلي الخير على مستوى العالم الوقوع في فخ افتراض أن الخبرة الغربية مطلوبة لجعل الأمور احترافية، وأن الأفكار الجيدة تتدفق فقط من "الشمال" إلى "الجنوب"، وأن المعايير الصارمة للمشروع مطلوبة لتحمل المسؤولية. في الواقع، غالباً ما تكون أفضل الخبرات مدمجةً ضمن السياق. يواجه العمال غير الرسميين في غانا إخفاقات السياسات والأنظمة الحالية وقد توصلوا إلى حلول مبتكرة في مجالات متنوعة مثل إدارة النفايات الصلبة وحقوق العمل. وقد غذّت المقترحات الشعبية المتدفقة من خلال شبكة (WIEGO) تشكيل القواعد والمعايير من الأسفل إلى الأعلى في الساحات السياسية العالمية. أما في حالة شبكة (PAL)، فإن تقييمات التعلم لديهم على وجه التحديد قد تم تطويرها ضمن الإطار الراهن حيث يمتلكون خصائص تجعلها أفضل - فهي بسيطة ومفهومة، ما يجعلها قابلة للتنفيذ. لا ينبغي أن تكون المعرفة معقدة لتكون ذات مغزى.

على الرغم من هذه الخصائص التي ميزت شبكة (PAL) وشبكة (WIEGO) ومراكز التفكير المحلية عن الجهود الأخرى، إلا أن إيجاد التمويل لعملهم لم يكن أمراً سهلاً. هل سيوفر كوفيد والدعوات إلى العدالة العرقية اضطراباً كبيراً بما يكفي لـزعزعة "إجراءات العمل الاعتيادية" بحيث يستطيع الممولون البدء في استكشاف أساليب جديدة؟

استفادت هذه المقالة من مدخلات مهمة مقدمة من روث ليفين، الرئيسة التنفيذية لشركة آي دي إنسايت (IDInsight)، وسومان بهاتاشارجيا، مدير الأبحاث في مركز (ASER)، وسارة لوكاس، مسؤولة البرامج في مؤسسة ويليام وفلورا هيوليت (William and Flora Hewlett Foundation).

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي